لآثار* ‬الاقتصادية* ‬والاجتماعية* ‬لعمل* ‬المرأة* ‬العربية



❊ ‬بقلم*: ‬عز* ‬الدين* ‬مبارك



يعتبر* ‬العمل* ‬منذ* ‬الأزل* ‬العنصر* ‬الأساسي* ‬في* ‬انتاج* ‬الخيرات* ‬والمنافع* ‬الضرورية* ‬للانسان* ‬ومن* ‬خلاله* ‬تغلب* ‬على* ‬العوائق* ‬الطبيعية* ‬وتمكن* ‬من* ‬السيطرة* ‬عليها* ‬ووظفها* ‬لصالحه*.‬
ولم* ‬يكن* ‬العمل* ‬مخصصا* ‬للرجل* ‬أو* ‬المرأة* ‬إلا* ‬بقدرة* ‬أحدهما* ‬على* ‬الأنجاز* ‬والمردودية* ‬حسب* ‬طبيعة* ‬الذكر* ‬او* ‬الأنثى* ‬وفقا* ‬للظروف* ‬التاريخية* ‬وتطور* ‬المجتمعات* ‬والحاجيات* ‬على* ‬مر* ‬العصور*.


ففي المجتمعات القديمة الزراعية أساسا وبدائية التفكير وبساطة النظم لم يكن هناك جدل حول عمل المرأة. فالأسرة بكبيرها وصغيرها تفلح الأرض ولا تعرف الحدود والفوارق الجنسية في عملها اليومي سوى ان الأنثى لها دور الحمل والوضع والرضاعة وذلك من طبيعة الأشياء وخارج هذا* ‬الدور* ‬فهي* ‬تقف* ‬مع* ‬الرجل* ‬بالتساوي*.‬
وكانت* ‬المرأة* ‬حتى* ‬بعد* ‬أن* ‬بزغ* ‬فجر* ‬الاسلام* ‬تشارك* ‬الرجال* ‬الحروب* ‬والغزوات* ‬وتحمل* ‬السلاح* ‬وتقوم* ‬بأدوار* ‬كثيرة*.‬
وبما ان لكل شخص أنثى أو ذكر خصائص محددة ولد بها تمكنه عند الكبر بالقيام بأعمال معيّنة دون سواها وليست متعلقة أساسا بالجنس أو النوع. فالأنثى يمكن ان تكون لها بنية جسدية تمكنها من القيام بعمل شاق بخلاف رجل ضعيف البنية والشكيمة.
وفي* ‬السياق* ‬التاريخي* ‬والتطور* ‬الاقتصادي* ‬والاجتماعي* ‬ظهرت* ‬للوجود* ‬تيارات* ‬اسلامية* ‬وعلمانية* ‬أدلت* ‬بدلوها* ‬في* ‬قضية* ‬خروج* ‬المرأة* ‬للعمل*.‬
وانتقلت* ‬الأفكار* ‬حول* ‬هذا* ‬الموضوع* ‬من* ‬التشدد* ‬والغلوّ* ‬الى* ‬التسامح* ‬والإباحة* ‬المطلقة* ‬بحيث* ‬انتشرت* ‬المفاهيم* ‬المتناقضة* ‬احيانا* ‬والمتقاربة* ‬أحيانا* ‬أخرى*.‬
كما* ‬كثرت* ‬الفتاوي* ‬من* ‬كل* ‬حدب* ‬وصوب* ‬وكل* ‬يعتمد* ‬على* ‬حججه* ‬الشرعية* ‬من* ‬القرآن* ‬والسنة* ‬والانسانية* ‬والحداثة* ‬والحقوق* ‬الواجبة* ‬والمعاصرة*.‬
وبقيت المرأة لمرحلة طويلة من تطور المجتمعات العربية تواجه المصاعب والقرارات الفوقية في صمت وسكينة الى حين تطور الوعي العربي علي يد بعض المصلحين مثل محمد عبده والثعالبي وقاسم أمين والطاهر الحداد وبورقيبة وغيره.
وهكذا وفي ظرف مليء بالتحديات وبعد ان تم وضع المرأة ـ وخاصة في المدن ـ حبيسة الجدران تحت تأثير بعض شيوخ الفقه، فإنّ المرأة الريفية كانت اكثر تحررا واتساقا بالفضاء المفتوح وغياب الجدران والحاجة.
وبإنبلاج* ‬التحدي* ‬الاستعماري* ‬ورياحه* ‬العاتية* ‬على* ‬الموروث* ‬الديني* ‬والعقائدي* ‬والاجتماعي* ‬تذكر* ‬البعض* ‬ان* ‬بالبيت* ‬كائنا* ‬يمكن* ‬الاستفادة* ‬منه* ‬في* ‬مقارعة* ‬الأعداد* ‬الداخليين* ‬والخارجيين* ‬على* ‬حد* ‬السواء*.‬
لكن* ‬خروج* ‬التنّين* ‬من* ‬قمقمه* ‬يمثل* ‬تصدعا* ‬للمفاهيم* ‬السائدة،* ‬فترك* ‬هذا* ‬الامر* ‬ندوبا* ‬وصراعات* ‬بين* ‬العلمانيين* ‬ورجال* ‬الدين* ‬ما* ‬يزال* ‬لحد* ‬الساعة* ‬طحينها* ‬مسموعا*.‬
وقد اختفلت الدول العربية في تطورها الفكري حسب زعاماتها وأهداف مستعمريها فمنها من انغلق على نفسه باحثا عن السلامة والتشبث بالماضي واتقاء شرّ رياح التغيير الهدّامة ومنها من ركب صهوة الجدل والمخاطرة ومضى في طريق تحرير الحريم.
والكلّ* ‬خلال* ‬هذه* ‬المكاشفة* ‬يبحث* ‬عن* ‬النصرة* ‬امام* ‬معارضيه* ‬وخصومه* ‬فهناك* ‬من* ‬ترك* ‬القمقم* ‬منغلقا* ‬في* ‬انتظار* ‬الايام* ‬السعيدة* ‬وهناك* ‬من* ‬فكّ* ‬عقال* ‬الحبيس* ‬ونال* ‬شرف* ‬المحاولة*.‬
ومن* ‬يومها* ‬بقي* ‬الامر* ‬جدالا* ‬لا* ‬ينتهي* ‬وربحت* ‬المرأة* ‬حريتها* ‬وخرجت* ‬للنور* ‬لتشارك* ‬الرجل* ‬في* ‬المغامرة* ‬الوجدانية* ‬كما* ‬خلقت* ‬أول* ‬مرّة*.‬
وفي* ‬الاثناء* ‬فتحت* ‬قمائم* ‬اخرى* ‬والرحلة* ‬مازالت* ‬متواصلة* ‬لتصل* ‬في* ‬زمن* ‬قريب* ‬الى* ‬مداها* ‬المعلوم*.‬
كما* ‬ان* ‬التأثير* ‬الخارجي* ‬كان* ‬مؤثرا* ‬ايضا* ‬على* ‬صيرورة* ‬تحرر* ‬المرأة* ‬وخروجها* ‬للعمل* ‬وتحقيق* ‬المساواة* ‬والتمتع* ‬بالحقوق* ‬التي* ‬جاءت* ‬بها* ‬الديانات* ‬جميعا* ‬وخاصة* ‬الاسلام* ‬الحنيف*.‬
ونذكر* ‬في* ‬هذا* ‬المجال* ‬الاعلان* ‬العالمي* ‬لحقوق* ‬الانسان* ‬والتوصيات* ‬الأممية* ‬للقضاء* ‬على* ‬التمييز* ‬ضد* ‬المرأة*.‬
وفي الربع الأخير من القرن الماضي وبعد ان قطعت المرأة أشواطا كبيرة في التعليم والتدريب السياسي والمجتمعي أخذت مصيرها بنفسها فتكاثرت في اغلب الدول العربية الاتحادات النسائية والمنظمات الناشطة في هذا المجال وذلك بمباركة المجتمع المدني ومساندته.
الآثار* ‬الاقتصادية* ‬لعمل* ‬المرأة* ‬العربية
في* ‬بدايات* ‬استقلال* ‬الدول* ‬العربية* ‬لم* ‬تكن* ‬المرأة* ‬موجودة* ‬في* ‬سوق* ‬الشغل* ‬الا* ‬بنسبة* ‬ضئيلة* ‬فحتى* ‬الرجل* ‬في* ‬ذلك* ‬الوقت* ‬لم* ‬يكن* ‬متعلما* ‬بما* ‬يكفي* ‬لتسلم* ‬الوظائف* ‬الادارية* ‬مثلا*.‬
لكن بعد أعوام قليلة تغيّر الأمر نتيجة للتوسّع في التعليم تحت ضغط الحاجة الملحة للرفع من مستوى المكان والاقتصاد والقيام ببعث المؤسسات ونظام اداري متطور. فقد كانت في الاول البعثات للخارج وخاصة على مستوى التعليم العالي في العلوم والتقنيات.
وتوجهت* ‬جل* ‬الدول* ‬العربية* ‬الى* ‬تعليم* ‬المرأة* ‬وخاصة* ‬في* ‬المدن* ‬لأن* ‬ظروف* ‬الارياف* ‬بقيت* ‬صعبة* ‬الى* ‬يوم* ‬الناس* ‬لقلة* ‬ذات* ‬اليد* ‬وضعف* ‬البنية* ‬التحتية*.‬
ورغم* ‬نسبة* ‬التمدرس* ‬العالية* ‬بالنسبة* ‬للفتاة* ‬فلم* ‬تواكب* ‬هذا* ‬التوجه* ‬التحولات* ‬الفكرية* ‬والذهنية* ‬للمجتمع* ‬لمباركة* ‬عمل* ‬المرأة* ‬بشكل* ‬كبير* ‬الا* ‬في* ‬سنوات* ‬متقدمة*.‬
وبسرعة* ‬اصبح* ‬عمل* ‬المرأة* ‬وخاصة* ‬بالنسبة* ‬للدول* ‬التي* ‬لها* ‬توجهات* ‬علمانية* ‬أمرا* ‬مألوفا* ‬وعاديا* ‬في* ‬شتى* ‬الوظائف* ‬حتى* ‬تلك* ‬التي* ‬كانت* ‬حكرا* ‬على* ‬الرجال*.‬
وأن الظروف الاقتصادية بعد الاستقلال متشابكة مع المدّ الاصلاحي التطوري الناتج عن الاحتكاك مع التجارب الغربية وكذلك النزوح للمدن بحثا عن الرزق للكثير من العائلات في ظل توجه الدول الى التنمية والاستثمار في الصناعة وعالم الخدمات والتخلي بصفة متفاوتة عن قطاع الفلاحة* ‬الذي* ‬تدنت* ‬فيه* ‬الاسعار*.‬
وهكذا وجدت مجموعات كبيرة من الناس نفسها امام البحث عن الرزق وبما ان دخل الأب او الزوج غير كاف لتلبية الحاجيات الملحة من غذاء ومسكن ودراسة الأبناء مما جعل المرأة تخرج للعمل مضطرة في غالب الأحيان.
وقد* ‬تولّدت* ‬بعد* ‬مخاض* ‬الاعوام* ‬الاولى* ‬من* ‬الاستقلال* ‬الحاجة* ‬للخروج* ‬للعمل* ‬من* ‬قبل* ‬النساء* ‬المتعلمات* ‬بحثا* ‬عن* ‬فرض* ‬الوجود* ‬والاستقلال* ‬الذاتي* ‬مثلما* ‬حدث* ‬في* ‬أوروبا* ‬وليس* ‬فقط* ‬من* ‬اجل* ‬الكسب* ‬المادي* ‬البحت*.‬
ونظرا لمحدودية الامكانيات المادية لجل الدول العربية ما عدى النفطية منها، والتطور الديمغرافي المطرد مع التوسع في التعليم وتخريج الافواج من حاملي الشهادات العليا، فقد وصلت اقتصاديات هذه الدول الى التخمة ولم تعد قادرة على استيعاب اليد العاملة الماهرة فما بالك* ‬بالمستويات* ‬المتوسطة* ‬والدنيا*.‬
وأصاب المرأة ما اصاب الرجل من البطالة التي تفشت في المجتمع العربي نتيجة للتطور الكبير لعدد الخريجين سنويا وانخفاض وتيرة الاستثمار والتنمية لدواعي هيكلية وأزمات عالمية مالية واقتصادية وقد تعالت بعض الاصوات مدعية ان سبب البلاء هو خروج المرأة للعمل فزاحمت الرجل الذي يبقى في نظر التشريعات الاجتماعية المكلّف بالانفاق، وكثرت الدعوات الى عودة المرأة الى البيت والاعتناء بالاطفال خاصة بعد انتشار ظاهرة التفكك الاسري وتطور نسب الطلاق في جل المجتمعات العربية.
وهناك* ‬من* ‬يدعي* ‬ايضا* ‬ان* ‬خروج* ‬المرأة* ‬للعمل* ‬صاحبه* ‬الفساد* ‬والاختلاط* ‬العشوائي* ‬والتفسخ* ‬الاخلاقي* ‬وظهور* ‬عادات* ‬جديدة* ‬في* ‬سلوك* ‬الجيل* ‬الجديد* ‬من* ‬الاطفال* ‬والشباب*.‬
كما ارتفعت وتيرة الاستهلاك الترفي مما زاد في تطور النفقات وميزانية العائلة وظهور عادات جديدة في الاستهلاك خارج المنزل مما يسبب في الامراض المستعصية ويزيد من المعاناة النفسية والصحية ويؤثر على النشاط والعمل والانتاجية.
فالمرأة* ‬بخروجها* ‬للعمل* ‬اصبحت* ‬بحكم* ‬تواجدها* ‬لفترة* ‬طويلة* ‬خارج* ‬البيت* ‬غير* ‬قادرة* ‬على* ‬تربية* ‬أطفالها* ‬والعناية* ‬بهم* ‬من* ‬نواحي* ‬الدراسة* ‬والتغذية* ‬وتتركهم* ‬في* ‬كفالة* ‬الغير* ‬والمحاضن* ‬ودون* ‬رقابة* ‬جادة*.‬
وهذا* ‬يؤدي* ‬الى* ‬تشتت* ‬في* ‬افكار* ‬المرأة* ‬العاملة* ‬ويهدر* ‬طاقتها* ‬المادية* ‬والمعنوية* ‬ويخلق* ‬جيلا* ‬جديدا* ‬مستهترا* ‬بالقيم* ‬والضوابط* ‬الاجتماعية*.‬
ورغم كل ما تقدم من تطور في وضعية عمل المرأة في اغلب الدول العربية فإن الاحصائيات تكشف بأن المرأة العربية مازالت متأخرة في سوق العمل بالنسبة للبلدان المتقدمة وكذلك بلدان امريكا اللاتينية وغيرها.
بنسبة* ‬مشاركة* ‬المرأة* (‬15* ‬عاما* ‬فما* ‬فوق*) ‬في* ‬النشاط* ‬الاقتصادي
المصدر*: ‬مؤشر* ‬التنمية* ‬البشرية* ‬لسنة* ‬2004*.‬