أدى النمو المتسارع وغير المسبوق في منطقة الشرق الأوسط عموماً، ومنطقة الخليج العربي خصوصاً، إلى تصاعد الضغوط على الهيئات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص لتحقيق أهدافها الاستراتيجية بنجاح تام وبزمن أقل، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات المتسارعة على المستويين المحلي والعالمي.
ولتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية بأسلوب متكامل ومتناسق، لا بد من تحليلها إلى غايات تكتيكية محددة بدقة، إضافة إلى تحديد مسؤولية تطبيق هذه التكتيكات وما يلزم من زمن وتكلفة.
ولكي يتحقق النجاح لأي من هذه الغايات، مهما كانت طبيعتها، ينبغي تحديد الوسيلة المساعدة التي تضمن تنسيق وتوحيد جهود جميع الأطراف المعنية. ولا بد أيضاً من النظر إلى الوسيلة على أنها مشروع قائم في حد ذاته ويحتاج إلى إدارة ناجحة تكفل تحقيق الأهداف المنشودة خلال المدة المحددة بأقل تكلفة وبالجودة المطلوبة، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر التي ينطوي عليها هذا المشروع.
وتنبع هذه المخاطر من أن المشاريع مبنية في طبيعتها على الالتزام بتقديم نتائج محددة في المستقبل ضمن العديد من الشروط والقيود، حيث تستثمر الأطراف المعنية الموارد المالية والبشرية وغيرها على أمل تحقيق المنفعة المرجوة من المشروع. وبعبارة أخرى، فإن فشل المشروع في تحقيق الغاية المرجوة لا يترك أي إمكانية لاسترداد ما تم استثماره، فضلاً عن ضياع فرصة استثمار تلك الأموال في مشروع آخر كان من الممكن أن يعود بمنافع كبيرة.
وعلى سبيل المثال، فقد تنبهت غالبية المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أوروبا إلى أهمية الإدارة الناجحة للمشاريع بجميع أنواعها وفئاتها، مما أدى إلى نمو مطرد في عدد الهيئات والمؤسسات التي تطبق رسمياً أسلوب إدارة المشاريع في النشاطات التي تقوم بها كافة.
وقد تنامي هذا الاهتمام ليمتد إلى منطقة الشرق الأوسط، ودول مجلس التعاون الخليجي بوجه الخصوص، حيث تم في عام 1992 تأسيس فرع لـ "معهد إدارة المشاريع"، وهو هيئة للنفع العام تعنى بتطوير علم إدارة المشاريع في دول مجلس التعاون. ومنذ ذلك الحين، حقق هذا الفرع نجاحاً غير مسبوق على مستوى العالم وحصد العديد من الجوائز التقديرية. ويتجاوز عدد أعضاء فرع "معهد إدارة المشاريع" اليوم 400 عضو، يتطلع غالبيتهم إلى الحصول على ما يعرف بشهادة "مدير مشروع محترف".
يقوم علم إدارة المشاريع على مبدأ تحكيم المنطق عند العمل على أي مشروع، وذلك من خلال تقسيم عمليات المشروع إلى خمس مراحل، تعرف أولاها بمرحلة إطلاق المشروع. وتتم في هذه المرحلة دراسة وتحليل الأسباب التي أوجدت المشروع المراد إطلاقه، أي معرفة التكلفة التقديرية للمشروع والجدوى الاقتصادية منه. ويجري تدوين ذلك ضمن مستند يعرف باسم "ميثاق المشروع"، والذي يكون بمثابة الموافقة الفعلية على توفير الموارد التي قد يحتاج إليها المشروع.
بعد الانتهاء من هذه المرحلة، تبدأ مرحلة "تخطيط المشروع"، والتي تتضمن تحديد متطلبات ومحتوى المشروع والخطة الزمنية الواجب اتباعها لتنفيذه. كما يتم تحديد جميع الموارد التي قد تحتاج إليها تلك الخطة، بما في ذلك التكلفة المادية الواجب رصدها ومتطلبات الجودة التي ينبغي على المشروع تحقيقها. وأخيراً، يجب عند القيام بتخطيط المشروع تحديد جميع الأطراف ذات الصلة بالمشروع وكيفية التواصل مع هذه الأطراف، حيث يتم تعيين الجهة المنفذة للمشروع وكذلك تحديد المسؤوليات والواجبات المنوطة بكل فرد.
ولعل أهم ما يجري تحديده في هذه المرحلة هو المخاطر التي قد يتعرض لها المشروع وكيفية التعامل معها، والتي قد تشمل إسناد بعض المهام إلى أطراف خارجية لنقل المخاطرة إلى الطرف الذي سيقوم بتنفيذ الأعمال. وللانتهاء من مرحلة التخطيط، تجري دراسة جميع البيانات التي تم إنشاؤها للتأكد من أنها تتكامل مع بعضها بعضاً وأنه لا يوجد أي تعارض فيما بينها. ويرشح عن ذلك ما يسمى "خطة المشروع التنفيذية المعتمدة".
تلي ذلك مرحلتان متزامنتان، تعرف الأولى بـ "مرحلة التنفيذ" والثانية "مرحلة السيطرة". وتقوم هاتان المرحلتان على مبدأ مفاده أن نجاح أي خطة عمل يعتمد على توفير جميع الموارد اللازمة وجميع متطلبات خطة العمل التي تمت الموافقة عليها، ومن ثم التأكد من أن نتيجة العمل المنجز قد حققت متطلبات خطة العمل، مع الأخذ بعين الاعتبار أي تغيرات قد تطرأ أو قد تتطلبها خطة العمل الأصلية وتأثيرها فيما تم إنجازه في المشروع.
ويتم من خلال هاتين المرحلتين صرف الموارد والأموال المرصودة للمشروع مقابل الحصول على نتائج محددة، والموافقة على تلك النتائج من قبل صاحب المشروع، إلى أن يتم تسليم كلما اتفق عليه في الخطة المعتمدة.
وفي المرحلة الأخيرة، التي تعرف بمرحلة "تغليق المشروع"، يتم إجراء مراجعة تامة وشاملة لما تم إنجازه وتدوين الدروس المستقاة من تنفيذ المشروع وتغليق جميع الالتزامات التعاقدية وحفظ سجلات المشروع في الأرشيف.
كما هو ملاحظ، فقد تطلبت هذه المراحل الخمس القيام بالعديد من النشاطات الإدارية التي تم الاتفاق على تقسيمها إلى تسع مجموعات يحتوي كل منها عدداً من العمليات. وهذه المجموعات التسع هي: إدارة المحتوى، إدارة الزمن، إدارة التكلفة، إدارة الجودة، إدارة التواصل والاتصالات، إدارة الموارد البشرية، إدارة المخاطر، إدارة التوريد، وإدارة التكامل.
وسأقوم في المقالات اللاحقة بشرح هذه المراحل بالتفصيل مع بيان العمليات الإدارية الواجب اتباعها في كل مرحلة من مراحل المشروع، مع بيان المعطيات والنتائج التي سيتم الحصول عليها عند تطبيق تلك العمليات الإدارية.