لا تخلو حياة كل منا من العيش فيها لفترة في كل مرحلة من مراحل حياته، وهي أيضاً لا تميز بين فئة وأخرى أو مستوى وأخر، من حيث الإستسلام لها لبعض الوقت بالرغم من إختلافنا في مضمومنها وقدر الإستغراق فيها.
إنها أحلام اليقظة التي ندخل عالمها المُبهج لنتحول فيه من العجز للقدرة ومن الصغر للكبر والعكس ، ومن الألم لكل السعادة ومن العوز لقضاء الحاجة ومن الظلم للسيادة، حالة يصفها العلم بأنها عالم من صناعة الشخص يقوم فيه بما لا يستطيع أن يقوم به على أرض الواقع الأن ليقضي قدر من حاجته، أو يرى نفسه فيما يتمنى ويسعى له.
بل أن بعض العلماء يعزون لها حماية الفرد من الإكتئاب ومشاعر العجز ويعتبرون غيبها التام عن حياة الشخص دليل على فقده للأمل وإستسلامه للواقع المُحبط وعدم مرونته في طلب الإشباع الحقيقي.
وبالتالي فهي عملية تنفيس عن إحباط قد يصيب الشخص أو مجال يرى فيه الفرد نفسه حينما يحقق ما يجتهد لأجله، ولذلك تزداد في مراحل الإحباط أو التعسر التي يمر بها الفرد بإعتبارها إشباع بديل .
وعلى الرغم من الميزات الكثيرة لأحلام اليقظة من هذه الزاوية – أنها مجال تنفيسي يعبر فيه الشخص عما يتمناه ولا يستطيع تحقيقه في عالم الواقع - إلا أن زيادة الإستغراق فيها مثلها مثل كل الأمور التي تؤدي الزيادة المبالغة فيها إلى عدد من المشكلات النفسية والإجتماعية للفرد .
فالإكثار من أحلام اليقظة والإستغراق فيها يؤدي إلى :
1-تراجع قدرة الفرد على التواصل مع المجتمع حيث لا يعد في حاجة للإجتهاد في العلاقات الخارجية الحقيقية مادام يستطيع أن يحركها ويصنعها على الطريقة التي يحبها في أحلام اليقظة.
2- ميل الفرد للإنعزالية والإنطواء حتى يظل لفترة يعيش مع ذاته ومن ثمة يتمكن من الإستغراق في أحلام اليقظة.
3- وهي النقطة الأهم والأخطر في سلسلة سلبيات الإسراف في الإستغراق في أحلام اليقظة والتي تتمثل في حالة الإكتفاء بالفعل المُتخيل على حساب الفعل الحقيقي والإستمرار في الحياة الواقعية دون سعي لتغييرها ، ونظراً لأهمية هذه النقطة نستطرد في تناولها بعض الشئ حيث أن الكثير من الشباب حولنا يقعون فيها دون أن يدروا، فتتحول أحلام اليقظة من وقت بسيط نخفف فيه وطأة الحياة حينما يكون الواقع محبط إلى نوع من المخدرات التي يعمد إليها الفرد لتغيبه عن هذا الواقع لفترة قد لا يستطيع أن يحدد مدتها، وبالتالي يتأخر عن الفعل.
فقد روى لي شاب أنه ظل يعيش كمهندس ناجح متزوج من فتاة يحبها ويتحرك بين بلد وأخرى هنا للدراسة وهنا لعمل وهنا لتكريم على إنجاز كل ذلك في أحلام يقظته حتى فاق بعد ثلاث سنوات وهو لازال يبحث عن عمل يبدأ به وإستأذنته أن أكتب كلماته كما هي :
" بعد ما تخرجت من كلية الهندسة حبيت أشتغل وأبدأ حياتي زي ما رسمت لها وقلت لنفسي أنا ولا أداب ولا تجارة ولا حقوق ولا الكليات إللى بتخرج بالآلاف بدون ما يكون في سوق عمل منتظرهم ، بدأت رحلة البحث عن عمل والإجابة دايماً : هايل ما شاء الله يا إبني درجاتك كويسة بس إحنا محتاجين خبرة وعشان أخرج من الحالة دي بقيت أروح للحلم وأرسمه بالمسطرة ( مادمت مش عارف استخدمها في شغل ..هههه) وقعدت مستغرق في أحلامي دي لغاية ما فوقت بعد 3 سنين ، بس المضحك في الموضوع إني بعد ما فوقت ورحت أعيش الواقع بقى لقيت نفس الكلام : ما شاء الله يا إبني درجاتك كويسة بس إحنا محتاجين خبرة!!!! وده معناه إني ضيعت 3 سنين وكإني ببدأ من الأول" .
ومثل هذا الشاب الكثيرين ممن إستبدلوا العمل في الحياة الحقيقية بالحياة المتخيلة فأصبحوا فاعلين في أحلامهم وأبطال فيها ، غيروا ما حولهم وحققوا ما تمنوا والنتيجة مزيد من الإحباط على العمر الذي يمر دون تعديل حقيقي أو إشباع فعلي، فتضيع فرص وتنتهي دون أن يشعر الشخص بها نظراً لغيابه هو نفسه عن واقعه المعاش.
ولذلك وجب التنويه إلى خطورة الإستغراق أو الإسراف في أحلام اليقظة التي تفصل الشخص عن عالمه الحقيقي والأخطر أنها توقف العمل والتغيير الحقيقي أيضاً لصالح العمل والتغيير المُتخيل مما يؤدي لضياع العمر وتأخر الأمم التي يزداد فيها عدد هؤلاء الأشخاص.

بقلم: د. داليا الشيمي