تحقيق - عبد اللطيف العتيبي:

قال خبراء في الإدارة إن ترجمة الكتب الإدارية هي البوابة الرئيسية التي من خلالها يمكن الاطلاع على ثقافات وفلسفات ومنجزات العالم قديمة كانت أو وحديثة منذ عهد الإغريق والرومان وحتى الحضارات القائمة في هذا العصر.



وأكدوا ل "الرياض" أن اللغة هي أحد أهم العوامل في مد جسور التواصل الثقافي والمعرفي بين الحضارات المختلفة والشعوب على اختلاف مستوياتها الدينية والعرقية والثقافية، معتبرين أن ترجمة الكتب وسيلة للحاق بالآخرين والبدء من حيث ما انتهوا به.



من جهته، اتهم أحمد الحميدان مدير عام الاستشارات في معهد الإدارة العامة بالرياض، الجامعات السعودية ومراكز البحث والترجمة باهمالهم للترجمة بشكل عام "وليس في الكتب التخصصية"، مبيناً اعتقاد البعض بأن الترجمة هي عبارة عن نقل للمعنى من لغة إلى لغة أو انها تتوقف على مجالات معينة فقط ، فيما أكد أن حقيقة الترجمة هي ثقافة قبل أن تكون نقل للمعنى و ترتبط بثقافة المجتمع المنقول منه فما يكون حسناً في مجتمع ما قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر، وعليه تبرز أهمية المترجم ومدى تمكنه وإلمامه ليس فقط بلغة المجتمع المترجم عنه بل وكذلك بثقافته.



ويعتقد الحميدان أن معظم ما ينشر من التراجم يتوافق مع بيئة المملكة الإدارية، وأن الترجمة غالبا ما تتم برعاية من جهات علمية وأكاديمية ومراكز للبحوث، وعلى ضوء ذلك يتم اختيار الكتب المرغوب ترجمتها من خلال لجان متخصصة وفقاً لعدد من المعايير من ضمنها ملائمة محتوى الكتاب لبيئة وثقافة المملكة، وبالتالي فإن نشاط الترجمة يعنى بنقل ما يستجد في المجالات الإدارية المختلفة وكذلك تجارب الدول المتميزة بغية إثراء الفكر الإداري في المملكة ومتابعة ما يستجد في هذا المجال.



وقال الحميدان أن الإدارة موضوع ذو صبغة عالمية لا تتعامل مع فئة معينة أو شعب معين، وضرب مثالاً "لا يجد الشخص كتاباً يتعامل مع السلوك الإنساني مخصص للصينيين فقط"، بل ربما تكون هناك كتب متخصصة مرتبطة ببعض التطبيقات الإدارية النظامية المختلفة عن ما هو مطبق في المملكة، معتبرا أن هذا بحد ذاته ليس سببا لعدم ترجمة الكتاب لأن التعرف على ما يفعل الآخرون حتى وان كان مختلفاً من ناحية نظامية وإجرائية عما هو مطبق لدينا هو أمر مهم ومفيد إلا إذا كانت هنالك أمور مختلفة مع الثوابت.



وأشار الحميدان إلى أن نقل المعنى الصحيح للكتب الإدارية المترجمة يمر بعدة مراحل تبدأ بالتأكد من تمكن المترجم من الترجمة الدقيقة، يتبعها المراجعة العلمية للعمل بعد انتهاء ترجمته من قبل مراجع علمي متخصص يتم اختياره بدقة. إضافة إلى تدقيق العمل للتأكد من استيفاء جميع الملاحظات والتعديلات التي يقترحها المراجع العلمي إن وجد.



وأبان الحميدان انه لا يمنع من وجود بعض الكتب المترجمة لتكون أفضل من غيرها نظراً لاختلاف القدرات بين المترجمين والمراجعين في اللغتين المراد الترجمة منها والأخرى المراد الترجمة إليها. وفي كل الأحوال فإن اختلاف هذه القدرات يكمن تأثيره الأكبر في ظهور بعض الكتب بشكل سهل القراءة سريع الوصول للفكرة والمعنى المقصود من الكاتب الأصلي أكثر من الكتب أخرى.



وطالب الحميدان أن يكون التركيز على الكتب المتميزة من حيث المحتوي العلمي، وكذلك الكتب المنشورة حديثاً من دور النشر العالمية، إضافة إلى المقالات المتميزة في الدوريات العلمية المتخصصة.



بينما يرى يوسف القبلان مدير عام مركز اليمامة للتنمية الإدارية، أن ترجمة الكتب الإدارية نشاط بالغ الأهمية لأنها تفتح نافذة على تجارب مختلفة يمكن الاستفادة منها في بيئة العمل المحلية، مشيراً إلى أن أساسيات الإدارة واحدة والاختلاف بين تجربة وأخرى هو في الأساليب والإجراءات، والأنظمة واللوائح.



واعتبر القبلان أن ترجمة الكتب الإدارية أسهل من ترجمة الروايات والكتب الفلسفية، مبيناً أن دور النشر لا يمكن أن تخاطر بسمعتها لتقدم ترجمات ضعيفة.



وخلص القبلان إلى القول: إن الموضوعات التي يجب التركيز عليها في ترجمة الكتب الإدارية هي التجارب العملية فنحن لا نحتاج إلى مزيد من التنظير والنظريات، مضيفاً أن البيئة السعودية بحاجة إلى التعرف على تجارب الدول الأخرى والاستفادة منها، سواء التجارب الناجحة أو التجارب الفاشلة، معتبراً أنها تصلح لتكون مادة في الجامعات وفي معاهد التدريب ومهمة جداً في إثراء معارف المدراء ورجال الأعمال وتنمية مهاراتهم القيادية والإدارية.



وقال الدكتور محمد البكر أستاذ السلوك التنظيمي في معهد الإدارة العامة بالرياض: إن أدبيات الإدارة المنشورة سواء كانت بحوث أو كتب والتي تصدر عن الدول الغربية تعكس من حيث المفهوم والتطبيق المجتمعات الغربية، مؤكداً أنها تعالج مفاهيم ومبادئ في حقل الإدارة التي تتسم بالعمومية من حيث التطبيق والتوظيف.



ويعتقد البكر أن الكثير من الإنتاج العلمي في حقل الإدارة يمكن توظيفه في مجتمعنا ولا يتناقض مع البيئة السعودية من حيث التكوين والخصائص، مبينا انه قد يكون هناك قصور أو نقص في بيئة العمل الإداري في المملكة من حيث توظيف واستخدام المبادئ والأسس العلمية للإدارة في منظمات العمل لدينا، وأن هذا لا يعني أن حصيلة النتاج العلمي للإدارة لا يتوافق مع بيئتنا المحلية.



وأوضح البكر أن الإشكالية ليست في مغايرة أسس ومفاهيم الإدارة لمجتمعنا من منظور الفكر والثقافة إنما الإشكالية في الممارسة والتطبيق لدينا "سلوك الأفراد وثقافة منظمات العمل".



وأفاد البكر أن ترجمة الكتب الإدارية تحتوي على الكثير من القيم الإدارية الحديثة والتي إذا ما أخذنا فيها وعملنا بها سوف تعود علينا بالنفع الكبير من حيث الارتقاء بمستوى أداء وإنتاج المنظومة الإدارية في المملكة في القطاع العام والقطاع الخاص، لافتاً إلى أنها تبرز أهمية الاستفادة من الأدبيات الحديثة في الإدارة إذا ما علمنا أن التحدي الكبير التي تواجهه منظمات العمل في الوقت الحاضر يتمثل في مدى قدرتها على الاستمرارية والمنافسة في نفس الوقت، موضحا أن المنظمة بشكل عام يمكن أن تستمر لفترة قد تطول أو تقصر إلا أنها لا يمكن أن تكون منافسة إذا لم تأخذ بالمبادئ والقيم الحديثة للإدارة ، حيث أنه يمكن أن يطلق على العصر الحاضر بالنسبة لمنظمات العمل الدولية بأنه عصر الانفتاح والتنافس.



واستبعد البكر أن يعطي حكماً قاطعاً عن جميع الكتب المترجمة سواء كانت في حقل الإدارة العامة أو غيرها من حقول المعرفة، مؤكدا أن الترجمة إذا تمت من خلال آلية معينة ومحددة بحيث تتضح فيها معايير الاختيار المتعلقة بجودة وقيمة محتوى الكتاب وكذلك المعايير المتعلقة بقدرة وكفاءة المترجم، وبالتالي فإن وجود معايير دقيقة ومؤسسات تتبنى وتشرف على هذه المعايير، حتماً سيؤدي إلى جودة الكتب المترجمة من حيث المعنى والمضمون.



وعن مدى نقل الكتب المترجمة للمعنى الصحيح ؟ قال: "البكر هذا السؤال يتوقف على معايير متعلقة بالمترجم من حيث: اختصاص المترجم بالمادة العلمية المترجمة، القدرة اللغوية للمترجم، اللغة المترجم منها واللغة المترجم إليها، موضحاً أنها تبرز مدى أهمية وجود المعايير وتطبيقها في عملية الترجمة، إذا ما أردنا أن تكون الكتب المترجمة ذات معنى وبالتالي يمكن الاستفادة منها وتوظيفها في واقعنا الإداري".



وأبان البكر أن الذي يحدد نوعية المادة المترجمة "مقررات، كتب عامة، كتب تتعلق بالمهارات" هي قضية وموضوع الاحتياج وأين يكمن، مشيراً إلى أن الحقيقة في إطارنا المعرفي والثقافي على جميع هذه الأنواع، يكمن عند احتياج الجامعات السعودية إلى الكثير من المقررات الجامعية إضافة إلى أن بيئتنا الإدارية تحتاج إلى الكثير من كتب إدارة الأعمال والإدارة العامة.



ودعا البكر الجهات المسئولة بالاستفادة من المواضيع التي يمكن توظيفها في بيئتنا الإدارية منها: القيادة الإدارية، الموارد البشرية، التخطيط، السياسة الإدارية، فرق العمل، الإبداع في منظمات العمل، السلوك التنظيمي، والتنظيم، وغير ذلك من المواضيع الأخرى الهامة