الدلالة اللغوية لكلمة "التمكين":
أصل المادة .... م ك ن. والتمكين مصدر للفعل مكّن وهو من مزيد الثلاثي، والأصل "مكَن" قال الجوهري مكن ... مكنه الله من الشيء وأمكنه منه بمعنى واستمكن الرجل من الشيء وتمكن منه وفلان لا يمكنه النهوض: أي لا يقدر عليه. وقال صاحب القاموس المحيط: المكانة: التؤدة، والمنزلة عند ملك، ومكُن ككرم وتمكن فهو مكين. والاسم المتمكن: ما يقبل الحركات الثلاث كزيد، والمكان : الموضع، ومكنته من الشيء وأمكنته منه، فتمكن واستمكن .وتمكن من الشيء واستمكن ظفر، والاسم من كل ذلك المكانة. قال أبو منصور: ويقال أمكنني الأمر،يمكنني، فهو ممكن.وقال بعض أهل العلم : ما كلّ منْ نوى شيئاً قدر عليه، ولا كل منْ قدرَ على شيء وفـِقَ له، ولا كل منْ وَفـِقَ لشيء أصاب له، فإذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهنالك تمت السعادة.
ونخلص إلى أن المكين له معان متعددة متقاربة كالمنزلة، والتمليك، والإقدار من الشيء، والتسليط عليه، والظفر به. مع ملاحظة أن التمكين أوسع دلالة من الإقدار، فالتمكين لغة: إعطاء ما يصح به الفعل كائنا ما كان من الآلات والعدد والقوى بينما: الإقدار لغة: إعطاء القدرة وذلك أن الذي له قدرة على الكتابة تتعذر عليه إذا لم يكن له آلة للكتابة، ويتمكن منها إذا حضرت الآلة، والقدرة ضد العجز، والتمكن ضد التعذر كما في كتاب الفروق اللغوية .
استعمالات القرآن لكلمة "التمكين ...
استعمل القرآن هذه الكلمة على سبعة معانٍ هي كالآتي:
أولًا: بمعنى الملك والسلطان: قال جل ذكره في شأن ذي القرنين: [إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ] {الكهف:84} قالابن كثير رحمهالله: "أي أعطيناه ملكًا عظيمًا ممكنًا فيه من جميع ما يُعطى الملوك من التمكين والجنود". ومن هذا القبيل قوله تعالى: [الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ] {الحج:41}، قال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره: "أي ملكناهم إياها وجعلناهم المتسلطين عليها، من غير منازع ينازعهم، ولا معارض".
ثانيًا: التمكين بمعنى المنزلة عند الملك: قال تعالى في شأن يوسف عليه السلام: [وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِه أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليَوْم لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ] {يوسف:54}، وقال تعالى في جبريل عليه السلام: [ذِي قُوَّة عِنْد ذِي العَرْشِ مَكِينٍ] {التَّكوير:20}، وكذلك قال تعالى في شأن يوسف عليه السلام: [وَكَذَلِك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْض يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ] {يوسف:56{
ثالثًا: التمكين بمعنى التهيئة: قال تعالى: [أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ] {القصص:57} أي ألم نجعل حرمًا ذا أمن وقال تعالى في شأن يوسف عليه السلام: [وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْر لِامْرَأَتِه أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْتَأْوِيل الأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(21)] {يوسف}، أي جعلنا هذا مقدمة وتهيئة لتمكينه في الأرض من هذا الطريق.
رابعًا: التمكين في نعم الدنيا ومعايشها: قال تعالى : [أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِم مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُم وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَار تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ] {الأنعام:6}. وقال تعالى: [وَلَقَد مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً..الآية] {الأحقاف:26}، قال ابن كثير: "رحمهالله: يقول تعالى: ولقد مكنا الأمم السالفة في الدنيا من الأموال والأولاد وأعطيناهم منها ما لم نعطكم مثله ولا قريبًا منه".
خامسًا: التمكين للدين: وهو يعني القدرة على مزاولة شعائره في أمن وإظهارها دون منازع أو مشوش، قال تعالى في سورة النور: [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَف الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَايُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا] {النور:55{
سادسًا: التمكين بمعنى الظفر: قال تعالى: [وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَد خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] {الأنفال:71}، فأمكن بمعنى أظفر وأقدر .
سابعًا: التمكين بمعنى الثبوت والاستقرار: قال تعالى: [أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍمَهِينٍ(20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(21) ]. {المرسلات}. أي ثابت مستقر والمراد في الآية استقرار النطفة في الرحم وتمكنها.
مستويات التمكين :
وقد حدد بعض أهل العلم التمكين بمستويات ثلاث هي:
ü المستوى الفردي: لتطوير الإحساس بالذات وتعزيز الثقة والقدرة الشخصية والقدرة على التواصل والتحاور والتأثير على طبيعة العلاقات والقرارات وعمل الأفراد مع الآخرين لتحقيق التأثير المطلوب بدرجة اكبر من التأثير في حالة العمل الفردي.
ü المستوى الجمعي: لتطوير القدرة على التنظيم والعمل الجمعي والإحساس بالقوة والمنعة والقدرة الأكبر على التأثير.
ü المستوى البيئي: لتطوير المناخ السياسي والاجتماعي والقواعد الاجتماعية والحوار العام لتدعيم التمكين في المستويين المتقدمين.
المرجع :
محمد العقيد
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]