لا يستطيع المديرون التعامل مع احتياجات الزبائن إذا كانوا غير مدركين لها. ويجب إعطاء الموظفين الذين يتعاملون مباشرة مع الزبائن إجراءات سهلة الاستخدام للحصول على آراء ومقترحات الزبائن وتوصيلها للمسؤولين.
كثير من التنفيذيين والمديرين يحُضُّون موظفيهم باستمرار على أن يجعلوا الزبون محور اهتمامهم في كل ما يقومون به من أعمال. ومع ذلك، ورغم كل الاهتمام والحماس الوارد في كلماتهم، إلا أن التركيز الفعلي على الزبون يظل أمراً نظرياً أكثر منه جانباً عملياً في منظماتهم.
تقول ريتا جونثر مجراث الأستاذة المشاركة في إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا، التي اشتركت مع إيان مكميلان في تأليف كتاب "السوق القوية: 40 حركة استراتيجية تؤدي إلى النمو غير العادي للأعمال" (من إصدار مطبعة كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، 2005): "ليس هناك ما هو أسهل على الشركات من أن تركز على داخلها، وأن تفكر في نشاطاتها الخاصة، بدلاً من أن تفكر فيما يمر به الزبون. هذه الشركات تظن أنها تركز على الزبون، ولكن هذا غير صحيح في الواقع."
وتضرب المؤلفة مثلاً شركة تصنيع للمواد الصناعية كان مديروها يظنون أنفسهم أنهم يركزون على الزبون بصورة عالية للغاية لأنهم كانوا يركزون بقوة على جودة المنتجات، ولكن تعريفهم للجودة العالية للمنتجات كان ضيقاُ للغاية بحيث إنه أهمل تماماً معرفة كيفية استخدام الزبائن لأحد المنتجات. فقد كانت الشركة تصنع إحدى المواد اللازمة للتصنيع وتضعها في براميل يزن الواحد منها 50 رطلاً. ولكن الزبائن كانوا يحتاجون فقط إلى ثلاثين رطلاً للعملية التصنيعية العادية في معاملهم. وحيث إن هذه المادة كانت تصاب بالفساد إذا تعرضت للهواء، لم يكن أمام الزبائن إلا التخلص مما بقي منها. ولم يتغير هذا الوضع إلا حين توقف المديرون وبدأوا بمراجعة أنفسهم ومراجعة الافتراضات التي يقوم عليها الإنتاج، ثم اجتمعوا مع الزبائن في الميدان وشاهدوا الأمور على أرض الواقع، وحينها أدركوا خطأهم وبدأوا بإنتاج براميل أصغر حجماً، الأمر الذي رفع من مستوى الرضا عند الزبائن وعمل على تعزيز المبيعات.
فما الذي يستطيع مديرو الأعمال فعله ليجعلوا التركيز على الزبون أمراً فعلياً في منظماتهم؟ أولاً هم بحاجة إلى إظهار الالتزام الصادق بالتركيز على الزبون، ويجب أن يأتي التغيير الحقيقي من القمة. ثم هم بعد ذلك في حاجة إلى أن يجعلوا الجميع يفهمون الأمور التي ينطوي عليها ذلك ومدى أهميته للشركة، وأن يُمَكِّنوا جميع الموظفين من الوفاء بحاجات الزبائن على نحو استباقي. ويجب عليهم كذلك أن يضمنوا أن منظماتهم تدرك بصورة منهجية السلوك الذي يركز على الزبائن، وأن تكافئ الموظفين على قيامهم بذلك. أخيراً فإنهم في حاجة إلى إنشاء أنظمة تعمل على إيصال ونقل آراء الزبائن ونظراتهم المفيدة بين الموظفين، صعوداً إلى الأعلى حتى الوصول إلى قمة المنظمة.

أظهر الالتزام الصادق
حين يرى الموظفون في الصفوف الدنيا مديريهم (من الرئيس المباشر إلى المسؤولين في الجناح التنفيذي) وهم يلتزمون بإبقاء الزبون نصب أعينهم، فإن هؤلاء الموظفين سيصبحون أكثر ميلاً ليجهدوا للتركيز على الزبائن بالقدر نفسه.
ومن السبل التي تعين المنظمات على غرس وتعميق الالتزام الإداري وجعله منظوراً يراه بوضوح جميع أعضاء الفريق التنفيذي هو أن تفرض المنظمة أن تقاريرهم المباشرة تظهر الاتصال المنتظم مع الزبائن.
وتضرب مجراث مثلاً آخر حول مدير قسم بطاقات الائتمان في إحدى الشركات الكبيرة المتخصصة في الخدمات المالية، ألزم هذا المدير موظفيه أن يذكروا في تقاريرهم المباشرة إليه خلال الاجتماع الشهري لفريق الموظفين درساً واحداً على الأقل تعلمه الموظفون من أحد الزبائن خلال الفترة الأخيرة. وتقول: "لم يستغرق الأمر أكثر من بضعة اجتماعات ليرى الموظفون مدى جديته وإصراره، ومدى رغبته في أن يتغلغل هذا الأمر إلى بقية أجزاء الشركة". بل إن هذا المدير التنفيذي فصل أحد المديرين لأنه أخفق بصورة متواصلة في إعطاء آراء ووجهات نظر الزبائن.
وتقول مجراث إن هناك منهجاً آخر، وهو المنهج الذي اتخذته بعض شركات البضائع الاستهلاكية، وهو أنها ألزمت كبار المديرين فيها بأن يمضوا على الأقل يوماً واحداً كاملاً من كل شهر في أحد محال السوبر ماركت ليشاهدوا كيف يتفاعل الزبائن مع منتجات الشركة.
ويقول جوناثان تيش رئيس مجلس الإدارة وكبير الإداريين النفيذيين في شركة إدارة الفنادق Loews Hotels في نيويورك، ومؤلف كتاب "الشوكولاته على المخدة لا تكفي: إعادة اختراع التجربة مع الزبائن" (من إصدار وايلي 2007)، إنه بطبيعة الحال فإن إظهار الالتزام بالتركيز على الزبائن لا يعني أنه يتعين على كبار المديرين إمضاء عدد محدد من الأيام كل سنة في الميدان، فالالتزام يمكن أن يتخذ شكلاً يكون فيه لسان حال الشركة هو التركيز على الزبون بما لا يدع مجالاً لأي شخص للتشكيك في أولويات المنظمة.
يقول تيش: "لا تستطيع الإدارة العليا أن تكون في الميدان في جميع الأوقات، ولكنها في حاجة لأن تضمن اشتراك الموظفين في جميع مستويات الإدارة حتى يصبح التركيز على الزبون أولوية وحقيقة فعلية."
وفي حين أن تيش يستخدم أسلوباً شبيهاً بأسلوب اجتماعات الأهالي في مبنى المجلس البلدي، ويستخدم الإنترنت الداخلي للشركة للتواصل مع موظفيه، إلا أنه يقول إن أقوى السبل لإفهام الموظفين مدى أهمية التركيز على الزبون هو عن طريق المزيد من قنوات الاتصال الشخصية والمباشرة. ويضيف: "بضع مرات في السنة نطلب من أفراد من الموارد البشرية الذهاب إلى كل فندق من فنادقنا وعقد اجتماعات مثل الصفوف الدراسية لجميع الموظفين هناك. وفي هذه الجلسات، يعرفون بصورة واضحة التوقعات المطلوبة من الموظفين من حيث الخدمة، ويؤكدون عليهم مدى الضرورة اللازمة للوفاء بهذه التوقعات لأننا نتعامل مع شريحة من المستهلكين الذين يتميزون بأنهم في غاية التطور".
كما هو واضح من ملاحظات تيش، فإن دفع الموظفين للاشتراك في البرنامج يتوقف على فهم الأمور التي ينطوي عليها ذلك ومدى أهميتها. ويحتاج كل موظف إلى فهم الكيفية التي يؤثر بها أداؤه في الزبون والشركة.

عامل الموظفين مثل الزبائن
نأتي الآن إلى و. إيرل ساسر الابن أستاذ إدارة الأعمال في جامعة هارفارد. ألف ساسر مع زميلين آخرين كتاباً بعنوان "سلسلة الربح في القيمة: عامل موظفيك كأنهم زبائن وعامل الزبائن كأنهم موظفين" (من إصدار دار النشر فري برس 2003). يقول ساسر: "ينبغي على الناس أن يدركوا الصلة بين ما يفعلون وبين النتائج على المدى الطويل".
وحتى تكون هذه الصلة واضحة، استخدم لغة يستجيب لها الموظفون. على سبيل المثال، حسب رئيس إحدى وكالات السيارات أن متوسط القيمة مدى الحياة لكل زبون على أنها تساوي 332 ألف دولار. وأصر أن يضع كل موظف هذا الرقم نصب عينيه في كل مرة يتعامل فيها الموظف مع أحد الزبائن. لماذا؟ بهذه الطريقة يستطيع الموظفون أن يفهموا التكلفة المحتملة للإخفاق في التميز في أداء حتى الأعمال التي يدل ظاهرها على أنه لا شأن لها نهائياً. ويقول ساسر: "فهم الموظفون أنه إذا جاء أحد الزبائن لتغيير زيت سيارته وأنهم إذا لم يقدموا له أفضل خدمة فإنهم بذلك يعرضون الشركة لخطر خسارة 332 ألف دولار".
إذا شعر الموظفون بأنهم يتمتعون بالقوة الحقيقية للتعامل مع المشكلات حين تصادفهم، وأنهم مزودون بالوسائل اللازمة لاتخاذ الإجراء المناسب، فإنهم سيكونون أكثر ميلاً لجعل التركيز على الزبون جزءاً لا يتجزأ من روتين عملهم اليومي. فضلاً عن ذلك، فإنهم سيكونون على الأرجح سعداء وأكثر إنتاجية وموظفين لهم قيمة.
إن الأمر كله يدور حول ما يسميه ساسر "سلسلة الخدمة والربح"، التي تصل بين رضا الزبائن وبين الربحية والنمو. وتبين من أبحاث أجراها ساسر وزملاؤه أن العاملين يشعرون بالرضا أكثر ما يمكن حين يتمتعون بالصلاحيات اللازمة لحل المشكلات للزبائن. ويؤدي رضا الموظفين إلى تعزيز الولاء للمنظمة، الذي يعمل بدوره على تعزيز الإنتاجية، لأن استبدال الموظفين المتمرسين أمر مكلف. فالإنتاجية تعزز من القيمة، والقيمة تعزز من رضا الزبائن، ورضا الزبائن يعزز ولاءهم، وفي النهاية فإن ولاء الزبائن يعزز الربحية والنمو.
خذ مثلاً شركة إم. بي. إن. إيه، وهي شركة لإصدار بطاقات الائتمان ومقرها ولاية ديلاوير الأمريكية. وقد اندمجت في الفترة الأخيرة مع "بانك أوف أمريكا". ويقول ساسر إنه في الثمانينيات اكتشف كبير الإداريين التنفيذيين للشركة أمرين مهمين: الأول هو أن الشركة تحتاج في المتوسط إلى خمس سنوات لاسترداد الاستثمار اللازم لاجتذاب زبائن جدد. الثاني هو أن متوسط بقاء الزبون مع الشركة كان أربع سنوات فقط. ولذلك طلب مساعدة الموظفين للبحث عن الأسباب التي تدفع بالزبائن للتحول إلى شركات أخرى.
قام الموظفون بإجراء مقابلات مع عدد من العملاء الذي تحولوا قبل فترة قريبة إلى شركات أخرى. وتبين لهم وجود عدد كبير من الشكاوى، تراوح بين الصعوبة في حل الخلافات المتعلقة بالرسوم التي تفرضها الشركة والمشكلات المتعلقة بطلبات الزبائن في رفع السقف الائتماني لبطاقاتهم. وعمل الموظفون معاً وتمكنوا من الخروج بحلول للتعامل مع هذه المواضيع، وكان من شأن ذلك تعزيز رضا الزبائن وبالتالي ازدادت مدة بقائهم مع الشركة. وفي الوقت نفسه فإن العملية ذاتها التي عمل فيها الموظفون على إيجاد حلول لمشكلات الزبائن، هذه العملية زادت من تفاعل الموظفين وعززت من دورهم. ولم يقتصر الأمر على ازدياد فترة بقاء الموظفين أنفسهم في الشركة، بل لأن أداء هؤلاء الموظفين كان متميزاً في الوفاء بحاجات الزبائن، فإن فترة بقاء الزبائن مع الشركة تلقت دفعة إضافية كذلك من دور الموظفين في هذا الموضوع.


كافئ الموظفين فوريا
ينبغي على المديرين أن يستفيدوا من جميع الوسائل المتاحة، سواء كان ذلك الإنترنت الداخلي للشركة، أو النشرات الداخلية، أو اللقاءات التي تشبه لقاء الأهالي في المجلس البلدي، عليهم أن يستفيدوا منها في سبيل تعميم وإشهار أفعال الذين يركزون على الزبون. كما يجب أن تُعقد صلة مباشرة بين العلاوات والحوافز الأخرى وبين مقاييس رضا الزبائن.
وهذا مثال آخر من شركة سكوت تريد، وهي شركة للوساطة المالية عن طريق الإنترنت مقرها مدينة سانت لويس الأمريكية، ولديها 300 فرع في جميع أنحاء الولايات المتحدة. يحق لجميع موظفي هذه الشركة تلقي علاوة كل ثلاثة أشهر، يعتمد 20 في المائة من العلاوة على تقييم مدى كفاءة الموظف في خدمة الزبائن. على سبيل المثال بالنسبة للموظفين العاملين في النشاطات المساندة داخل الشركة نفسها، يتصل رؤساء الأقسام بزبائنهم الداخليين (وهم مديرو الفروع) ليتبينوا مدى رضا هؤلاء الزبائن عن مستوى الخدمة. والواقع أنه في حين أن العوامل المحددة التي يتم تقييم الموظف على أساسها تختلف من وظيفة لوظيفة، إلا أن خدمة الزبائن والعمل ضمن الفريق يظلان العاملين الثابتين في جميع وظائف الشركة. وبفضل الجهود التي من هذا القبيل حصلت الشركة على تقييم خاص، وهو أنها أكثر شركة وساطة عبر الإنترنت تتمتع برضا أكبر عدد من المستثمرين المتعاملين مع الشركات خلال السنوات الست الأخيرة من آخر سبعة أعوام، وجاء هذا التقييم من شركة جيه دي باور آند أسوشييتس، المتخصصة في أبحاث السوق الاستهلاكية.
ومن المهم كذلك أن يكافئ الرؤساء بصورة فورية الموظفين الذين يركزون على خدمة الزبون. ويمكن لهذه المكافأة أن تتخذ عدة أشكال، مثل إرسال مذكرة شكر للموظف، أو الثناء عليه أمام الجميع، أو إعطائه شهادة هدية، أو منحه يوم إجازة إضافيا.

قنوات الاتصال المفتوحة
لا يستطيع المديرون إدخال التغييرات للتعامل مع احتياجات ومشكلات الزبائن إذا كانوا غير مدركين لوجودها. ويجب أن يُعطى الموظفون الذين يتعاملون مع الزبائن مباشرة عمليات وإجراءات سهلة الاستخدام للاطلاع على آراء الزبائن وتوصيلها للمسؤولين عنهم. إن وضع هذه الإجراءات موضع التنفيذ مهم بصورة خاصة في المنظمات الكبيرة، على اعتبار أن التنفيذيين يمكن بسهولة أن يكونوا بعيدين عن الزبائن وعن الموظفين الذين يتعاملون معهم مباشرة.
في "سكوت تريد" تقوم مجموعة مختارة من مديري الفروع كل ثلاثة أشهر بدور مجموعة التركيز، وتحضر الاجتماعات التي تعقد في المقر الرئيسي للشركة للحديث عن المواضيع المتعلقة بالزبائن. ويقود المناقشات شخص من كبار المديرين التنفيذيين، الذي يتولى مسؤولية ضمان التعامل مع المشكلات التي تُثار في الاجتماع. على سبيل المثال ذكر أحد مديري الفروع في أحد الاجتماعات الأخيرة أنه يمكن مراعاة مصلحة الزبائن بصورة أفضل إذا تمت موافقة القسم المختص على الحسابات الجديدة بصورة أسرع من ذي قبل. وكان الذي يمثل كبار التنفيذيين في ذلك الاجتماع هو محامي الشركة العام، وتولى مسؤولية متابعة تنفيذ التغييرات الضرورية.
ومن المهم كذلك خلق عمليات تسمح للزملاء بالاطلاع فيما بينهم على آراء الزبائن وعلى أفضل الممارسات. ويمكن أن يحدث هذا على أي مستوى من مستويات المنظمة. وتقول مجراث، الأستاذة في جامعة كولومبيا، إن المسؤولين عن نظافة الفنادق والعناية بها في مدينة الملاهي "ديزني وورلد" يجتمعون كل أسبوع لإطلاع بعضهم البعض على الممارسات التي كان لها وقع إيجابي على النزلاء، مثل وضع الدببة بصورة مرتبة على أسرة الأطفال وترك رسالة لطيفة للوالدين.
إن جعل التركيز على الزبون حقيقة واقعة يتطلب تنسيق الإجراءات على عدة جبهات. ويحتاج المسؤولون إلى توصيل أهمية هذه الفكرة لبقية الموظفين. ويحتاج المديرون إلى أن يبينوا لموظفيهم كيف تؤثر أفعالهم في الزبائن، سواء كان ذلك خيراً أم شراً. ويحتاج الموظفون إلى أن يعرفوا أن بإمكانهم، بل ومن واجبهم، اتخاذ الخطوات الاستباقية للتعامل مع مواضيع وهموم الزبائن. ويجب أن توضع موضع التنفيذ عمليات وإجراءات لمكافأة الموظفين الذين يركزون على خدمة الزبائن. كما يجب أن تكون قنوات الاتصال مفتوحة وواضحة حتى يتم بث آراء واقتراحات الزبائن إلى جميع المسؤولين الذين يتمتعون بالصلاحية اللازمة لاتخاذ الإجراءات الضرورية بهذا الخصوص. وفي هذه الحالة فإن زبائن المنظمة سيصبحون أكثر شعوراً بالرضا عن المنظمة وأكثر ولاء لها. ليس هذا فحسب، ولكن الاحتمال كبير بأن القوة العاملة ستشعر كذلك على هذا النحو.