نفت الدكتورة ماجدة ابراهيم الجارودي المزاعم التي تحمّل القيادات النسائية الأخطاء مقارنة بالقيادات الرجالية، وأكدت أن القيادات النسائية في منظماتنا هي، كغيرها من القيادات الرجالية، لم تجد الفرص المناسبة من أجل أن تقود بشكل صحيح، وعلى أسس إستراتيجية واقعية، وإذا كان ثمة عيوب في هذه القيادات فالسبب الحقيقي الذي يجب أن نبحث فيه هو "لماذا لا تعمل القيادات على مختلف أشكالها وأنواعها بشكلها الصحيح"؟

وطرحت الجارودي، وهي أستاذ مساعد بكلية التربية قسم الإدارة التربوية، معاناة القيادات بشكل عام، وبوضعها الراهن الذي تعمل فيه سواء الجامعية منها أو التربوية على مختلف أشكالها، وتبيّن لها أن القيادات تعمل بمسمى لا يتناسب مع الإمكانيات المقدمة لها من أجل تفعيلها بالشكل الصحيح.. والسؤال هو "لماذا"؟
وبتوضيح أكثر تذكر د. الجارودي بعض العوائق التي تقف أمام القيادات، سواء نسائية أم رجالية، وتجعلهم يخرجون بعيوب وعدم تطور، من هذه العوائق - حسب قولها - تعيين الشخص المناسب في المكان غير المناسب، وغير المناسب في المكان المناسب، وكذلك عدم منح الصلاحيات المطلقة من أجل التنفيذ والتفعيل الصحيح- بمصطلح آخر "التمكين" - فالقيادات تواجه مصاعب في جميع الاتجاهات أولها أنه لا يمكن للقيادة في القطاع الحكومي أن تقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت. حيث إنه لا توجد آليات تمكن من تفعيل تجديد الدماء العاملة بشكل صحيح فلا يوجد صلاحيات لدى المدير من أن يقوم بترتيب السلم الإداري لديه بما يتناسب مع مصلحة العمل، وكمثال بسيط نتساءل (هل يمكن لأي مدير أن يقوم بتغيير العاملين لديه بعد أن تعب ودرب وقيم وقوم ولم يخرج بفائدة تذكر من هذا الموظف الذي يعمل معه)؟.
إن أقصى ما لدى المدير من صلاحيات في هذه الحالة هي أن يقوم بطلب نقل هذا الموظف من دائرته إلى دائرة أخرى وربما يتمكن من ذلك أو لا يتمكن !
ويمكنه أن يكتب تقرير الكفاية بشأن هذا الموظف فيعطيه تقديراً غير مرضٍ ولا يتم اتخاذ أي عقوبة مناسبة بشأنه، وهنا تقف الآليات الممنوحة أمام المدير عائقاً تمنعه من الارتقاء بمستوى العمل لديه والأداء الذي يطمح لتحقيقه في إدارته.
ومن جهة أخرى قد يكون كثير من الموظفين غير مؤهلين تأهيلاً يمكنهم من مزاولة الأعمال بشكل متطور، وهنا يطلب المدير تعيين عدد أكبر من المؤهلين فيواجه بصعوبة التعيين وبأن ما لديه من الموظفين هو كاف ولا يمكن أن يتم تعيين أفراد آخرين لأنهم يفوقون طاقة المنظمة !.. فإذا كان المدير لا يستطيع استبدال الأفراد بأفراد أكثر فعالية وكفاءة فكيف يتسنى له أن يخرج مخرجات سليمة و كفوءة؟
وترى الدكتورة ماجدة الجارودي أن ثالث العوائق التي تعيق تطور القيادات الإدارية "الإعاقات المالية" حيث تقف الإمكانات المادية عقبة في وجه أي إدارة ترغب في تطوير نفسها بالشكل الصحيح، ومع تقدير بأنه وفي الوقت الحالي فإن هناك آليات يتم اتخاذها من أجل توفير ميزانيات كبيرة للصرف منها على التدريب والتطوير ولكن تبقى هناك عوائق منها - حسب رأيها - عدم تمكن المدير من صرف مكافأة مالية مباشرة للعاملين معه مما يعني بأن عامل التحفيز المادي غير موجود، وبعض المديرين يتحايل - أحياناً - على هذا الأمر بصرف خارج دوام ربما يقبل وربما لا يقبل، ويبقى لديه هنا العامل الثاني وهو تحفيز العاملين لديه بالحوافز المعنوية ربما بمنحة يوم راحة أو توجيه الشكر له والإشادة بعمله أمام الآخرين، أو بمنحه شهادة تقدير على جهوده، وفي بعض الدوائر يمنع أن يتم منح شهادات تقدير إلا بعد الرجوع للإدارات العليا في الدائرة.
ثم تأتي "الإعاقات التقنية" كعائق أساسي في تطور القيادات، فمعظم الموظفين بمختلف مستوياتهم، ومنهم بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات أو المدارس والمديرين أيضاً، يعانون من أمية تقنية، فهم لا يتقنون استخدام الحاسب الآلي (الكمبيوتر) بالشكل الصحيح، ولا يتمكنون من استخدام التقنيات الأخرى المتعلقة بهذا الأمر من أجل تسهيل عملهم وجعله أكثر فعالية وكفاءة. وعلى الرغم من أن الجامعات تسعى الآن إلى التغلب على مثل هذه المشكلة عبر طرح دورات تدريبية وإجبار البعض على أن يتعلموا رغم أنوفهم إلا أن الآليات المستخدمة لتفعيل هذا الأمر تبقى قاصرة، لأنك لا يمكنك تقديم هذه الدورات لكل العاملين لديك إلا إذا كان لديهم الرغبة ويجب أن تدفعهم دفعاً لاستخدامها وتعلمها. وتسعى المدارس لمثل ذلك أيضاً إلا أن الإعاقة المالية التي تحدثنا عنها سابقاً تقف أحيانا عائقاً في سبيل توفير هذه التقنيات بشكلها الكبير.
وتخلص د. الجارودي بعد سردها لهذه العوائق الجوهرية بقولها "بعد هذا فإن العيوب الشخصية التي تواجهها منظماتنا من بعض القيادات هي التي تعتبر عيوباً بحق، تعود لنفس الأسباب السابقة التي تم طرحها.. إذاً لماذا لا نقوّم آليات التعيين والرقابة أولاً ثم نبحث بعدها عن العيوب"؟
وكي لا نقف أمام هذه العقبات موقف السلبية تقدّم د. الجارودي عدداً من المقترحات التي تراها من وجهة نظرها لتطوير هذه القيادات فتقول علينا أولا أن نختار القيادات المناسبة في المكان المناسب، واستبدال القيادات القديمة بقيادات شابة لديها الحماس والرغبة والعلم لتحل محلها، وأنا - والحديث لها - لا أقول نقتل هذه القيادات ولكن يمكنها أن تقوم بأدوار أخرى تتناسب ومؤهلاتها. أو تحال للتقاعد مبكراً. وكذلك دعت إلى أن يتم تمكين القيادات الكفوءة من التحكم في مخرجاتها بحيث يتم إعطاؤها الصلاحيات، بأن يتم وضع رقابة صارمة على الأداء، بحيث يعاقب المسيء بعد منحه الفرصة طبعاً للتحسن والتطوير، وكذلك أن يتم تغيير التقنيات القديمة وتدريب العاملين عليها بشكل مكثف ودوري، وأن يتم وضع امتحانات للأهلية بشكل دوري، ربما يكون كل خمس سنوات فيكون بمثابة امتحان المهنة الذي يتم عقده لكافة العاملين في الدولة على مختلف تخصصاتهم، ليتمكن الشخص المناسب من الاستمرار ويتم التخلص من عبء وجود الرديء على الدولة والمنظمة، هذا بالإضافة إلى مقترح آخر يتم على أساسه تفعيل آليات حضور الدورات التدريبية لكل من يرغب بذلك لتطوير الذات أولاً وللارتفاع بمستواه ومستوى منظمته ثانياً، شريطة أن لا ترتبط هذه الدورات بنقاط تمنح لمن يحضرها من أجل الترقية إذ إن وجود هذا الحافز سيدفع الكثيرين لحضور هذه الدورات بغض النظر عن رغبته في تطوير نفسه دون انتظار مردود مادي من ورائها.