المســــؤولـــيــة
أخـلاق وليس نفاق


*محفوظ كيطوني

انطلاقا من قضية الأستاذ الجامعي الذي قتل طالبته خنقا التي كانت تستعد لمناقشة أطروحاتها لنيل شهادة الدكتوراه في علوم البحار في شهر دجنبر القادم والذي كان يشرف على بحثها .ومن قضية تعذيب الطفلة زينب بحرقها بالزيت من طرف زوجة قاض بوجدة ،وقضية المدير الذي وقع ضحية كاتبته فأخذت صور لا أخلاقية له ولم تكتفي ببعثها إلى أسرته بل نشرتها حتى في مواقع مختلفة بالانترنيت..
فما هذه القضايا إلا كمثال على تحمل نماذج مختلفة من المسؤولية ولكن يبقى القاسم المشترك بين كل هؤلاء أنهم مسؤولون يا حسرة،،وما خفي كان أعظم ..
وسواء في إطار نظرية المناهج العلمية الغربية أو في رؤية الديانات السماوية و على الخصوص الرسالة الإسلامية ، فالأخلاق تظل صفة ضرورية في أي مسؤول .
فالنظريات العلمية الغربية على الرغم من كونها حديثة و ركزت فقط على اقتران منصب المسؤولية بالأخلاق الحميدة إلا أنها اهتمت بالأخلاق كمدخل للتقدم والرقي ،و اتسع هذا الاتهام في القرن الحالي .
فالأخلاق تعتبر مركزية بالنسبة لكل عمل بسبب طبيعة عملية التأثير والحاجة إلى إشراك الأتباع ( تلاميذ – عمال – موظفين ...)في تحقيق الأهداف المشتركة (استيعاب الدرس ،إنتاج مضاف ،عمل متقن ،مشروع متكامل ..).وهذا ما جعل علماء الإدارة والقيادة والاقتصاد أمثال : (دلا كوستا ، رولز ، بوشامب وبووي ..)يتفقون حول المبادئ العامة الواجبة في اقتران منصب المسؤولية بالأخلاق وحددوها في ثلاث صفات أساسية ،نشير إليها باختصار :
فالمسؤولية أخلاق تعني :
احترام الآخر : فالاحترام معناه أن المسؤول ينصت باهتمام إلى أتباعه(تلاميذه ،عماله ،موظفيه ..) ،ويتعاطف معهم ويتسامح مع وجهات نظرهم المتعارضة مع وجهة نظره ،ويعني كذلك التعامل معهم بطرق تعزز معتقداتهم واتجاهاتهم وقيمهم ،ويوجهها باللين والحكمة إن كان بها اعوجاج ..وباختصار فالمسؤول الذي يظهر الاحترام للآخرين إنما يتعامل معهم على أنهم بشر جديرون بالاحترام .
فالمسؤولية أخلاق تعني :
تبني العدل والمساواة : يجب أن يعامل المسؤول أتباعه بطريقة متساوية وتستلزم العدالة أن يضع المسؤول قضايا العدالة محور اتخاذ قراره ،وكقاعدة لا ينبغي أن يتلقى أي أحد معاملة خاصة أو اعتبارا خاصا لا إذا كان موقفه الخاص يتطلب ذلك ، وفي الحالات التي يتم فيها معاملة الأفراد على نحو مختلف ،فان أسس تلك المعاملة المختلفة يجب أن تكون واضحة ومعقولة وقائمة على قيم أخلاقية سليمة .
المسؤولية أخلاق تعني :
الصدق : إن اتخاذ طريقة تضليل الواقع ،وعدم الأمانة يمكن أن يجر العديد من النتائج المرفوضة ،وأولها خلق عدم الثقة ،وعندما لا يكون المسؤول صادقا فان طلبته وعماله وموظفيه لا يرونه جدير بالاعتمادية والوثوقية ،ومن ثم يفقد فيه الثقة فيما يقوله وفيما ينادي به ،ويقل احترامهم له لذلك يتلاشى تأثير المدير و الأستاذ و المسؤول ..لان أتباعه لم يعودوا يثقون به أو يصدقونه .
المسؤولية أخلاق تعني :
بناء المجتمع : المسؤول بحاجة ملحة أن يأخذ بعين الاعتبار أهدافه وأهداف أتباعه أثناء عمله من أجل تحقيق الأهداف المناسبة لكل منهم ،وهذا معناه أن المسؤول لا يمكنه فرض إرادته على الآخرين وهم بحاجة إلى البحث عن الأهداف التي تتفق مع الجميع .
وهذا ما جعل العالم بيرنز يضع فكرة المسؤولية الأخلاقية في صلب نظريته حول القيادة التحويلية، فالمسؤول التحويلي يحاول تحريك المجموعة نحو هدف مشترك يحقق النفع لكل من المسؤول والأتباع والمجتمع يتغير القائد ويتغير التابع ،وهذه الخاصية هي التي جعلت نظرية العالم بيرنز متميزة عن غيرها من النظريات التي تتناول القيادة .
أما المسؤولية في الإسلام فهي ابعد بكثير وأرقى من كل النظريات، فتعني أن المسلم المكلف مسؤول عن كل شيء جعل الشرع له سلطانا عليه ،أو قدرة على التصرف فيه بأي وجه من الوجوه .
وأساس هذه المسؤولية قوله - عليه الصلاة والسلام.«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ،والولد راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته،والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ،و فكلكم راع ومسؤول عن رعيته».
فهذه هي القاعدة العامة للمسؤولية في الإسلام لكونه حمل المسؤولية لجميع الأطراف فيه، عدا الصبي والمجنون وبإلقاء المسؤولية على الجميع، يحصل التوازن في المجتمع ويعلم كل فرد أنه مؤاخذ ومحاسب على ما يفعله وما تكسبه يداه وما يكنه ضميره.
فالمسؤولية في الإسلام تعني أن المسلم المكلف مسؤول عن كل شيء جعل الشرع له سلطانا عليه ،أو قدرة على التصرف فيه بأي وجه من الوجوه .
وأساس هذه المسؤولية قوله - عليه الصلاة والسلام.«كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ،والخادم راع على في مال سيده ومسؤول عن رعيته ألا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته».
فهذه هي القاعدة العامة للمسؤولية في الإسلام لكونه حمل المسؤولية لجميع الأطراف فيه، عدا الصبي والمجنون وبإلقاء المسؤولية على الجميع، يحصل التوازن في المجتمع ويعلم كل فرد أنه مؤاخذ ومحاسب على ما يفعله وما تكسبه يداه وما يكنه ضميره.
فنحن أمة أسلامية والأخلاق سمة لصيقة بكل فرد وشخص مسلم مكلف ،سواء كان زوج أو أستاذ أو طبيب أو عاطل، وفي هذا الصدد يقول الدكتور عمر عبد الكافي أن الأخلاق في الإسلام جزء من تكوين المسلم نفسه وجزء من تركيبته وتصرفاته ..
وهذا ما أكده مرارا الدكتور مصطفى بنحمزة أن الإسلام رسالة قيم وأخلاق بالدرجة الأولى، لا أنه مجموعة من الطقوس والشعائر التي يؤديها الإنسان، لذا حدد رسول الله الغاية الأولى من بعثته وبين العنوان الكبير لدعوته بقوله:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". فحصرُ النبي رسالته في هذه المهمة الأخلاقية لهو أكبر دليل على أن الأخلاق ركن ركين وأساس متين في هذا الدين،وفي كل مجالات الحياة العملية والعلمية ..
إذ لا يمكن أن نتصور مسؤولية بدون أخلاق ، فلو كانت الأخلاق مقترنة بالمسؤولية بالدرجة الأولى لما وصلنا إلى استفحال ظاهرة الإجرام ،وتمثل كل من الرشوة والقتل أحد عناوينه الكبرى .
وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي في بيته الشعري الذي يقول فيه :
((وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت .... فـإن هُمُوُ ذهبــت أخـلاقهم ذهــبوا))
وأختم بكلمة الدكتور يوسف القرضاوي الذي يقول فيها: أن النفس الإنسانية هي أساس الإصلاح كله ،إصلاح الأسر وإصلاح المجتمعات وإصلاح الأمم وإصلاح العالم كله ،إذا صلحت الأنفس صلحت الحياة ،البداية تبدأ من الفرد ،إذا لم يصلح الفرد لن يصلح مجتمع ،ولن تصلح حكومة ،فالفرد إنما يصلح بإصلاح أخلاقه ،الإنسان لا يقاد من أذنه كما تقاد البهيمة ،وإنما يقاد من داخله من عقله ،ويقاد من ضميره ،ولهذا كان إصلاح النفس البشرية هو أساس كل إصلاح وفق هذه السنة الإلهية التي قررها القران (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) ،ووفق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) ..
فكم نحن في أمس الحاجة إلى الأخلاق في بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا و إداراتنا و جامعاتنا وأحزابنا ونقاباتنا و...شريطة أن تكون مرسخة في نفوسنا .


محفوظ كيطوني
مختص في الإدارة ومهتم بالشأن السياسي
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)