عقب فضيحة التجسس الأخيرة التي أحاطت بشركة «هيلويت پاكارد» العملاقة للحاسوبات، اضطرت رئيسة مجلس ادارة الشركة پاتريشا دن لتقديم استقالتها، ليحل محلها في المنصب مدير الشركة التنفيذي مارك هيرد، وكانت الشركة اعترفت أخيراً بأنها استخدمت شركة تحقيقات خاصة للتحقيق في سجلات الاتصالات الهاتفية الخاصة لمديرين ومراسلين صحافيين عقب تسرب بعض المعلومات البالغة السرية الى الصحافة، واعترفت شركة اخرى استأجرتها «هيلويت پاكارد» لنفس الغرض بأنها طلبت من محققين تابعين لها التنكر في شكل صحافيين والاتصال بمديري الشركة بهذه الصفة، في محاولة لمعرفة مصدر التسرب، يذكر ان باتريت دن غدت مديرة لفروع الشركة الخارجية في عام 1998 وأصبحت رئيسة لها في شهر فبراير من العام الماضي.

ويبدو ان فضيحة التجسس هذه أثارت ردود فعل غاضبة في أوساط عدد كبير من الساسة ورجال الأعمال الأميركيين باستثناء بعض الذين يعرفون بواطن الأمور في عالمي السياسة والاقتصاد، ويصف البعض من هؤلاء المجتمع الاميركي بأنه مجتمع جواسيس، ويقول أحدهم ان العدد الهائل لعمليات التجسس التي تمارس في الولايات المتحدة ربما كان لا يخطر على بال أحد، ففي الوقت الذي تتابع فيه المصارف أين ينفق الأميركيون أموالهم، حتى آخر سنت يملكونه، تتنصت الحكومة الفيدرالية على ما يدور في مكالماتهم الهاتفية، كما يعرف أرباب الأعمال مقدار الزمن الذي يقضيه موظفوهم أثناء فترة الدوام الرسمي على شبكة الانترنت دقيقة بدقيقة، وهناك اليوم عدد كبير من الآباء الأميركيين والأمهات الأميركيات الذين يتابعون أين يذهب أولادهم، خطوة بخطوة، عند طريق الأقمار الاصطناعية، وبذا يمكن القول ان مفهوم الخصوصية يتلاشى بالتدريج في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

ولكن ثمة فارق كبير بين من يتجسس على أولاده وبين ما فعلته شركة «هيلويت پاكارد» مع كبار موظفيها، فالعمل الذي سمحت به باتريشا دن يعد جريمة يحاسب عليها القانون، أما ما يفعله الآباء والأمهات فيمكن ارجاعه الى أن التجسس بشكل عام بات سمة من السمات الشائعة للمجتمع الاميركي، لاسيما ان التقدم التقني جعل ذلك ممكناً.

اليوم يستطيع اي مواطن اميركي ان يعرف الثمن الذي بيع به منزل جاره على موقع «زيلو دوت كوم» ويستطيع اي شخص ان يلقي نظرة فاحصة على الساحات الخلفية لمنازل كبار الاثرياء في العالم عن طريق مواقع الاقمار الاصطناعية على شبكة الانترنت، بل تـتوافر في الاسواق آلات تصوير دقيقة تستطيع ان تسجل ما تفعله جليسة الاطفال عندما تبقى معهم بمفردها فيما يذهب اهلوهم للسهر في الخارج.

وفي الولايات المتحدة، يتابع اكثر من 75% من ارباب الاعمال ما يفعله موظفوهم اثناء الدوام، وتقوم اجهزة متابعة خاصة بتسجيل كل ضغطة على لوحة مفاتيح الحاسوبات المخصصة للعمل، ويصف المسؤول لدى شركة الكترونيك فرونتير فاونديشن لي تيين انتشار تكنولوجيا التجسس بعبارة «دمقرطة تقنية المراقبة»، بمعنى ان منتجات تكنولوجيا المراقبة باتت في متناول الجميع، ولم يعد امتلاكها مقصورا على المؤسسات الرسمية او الامنية.

ويبدو ان هجمات 11 سبتمبر والحرب على الارهاب التي نجمت عنها فتحت الباب على مصراعيه امام قيام الهيئات الامنية ووكالات المخابرات بالتجسس على الاشخاص، وخلال السنوات التي اعقبت تلك الهجمات حدثت زيادة كبيرة في عمليات التنصت على الخطوط الهاتفية والرسائل الصوتية، وفي مسح سجلات المصارف وتعقب الصفقات التي تتم بواسطة بطاقات الائتمان واستخدمت السلطات الاميركية ايضا حاسوبات ضخمة لتحليل كميات هائلة من البيانات للكشف عن هوية الارهابيين المحتملين، ليس في الولايات المتحدة فقط بل وفي جميع انحاء العالم.