عمان- أكد أ.د. علي محي الدين القره داغي أستاذ الشريعة بجامعة قطر أن النهضة الحديثة للاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات قد بدأت فعلا بعد القرار الحاسم لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر 1964م بحرمة فوائد البنوك..

وأوضح أن هذا القرار الذي اعتبر تلك الفوائد هي الربا المحرم الذي نزلت فيه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، قد فتح الباب لنهضة الاقتصاد الإسلامي، حيث تم فعلا إنشاء أول بنك إسلامي بدبي عام 1975م، ثم بنك التنمية، وتوالت البنوك الإسلامية تترى إلى أن وصلت إلى مئات وعشرات الآلاف من الفروع والصناديق ونحوها من المؤسسات المالية الإسلامية.
جاء ذلك أثناء عرض القره داغي لبحث له بعنوان "التجديد الفقهي في الاقتصاد والمعاملات المالية المعاصرة" في اليوم الثالث لفعاليات الندوة السابعة المنعقدة في العاصمة العمانية مسقط تحت عنوان "التقنين والتجديد في الفقه الإسلامي المعاصر" في الفترة من 8:5/4/2008م، والذي خصص لمناقشة "الاجتهاد الفقهي المعاصر.. تياراته ومآلاته".
ولفت القره داغي إلى أن المقصود بالتجديد هو إصلاح ما أفسدته الدهور وإعادة الشيء إلى ما كان عليه في عصر شبابه وجماله بعرض جديد، وإضافة المؤثرات العصرية إليه حتى يظهر في ثوب قشيب، لذلك فالتجديد بهذا المعنى مشروع في الأديان، وأشد طلبا في الإسلام الذي هو دين الكمال والجمال والدين الخاتم لجميع الرسالات.
وأوضح أن المقصود بالتجديد في فقه الاقتصاد الإسلامي هو تجديد الفكر الاقتصادي والنظام الاقتصادي والنظريات الاقتصادية، وربط محكم بين الأصول والحلول وبين الجزئيات والكليات، مع تجديد أصول الاستنباط للقضايا الاقتصادية ومناهجها، حتى تكون قادرة على تجديد الفقه واستحداث بعض الأصول التي تساعد على الفهم والاستنباط.
وفي نفس السياق أكد القره داغي على ضرورة السعي لاستخراج كليات وقواعد ومبادئ ونظريات عامة لتنتظم من خلالها فروع كثيرة ومسائل مختلفة، مع ضرورة ربط الاجتهاد الفقهي بالعلوم الإنسانية وبخاصة العلوم الاجتماعية والنفسية والتربوية.
وأشار إلى أهمية الاجتهاد الجماعي في حل الإشكاليات الكبرى، مشددا على أن المقصود به هو الاجتهاد الصادر من المجامع الفقهية، داعيا إلى ضرورة إنشاء مؤسسات تهتم بصناعة المجتهدين والفقهاء كما فعل نظام الملك المدارس النظامية في بغداد وغيرها.
منهجية التقنين
وفي بحثه "منهجية التقنين.. أفكار أولية" أكد أ.د محمد كمال إمام أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية أن أول محاولة للتقنين الحقيقي هي مجلة الأحكام العدلية، مشيرا إلى أن التقنين لا بد أن يشمل ثلاثة أشياء: الاختيار من مذهب واحد أو من عدة مذاهب، والصياغة لهذه المواد وتنظيمها وهو أمر بالغ الدقة حسب إمام، وإلزام الناس بهذا التقنين.
وأوضح إمام أن هناك ثلاثة اتجاهات في التقنين:
أ#.اتجاه ينظر في المدونات القانونية السائدة وتنقيتها من المخالفات الشرعية.
ب#. اتجاه يحاول الانتقال من أن الشريعة هي المصدر الأول للتشريع إلى صياغة قانون كامل وشامل يستقي من الشريعة الإسلامية.
ج. اتجاه يأخذ القاسم الأعظم من التشريع العالمي دون الرجوع إلى الشريعة الإسلامية.
وفي سياق متصل أكد الشيخ هلال بن محمد بن ناصر الراشدي القاضي بالمحكمة العليا العمانية أن التقنين المقصود لا يقتصر على الأحوال الشخصية ولا المعاملات، وإنما هو تقنين عام لكل سلوكيات المجتمع، وأن التقنين يعتمد على ثلاث جهات: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية.
وأوضح الراشدي أن عوائق التقنين تكمن في الناحية القضائية والناحية السياسية، مشيرا إلى أن تطبيق القانون يتطلب إلماما بالشريعة، وإلماما بالواقع، وأحيانا يتم عزل الفقهاء عن الواقع، أو عزل القانونيين عن الشريعة، مشددا على ضرورة تضافر جهود العلماء والحكام لأن تطبيق الشريعة لا يتم إلا بذلك.
الموسوعات الفقهية
"الموسوعة خطوة أساسية في طريق التجديد وتيسير أعمال التقنين فمن خصائصها: شمول كل أو معظم أبواب الموضوع، وسهولة الترتيب، وبساطة الأسلوب، والاعتماد على الدليل، والإعداد الجماعي، وعرض الاتجاهات الفقهية".
هكذا قرر الدكتور عبد الستار أبو غدة عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي وخبير الموسوعة الفقهية الكويتية، في بداية عرض بحثه المعنون "موسوعات الفقه والقواعد.. رؤية نقدية نحو التقنين الفقهي..".
وأوضح أبو غدة أن من الموسوعات مشاريع القوانين التي صيغت وفق الشريعة، والمقررات في المستويات العلمية العليا، والموسوعات الخاصة ببعض الصحابة في رسائل علمية ومعاجم مصطلحات الفقه، وأبرز الموسوعات الحديثة هي الموسوعة الفقهية الكويتية التي تقع في خمسة وأربعين مجلدا مرتبة هجائيا حسب المصطلحات الفقهية.
وذكر أن علاقة الموسوعات الفقهية بالتشريعات والقوانين هي تقديم المادة التي يصاغ منها القوانين وفقا للشريعة الإسلامية؛ لأن الموسوعات لا تشتمل على تشريعات يطرأ عليها التعديل والتبديل وتختلف حسب الزمان والمكان، مشيرا إلى أن الموسوعة تعتبر مادة فقهية ميسرة، تسهم في تفسير النصوص القانونية، وتساعد في المرافعات، وتذلل طريق الاجتهاد، وتساعد على التقريب، وتساعد على تمثيل الفقه الإسلامي في المؤتمرات الدولية ومراكز الدراسات، ونقلت الفقه إلى عالم الموسوعات العصرية، ووجودها بين يدي الباحثين ضرورة علمية.
أما القواعد الفقهية -كما يقرر أبو غدة- فلها أهمية في عملية التقنين لا سيما في الأحكام العامة، بدأت بها مجلة الأحكام العدلية، وكذا القانون الأردني اعتبر تلك القواعد مواد قانونية..
ومن ثم يقرر "فالتقنين الفقهي لا بد من وجوده كي يزيح القوانين الوضعية التي وضعها الاستعمار.."، لافتا إلى أن "كليات الحقوق تسهم في ترسيخ القانون الوضعي وليس فيها إلا حظ يسير في مجال الشريعة".
يذكر أن اليوم الثالث لفعاليات ندوة التقنين والتجديد في الفقه الإسلامي المعاصر قد اشتمل على مجموعة من البحوث منها بحث د. حمد بن ناصر الشيباني بعنوان "الأسس العلمية المقترحة لتقنين الفقه الإسلامي في العصر الراهن"، وبحث أ. د البشير محمد المدرس بمعهد العلوم الشرعية بسلطنة عمان حول "الفقه الجنائي في الإسلام ومحاولات التقنين"، وبحث الشيخ إسماعيل بن صالح بن حمدان الأغبري بعنوان "تقنين الفقه الإسلامي.. قانون الأحوال الشخصية العماني نموذجا"، وبحث الشيخ حمود بن يحيى بعنوان "التجديد الفقهي في الإفتاء العماني المعاصر.. سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي نموذجا"، وبحث أ.د قطب مصطفى سانو نائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي بعنوان "في التجديد والتقنين والمصارف الإسلامية المعاصرة.. رؤية منهجية".