من المهم أن نبدأ بالتنويه إلى أمراً شديد الأهمية لابد أن يعيه كل مسلم حتى لا يذهب ضحية للحضارات المادية وينسى ما قامت به الحضارة الإسلامية العظيمة من دور في رقي وتقدم البشرية جميعاً، حيث أن الحضارة الإسلامية قد تفوقت على هذه الحضارات فيما وصلت إليه من مكانة مرموقة من العلم والبحث والتفكير، لقد استطاعت الحضارة الإسلامية أن تحتل مكاناً عالياً من الفكر والعلم في مدة زمنية قصيرة وقد استمدت هذه الحضارة مكانتها العلمية والإدارية من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والسيرة النبوية العطرة. ثم ما سار عليه الخلفاء الراشدون ومن تلاهم من خلفاء المسلمين. فالقرآن الكريم هو الدستور السماوي الذي عُنى بمعالجة الأمور الدينية والدنيوية، وتحدث عن الإنسان وخلقه ومكانته وما له وتحدث عن الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية في السلم والحرب، وحث على طلب العلم والسعي إليه أينما كان. كما سن القرآن الجزاء والعقاب وما يجب على المرء فعله في دنياه وآخرته ليحصل على الجزاء ويتجنب العقاب. وقد تركت لنا الحضارة الإسلامية آثار زاخرة بما سارت عليه الدولة الإسلامية في التخطيط والتنظيم ، وتحديد الضرائب، وأعمال الجبايات والخراج، وتنظيم الجيوش، وأموال الدولة وطرق تحصيلها وإخراجه (أبو حيمد، 1428هـ: 27).
أن الإمبراطورية الإسلامية التي أسس أركانها النبي صلى الله عليه وسلم ودعمها من بعده الخلفاء الراشدون ومن خلفهم من خلفاء المسلمين استقرت قروناً طويلة، ولقد عرفت الإدارة الإسلامية مفاهيم الوظيفة العامة وكيفية توظيفها والأسس السليمة للخدمة المدنية. كما أنها طبقت مبدأ تكافؤ الفرص واختيار الأصلح في طلب الوظيفة العامة، كذلك فرقت بين عمالة "وظيفة" التفويض والتي تتطلب الاجتهاد في الرأي وعماله التنفيذ التي لا اجتهاد فيها، وهذه التفرقة هي التي عرفتها الإدارة الحديثة بصورة التفرقة بين وظائف الاستشارة ووظائف التنفيذ. ونظراً لاتساع الدولة الإسلامية فقد عرفت الإدارة العامة في الدولة الإسلامية مبدأ تفويض السلطات، وإعطاء الولاة على الأمصار سلطات مطلقة كوسيلة لتحقيق كفاءة الإدارة المحلية. كما عرفت نظام الحوافز وتحديد المسؤولية وروابطها بالوظيفة العامة، وعرفت أيضاً وسائل التدريب وتنمية الإداريين والعاملين في الدواوين، وتمثل الدواوين الأجهزة الإدارية التنفيذية التي تقوم على تنفيذ أوامر الخليفة ووزرائه وحكام الأقاليم. ولقد نمت الدواوين وتطورت بنمو الدولة الإسلامية وتعقد مشكلاتها وما صحب اتساع الدولة الإسلامية من نمو الحواجز ومراكز التجمع السكاني. ومع توسع الدولة ونمو البيروقراطية فيها تعددت الدواوين ولقد بلغت الذروة من التعدد والاتساع في العصر العباسي، فأصبح الجهاز الإداري للدولة العباسية جهاز بيروقراطياً متصلاً من الموظفين يبدأ من القمة بالوزير وينتهي بصغار المحررين والكتاب(النمر وآخرون، 1426هـ: 31).
ولقد تميز النظام الإداري للدولة الإسلامية بمحاولته التلاؤم مع ما جاء به الإسلام من تعاليم وإرشادات وأحكام، حيث مثل ولاية الحسبة وولاية المظالم محاولة تجريبية فائقة للرقابة الشاملة في النظام الإداري للدولة الإسلامية، حيث بلغا من الدقة والتقنين ما يوضح مدى تأثير مبادئ وأسس الشريعة الإسلامية على الفكر الإداري في الدولة الإسلامية. وعليه نجد أن الفكر الإسلامي بمثل أرقى مراحل التنظيم والنظريات الإدارية التي يتسم بها عن غيره من الفكر الإداري الحديث والمعاصر، ومن أهم هذه السمات والخصائص وجود علاقة قوية بين الفكر الإداري في الإسلام وبين العقيدة الإلهية وهو أمر تفتقر إليه نظريات الإدارة في عالمنا المعاصر، حيث لا ارتباط بين هذه النظريات بأي عقيدة أو إيمان أو أخلاق مما يجعلها تقف عاجزة عن تقديم تفسير مقنع أو إيجاد تقويم عملي لسلوك الفرد داخل الجماعة. في حين نجد أن الفكر الإداري الإسلامي يلتزم بالأخلاقيات والقيم الروحية والدينية مما جعل منه فكراً متكاملاً يصلح للتطبيق العملي في كل زمان ومكان، كما أن هناك العديد من المبادئ التي يُبنى عليها الفكر الإداري الإسلامي والتي تُستقى من الشريعة الإسلامية ومن أهم هذه المبادئ ما يلي: (النمر وآخرون، 1426هـ: 33-35).

1. مراعاة المسلم لدينه فيما يوكل إليه من مهام وأعمال وذلك لإحساسه بوجود رقابة عليا من الله سبحانه وتعالى، ورقابة ذاتية بوحي من ضميره الحي المستمد من العقيدة الدينية والقيم الروحية.
2. الأخذ بمبدأ الشورى في تعاملات الفرد المسلم مع رؤسائه ومرؤوسيه مما يدفعه إلى ضرورة المشاركة في المسؤولية تحقيقاً للمبدأ الإداري السلطة بقدر المسؤولية.
3. الاهتمام بالرقابة الذاتية وهو أقوى مبدأ رقابي عرفه الإنسان في تاريخه.
4. تطبيق مبدأ تقسم العمل، ومبدأ الجدارة والأمانة، ومبدأ اختيار الأصلح [إن خير من استأجرت القوى الأمين] ومن الأهمية القول أن مبدأ التحفيز الإداري قد قام من الإدارة الإسلامية على منح الموظف الأجر الذي يتناسب مع عمله مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه).

وخلاصة القول أن الفكر الإداري في الإسلام استند على القرآن الكريم وسنة الرسول الأمين واجتهاد العلماء والفقهاء وإجماع عامة المسلمين، فقد سبق الأفكار الإدارية المعاصرة بتعاليمه السمحة ومبادئه السامية.