منذ قديم الأزل وتخرج علينا بعض الأصوات النسائية (واحيانا ذكورية) والتي تطالب بمساواة المرأة بالرجل .. وهذا في كل المجتمعات ولا أخص هنا المجتمع المصري او حتى المجتمع العربي، ولكن الفارق دائما يأتي في حدة الصوت ودرجته وقوته وصموده، ففي الغرب بدء هذا الصوت يخفت رويدا رويدا لأن المرأة نالت الكثير، ولكننا في وطننا العربي ورغم ما حصلت عليه المرأة في السنوات الأخيرة إلا أنها لازالت تطمع في المزيد لذلك لازال الصوت عاليا يصم الأذان.
وأنا أقول لكم بضمير مستريح ان نداء المرأة بالمساواة مع الرجل الآن لهو الهراء بعينه، فالأحرى بالرجال الآن هم أن يطالبوا بالمساواة بالمرأة لا العكس. لقد أصبحت المرأة تتمتع بأمتيازات أكثر بكثير مما يتمتع به الرجل، ونالت جانب من الحرية أصبح غير متاح حتى للرجل، ولا نقول تقاسمت مع الرجل الأدوار في الحياة ولكن نقوم استولت من الرجل على أدوارا كثيرة في هذه الحياة، نستثني من هذا فقط الرجل العاذب فهو حالة استثنائية مرتبطة ارتباط قوي بعامل الزمن بعدها يبدأ في الإنضمام لزمرة الرجال المقهورين أو بمعنى أخر المتزوجين.
أعلم ان هذه المقدمة ساخنة .. ولكن أدعوكم ألا تغلقوا عقولكم من الآن وسأبدأ في تحليل ما قلت بمنتهى الحيادية والشفافية والوضوح، منذ فجر التاريخ والرجال يستمدون معلوماتهم ورؤيتهم عن المرأة من الشعر وكلمات الغزل التي أطلقها الشعراء عبر الأجيال مديحا في المرأة وجمالها وطلتها ونظرتها وعيونها .... إلخ، فتارة يصفها بأنها هشة ناحلة متهافتة وتارة يقولون عنها أنها تذوب كفتافيت السكر وفي قصيدة يصفها الشعراء بأنها عاطفية تعيش في الخيال وبعضهم يصفها بأنها ذات أجنحة تكاد تطير في عالم الخيال ولا تعرف أين أرض الواقع، ولا أبلغ من وصف الدكتور مصطفى محمود رحمه الله عن مديح الشعراء للنساء قوله: "ليس هناك أكذب من وصف الشعراء للنساء .. وأغلب الظن أن الشعراء كانوا يصفون أنفسهم بعد الكأس العاشرة ويصفون تخيلاتهم وهي تشطح بهم الى حيث يصنعون لأنفسهم حوريات على هواهم".
فالمرأة لم تكن قط هشة، ولم تكن عمرها تذوب وهي تتكلم، بل الأدق أن نقول أنها كانت تذيب القلوب من حولها، كما أنها لم تكن خيالية تمتلك أجنحة لتطير بها من فرط خفتها .. بل أنها كانت دائما وأبدا عملية وواقعية وعقلانية تحسب حسابا لكل شيء، وتزن كل رجل يأتي لها بميزان جيبه ومركزه ومدى الضمان والأمان اللذين سيوفرهما لها هذا الرجل، كما أنها كانت ترى الأشياء حينما تنظر الى وجهه وتسمع رنينها حينما تصغي الى نبرات صوته .. وحينما كان يناديها يا حبيبتي كانت تسأل أذنيها الى أي مدى سوف يكون هذا الرجل أبا صالحا وربا لأسرة ولأي مدى سيحقق لها السعادة التي تنشدها سواء كانت عاطفية ام مادية ام معنوية، فأيا كانت صفات هذه المرأة فإنها كانت تفكر دائما وابدا وبمنتهى الواقعية وبلغة المعادلات والأرقام الى أي مدى سيحقق لها هذا الرجل هذه السعادة التي تتصورها ولا تتصور الحياة دونها.
أيتها المرأة التي تنسبي الى نفسك خطأ أو تمثيلا أنكِ كائن هش ضعيف .. عذرا سيدتي أنتِ لست كذلك .. فمنذ أيام حتشبسون وبلقيس وشجرة الدر لأيام تاتشر وأميلدا ماركوس وجولدامائير وأنجيلا ميركل والمرأة تثبت في أحيانا ليست قليلة أنها أبدا لم تكن ضعيفة وانما جاء ضعفها باختيارها حتى تريح بالها من عناء الأعباء والهموم وضغوط المسئولية.
إن نظرة واحدة مثلا لعلم الحيوان والبيولوجي فنرى فيه أن الأنثى تكون دائما الأقوى والأكثر تحملا والأطول عمرا .. فملكات النحل كن ينجبن الذكور للموت .. وكل حظ الذكر فرصة لقاح واحدة في سباق طيران مع أقرانه من ألوف الذكور خلف الملكة الأقوى جسدا والأطول أجنحة .. وكان الذكور يتساقطون في هذا السباق المميت من فرط الإجهاد فلا يفوز بهذه الملكة إلا أقواهم فلا يلبث أن يلحق بهم بعد أن تنال الملكة منه غرضها، فتعود الملكة من هذا السباق المهلك وهي تحمل في جسدها حصالة بها من الحيوانات المنوية ما يكفيها فتنفق على تلقيح بيضها بقية عمرها دون ان تحتاج الى ذكر.
وإذا انتقلنا الى انثى العنكبوت وهي التي اطلق عليها علماء الحيوان بالأرملة السوداء .. ذلك أنها لا تعطي للذكر المحظوظ إلا فرصة لقاء واحد فتشيعه بعدها الى مقره الأخير، حتى الطيور التي عرفت الحب والوفاء فتجد الأنثى في العش هي الأقوى بدنا والأكثر تحملا والأطول عمرا واذا ما تعرض هذا العش لأي هجوم من أي طائر أخر تكفلت الأنثى بالدفاع عنه دون ان يحرك الذكر ساكنا.
وفي هذا لم يشذ الجنس البشري عن القاعدة، فإذا كان الرجل قد انفرد بالحكم في مرحلة من مراحل التاريخ، فقد كانت المرأة هي التي تحكم من خلفه، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد كان ماوتسي تونج وجوزيف تيتو من الحكام الجبابرة الذين أشاعوا الرعب في بلادهم فلما ماتوا ظهر أن أرملة ماو كان أكبر مركز قوة في الصين وكانت زعيمة عصابة الأربعة، وكانت الأمور لا تتم إلا بإشارة من يديها، أما أرملة تيتو فأكتشف فيما بعد انها كانت تدبر هي وبعض رموز الجيش اليوغسلافي آنذاك لعمل انقلاب عسكري تستولي به على الحكم.
إن ما نرى حولنا الآن من قوة المرأة ليس عبارة عن ظاهرة عابرة .. ولا أمل في ان تتلاشى قريبا .. فهي الحقيقة التي واربها التاريخ لفترة ثم عادت من جديد بحكم الفطرة.
لا أعتقد ان كلامي فيه هجوما على المرأة حتى تحاول أن تصد عنه، ولكنه ردا لاعتبارها التاريخي وتجديدا بالإعتراف انها كانت ولازالت دائما الأقوى والأقدر، وإذا اردنا كلاما موضوعيا وعلميا هو أنه لا يستوي رجل برجل، كما لا تستوي إمرأة بإمرأة، فكيف يستوي جنسان مختلفات رجل وأمرأة.
المشكلة تكمن في أن المرأة حينما حصلت على مرادها ونالت ما نالت من امتيازات قد تفوق بعض ما للرجل منها، فمثلا الرجل اذا لمس المرأة .. رفعت عليه عشرات القضايا منها التحرش بأنثى ومعاكسة فتاة في الطريق العام - حتى لو فعل هذا في غرفة مغلقة - ونشر الفساد الاخلاقي، وما الى ذلك من التهم الجاهزة والمعدة مسبقا، أما اذا حاولت المرأة التحرش الفعلي بالرجل، فلا يستطيع الرجل ان يفتح فمه وإلا تعرض للقضايا آنفة الذكر، فحينها هل يتمتع الرجل بمستوى من الحماية كما تتمتع به المرأة .. لا أظن ذلك.
حتى في الزواج اذا نشزت المرأة وأراد زوجها أن يطلقها ويسرحها سراحا جميلا كما هو الوصف القرآني، لا يستطيع .. لأن ببساطة متطلبات الطلاق أكبر بكثير من متطلبات الزواج نفسه، فبين نفقة ومؤخر ومقدم وقايمة وعفش وشقة وخلافه سيجد الرجل نفسه ممزقا بين المحاكم لاسترجاع حقوقه المسلوبة، بينما المرأة اذا ملت من الرجل خلعته من دون رجعه ودون أي عناء.
أرأيتم ما تتمتع به المرأة، ونسي المجتمع أو تناسى ان يحمي أيضا حقوق الرجل كما فعل مع المرأة .. فلا أريد ان يرفع صوتا بعد ذلك يطالب بالمساواة، لقد وصل الأمر ان تكون هناك كوتة للمرأة في المجالس النيابية والتشريعية في كثير من البلدان منها للأسف مصر، فحتى سدة الحكم وشئون الدولة لم تتركها المرأة وحالها بل اقتحمتها وفرضت نفسها عليها بقوة القانون لا بقوة الاختيار والمصلحة.
فهل هناك امتيازات أخرى فوتها المجتمع عليكن، إذا كان فلا داعي للقلق ولا توجد مشكلة .. فقط أشرن بطرف اصبح وستجدن آلاف الأيدي الممدودة لتساعدكن ولتعطيها لكن وفوقها قبلتين وليست قبلة واحدة، ولم لا فإن كيدكن عظيم.
بقلم أحمد نبيل فرحات

لمتابعة المقال على الفيس بوك .. استخدم الرابط التالي:
https://www.facebook.com/note.php?no...04392329633059