رغم التطور التكنولوجي غير المسبوق الذي شهده العالم خلال السنوات الماضية، خاصة في ما يتعلق بأدوات العمل والإنتاج، فإن العنصر البشري ما زال هو العنصر الأساسي في العملية الإنتاجية في المؤسسات المختلفة وإن كانت قد تغيّرت طبيعة الأدوار التي يقوم بها، ولذلك فإن الاهتمام به يتصاعد من حيث تدريبه وتنمية مهاراته من منطلق أنه العنصر الأهم والأكثر قدرة على صنع الفارق في مضمار التنافس العالمي في عصر العولمة.

من هذا المنطلق فقد جاءت توصيات مؤتمر "تطوير الموارد البشرية... التحديات والحلول"، الذي نظمه "معهد الدراسات القضائية" بالتعاون مع "شركة كريسدو" للاستشارات وتطوير الأعمال خلال الفترة الماضية في أبوظبي، مركزة على أهمية استثمار الموارد البشرية باعتباره الاستثمار الأمثل، وداعية إلى الاهتمام بالتأهيل والتدريب المستمرين للمورد البشري في القطاعين العام والخاص.
ومن المهم أن تكون برامج تدريب قدرات ومهارات العناصر البشرية وتطويرها ذات موقع متقدم وأساسي في اهتمامات المؤسسات وميزانياتها وخططها المختلفة، سواء تعلق الأمر بالقطاع الخاص أو العام. ولكي تؤدي هذه البرامج دورها وتحقق الأهداف المرجوة منها لابدّ من أن تكون ذات طبيعة دورية ومؤسسية وليست مؤقتة أو موسمية، وأن يتمّ النظر إليها على أنها جزء ضروري لتطوير العمل والارتقاء به واستثمار مفيد، لا يمكن تجاهله أو إهماله، من أجل مواكبة المتغيّرات المحيطة، هذا إضافة إلى العمل على الاستفادة القصوى من البرامج التدريبية من خلال ربطها بخطط العمل والتخلص من النظر إليها من قِبل بعض المؤسسات من زاوية ضيقة تقتصر على تكاليفها المادية فقط، ومن قِبل بعض العاملين على أنها وسيلة للحصول على شهادة أو ترقية، لأن المسألة أشمل من ذلك بكثير وأكبر، حيث يتعلق الأمر بمنطق التطور الذي يقتضي ضرورة تنمية المهارات بشكل مستمر والتفاعل مع التحولات التي تلحق ببيئة العمل على الدوام، وهي تحوّلات ليست بالقليلة أو الهينة، لذلك فإن المؤسسات المختلفة، سواء كانت حكومية أو خاصة، مطالبة ليس بتنظيم برامج التدريب فقط، وإنما بتشجيع العاملين فيها للانخراط في هذه البرامج وتقديم الحوافز لهم لهذا الغرض.

وتهتم الكثير من المؤسسات الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة بقضية التدريب وتضع الخطط والاستراتيجيات الخاصة بها، لكن الأمر ليس على القدر نفسه من الأهمية بالنسبة للمؤسسات الخاصة أو الكثير منها، حيث يؤدي منطق الربح الذي يسيطر عليها إلى دفع بعضها إلى عدم الصرف على الدورات التدريبية واعتبارها إهداراً للمال من دون عائد ملموس، رغم أنها في حقيقة الأمر تمثل استثماراً حقيقياً له عائده الحقيقي والمباشر على المديات القصيرة والمتوسطة والطويلة.

وفي ضوء ما سبق فإن هناك جانباً ثقافياً مهماً في القضية يتصل بضرورة تعميق ثقافة التدريب المستمر، سواء لدى أصحاب الأعمال على المستويين الحكومي والخاص، أو على مستوى العاملين أنفسهم، وتكريس النظر إلى التدريب على أنه أمر جوهري وأساسي في أي مؤسسة تريد أن تكون ناجحة وقادرة على التفاعل مع المتغيّرات المحيطة بها والتعامل الإيجابي مع معطيات العصر.

لا نفصل قضية التدريب عن قضية التوطين، لأن التدريب هو طريق العناصر البشرية المواطنة لتثبيت أقدامها في سوق العمل والقيام بدورها المأمول في خدمة التنمية، وهذا يمنحه أهمية إضافية ويزيد من درجة الإلحاح عليه.