قد نظن أحياناً أن أثر الكذب يعود على عدد قليل من الناس. ولكن هل فكرت يوماً أن تقدر التكاليف المترتبة على الكذب؟ و ما هو أثر الكذب على أداء الشركات و المؤسسات؟
دعنا نفترض ثلاث حالات:
الحالة الأولى: قلةٌ من الناس قد تكذب ولنقل عشرة بالمائة
الحالة الثانية: كثيرٌ من الناس قد يكذبون ولنقل خمسون بالمائة
الحالة الثالثة: كثيرٌ من الناس قد يكذبون وقد يَتَفقون على الكذب
في الحالة الأولى تكون تكلفة عدم الثقة بالناس أعلى بكثير من تكلفة أن تُخدع لأن احتمالية ان يكذب عليك أحد قليلة. في هذه الحالة ستثق في مرؤوسيك ورؤسائك وستُصدق الطبيب وميكانيكي السيارات.
في الحالة الثانية ستضطر إلى تحمل تكلفة عدم الثقة بالناس أو تكلفة أن يخدغك الناس كثيراً. بالطبع لن تُصدق نصيحة الطبيب ولا مشورة الميكانيكي وسوف تذهب إلى أكثر من طبيب وأكثر من ميكانيكي. المدير لن يثق في مرؤوسيه ومرؤوسيه لن يُصدِّقوه وبالتالي ستجد كثير من العاملين والمديرين لا عمل لهم سوى التأكد من أن آخرين يقومون بأعمالهم: س يتأكد ان ص يؤدي العمل كما ينبغي و ع يتأكد أن س لا يكذب و غ يتاكد أن ع لا يخدعه والمدير يتأكد من أنهم جميعاً لا يخدعونه …..مَضيعة للوقت….و مَضيعة للمال. في هذه الحالة لن يُصدق العاملين وعود المديرين بالحوافز والترقيات وبالتالي لن يكون عندهم حماس وحافز عاليين وسيكونون باستمرار باحثين عن عمل آخر لأنهم لا يثقون في المسئولين عن المؤسسة او الشركة. في هذا الجو من عدم الثقة تُقابل أي مبادارات بتطوير العمل بشك رهيب ومقاومة شديدة من العاملين.
في الحالة الثالثة لا يثق أحد فيما يقوله أي زميل أو مدير أو أي مجموعة من الزملاء ويحكم الشك قراراتنا وأفعالنا ويضيع الكثير من الموارد.
إن أداء المؤسسة يتأثر كثيراً بانتشار الكذب لأن تكلفة التحكم في مجموعة ينتشر بينها الكذب وعدم الثقة هي تكلفة عالية جداً. ينتج عن ذلك أن العمل الذي يمكن ان يتم في ساعات لا يتم إلا في عدة أيام لأن هناك عدد ليس هَين من التوقيعات والاعتمادات للسماح لأي شيء أن يبدأ. عليك أن تنسى كل ما تعرفه عن مزايا اللامركزية والتفويض…..لا تفكر في أنه يمكن ان يَتَّسِم العمل بالمرونة…..لا تحاول تطبيق السياسات الحديثة التي تعتمد على اتخاذ الفنيين لقرارت تخص الجودة والإنتاج فأنت لا تثق بهم……توقع أنظمة غاية في التعقيد…..لا تتخيل أنه يمكنك ان تبني علاقة طويلة الاجل مع مورديك….لا تتصور انه يمكنك عمل أي تحالفات مع الشركات المماثلة……بل ولن تستطيع حتى قياس مستوى الاداء ولن تصدق أي تقارير وأي أرقام…….وبعد ذلك لن تستطيع أن تُقيِّم تكلفة الكذب لأن كل الأرقام موضع شك.
الأمانة تجعل الجميع يكسب. لكي تستطيع تطبيق أي عمل وأي سياسات لابد وأن تثق في آخرين وأن يكونون موضع ثقة. لذلك فإن المديرين عليهم أن يتعاملوا بشدة مع أي خلل في الأمانة وأي كذب في نقل المعلومات لأن ذلك يكون له عواقب وخيمة على المدى البعيد.