آفة السلوك الإنساني..
التهور آفة من آفات السلوك الإنساني، والمتهور إنسان عديم النفع فكل فعل أو قول يصدر منه يضر ولا ينفع حتى وإن حسنت النوايا. الرجال الرجال يا سعادة المدير هم الذين يتصرفون بعقل ومنطق ويقومون بحساباتهم جيداً، أما المتهورون فهم الذين يتصرفون خارج الزمان والمكان، ومن دون حسابات "ولا هم يحزنون"!

التهور هو الإفراط؛ أي الإقدام على ما لا ينبغي، والخوض في ما يمنعه العقل والشرع من المهالك والمخاوف.. والعجلة هي المعنى الراتب في القلب الباعث على الاقدام على الأمور بأول خاطر، من دون توقف واستبطاء في اتباعها والعمل بها.

التهور الإداري هو التسرع (لا السرعة) في تبني المواقف واتخاذ القرارات دون التأكد من صحة وسلامة مبرراتها ودوافعها بشكل مادي وملموس لا مجال فيه للشك ولا للتأويل، والتهور هو ردة الفعل الزائدة - كماً أو نوعاً - عن الفعل نفسه. وهو صفة مذمومة يؤول بصاحبه إلى الظلم والندم. وصدق من قال: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة..!!

والتهور الإداري نتيجة حتمية لعدم وجود القدرة على الصبر والتأني والحلم والموضوعية والحكمة في التعامل مع مقتضيات الأمور. كما أنه أيضاً نتيجة للنزعة التسلطية والاستبدادية المطلقة في الرأي والرؤية والخوف من الرأي الآخر. وتكمن مشكلته في أن نتائجه لا يقتصر ضررها على صاحبه فقط بل يمس الجميع وهو ما يدفع بالمتضررين منه للتصدي له ولصاحبه من منطلق الإحساس بالمسؤولية والحق المشروع في الدفاع عن الذات أولاً وعن الصالح العام الذي يهدده التهور ثانياً؛ وبالتالي تصبح العلاقة متوترة والأجواء الإدارية مشحونة وقابلة للانفجار في كل الأوقات.

وإنه لمن المؤسف حقاً أن بعض أفراد المجتمع الإداري لم يتعلموا فقه التمكين فأصبحوا كالمصابين بقهر التكرار، يكررون أخطاءهم في جهل عجيب وبلاهة أعجب، وتجدهم ما بين جاهل متهور أو متعلم منتفع، أو محب أحمق، فتراجع العالمون، وسيطر المتهورون والمنتفعون، واستغلوا لهذه البيئة غير السوية، وكانت الصدامات الخاسرة، والمعارك الفاشلة، ومازالت هذه الاسطوانة المشروخة تعيد نفسها مع كل جيل جديد، حيث العجلة، وعدم الصبر على التعليم والتعلم والعمل المتوازن مع الانشغال بصغائر الأمور، والاختلاف والشقاق على المختلف فيه، والاستعجال والعشوائية في الأعمال.

شخصية الإنسان متأثرة بأركانها الأساسية (من الروح، والنفس، والعقل) سلباً وإيجاباً، فأي خلل في الأركان الثلاثة يؤدي إلى ضعف ملحوظ في جانب من جوانب الشخصية، وذلك حسب المرحلة العمرية، ومستوى الإدراك والاستيعاب والبيئة المحيطة والأصول الفكرية والثقافية. لذا ترى أن الدراسة والعلوم النفسية والاجتماعية والتربوية والإدارية كثيراً ما تتحدث حول هذه الجوانب من الشخصية وتعطيها شيئاً من الأصول العلمية والشرعية. وتدرس الشخصية بكل أنماطها وخصائصها وضعفها وقوتها للوصول إلى بيان شاف حول تأخر الفرد وارتقائه فوق هذا السلوك الذميم.

والشخصية البعيدة عن التهور، شخصية إيجابية ومقبولة عند الله وعند الناس، لذا لا بد للفرد الواعي أن يتحلى بصفاتها ويلتزم بقوالبها ويتقدم نحوها، وذلك حسب الشروط والضوابط السلوكية المتوازنة، لأن هناك أوقات أو أحداث أو مواقف تدفع المرء بعيداً عن التوازن، ويقع في شباك التهور والاستعجال، فيأصل السلبية في ذاتيته بقصد أو دونما قصد. ولا بد من التوازن (عدم التهور والاستعجال والاندفاع والمبالغة في ردود الأفعال) حسب الظروف والواقع ودرجة الحاجة ونوعية الموضوع، سواءً كان في مجال من مجالات العمل أو الحياة أو مع الأشخاص والأشياء. وذلك عند الحالات والظروف التالية:

@ حين اختلاط الأمور وغموض المفاهيم.

@ عند البدء بالتنفيذ.

@ في حال الجذب بين أمرين وتفاعل المرء بين واجبين.

@ في حالات المنافسة والتحدي والصراع.

@ في مواجهة الصعاب والمواقف الحرجة.

ومن أهم ضوابط السلوك الإداري المتهور المرونة والإنتاجية والإفادة من تجارب وخبرات الآخرين والانتماء الاجتماعي والتحكم في ضبط المشاعر والعواطف والأحاسيس لأنها تعطي الشخصية مفاتيح التحكم في أنواع من أساليب التعامل والتفاعل، وبامتلاك هذه الصفات يتمتع الشخص بالقدرات التالية:

@ القدرة على التكيف والتأقل.

@ القدرة على التخطيط الواقعي الناجح.

@ القدرة على التعامل في كافة الظروف ومع مختلف النفسايت.

@ القدرة على التغيير الإيجابي.

@ القدرة على مواجهة الصدمات والمفاجآت.

@ القدرة على التحول في مجالات العمل.

@ القدرة على التحكم في الوسائل والأساليب.

فالتأني والحلم والرفق والوقار ومجاهدة النفس دليل رجاحة العقل واتزان النفس وعلى العكس والنقيض فإن التهور والاندفاع والعجلة والطيش والهوى والسفه والاقدام دون تفكير دليل خفة العقل وجهالة النفس، وقد يظهر ذلك في سرعة الغضب من يسير الأمور، والمبادرة بالطيش، والإيقاع بالمؤذي، والسرف في العقوبة، وإظهار الجزع من أدنى ضرر، والسبب الفاحش، أو استعمال الإنسان قواه فيما لا ينبغي وكما لا ينبغي..

والتهور خلق مستقبح من كل أحد، إلا أنه من المسؤول أقبح، وعلى هذا فإذا ترتب على الطيش محرم كان محرماً، وإذا ترتب عليه مكروه كان مكروهاً، وهو على كل حال مستقبح وفي كل وقت مسترذل، فكم من اندفاعه في غير موضعها أورثت حزناً طويلاً، وكم من قول أو فعل متهور طائش أهلك صاحبه وحرمه النجاة وألقي به في عداد الظلمة الفسقة. ومن ذلك إساءة الظن بالآخرين وعدم التثبت في نقل الأخبار وإشاعة الاتهام في حق الأبرياء دون بينة أو غيرها من أفعال أو ردود أفعال مخالفة لطبائع الناس الطيبة وشرائع الخالق المتوازنة.

وقالوا: لا يستحق أحد اسم الرئاسة حتى يكون فيه ثلاثة أشياء: العقل العلم والمنطق، ثم يتعرى عن ستة أشياء: عن الحدة والعجلة والحسد والهوى والكذب وترك المشورة. وعاب مالك العجلة في الأمور وقال: قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين (بمعنى أنه جمع فيها العلم والعمل معاص كما هو منهج الصحابة رضي الله عنهم) وقال أيضاً: العجلة نوع من الجهل. وقال أبو حاتم: العجلة تكون من الحدة، وصاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محموداً، وإن أخطأها كان مذموماً، والعجل (بكسر الجيم) لا يسير رلا مناكباً للقصد، منحرفاص عن الجادة، يلتمس ما هو أنكد وأوعر وأخفى مساراً، يحكم حكم الورهاء (الحمق) يناسب أخلاق النساء، وإن العجلة موكل بها الندم، وما عجل أحد إلا اكتسب ندامة واستفاد مذمة؛ لزن الزلل مع العجل، ولا يكون المذموم محموداً أبداً. وفي وصية الخطاب ابن المعلى المخزومي القرشي لابنه قال فيها: يا بُنيَّ عليك بتقوى الله وطاعته وتجنب محارمه باتباع سنَّته ومعالمه حتى تصحح عيوبك وتقر عينك، فإنها لا تخفي على الله خافية، وإني قد وسمت لك وسماً، إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملأت عين الملوك وانقاد لك به الصعلوك ولم تزل مرتجى مشرفاً يحتاج إليك، ويرغب إلى ما في يديك... إلى أن قال: والعجلة شؤم وسوء التدبير وهن.

فالحذر الحذر من التهور والاندفاع فهو دليل على السفه وضعف العقل، ويتسبب في كثرة الزل والوقوع في الخطأ، وصاحبه محروم من السيادة ومواقع القيادة والريادة، يجلب لنفسه الضرر، ويوقعها في مواضع الندم، حيث لا ينفع الندم، فلا بد من وقفة تريث وتمهل وتثبت لتكن على بصيرة من أمرك وأمر الناس حتى تستوضح مواضع الأقدام وتحمد العاقبة. فالمسؤول المنظم هو الذي يفوز بالتوازن الدقيق والمستمر بين كافة المجالات والاهتمامات، وذلك بنسب متوازنة، أي ليس من المهم أن تتساوى النسب ولكن من المهم الاهتمام الجدي بالنسب المتخصصة في أي مجال من مجالات الحياة فكل شيء في حياتنا نسبة وتناسب ويجب أن يكون متوازن، والله أسأل أن يكفينا شر التهور الإداري والمتهورين من رؤساء أو مرؤوسين آمين..