جاءنا سؤال حول المسؤولية الاجتماعية للشركات .. وانا افيدكم بالمقال التالي الذي يتناول هذا الموضوع بشيء من الاختصار والتبسيط


لم يعد تقييم شركات القطاع الخاص يعتمد على ربحيتها فحسب، ولم تعد تلك الشركات تعتمد في بناء سمعتها على مراكزها المالية فقط، فقد ظهرت مفاهيم حديثة تساعد على خلق بيئة عمل قادرة على التعامل مع التطورات المتسارعة في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والإدارية عبر أنحاء العالم. وكان من أبرز هذه المفاهيم مفهوم "المسؤولية الاجتماعية للشركات". وقد أصبح دور مؤسسات القطاع الخاص محورياً في عملية التنمية، وهو ما أثبتته النجاحات التي تحققها الاقتصادات المتقدمة في هذا المجال، وقد أدركت مؤسسات القطاع الخاص أنها غير معزولة عن المجتمع، وتنبهت إلى ضرورة توسيع نشاطاتها لتشمل ما هو أكثر من النشاطات الإنتاجية، مثل هموم المجتمع والبيئة، وإلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأضلاع الثلاثة التي عرّفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة وهي النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وحماية البيئة.
هناك عدة تعريفات للمسؤولية الاجتماعية للشركات، تختلف باختلاف وجهات النظر في تحديد شكل هذه المسؤولية. فالبعض يراها بمثابة تذكير للشركات بمسؤولياتها وواجباتها إزاء مجتمعها الذي تنتسب إليه، بينما يرى البعض الآخر أن مقتضى هذه المسؤولية لا يتجاوز مجرد مبادرات اختيارية تقوم بها الشركات صاحبة الشأن بإرادتها المنفردة تجاه المجتمع. ويرى آخرون أنها صورة من صور الملاءمة الاجتماعية الواجبة على الشركات. إلا أن كل هذه الآراء تتفق من حيث مضمون هذا المفهوم. وقد عرف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة المسؤولية الاجتماعية على أنها "الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل".
من المتفق عليه أن الشركات التجارية والاقتصادية والمالية الوطنية والدولية، على حد سواء، ليست بشركات خيرية وأن هاجسها الأول تحقيق أكبر عائد من الربح على أصحابها. ومن هنا تبلورت فكرة وجوب تذكير الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية حتى لا يكون تحقيق الربح عائداً عن أمور غير مقبولة أخلاقياً أو قانونياً كتشغيل الأطفال والإخلال بالمساواة في الأجور وظروف وشروط العمل، والحرمان من الحقوق الأساسية للفرد. علاوة على ذلك، فإن الدور الرئيس الذي تلعبه الشركات، كونها المصدر الرئيس للثروة والتحديث وتوليد فرص العمل، يحتّم عليها القيام بواجباتها الاجتماعية وفقاً للمفاهيم الحديثة، كما أن التطورات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في عصر يتسم بالتغير السريع تحتّم عليها ذلك أيضاً.
إن قيام الشركات بدورها تجاه المسؤولية الاجتماعية يضمن إلى حد ما دعم جميع أفراد المجتمع لأهدافها ورسالتها التنموية والاعتراف بوجودها، والمساهمة في إنجاح أهدافها وفق ما خطط له مسبقاً، علاوة على المساهمة في سدّ احتياجات المجتمع ومتطلباته الحياتية والمعيشية الضرورية، إضافةً إلى خلق فرص عمل جديدة من خلال إقامة مشاريع خيرية واجتماعية ذات طابع تنموي.
ومن بين الفوائد التي تجنيها الشركات ذات الممارسات المسؤولة اجتماعياً تقليص تكاليف التشغيل، وتحسين الصورة العامة لأصناف المنتجات وسمعتها، وزيادة المبيعات، وإخلاص العملاء، وزيادة الإنتاجية والنوعية.
وقد أشارت الدراسات التي قامت بها "منظمة تسخير الأعمال التجارية لصالح المسؤولية الاجتماعية" في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الشركات التي توازن بين مصالحها ومصالح حاملي الأسهم حققت معدلات نمو ومعدلات توليد عمالة ماهرة تفوق الشركات الأخرى بنسبة أربعة أضعاف.
حتى وقتنا الراهن، لم يتم تعريف مفهوم المسؤولية الاجتماعية بشكل محدد وقاطع يكتسب بموجبه قوة إلزام قانونية وطنية أو دولية، ولا تزال هذه المسؤولية في جوهرها أدبية ومعنوية، أي إنها تستمد قوتها وقبولها وانتشارها من طبيعتها الطوعية الاختيارية. ومن هنا فقد تعددت صور المبادرات والفعاليات بحسب طبيعة البيئة المحيطة، ونطاق نشاط الشركة وأشكاله، وما تتمتع به كل شركة من قدرة مالية وبشرية. وهذه المسؤولية بطبيعتها ليست جامدة، بل لها الصفة الديناميكية والواقعية وتتصف بالتطور المستمر كي تتواءم بسرعة وفق مصالحها وبحسب المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ويعتبر تخصيص ما يسمى ب"صندوق المسؤولية الاجتماعية" من أهم آليات عمل تحقيق الشركات لمسؤوليتها الاجتماعية، ويعنى هذا الصندوق بتحقيق الأدوار المتوخاة للشركة في هذا الصدد. ومن الأمثلة الفلسطينية على ذلك: صندوق المسؤولية الاجتماعية لسوق فلسطين للأوراق المالية الذي أطلق خلال النصف الأول من العام 2006 برؤية استراتيجية تهدف إلى خدمة المجتمع الفلسطيني من خلال عدد من المشروعات بنواحٍ مختلفة، وصندوق المسؤولية الاجتماعية لمجموعة الاتصالات الفلسطينية، وكذلك الحال بالنسبة لشركة فلسطين للتنمية والاستثمار /باديكو. ونجمل في هذا الجانب نبذة عن تجربة المسؤولية الاجتماعية في باديكو ومجموعة الاتصالات الفلسطينية مثل مبادرة "الأخوة" الفلسطينية التي أطلقتها المجموعتان، والتي يتم من خلالها توزيع معونات غذائية لأربعين ألف موظف حكومي تقل رواتبهم عن مبلغ 1500 شيكل، إضافة إلى عشرة آلاف أسرة أسير. وعلى الصعيد ذاته أطلقت المجموعتان صندوق "الوفاء لفلسطين" كاستجابة سريعة منذ بروز الأزمة الاقتصادية، وذلك سعياً من الصندوق إلى الوفاء لأبناء فلسطين ولتضحياتهم وصمودهم. كما قدمت باديكو ومجموعة الاتصالات الفلسطينية منحة بقيمة 1.25 مليون دولار لمشروع الربط الأكاديمي للجامعات الفلسطينية مع الشبكة الأوروبية من خلال تقنية "الفايبر".
وعلى صعيد آخر، قامت "باديكو" بتمويل قسم نقل الدم في المركز الوطني لأمراض الدم "أبقراط"، وساهمت بتبرع سخي لافتتاح مركز السموم والمعلومات الدوائية في جامعة النجاح، كما قامت مجموعة باديكو بدعم جمعية أصدقاء الكفيف. وبالنسبة إلى صندوق المسؤولية الاجتماعية لمجموعة الاتصالات الفلسطينية، فقد حظيت قطاعات التعليم والثقافة والصحة ب 75% من إجمالي الدعم الذي وفره الصندوق للعام 2005 والذي قارب 1.2 مليون دينار، حيث كانت نسبة الدعم لقطاع التعليم حوالي 31%، بينما كانت نسبة قطاع الثقافة والترفيه والفن 31.5%. وقد حظيت هذه القطاعات بهذا الكم من الدعم بصفتها قطاعات مهمة وتنموية وتمس المواطن مباشرة. ومن ناحية أخرى نجد أن توزيع المشاريع للعام 2005 كان بنسبة 60% في الضفة الغربية و40% في قطاع غزة. وخلال الربع الأول من العام 2006 قدمت مجموعة الاتصالات دعمها على مستوى برنامج دعم الأندية والاتحادات الرياضية، وتوزيع أجهزة كمبيوتر على مؤسسات مختلفة في الضفة والقطاع، كما قدمت مشروعاً لأهالي الأسرى لتوفير خلايا نحل منتجة، كما قامت بإطلاق صندوق إقراض الطلبة مؤخراً.
وأخيراً فإن نجاح قيام الشركات بدورها في المسؤولية الاجتماعية يعتمد أساساً على التزامها بثلاثة معايير هي:
 الاحترام والمسؤولية، بمعنى احترام الشركة للبيئة الداخلية (العاملين)، والبيئة الخارجية (أفراد المجتمع).
 دعم المجتمع ومساندته.
 حماية البيئة، سواءً من حيث الالتزام بتوافق المنتج الذي تقدمه الشركة للمجتمع مع البيئة، أو من حيث المبادرة بتقديم ما يخدم البيئة ويحسن من الظروف البيئية في المجتمع ومعالجة المشاكل البيئية المختلفة.