مقدمة:
يتميز النظـام اللامركزي في إدارة المديريات والمدن الكبرى وما يشابهها من الإدارات الجغرافية الكبرى بالتطور المستمر الذي يحدث تبعاً لمتطلبات كل دولة واحتياجاتها، وقد يكون هذا التطور بسيطاً في بعض الأحيان إلا انه قد بكون تغييرا جذرياً في أحيان أخرى إذا اقتضت ذلك ظروف جديدة هامة. ويحدث ذلك بصفة خاصة في الدول النامية التي تسعى إلى التخلص من تقاليدها الإدارية القديمة أي المركزية الضيقة، والتي تسعى أيضاً للإفادة من مواردها المادية والبشرية لتحقيق أقصى ما يمكن من التنمية عن طريق الأخذ بقدر من اللامركزية في الإدارة المحلية (إدارة المناطق أو المقاطعات... الخ). ولا شك أن هناك العديد من العناصر المتعلقة بإدارة وتنمية المناطق أو المقاطعات كإدارات محلية، منها ما يتعلق بالشكل القانوني لها الذي يتمثل في الحكومات المحلية وإدارتها في إطار النظام السياسي للدولة.
وتأخذ جميع الدول العربية على اختلاف نظمها السياسية، بنظام الإدارة المحلية بشكل أو بآخر، حيث أصبح هذا النظام من مظاهر الدولة الحديثة الذي يتصل اتصالاً مباشراً بتوزيع وظائفها على الأجهزة الإدارية، من خلال الأسلوب اللامركزي الذي يوزع الوظيفة الإدارية بين السلطة المركزية وبين المجالس المحلية القائمة في نطاق إقليمي، للاضطلاع بالأعباء المحلية التي هي الأساس في المسئوليات العامة للدولة، خاصة في الدول العربية التي تجمع بين أسلوبي المركزية واللامركزية بالقدر الذي يتفق مع الظروف الاجتماعية والسياسية لكل دولة. وهذا الأسلوب يحقق التوازن المنشود في الدولة كوسيلة للحد من مخاطر المركزية وتصحيح مسارها بإنشاء كيانات قانونية لا مركزية تمارس سلطة البت في أمور تتصل بمصالح المواطنين، دون الانسلاخ عن الإطار العام للدولة، أو الخروج عن الخط السياسي والقانوني المرسوم لها.
وحيث أن الموضوع الأساسي لهذه الورقة البحثية هو (لامركزية الولايات) فإننا نشير إلى أننا سوف نستخدم بعض المرادفات لكلمة (الولاية أو المقاطعة) بما يتناسب مع ما هو دارج عربياً مثل: الإمارة أو المحافظة أو اللواء أو العاصمة أو الجماعة أو المجموعة أو المدن أوالبلديات أو المحليات.... الخ، خاصة وأننا في هذه الورقة سوف نعرض لبعض التجارب الواقعية في تطبيق اللامركزية في الإدارة المحلية في بعض دول المنطقة العربية.
كما يجدر بالذكر أن المركزية تعني تجميع سلطة اتخاذ القرارات في يد فرد واحد أو إدارة واحدة أو مركز رئيسي. أما اللامركزية فتعني توسيع نطاق سلطة اتخاذ القرارات لتكون في يد أكثر من فرد أو إدارة أو مدينة، ولا يتسع المجال لسرد سلبيات أو ايجابيات المركزية واللامركزية، ولكن يمكن القول انه بالنسبة لظروف المدن والبلديات فإنه يتعين تجسيد اللامركزية لتحقيق أهداف المدن دون إغفال العوامل المختلفة الهامة التي قد تهمل في ظل الأسلوب المركزي.
اللامركزية في الإدارة المحلية العربية:
أسلوب إدارة العواصم والمدن الكبرى في الوطن العربي:
تختلف نظم الإدارة المحلية من دولة لأخرى، بفعل عوامل متعددة تاريخية واجتماعية وسياسية وجغرافية وثقافية، ويلاحظ بوضوح أن الدول التي تمر بظروف تاريخية متقاربة غالباً ما تتشابه في نظم الإدارة المحلية،كما أن نظام الإدارة المحلية يتأثر في أي بلد دون شك بالسياسة العامة للدولة وبالقواعد السياسية للحكم التي تطبع نظام الدولة كله بطابعها.
ويمكن القول أن السمات الأساسية التي تحكم إدارة العواصم والمدن والمراكز الحضرية العربية متعددة نذكر منها مايلي:
1- الدول التي تطبق النظام البلدي خصت عواصمها بوضع خاص فأطلقت عليها اسم (أمانة أو بلدية) - أمانة مدينة كذا - أمانة العاصمة (المملكة الأردنية الهاشمية - اليمن - المملكة العربية السعودية)، الجماعة الحضرية، ولم يقتصر الأمر على مجرد تمييز العاصمة بتسمية مختلفة بل أن التسمية تنبع من اعتبار أن هذه البلدية لها وضع خاص، فهي إما بلدية ممتازة أو يختلف تشكيل مجلسها عن باقي البلديات الأخرى.
أما في المغرب فإن الولاية في مرتبة الإقليم وهي تضم عدداً من العمالات ولكنها ليست قاصـرة على العاصمة وإنما كذلك المدن الكبيـرة الأخـرى مثل الدار البيضاء ومراكش وفاس.. وغيرها، أما الإدارة المحلية فهي ذات تنظيم خاص تحت مسمى الجماعة الحضرية أو في كل مدينة كبيرة تضم أكثر من جماعة حضرية تجمعها هيئة تسمى المجموعة الحضرية وهي التي تعالج المشاريع المشتركة بين مناطق الجماعات الحضرية الممثلة في المدينة وتتولى التنسيق بينها. وتتكون المجموعة الحضرية (عادة) من رئيس إحدى الجماعات الحضرية رئيساً ورؤساء الجماعات الحضريةووكلائها أعضاء.
2- قد ترتبط مجالس هذه العواصم والمدن الكبرى بعلاقات خاصة بالحكومة المركزية (العراق - السعودية – الأردن).
3- هناك عواصم ومدن كبرى تحكمها قوانين خاصة مستقلة عن القانون العام للإدارة المحلية أو البلديات المطبق في الدولة (جمهورية الجزائر، جمهورية السودان).
4- هناك بعض القوانين التي شاءت ان تميز المدن الكبرى عن باقي المدن في الدولة فرفعتها إلى مرتبة أعلى السلطات المحلية فيها (المحافظات) وأعطتها اختصاصات المدن والمحافظات ونصت على أن يكون تشكيلها بقرار من رئيس الجمهورية (مصر - السودان - سوريا) وقد طبق ذلك على مختلف أقاليم الدول مهما صغر الإقليم.
5- في اغلب الأحوال يتمتع رئيس البلدية العاصمة أو العامل أو المحافظ بمركز خاص وسلطات وصلاحيات أوسع من أقرانه (كان محافظ القاهرة في مدة سابقة بدرجة وزير ثم تساوى في ذلك كل المحافظين).
6- هناك دول أخرى مثل (ليبيا) لم تميز عواصمها أو مدنها الكبرى عن باقي المدن الموجودة بالدولة.
7- الملاحظ عموماً أن غالبية العواصم والمدن الكبرى تدار بشكل مختلف عن بقية المدن حيث نجد فيها نظام الأحياء والضواحي.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول أن العواصم هي مقر الحكم ومركز الوزارات المركزية ومرآة الدولة - بها توجد المرافق الوطنية الكبرى والمتاحف والمراكز الثقافية والبعثات والسفارات - وهي تشكل غالباً أكبر تجمع حضري في الدولة وتظهر فيها بوضوح المشكلات التي تهم المواطنين وعلى الرغم من أن المدن الكبرى تتمتع بمعظم هذه الخصائص إلا أنها تزيد عليها مشكلات نوعية خاصة بها كانت قد جعلت منها مدينة كبرى كأن تكون ميناءً أو مركزاً لنشاط اقتصادي أو تجاري أو اجتماعي كبير.

تطبيقات اللامركزية في المملكة العربية السعودية:
تتميز حركة التنمية الإدارية في المملكة بسمات معينة تجعلها في مقدمة الحركات التنموية الإدارية الشاملة في كثير من الدول النامية إذا ما قورن ذلك بالأجهزة الإدارية في البلدان الأخرى، ومن تلك السمات ما يلي:
1- وضوح السياسة العامة واستقرارها وارتكازها على دعامات عقيدية قوية ونظام فريد يسود المجتمع ويحترمه الحاكم والشعب لقيامه على الشريعة الإسلامية السمحة.
2- خلفية مقدرة من التاريخ والتراث والنماذج الفذة في تسيير الحكم والإدارة في العصور الزاهية للحضارة الإسلامية في أكبر إمبراطورية امتدت من الصين إلى غرب إفريقيا.
3- انجازات هائلة في مجالات التنمية،ومنها التنمية الإدارية منذ تشكيل اللجنة العليا للإصلاح الإداري في سنة 1963م برئاسة جلالة الملك (خادم الحرمين الشريفين).
4- خطط ممتازة وطموحه للتنمية، وإصرار على تنفيذها بمعدلات عالية، والتركيز على العنصر البشري بوصفه الهدف والوسيلة.
5- أهمية خاصة للتنظيم الإداري الحكومي والتوجيه بضرورة إدخال تغييرات أساسية عليه، وتجديد أساليب العمل فيه من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من القوى البشرية المتاحة واختصار مراحل الوصول إلى الأهداف العامة.
أساليب وتطبيقات اللامركزية في الإدارة العامة بالمملكة:
اللامركزية هي واحدة من الأساليب المتبعة في العمل الحكومي وفي الإدارة العامة فهناك: لا مركزية مرفقيه اقتضتها طبيعة التخصص ورغبة الحكومة في إطلاق يد الإدارة في مرافق مهمة وحيوية كما إنها ذات طبيعة خاصة تتحرر إلى حد كبير من النظم والأساليب المركزية ومعوقات الروتين الحكومي، فأنشأت الهيئات والمؤسسات والشركات العامة في المجالات الاقتصادية والإنتاجية والخدمات الرئيسية. وهناك أيضاً لا مركزية إقليمية في نظام الإمارات وفي نظام البلديات المطبق في سائر المدن والقرى في إنحاء المملكة.
وفي نطاق الإطار العام لإستراتيجية المملكة، حددت وزارة الشئون البلدية والقروية أهدافها ووضعت خطتها ووسائل تنفيذها، فحددت من أهدافها تحسين الهيكل والنظام الإداري مع التركيز على:
- تحقيق قدر من اللامركزية لتتمكن الوزارة من الاضطلاع بدورها الرئيسي.
- تعزيز دور السلطات المحلية، للقيام بمهام القيادة.
ومن هذا العرض الموجز نلمس مدى اهتمام المملكة باللامركزية وتطبيقاتها، كعامل فعّال في نجاح العملية الإدارية.
تجربة مدينة الرياض في تطبيقات اللامركزية:
انطلقت أمانة مدينة الرياض وكذلك جميع أجهزة الدولة الأخرى التي لها مشاريع في المدينة لتنفيذ المشاريع المتعددة التي تضمها الخطة التنموية. وهنا تجدر الإشارة إلى صورة اللامركزية في المدينة وهي اللامركزية المرفقية نشاهدها في المؤسسات والهيئات التي اختصتها الحكومة بالمرافق والخدمات داخل المدينة مثل (مصلحة المياه والصرف الصحي، شركة كهرباء الرياض، صندوق التنمية العقارية، مطار الملك خالد الدولي، مشروع قصر الحكم، مشروع الحي الدبلوماسي) فقد حملت كل منها أمانة العمل في انجاز خطط التنمية كل في فـرع تخصصه متعاونة فيمابينها ومع أمانة مدينة الرياض للارتقاء بالعاصمة.
مراحل العملية الإدارية بأمانة مدينة الرياض:
تمر العملية الإدارية بأمانة مدينة الرياض لممارسة وظائفها المتعددة بمراحل رسم السياسات التخطيطية والبرامج ثم التنفيذ بمختلف خطواته وإجراءاته، فالمتابعة والرقابة ثم التقويم. ولأهمية الشئون البلدية بالعاصمة والحرص على تطويرها ورسم سياستها العليا ومتابعة مقتضيات التنمية ومتطلبات التحديث وتهيئة المناخ الملائم لأنشطتها فقد سارت الخطوات المرحلية التالية:
- أنشئت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض سنة 1394هـ (1974م) وشكل مجلسها سنة 1395هـ (1975م) برئاسة أمير منطقة الرياض وينوب عنه نائب أمير المنطقة، ويتولى أمين مدينة الرياض الأمانة العامة للهيئة التي تضم أعضاء بحكم وظائفهم وأعضاء من الأحياء المختلفة للمدينة، وتتولى رسم السياسة العليا لتطوير المدينة وإقرار خطة تنميتها والبرامج الزمنية للتنفيذ والتنسيق بين مختلف الجهات التي تزاول نشاطها بالمدينة.... الخ.
- أناط نظام البلديات بأمانة مدينة الرياض القيام بجميع الأعمال المتعلقة بالمدينة وإصلاحها وتجميلها والمحافظة على الصحة والراحة والسلامة العامة.. الخ.
- يمارس أمين مدينة الرياض سلطة التنفيذ بمعاونة أجهزة الأمانة وذلك وفقاً للصلاحيات العامة التي قررها النظام،كذلك حدد النظام صلاحياته ومسئولياته وقواعد وأساليب ممارستها، أي أن الأمين هو المرجع الأول في أمور الأمانة،وهو المسئول عن إدارتها وعن تطبيق الأنظمة والتعليمات.
الهيكل التنظيمي العام لأمانة مدينة الرياض وتطبيق اللامركزية:
إذا نظرنا إلى الهيكل العام لأمانة مدينة الرياض في الخريطة التنظيمية نلاحظ انتهاج أسلوب التنظيم الرأسي الاستشاري والذي يعني إسناد السلطة العليا لشخص واحد هو رأس التنظيم، كما نلاحظ الجمع بين مزايا خط السلطة الممثل في المستويات المنفذة من القمة إلى القاعدة، وأجهزة الاستشارة من ذوي التخصص والخبرة - والذين يتصلون بالأمين ولا ينخرطون في خط السلطة، كما يشير التنظيم إلى اتصال الأمين بلجنة عليا هي الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض التي تتولى رسم السياسة العليا وإقرار خطة التنمية، ويعاون الأمين وكيلان، احدهما للمشاريع والتعمير والآخر للخدمات، ومدير عام للشئون المالية والإدارية، والأمين عضو أساسي في هذه اللجنة العليا وهو أمينها العام والمسئول عن تنفيذ مقرراتها وتوجيهاتها.
من صور اللامركزية الإدارية في السلطات الأصيلة للأمين:
تم تفويض صلاحيات لكل من الوكيلين وكذلك المدير العام للشئون المالية والإدارية ومدير عام الأراضي والممتلكات، كل في مجال تخصصه ونطاق إشرافه بما حدّ كثيراً من ضغوط التركيز الإداري ومركزية اتخاذ القرار واتساع نطاق التمكن (مدى الإشراف) وأطلق ملكات الابتكار والمبادأة وسرعة الحركة وانسياب العمل.
- إن الإدارة العامة للممتلكات والأراضي تمثل الانطلاقة الجديدة نحو المزيد من عدم التركيز الإداري أو اللامركزية الإدارية، فقد خصص لها مبنى مستقل جمعت فيه كل الإدارات والأقسام التابعة لها وهو بعيد إلى حد ما عن مبنى الأمانة ا لرئيسي وأعطى مديرها العام كثيراً منالاختصاصات.
- تم تخصيص مبنى كامل بعيداً أيضاً عن مقر الأمانة الرئيسي أعد إعداداً كاملاً للإدارة العامة للتشغيل والصيانة المسئولة عن صيانة الطرق والكباري والأرصفة، والإنارة، والصيانة العامة، والمشاريع.
- تقوم إدارة الزراعة والحدائق والتجميل في مبنى مستقل وتمارس عملها في انطلاق وحرية في إطار السلطات الواسعة التي فُوض فيها المدير لتسيير حركة العمل على ساحة المدينة المترامية الأطراف، حيث هي الإدارة المسئولة عن تشجير شوارع المدينة وميادينها وحدائقها العامة وحدائق وملاعب الأطفال.
- في عملية اتخاذ القرار يقترب التنظيم من اللامركزية فيما اختص به كل من الوكيلين والمدير العام للشئون المالية والإدارية ومدير عام الأراضي والممتلكات، والإدارات المشار إليها من حيث الصلاحيات الأصيلة والمفوضة، على أن الأمين يبقى مسئولاً عن التنسيق والتوجيه والمتابعة لضمان وحدة الإيقاع في حركة الإدارة وحسن سير العمل وانتظامه.
ويعتبر إنشاء البلديات الفرعية من أبرز صور تطبيق اللامركزية وأهمها، وهو يعني توزيع الواجبات والمسئوليات ذات الطابع المحلي جغرافياً على وحدات تكون في مجموعها المساحة الكلية للوحدة الكبرى (الأمانة) وتخص كل وحدة من هذه الوحدات الفرعية بمستوى معين من الصلاحياتداخل حدودها وتعمل تحت الإشراف والتنسيق والتوجيه للوحدة الكبرى صاحبة الاختصاص الأصيل.
مع ملاحظة أن هذه البلديات الفرعية، وهي إحدى تطبيقات اللامركزية وقد أثبتت نجاحها وظهرت الحاجة لإرسائها بزيادة عددها - إلا أنها ليست وحدات مستقلة بل هي فروع لأمانة المدينة تعمل تحت إشرافها وتوجيهها ورقابتها، وتظل الأمانة هي صاحبة الشخصية الاعتبارية وذات الاستقلال المالي والإداري.
اللامركزية في أمانة مدينة الرياض نموذجاً للمملكة العربية السعودية:
لم تعد اللامركزية مجرد تجربة تطبق ولكنها أصبحت ضرورة لازمة لحسن سير العمل وانتظامه وتقريب الخدمات وتسييرها للمواطنين بصفة عامة.
وتمثل أمانة مدينة الرياض نموذجاً واضحاً لما يجري في المملكة العربية السعودية التي عرفت وظيفتها في تنظيم مناطقها وإصلاحها وتجميلها والمحافظة على الصحة والراحة والسلامة العامة وخدمات المواطنين،ووعت أدوارها في تنفيذ خطط التنمية، فطورت من أساليب الإدارة والتنظيم بها واستخدمت ما استطاعت من وسائل العلم والتقنيات الحديثة واتجهت إلى البحث والدراسة حتى لا تتخلف عن ركب التقدم والحضارة، واهتمت بالعنصر البشري الذي تسعى إليه الخطط والدراسة والذي يمثل العمود الفقري في حركة الإدارة والتنمية الإدارية.
وفي مدينة الرياض توجد صورتان من صور اللامركزية، تعملان إلى جانب الأجهزة المركزية وفروعها:
لامركزية مرفقيه: كما في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك سعود،ومرفق المياه والصرف الصحي،ومشروعي الحي الدبلوماسي وقصر الحكم وغيرها، اختصت الدولة كلا منها بمرفق معين وأضفت عليها الشخصية الاعتبارية وأعطتها استقلالاً في العمل وميزانية خاصةبها لتنهض بشئون مرفقها متحررة من كثير من قيود الروتين وإجراءاته.
لامركزية إقليمية: تمثلها أمانة مدينة الرياض كواحدة من بلديات المملكة بشخصيتها الاعتبارية وميزانيتها الخاصة،تمارس وظيفتها في الشئون البلدية على رقعة من أرض الوطن هي حدود المدينة ونطاقها الجغرافي.
غير ان الأمانة انفردت بتجربة مميزة باتجاهها نحو مزيد من اللامركزية في عاصمة اتسعت أرجاؤها وتتسع بمعدلات عالية جداً فأقامت في المدينة وضواحيها 17 بلدية فرعية تباشر نشاطها على النحو الذي سبق الإشارة إليه.
التجربة المصرية في تطبيق اللامركزية في الإدارة المحلية
تجربة مدينة القاهرة - نموذجاً
هيكل نظام الحكم المحلي في جمهورية مصر العربية:
وحدات الحكم المحلي هي: المحافظات والمراكز والمدن والإحياء والقرى ولكل منها مجلس تنفيذي ومجلس شعبي محلي.
وتتولى وحدات الحكم المحلي إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها، في إطار السياسة العامة للدولة وخططها، وذلك فيما عدا المرافق القومية أو ذات الطبيعة الخاصة التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية، وتحدد اللائحة التنفيذية المرافق التي تتولى المحافظات إنشاءها وإدارتها والمرافق التي تتولى إدارتها الوحدات الأخرى للحكم المحلي.
تجربة مدينة القاهرة في تطبيقات اللامركزية:
محافظ القاهرة كباقي المحافظين في الجمهورية يعتبر ممثلاً لرئيس الجمهورية بالمحافظة ويتولى الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة ويتولى جميع السلطات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى اللوائح والقوانين - وهو رئيس لجميع الأجهزة والمرافق المحلية في دائرة المحافظة ماعدا التعليم والأمن والصحة العامة.
أ- المجلس التنفيذي لمحافظة القاهرة:
يشكل المجلس التنفيذي لمحافظة القاهرة برئاسة المحافظ وأمانة سكرتير عام المحافظة وعضوية نواب المحافظة الأربعة ورؤساء الأحياء وممثلي الوزارات وبعض الهيئات ذات العلاقة.
ويتولى المجلس معاونة المحافظ في وضع الخطط الإدارية والمالية اللازمة لشئون المحافظة وتقويم مستوى الأداء وحسن انجاز المشروعات والخدمات على مستوى المحافظة وكذلك وضع القرارات والتوصيات الصادرة من المجلس الشعبي المحلي للمحافظة موضع التنفيذ.
ب- المجلس الشعبي المحلي لمحافظة القاهرة:
يشكل من عدد من الأعضاء (منهم مقعد للمرأة) يمثلون الأقسام الإدارية بالمحافظة.
ويتولى المجلس في حدود السياسة العامة للدولة الرقابة على مختلف المرافق والأعمال التي تدخل في اختصاص المحافظة، والإشراف على تنفيذ الخطط الخاصة بالتنمية المحلية ومتابعتها، والإشراف على أعمال ونشاط المجالس الشعبية المحلية للأحياء والتصديق أو الاعتراض على القرارات التي تصدر عنها.
ج - التقسيم الإداري لمحافظة القاهرة:
- تنقسم المحافظة إلى أربعة مناطق يشرف على كل منطقة منها نائب محافظ وفي حالـة غيابه يحل محله نائب مدير أمن المنطقة المختص، وهذه المناطق هي: المنطقة الشمالية، الشرقية، الغربية، والجنوبية.
- وتنقسم محافظة القاهرة إلى ستة عشر حياً يضم كل منها عدداً من أقسام الشرطة البالغ عددها 32 قسماً.
- ويعتبر كل حي من هذه الأحياء وحدة إدارية مستقلة فيما يتعلق بالخدمات التي يؤديها وكذا الإشراف وإدارة المرافق بها. ولكل حي رئيس له سلطات وكيل الوزارة ورئيس المصلحة في المسائل الإدارية.
د- المجلس التنفيذي المحلي للحي:
يشكل بكل حي مجلس تنفيذي برئاسة رئيس الحي وأمانة سكرتير الحي وعضوية ممثلي الوزارات والجهات المختلفة ذات العلاقة.
ويتولى المجلس معاونة السيد رئيس الحي في وضع الخطط الإدارية والمالية لشئون الحي ودراسة ما يحيله إليه المجلس الشعبي المحلي للحي أو رئيس الحي وكذا متابعة الأعمال التي تتولاها الأجهزة التنفيذية للحي وتقويم مستوى الأداء وحسن إنجاز المشروعات والخدمات على مستوى الحي، وفي حالة غياب رئيس الحي يحل محله أقدم رؤساء الأجهزة التنفيذية.
هـ - المجالس الشعبية المحلية للأحياء بالقاهرة:
تشكل من ثمانية أعضاء عن كل قسم من أقسام الشرطة منهم مقعد للمرأة حسب عدد الأقسام التي يتكون منها الحي.
ويتولى المجلس الشعبي المحلي للحي في نطاق السياسة العامة للمدينة، الرقابة والإشراف على مختلف المرافق ذات الطابع المحلي في نطاق الحي.
بالإشارة إلى ما سبق إيضاحه وعلاوة على تقسيم الجمهورية إلى محافظات، فهناك الأقاليم الاقتصادية، وهي تقسيمات إدارية لغرض خاص هو غرض التخطيط الاقتصادي، حيث أن كل إقليم يتميز بأنه يمكن النظر إليه كوحدة اقتصادية متكاملة.
التجربة السودانية في تطبيق اللامركزية:
التجربة السودانية في مجال تطبيق اللامركزية، جاءت في مرحلتين يحكمهما المرسوم الدستوري الثاني عشر لعام 1995م وقانون الحكم المحلي لسنة 1995م والمعدّل سنة 1998م.
المرحلة الأولى: تم تقسيم السودان إلى 26 ولاية وذلك وفق المرسوم الدستوري الثاني عشر (في علاقة الحكم الاتحادي وتعديل نظم الولايات لسنة 1995م، وبهذا المرسوم تم توزيع السلطات بين الأجهزة الاتحادية والأجهزة الولائية كما جعل هناك سلطات مشتركة بين السلطتين الاتحادية والولائية.
المرحلة الثانية:وجاءت هذه المرحلة بصدور قانون الحكم المحلي لسنة 1995م والذي تم تعديله بموجب قانون الحكم المحلي لسنة 1998م. وتم بموجب هذا القانون إنشاء المحافظات والمحليات. يتم إنشاء المحافظة بمرسوم جمهوري بعد التشاور مع حكومة الولاية. ولكل محافظة محافظ يعينه رئيس الجمهورية بعد التشاور مع والي الولاية ويكون الاعتماد المالي للمحافظة جزءاً من موازنة الولاية.
وبموجب هذا القانون تُنشئ حكومة الولاية المحليات بأوامر تأسيس وبموافقة مجلس الولاية. وتكون كل محلية هيئة ذات شخصية اعتبارية وصفة تعاقبيه، ويكون للمحلية مجلس ينتخب على الوجه التالي:
أ) 75% من العضوية بالتنافس في دوائر جغرافية.
ب) 25% من العضوية بالتنافس في دوائر بالانتخاب الخاص أو غير المباشر.
وللمجلس رئيس ينتخبه أعضاء المجلس ويشكل المجلس عدداً من اللجان المتخصصة. ويتكون الجهاز التنفيذي للمحلية برئاسة المدير يساعده عدد من رؤساء الأقسام.
نظام الحكم المحلي والإدارة المحلية في الجمهورية العربية السورية:
تقسم الجمهورية السورية من حيث التنظيم الإداري إلى 13 محافظة و47 منطقة و 120 ناحية. ويحكم كل وحـدة من هذه الوحدات الإدارية مسئول تعينه السلطة المركزية، إلا أن محافظ المحافظة يملك صلاحيات الإشراف على كل الوحدات المتدرجة التي تتبع محافظته من مناطق ونواحي ومدن وقرى .. الخ. وتتولى السلطة المركزية العليا الشئون العامة المتعلقة بكافة الوحدات الإدارية والعلاقات القائمة بينها والسلطة المحلية في الوحدات الإدارية المختلفة.
ويخضع تنظيم الإدارة المحلية إلى قانون خاص صادر في 5 أبريل 1971م. ويفرق القانون بين الفئة الأولى من المستوى الأول للحكم المحلي وهي: المحافظات، وأربعة فئات أخرى في المستوى الثاني من الحكم وهي المدينة، البلدة، القرية، الوحدة الريفية.
ولكل وحدة حكم مجلس يتفاوت عدد أعضائه. ويختار رئيس المجلس من قبل المجلس نفسه بناء على ترشيح من وزير الإدارة المحلية. ويكون المحافظ عادة رئيس مجلس المحافظة ويُعين من قبل وزير الإدارة المحلية.
وتملك المجالس المحلية صلاحيات إشرافية على عدد كبير من النشاطات من بينها الحفاظ على الأمن والنظام والنشاطات الاقتصادية والاجتماعية وإدارة الخدمات العامة والإشراف على العاملين في الجهاز الإداري.
وتمارس الحكومة المركزية الإشراف على الحكم المحلي من خلال تواجد فروع لأجهزة السلطة المركزية في المناطق والمحافظات فضلاً عن أن المحافظ ممثل للسلطة المركزية وهو مسئول تجاه وزير الإدارة المحلية ويزوده بالتطورات المستجدة في نطاق محافظته.
نماذج من تجارب منطقة المغرب العربي:
إن الدول التي تمر بظروف تاريخية متقاربة غالباً ما تتشابه في نظم الإدارة المحلية. مثال على ذلك،تتشابه الأنظمة المحلية للدول العربية التي خضعت للاستعمار أو الانتداب الفرنسي، وتتأثر هذه الأنظمة بنظام الإدارة المحلية المعمول به في فرنسا،وأكثر ما يظهر هذا الأمر في دول المغرب العربي (الجزائر وتونس والمغرب) التي تحكمها ليس فقط عوامل تاريخية متشابهة، بل أيضاً اعتبارات جغرافية وثقافية واجتماعية.
أولاً: التجربة الجزائرية في تطبيق اللامركزية في الإدارة المحلية- تجربة بلدية قسنطينة -نموذجاً:
أن المادة الأولى من القانون البلدي الجزائري تُعرّف البلدية بأنها الجماعة الإقليمية السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية.
اللامركزية الإدارية أو الإقليمية:
تأخذ الجزائر في إدارة الجماعات المحلية بالأسلوب اللامركزي، حيث اقتضى ذلك تقسيم الإقليم إلى وحدات متدرجة وفي قمة هذا التدرج توجد الولاية وعلى رأسها الوالي، وتقسم الولاية إلى دوائر والدوائر إلى بلديات، وهذا هو الأسلوب الذي اعتمده المُشرّع الجزائري وهو يقوم على أساس توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية والهيئات الإدارية المستقلة إقليمياً.
وتأخذ الدولة بأسلوب اللامركزية إلى جانب أسلوب المركزية، وذلك لاتساع الدولة وتعقد الحياة، إضافة إلى الرغبة في التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين جميع الأقاليم، وكذلك توزيع أساليب النشاط الإداري بقدر تنوع الحاجات المهنية وإشراك المواطنين في إدارة شئونهم المهنية.
أجهزة البلدية:
إن البلدية هي أول وحدة لامركزية في الدولة وهي تتمتع بالشخصية المعنوية،ولا يؤثر حل المجلس الشعبي البلدي في هذه الشخصية المقررة للبلدية. وفي بلديات دولة الجزائر نجد جهازين ديمقراطيين يسيران دائماً على مقتضى ديمقراطية الحكم الجماعي والانتخاب لتحقيق الكفاءة والفعالية في جميع الميادين وهما: المجلس الشعبي البلدي، والهيئة التنفيذية البلدية.
أ - المجلس الشعبي البلدي:
- ينتخب لمدة خمس سنوات، ويتم انتخاب النواب من ضمن قائمة وحيدة للمرشحين يقدمها الحزب ويكون عدد المرشحين مساوياً لضعف المقاعد المطلوب شغلها ويكون الانتخاب عاماً ومباشراً وسريعاً ولا يجوز العضوية في عدة مجالس شعبية منتخبة.
- يجتمع بدعوة من رئيسه أو بطلب من الوالي، ويرأسه رئيس المجلس أو من ينيبه، وتتخذ الأصوات بالأغلبية المطلقة، وجلساته علنية أو سرية حسب طلب الأعضاء.
- يجوز للمجلس الشعبي البلدي أن يشكل من أعضائه لجاناً استشارية دائمة ومؤقتة لدراسة المسائل التي تهم البلدية،كما يجوز الاستعانة بذوي الاختصاص من مؤسسات الدولة أو سكان البلدية.
ب - الهيئة التنفيذية:
- هي جهاز تنفيذي مكون من أعضاء ينتخبهم المجلس الشعبي البلدي من بين أعضائه، وذلك وفقاً لعدد سكان البلدية، وتجتمع بدعوة من الرئيس كلما تطلبت شئون البلدية ذلك.
- تسهر على تطبيق قرارات المجلس، وتعتبر الهيئة العليا للمجلس الشعبي البلدي وأعضاء الهيئة التنفيذية (نواب للرئيس).
- في بلدية قسنطينة: توجد عدة لجان، وكل لجنة يرأسها نائب من نواب الرئيس الـ،14 وكل رئيس يتعامل مع مدير إداري يقوم بتنفيذ مداولات المجلس ومقررات اللجنة التنفيذية إلى جانب ممارسة الاختصاصات الإدارية المخولة بموجب القوانين الجاري العمل بها.
الجهاز الإداري:
- وعلى ذكر الجهاز الإداري نتوقف معه لنذكر بأن بلدية قسنطينة مستقلة وذات شخصية معنوية.
- وعلى رأس هذا الجهاز الإداري كاتب عام يساعده مديرون ذوو مستوى وتجربة عالية وهم بعدد لجان المجلس الشعبي البلدي، ويعاون كل مدير رؤساء مصالح ومكاتب وأقسام وفروع بلدية متعددة حسب أهمية كل مديرية وحسب المهام الموكلة إليها.
- رئيس المجلس الشعبي البلدي: يمثل الدولة كما يمثل البلدية:
أولاً: باعتباره ممثلاً للبلدية: يباشر الاختصاصات التنفيذية المعروفة، فهو على سبيل المثال: يمثل البلدية في جميع إعمالها المدنية والإدارية وفقاً للقوانين والأنظمة.
ثانياً: باعتباره ممثلاً للدولة: يكون مكلفاً تحت سلطة الوالي: بنشر وتنفيذ القوانين واللوائح والأنظمة في دائرة البلدية.
الوصاية الإدارية أو (الرقابة):
- تُمارس سلطة الوصاية من طرف الوالي على أعمال البلدية وفقاً لما تضمنه القانون البلدي بغية الحد من التجاوزات التي قد تحدث أو لمنع البلديات من اتخاذ قرارات لا تتلاءم مع المتطلبات الوطنية أو المحلية.
- تُمارس هذه الرقابة أو الوصاية بطريقتين: رقابة على المجلس الشعبي البلدي - رقابة على القرارات التي تصدر عن المجلس بعد المداولة.
- الطعن في قرارات السلطة الوصائية: رغبة في تمكين الهيئات البلدية من الدفاع عن نفسها إزاء تصرفات سلطة الوصاية التي تخرج عن القانون أو تتعدى على استقلالها، منحها حق الطعن في القرارات عن طريق وسيلتين: الوسيلة الإدارية وهي التظلم الرئاسي أمام رئيس الوالي أي وزير الداخلية والوسيلة القضائية.
ثانياً: التجربة المغربية في تطبيق اللامركزية في الإدارة المحلية - المدينة العربية المعاصرة على ضوء التجربة المغربية:
بسبب التطور السريع الذي عرفته المدينة المغربية وما نتج عنه من اتساع حجم الحاجيات وتنوعها، برزت مشكلة إيجاد أسلوب لتنظيم المدينة المغربية وإدارة شئونها بطريقة تضمن حلولاً ناجحة لهذه المشاكل المطروحة.
وهكذا تبنّى المغرب نهج اللامركزية كأسلوب لتدبير شؤون المدينة ووسيلة لإشراك السكان في تسيير قضاياهم المحلية.
ان اختيار هذا الأسلوب الديمقراطي الهادف إلى إسهام السكان في تدبير شئون المدينة مكّن المسئولين من الحصول على هياكل قادرة على النهوض بالمسئولية المحلية والبحث عن انجح الوسائل الكفيلة بتنظيم مرافقها.
التنظيم الإداري للمدينة المغربية:
اتخذ المغرب من اللامركزية أسلوباً قانونياً حديثاً لتنظيمه الإداري،حيث اصدر المُشرع المغربي سنة 1960م قانوناً خاصاً بتنظيم الجماعة المحلية، وقد استمد هذا النظام الجديد أصوله من مؤسسة الجماعات العريقة التي تشبه إلى حد بعيد المفهوم الحديث للامركزية الإدارية وكذلك من مبادئ الإسلام الحنيف المُجسدة في طريقة الشورى التي عملت بها الأنظمة السياسية المغربية منذ القدم،أن الدستور المغربي منح ضمانه للنظام الجماعي حيث أكد طابعه الديمقراطي وذلك بإقرار مبدأ تشكيل المجالس المكلفة بتسيير الجماعات المحلية عن طريق الاقتراعالعام المباشر.
النظام المغربي يقضي بأن يكون في كل مدينة عدداً من الجماعات الحضرية وفقاً لعدد سكانها مثلاً الدار البيضاء اثنا عشر، الرباط ستة، مكناس ثلاثة وهكذا.. ثم يتكون من هذه الجماعات في كل مدينة مجموعة حضرية يختار لرئاستها احد رؤساء الجماعات الحضرية بالمدينة وأعضاؤها هم رؤساء الجماعات الحضرية ووكلاؤهم مهمتهم إدارة المشاريع المشتركة والتنسيق.
تجربة المملكة الأردنية الهاشمية في تطبيق اللامركزية في الإدارة المحلية - تجربة مدينة عمّان - نموذجاً
1- نماذج المحليات في الأردن:
يوجد في الأردن ثلاث مستويات من الهيئات المحلية وهي:
- المحافظات: يستند هذا التنظيم إلى نظام التشكيلات الإدارية ويترأس المحافظة المحافظ، وللمحافظ صفتان، فهو ممثل للسلطة التنفيذية، وهو رئيس للمجلس التنفيذي وللمجلس المحلي الاستشاري في المحافظة بصفة محلية.
والمجلس التنفيذي يتم إنشاؤه في كل محافظة ولواء برئاسة المحافظ أو المتصرف، وعضوية مساعد المحافظ والقائد العسكري للمنطقة ورؤساء الدوائر في المحافظة، ما عدا المحاكم، أما المجلس الاستشاري فيتم تأليفه في كل محافظة، بناء على أمر من المحافظ، وبموافقة وزير الداخلية.
- البلديات: البلدية هي مؤسسة أهلية تتمتع بالشخصية المعنوية وتقوم بتمثيلها مجالس محلية،تتشكل بالانتخابات المباشرة. وحدد قانون البلديات رقم (29) لسنة 1955م تنظيم كافة الأمور الإدارية المرتبطة بهذه البلديات.
- المجالس القروية: بموجب القانون، فإن القرية هي عبارة عن أي مكان يصرح فيه وزير الداخلية في الجريدة الرسمية،انه قرية أو وحدة عشائرية، بشرط أن لا يعتبر قرية أي مكان يقع ضمن منطقة اختصاص مجلس بلدي.
- اختصاصات البلديات في الأردن: تتكون من ست مجموعات هي: تخطيط المدينة والحدائق، تراخيص الأبنية، مراقبة الأبنية المخالفة، المهن والحرف والصناعات، الصحة العامـة والرقابة الصحية والمقابر، مالية البلديات والنشاطات الثقافية والإعلامية.
- الموارد المحلية للمجالس البلدية: تقسم إلى ست مصادر هي: موارد تستوفيها الدولة مباشرة، مثل ضريبة الأراضي، ورسوم النقل على الطرق، غرامات المخالفات الصحية والبلدية، وموارد تستوفيها البلدية لحسابها، مثل رسوم الأبنية والتنظيم، رسوم أسواق الجملة، والمسالخ، ورخص المهن.. الخ - موارد تقررها المجالس البلدية مثل عوائد التنظيم الخاصة والعامة وتحسين الأرض - موارد تأجير واستثمار أملاك البلديات - تبرعات وهبات ووصايا- القروض.
- رقابة السلطة المركزية على البلديات: تتمع المجالس البلدية بحرية إدارة شئونها، وتخضع بعض أعمالها لرقابة السلطة المركزية وهو من قبيل الاستثناء من القاعدة، وذلك بعكس المجالس القروية حيث لا تصبح قراراتها نافذة الا بعد تصديقها من الحاكم الإداري.
2- أمانة عمّان الكبرى:
تشكلت في 1/1/1987م باعتبارها بلدية من جميع الوجوه للاهداف التالية:
- زيادة القدرة على حل المشاكل العديدة الي برزت بين حدود المدينة وبين حدود المجالس البلدية والضواحي المحيطة بها - انشاء إدارة حديثة للمدينة تكون قادرة على توفير الكوادر ذات الكفاءة والفعالية- ايجاد وحدة تخطيطية واحدة ومتكاملة لمنطقة عمان الكبرى وتتكامل وتتناسق مع الجهاز التخطيطي للدولة - وضع الخطط الشاملة لمواجهة تفجر النمو العمراني والسكاني ومشكلة التحضر،والقضاء على البؤر المتخلفة، وضبط العمران العشوائي - ضمان وحدة التنظيم والإدارة والرقابة - مواجهة مشكلة التمويل وارتفاع كلفة أداء الخدمات بالاستخدام الأمثلللموارد - العمل على تطوير وتنمية المجتمع- توحيد الجهود لمواجهة المشاكل التي يكون نطاقها حدود المدينة الكبرى، مثل: التخطيط الشامل، تلوث البيئة، قلة المرافق والخدمات العامة، المرور والنقل، أماكن التخلص من النفايات، اماكن طرح الأنقاض والأتربة، مكافحة الحشرات والقوارض، أسواق الخضار المركزية، المشاغل المركزية لصيانة الآليات، المسالخ، المقابر،المكتبات العامة - مشاركة المواطنين في إدارة المدينة.

الخاتمــة:
يتضح من العرض السابق أن الدول العربية على اختلاف نظمها السياسية تأخذ بنظام اللامركزية في الإدارة المحلية بشكل أو بآخر،الأمر الذي يسمح لنا بالقول أن هذا النظام قد أصبح مظهراً من مظاهر الدولة الحديثة، يتصل اتصالاً مباشراً بتوزيع وظائفها على الأجهزة الإداريةالمختلفة.
كذلك توجد فروق جوهرية تميز اللامركزية الإدارية عن اللامركزية السياسية، وترسم بالتالي حدود اللامركزية الإقليمية (لا مركزية المقاطعات) أحد فرعى اللامركزية الإدارية، كوظيفة إدارية محصورة في الشئون المحلية لإقليم محدد، ولا تنصرف إلى شئون السياسة، الأمر الذي يؤدي إلى استبعاد أية تسمية تتعلق بالحكم فيما يخص المجالس المحلية.
على أن تفضيل نظام إدارة محلية على آخر - عملية ليست بالسهولة الممكنة، ولا يمكن الادعاء بوجود نظام مثالي يمكن الاقتباس منه وتفصّـل سائر الأنظمة على شاكلته، ذلك لوجود عوامل مختلفة تؤثر في نظام الإدارة المحلية المعتمد في دولة ما، وأن اعتبارات جغرافية وتاريخية وثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية تتحكم في إرساء قواعد هذا النظام.

قائمة بالمراجع:
- د. حسن محمد عواضه، الإدارة المحلية وتطبيقاتها في الدول العربية - دراسة مقارنة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1983م.
- د. عبدالقادر الشيخلي، نظرية الإدارة المحلية والتجربة الأردنية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، مكتبة المحتسب، عمان، الطبعة الأولى 1983م.
- د. أحمد عبدالرحمن شرف الدين، مبادئ الإدارة المحلية وتطبيقاتها في الجمهورية العربية اليمنية، منشورات جامعة صنعاء 1985م.
- د. هاني يوسف خاشقجي، الإدارة المحلية في المملكة العربية السعودية - المفاهيم والأسس والتطبيقات، مطابع الفرزدق التجارية، الرياض، الطبعة الأولى 1994م.
- د. منصور أحمد أبو زيد، الايكولوجيا الحضرية وعلاقتها بالمتغيرات الاجتماعية في المدينة، رسالة دكتوراه،جامعة عين شمس، القاهرة 1996م.
- د. عبدالله العلي النعيم، دور اللامركزية في التنمية الإدارية ومدى تطبيقها في أمانة مدينة الرياض، بحوث ندوة الإدارة المحلية في المملكة العربية السعودية، معهد الإدارة العامة، الرياض1401هـ.
- الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتكامل بين مصر والسودان، ندوة الحكم المحلي والإقليمي في الوطن العربي، الخرطوم 1985م.
- المعهد العربي لإنماء المدن، أساليب الإدارة المحلية في خدمة المدن العربية المعاصرة، أعمال وبحوث وتوصيات المؤتمر السابع لمنظمة المدن العربية، الجزائر 1983م.
- منظمة العواصم والمدن السلامية، ندوة نظم الإدارة المحلية والبلديات، القاهرة 1992م.