ميزان العظمة والعبقرية متعدد الجوانب يختلف ايضا باختلاف البيئة والزمن فهناك من وصف بالعظمة لرحمته وخلقه وهناك من وصف بالعظمة لقسوته وجبروته ولكن تشترك جميع المعايير في ان جميع العظماء خارقون للعادة التي اعتادها الناس في ذلك الزمان ومن صفات العظمة ايضا انه قد يوصف الشخص الواحد بأوصاف متضادة كما قال العقاد عن خصائص العظمة(انها قد توصف بالنقيضين في وقت واحد لأنها متعددة الجوانب فيراها اناس على صورة ويرها غيرهم على صورة اخرى وربما رأتها العين الواحدة على اختلاف في الوقتين المختلفين) (كتاب عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم ص 58 ) . قلنا ان من الزم خصائص العظيم انه خارق للعادة ومن هنا وصف معظمهم بالجنون وعند البحث عن اصل كلمة الجنون في اللغة فالأصل هو كلمة "جَنَّ " وتعني اختفي ، ومنها جن الليل اى اخفت ظلمته الأشياء ، ومنها أيضا " الجنة " التي تعني الحديقة او الشجر الكثير الذى يخفي ما بداخلة ، اما صلة هذا الاشتقاق بالعقل فإن العقل إذا جن فإنه قد استتر واختفي ، فالشخص إذن " مجنون " اي ان المجنون لا عقل له فهو مخالف لما اصطلح الناس عليه من موازين العقل وكذلك حال العباقرة دائما يرى ابعد من عيون البشر ويبصر اعمق ويسمع اخفت . وعندما بحثت عن العظماء في التاريخ وجتني اتضاءل واخاف كيف لي ان اتحدث عن عظيم من العظماء في وجود محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى فيه(وانك لعلى خلق عظيم) من قال ذلك انه الله اله العالمين ليس كاتب غربي مثل توماس كارليل ولا عربي مثل العقاد , وان كان لابد ان نقول شيئا فنقول ان محمدا صلى الله عليه وسلم اعظم من عرفت الارض والسماء
بكل المعايير والمقاييس احيا امة من ارض موات غمر نورها الارض فقد استطاع البدو المشتتين ان ينشروا ذلك النور في اوسع بقعة ملكتها امة في التاريخ من الهند الى المحيط الاطلسي اعظم امة اقيمت حتى اليوم, حتى بعد انفصال بعض الدول الاسلامية بقى الاسلام في قلوب الجميع مئات الملايين وسط افريقيا وباكستان واندونيسيا ... كما قال مايكل هارت في كتابه المائة الذي نقله الاستاذ انيس منصور بعد تعديل بسيط (الخالدون مائة اعظمهم محمدصلى الله عليه وسلم) . ولا يختلف اثنان من العقلاء مسلم اوغيره على ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم اعظم العظماء بجميع المعايير معيار الدين او العمل او الشعور او الطبائع الآدمية او ...... فهو نبي عظيم وبطل عظيم وانسان عظيم بل وزعيم عظيم (فقد كان من الممكن ان تستقل امريكا الجنوبية عن اسبانيا دون ان يتزعمها شخص مثل سيمون بوليفار , ولكن يستحيل ذلك مع البدو ) وفي هذا الكثير جدا في كثير من الكتب ولسنا في مجال ذكر ذلك.
ومن خصائص عظمته صلى الله عليه وسلم -التي لن نحصيها- ان جمع حوله العظماء سادتنا ابو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ....رضوان الله عليهم جميعا واقرأ ان شئت في ذلك سلسلة العبقريات للاستاذ العقاد, فقد احيا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم العظمة-بفضل الله- ورأى في كل واحد منهم ما لم يرى هو في نفسه ولا غيره فيهم .
ومن خصائص عظمته صلى الله عليه وسلم انه قد وصف باللين والرحمة في افعاله واقواله ووصف ايضا من المغرضين بالقسوة (الوصف بالمتناقضات )
وقد اتهمته قريش بأشياء كثيرة منها الجنون قال تعالى (وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون ) الحجر الآية 6
(ما انت بنعمة ربك بمجنون) القلم الآية 2
( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ) القلم الآية 51
وصفوه بالجنون هو من جاء ليهديهم من الظلمات الى النور بإذن ربه هو من جاء ليجعلهم خير امة أخرجت للناس وهكذا دائما العظماء . اي قلب رائع هذا الذي حوى البشرية جمعاء اي قلب هذا الذي يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه اي قلب هذا الذي وقف امام ربه ولم يسأله الا أمته اي قلب هذا الذي يرحم الصغير والبعير قبل ان نعرف الرفق بالانسان والحيوان اضعف مخلوقات الله فصلى الله عليه وسلم اعظم العظماء .
وبعد فهذا قليل من كثير (من شخص هزيل الفكر اراد ان يشارك بشيء) افاض فيه علماؤنا الاجلاء فان وفقت فمن الله- تعالى- وان أخطأت فمني ومن الشيطان ولكن اريد ان اثبت شيئا واحدا وهو ان كانت قريش قد نالت شيئا من عظمة محمد صلى الله عليه وسلم فلنا ان نخشى ذلك من المغرضين في عصرنا .