إن التوجيه الإداري جزء أساس من عمل الرؤساء الإداريين يتعين عليهم القيام به بشكل مستمر للحصول على تعاون موظفيهم لإنجاز المهمات الموكلة إليهم على أفضل وجه ممكن ولكننا نركز هنا بصفة خاصة على التوجيه المبدئي أو التمهيدي الذي يتم للموظفين المستجدين بصورة رسمية وعلى نحو منظم ومعد له سلفا، من أجل مساعدتهم على تولي مهام أعمالهم بكل سهولة ويسر.
ويقصد بالتوجيه المبدئي بصفة عامة العملية التي يتم من خلالها إعداد الموظفين الجدد وتهيئتهم لأعمالهم الجديدة، على نحو منظم ومخطط له. ويتم ذلك من خلال تعريفهم بأعمالهم وأدوارهم الوظيفية الجديدة، وزملائهم ورؤسائهم في العمل، وأنشطة المنظمة، وأنظمتها، وسياساتها، حتى يكونوا على إلمام تام بها بما يساعدهم على تكوين اتجاهات إيجابية نحو أعمالهم والتكيف معها، والنهوض بأعبائها على الوجه الصحيح.
ومن المعروف أن مقابلة الفرد لأشخاص آخرين لأول مرة في شتى الظروف الاجتماعية قد يولد لديه نوعا من الإحساس بالقلق والتوتر في معظم الأحيان، وعلى النحو نفسه، فإن الموظف الجديد قد يساوره بعض القلق والتوتر نتيجة لشغله عمله الجديد ويفكر بالأفراد الذين سيعمل معهم، ويشعر بالقلق عن مدى قدرته على الانسجام معهم وقد يفضي القلق والتوتر بالموظف إلى طرح الكثير من التساؤلات على نفسه مثل : هل سأكون شخصا مناسبا للعمل في هذا المكان؟ وهل سأكون على وفاق مع رئيسي وزملائي في العمل؟ ومثل هذه التساؤلات قد تكون طبيعية بين الموظفين الجدد، إلا أنها قد تؤثر في قدرتهم على التعلم ،وفي مدى رضاهم عن أعمالهم الجديدة. ومن هنا تأتي أهمية عملية التوجيه الأولي في تسهيل اندماج الموظف الجديد مع مجموعة العمل، والتقليل من مشكلات تكيفه، بخلق شعور بالأمان والثقة، وتنمية الولاء للمنظمة لديه.
ويؤكد علماء السلوك الإداري أن الانطباعات الأولية تكون قوية ودائمة في معظم الأحيان خصوصا حينما لا يملك الموظفون الجدد وسيلة أخرى للحكم على المنظمة وموظفيها. وإزاء هذه الحقيقة ،فإن الخطوة الأولي لمساعدة الموظف لأن يكون عضوا منتجا وراضيا في المنظمة، تكمن في العمل على معاونته على تكوين انطباعات أوليه إيجابية عن العمل والمنظمة.
فكما أن الانطباعات الأولية الإيجابية عن الأفراد تساعد على تكوين علاقات جيدة معهم، كذلك فإن الانطباعات الأولية الإيجابية عن المنظمة والزملاء والرؤساء تساعد الموظف الجديد أيضا على التكيف والاندماج مع بيئة العمل بسهولة ويسر، وتخلق انطباعا إيجابيا لديه يشعره بأهميته، وأنه جزء من مجموعة العمل.
وبصفة عامة ينبغي النظر إلى برامج التوجيه على أنها تمثل نوعا من التطبيع الاجتماعي (أو ما يطلق عليه التطبيع التنظيمي، حينما يتم في محيط المنظمات) للموظفين الجدد. والتطبيع التنظيمي هو العملية التي تهدف إلى مساعدة الموظف على فهم وقبول القيم، والأعراف، والمعايير والمبادئ السائدة في المنظمة. كذلك فإن مرحلة التوجيه تكون القوت المناسب لتطبيع الموظف منذ البداية على تفهم توقعات الإدارة من حيث مستوى الأداء ونوعيه السلوك المقبول.
وتعد برامج التوجيه المبدئي أداة فاعلة للتطبيع التنظيمي للموظفين الجدد. لا سيما وأن هؤلاء الموظفين يكونون متعطشين لأن يتم قبولهم من قبل الأعضاء الآخرين في المنظمة . لذا فإنهم يحاولون تشرب الطرق المتبعة لأداء الأعمال في المنظمة. ومن خلال تعرض الموظف لبرامج التوجيه وتعامله مع زملاء العمل الجدد، فإنه يمتص ببطء القيم والأعراف والتقاليد التنظيمية، ويغدو في النهاية جزءا متكاملاً من المنظمة، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في ارتفاع مستوى الرضا والإنتاجية والاستقرار لدى الموظفين، وهكذا ،فإن عملية التوجيه المبدئي، إذا ما تم تنفيذها بأسلوب سليم ،تعد وسيلة فاعلة للإسراع في التطبيع التنظيمي للموظفين الجدد ،ليصبحوا أعضاء فاعلين ومنتجين في المنظمة خلال وقت قصير.
وفي الواقع فقد أظهرت بعض الدراسات الميدانية في هذا المجال، أن برامج التوجيه المعدة إعدادا جيدا، تساعد على خلق انطباع إيجابي لدى الموظفين عن العمل والمنظمة، وتحسين الاتصالات مع الرؤساء، وتؤثر في درجة ولاء الموظف، كما أنها تسهم في انخفاض معدلات التسرب، وفي زيادة سرعة معدل التعلم لدى الموظفين. ويأتي التدريب بعد ذلك ليعمق عملية التطبيع التنظيمي ، لأنه يجعل الموظف يتعلم السلوك المرغوب فيه ويمارسه فعليا.
والجدير بالذكر أن التوجيه المبدئي يمثل نوعا ما من التدريب إلا أنه يختلف عن برامج التدريب على رأس العمل، في أنه يوجه الموظفين نحو أمور لا تركز بصورة أساسية على أداء العمل نفسه. بل يعني بصورة أساسية بتعريف الموظفين بالمنظمة وبيئتها، وبوظيفة الموظف بشكل عام. إلا أن ذلك لا يعني أن تكون عملية التوجيه عملية آلية. بل على العكس من ذلك، فإن الاهتمام بالتوجيه المبدئي تعطى مؤشرا واضحا للموظفين الجدد بمدى الأهمية التي توليها المنظمة تجاه حاجات موظفيها, ومدى اهتمامها بما قد يشعرون به من قلق وعدم يقين في أعمالهم الجديدة.

برامج التوجيه:
حتى يحقق توجيه الموظفين الجدد غاياته، فيجب أن يكون من خلال برنامج شامل ومنتظم يتم تقويمه بصورة مستمرة. وتعتمد برامج التوجيه على التعاون المشترك بين إدارة الموارد البشرية والرؤساء المباشرين. ويكون لزاما على الجهتين التنسيق والعمل معا لإعداد برنامج مخطط وشامل وفاعل للتوجيه، يقدمان من خلاله ما يحتاج الموظف إلى معرفته عن عمله الجديد وبيئته. وعادة ما تشتمل البرامج التوجيهية على نوعين من الموضوعات: الأولى موضوعات عامة، والثانية محددة موجهة إلى الوظيفة التي سيشغلها الموظف. فالقضايا التنظيمية وحقوق الموظفين ، هي موضوعات عامة للموظفين جميعهم، لذلك فمن الممكن أن يتولى أمر توضيحها ممثلون عن إدارة الموارد البشرية. وعادة ما يعطى كل موظف كتيبا يلخص النقاط الرئيسة لتلك الموضوعات، وأحيانا يكون هناك أشرطة فيديو تسلط الضوء على النقاط الرئيسة للتوجيه في هذا المجال.
وإلى جانب دور إدارة الموارد البشرية، يستمر التوجيه عن طريق الرئيس المباشر، بل إن دور الرئيس يعد دورا رئيسيا في هذا المجال، ويقوم الرئيس المباشر بتقديم الموظف الجديد إلى زملاء العمل، وأحيانا إلى الأشخاص الذين يعملون في الإدارات الأخرى التي سيتعامل معها الموظف، إلى جانب إلقاء الضوء على الواجبات الوظيفية التي سيضطلع بها، وتعريفه بما يتوقع منه في عمله، وإجابته عن كل ما لديه من أسئلة عن العمل وبيئته.
ومن الأمور الإيجابية التي تتبعها بعض برامج التوجيه، تخصص أحد زملاء العمل لتوجيه الموظف الجديد. وفي هذه الحالة يقوم موظف ذو خبرة، بتوجيه الموظف الجديد وتقديمه للعمل وزملاء العمل وإجابته عن أية تساؤلات قد تكون لديه، بيد أنه ينبغي التوثق من أن يكون الموظف الذي يتولى هذه المسؤولية خبيرا في عمله وله قدرة على تقديم التوجيه المناسب. كذلك يتعين التأكد من أن قيام أحد زملاء العمل بهذه المهمة التوجيهية لا يغني عن دور الرئيس المباشر في هذا المجال.
وبالرغم من أهمية التوجيه للموظف والمنظمة، إلا أنه يلاحظ في كثير من الأحيان أنه لا يؤخذ على محمل الجد، وفي كثير من الأحيان ينفذ بطريقة عشوائية، الأمر الذي يؤثر في فاعليته، إن الأسلوب المنتظم في التوجيه يتطلب الاهتمام باتجاهات وسلوكيات الموظف الجديد والمعلومات التي يحتاج إليها، لذلك فقد يكون من المفيد في هذا الصدد، للتيقن من أن الرئيس المباشر يقوم بهذا العمل بشكل منتظم استخدام قائمة بالموضوعات التي يلزم تغطيتها لتوجيه الموظف الجديد على النحو الملائم.

تقويم برامج التوجيه:
من الضروري تقويم برامج التوجيه لتحديد مدى فاعليتها في تحقيق أهدافها ، وتحسينها نحو الأفضل، وهذا التقويم يتطلب الحصول على تغذية عكسية من جميع الأفراد ذوي العلاقة بالبرنامج . ويمكن الحصول على هذه التغذية العكسية من خلال المناقشة مع الموظفين بعد مضي مدة من الزمن على توجيهيهم , أو من خلال المقابلات الشخصية لعينة من الموظفين الذين طبق عليهم البرنامج التوجيهي، ومن خلال الاستبيانات لاستطلاع آرائهم نحو الجوانب المختلفة لبرنامج التوجيه.