يعيش المواطن المصرى فى تلك الأيام بين مطرقة رغيف العيش وسندان إرتفاع الأسعار، حيث تحول رغيف العيش إلى مسألة حياة أو موت تؤرق المواطنين يومياً، وتحولت طوابير المخابز إلى ساحة معارك يسقط فيها القتلى والجرحى، ومن المواطنين قد يربح أو يخسر فى الحصول على رغيف العيش ، وقد أنعدمت الضمائرعند أصحاب المخابز فى بيعهم الدقيق المدعم، وأختفت المبادىء والقيم من مفتشى التموين لإنعدام الرقابة الفعلية على المخابز، ومن ثم عجزت الحكومة المصرية على حل أزمة رغيف العيش فى ظل مشكلة إرتفاع سعر القمح العالمى وإنخفاض المساحة المزروعة منه.
إن مايعانيه المواطن المصرى ليس رغيف العيش فحسب بل إرتفاع أسعار كافة السلع والخدمات كإرتفاع فواتير الكهرباء والمياه والتليفونات، وقد أبتكرت أجهزة الدولة الحكومية بنوداً إضافية فى الفواتير لتحقيق أكبر قدر من التحصيل على المواطنين دون مراعاة موجة الغلاء ، فإذا أضافت وزارة المواصلات قيمة التذكرة تزايدت عليها وزارة الكهرباء فى قيمة فاتورة كهرباء وهكذا عند بقية الوزارات ، وكأنه سباق بين أجهزة الدولة على ملء خزانتها من جيوب المواطنين البسطاء.
وأصبحت الغالبية من الشعب المصرى( محدودى الدخل ) عاجزة عن تلبية احتياجاتها الضرورية من السلع الاستهلاكية، إذ كانت سلعة العدس فيما مضى طعاماً لمعدومى الدخل أما الأن أصبحت تلك سلعة بعيدة عن شهية هؤلاء بعد ما إرتفع سعرها ، وإذ كانت سلعة الباذنجان( الطبخة السوداء ) الطبق المفضل سابقاً عند المعدومين ، أما الأن ارتفع سعر كيلو الباذنجان إلى خمسة جنيهات وتفوق سعره على سعر الموز، وتجنبه المواطن وحال عنه إلى رغيف عيش حاف وقدر من الماء، أما الأن أصبح رغيف العيش مكابدة للمواطن البسيط للحصول عليه، وأن المواطن إذا عجز فى الحصول على رغيف العيش فأنه يبحث عن بديل غذائى آخر لكى يسد رمقة ، وإذا فشل فى ذلك فلايجد أمامه إلا الموت أفضل إليه من الجوع.
وإذا لم يستطع المواطن فى الحصول على قوت يومه سيخرج للنهب والسرقة والقتل من أجل العيش والبقاء ، فقد قال الأمام حسن البصرى " أشفقت على من لا يجد قوت يومه فيخرج شاهراً سيفه للحصول عليه" ولهذا كان سيدنا عمر بن الخطاب رفع إقامة حد السرقة فى عام الرمادة ،فإذا عجزت الدولة عن حل مشكلتى أزمتى رغيف العيش وإرتفاع الأسعار ، فأن الأوضاع الحالية ستتفاقم إلى الأسوأ ، وهى تزايد معدلات الجريمة من قتل وسرقة ونهب واغتصاب، بالإضافة إلى تفشى الأمراض الإجتماعية مثل التسرب التعليمى والعنوسة وتأخر سن الزواج والانتحار والعديد من تلك الأمراض، وفى النهاية أن المواطن بين خياران القوت أم الموت ، والسؤال الذى يطرح نفسه إلى متى ستدوم سياسة التجويع ،حيث يقول المثل العربى " جٌوع كلبك يتبعك حيثما كنت ".