في حياة رجل الأعمال العماني حمد بن سالم الحراصي رحلتان طويلتان لم يكونا في حسبانه يوما ما، الأولى قطعها قادما من أدغال إفريقيا "زنجبار" إلى موطنه وموطن أجداده في سلطنة عُــمان.

أما رحلته الثانية، فتمتد منذ السنوات الأولى للنهضة وحتى الآن، واستطاع خلالها أن يحفر لنفسه مكانة متميزة في عالم التجارة والأعمال بوصفه مؤسس إحدى أهم الشركات العاملة في مجال تجارة الأثاث والمفروشات بسلطنة عُمان.
بدايات بسيطة في زنجبار
ولد حمد بن سالم بن عيسى الحراصي في زنجبار عام 1947، حيث ترعرع في أدغال إفريقيا صغيرا ونشأ فيها يافعا وتعلم منها كثيرا، فكان عند بزوغ فجر يومه قد أعد عدته وانطلق بكل حيويته ونشاطه إلى مدرسة بلده ليحصد منها نظريات العلم، وفي مسائه يعود إلى تجارة والده ليتعلم منه فنون التجارة.

وجد الحراصي نفسه مجبراً على التعلم من والده فاعتمد على نفسه في كسب عيشه حتى غدا تاجراً محنكاً في بلد كانت من أشهر البلدان في قطاع التجارة، وخاصة تجارة المحاصيل والمنتجات الزراعية، كما أنه تربى على يد والده الذي كان أحد التجار المشهورين في ذلك الزمان.

ويصف حمد الحراصي أيام صباه وتعرفه على أسس التجارة الناجحة بقوله: "أبصرتُ على الدنيا في زنجبار ولم أكن أرى مثلا لي إلا أبي، الذي كان يصل ليله بنهاره في التجارة من أجل توفير لقمة العيش لي ولإخواني، حيث كانت معه تجارة دائمة متمثلة في متجر يبيع فيه المواد الغذائية والملابس وغيرها من المواد الاستهلاكية المتوفرة في ذلك الزمان، وكان يمارس تجارة أخرى تسمى التجارة الموسمية؛ حيث كان يشتري إحدى المزارع حتى فترة حصاد مزروعاتها فيشتري مزرعة للقرنفل، وفي يوم الحصاد يحصد ذلك القرنفل ويبيعه في الأسواق المحلية وما تبقى يصدره للخارج، كما كان أبي يشتهر بتجارة النارجيل التي كان يجني منها أرباحاً طائلة".

وبحسب ما يروي حمد لـ"الأسواق.نت" فقد كان يسافر مع والده ويرافقه عند بيعه وشرائه ويتعلم منه فنون التفاوض، ويضيف: "كنتُ أتولى أيضاًَ أمور إدارة المتجر وإتمام عمليات البيع والشراء، كذلك كنتُ أقوم كل يوم بجرد الحسابات لمعرفة حجم الإيرادات والمبيعات التي حققها المتجر الذي تعلمتُ فيه فنون التجارة والعمليات الحسابية والصفقات التجارية الكبيرة".

وكان الحراصي يشعر بالسعادة عندما تنمو تجارة والده، ويشعر بسعادة أكبر عندما يتعلم مهارات فنون وأساسيات التجارة، ويشير إلى أن والده كان عندما يقوم بأي عمل تجاري يعلمه كيف قام به ليكتسب مهارات التجارة.

بداياته التجارية
ويصف الحراصي لـ"الأسواق.نت" بداياته التجارية بقوله، إنه أراد تجريب قدراته بعيداً عن تجارة أبيه، فأخذ بقايا النارجيل التي لا يشتريها الناس لقلة جودتها وقام بترميمها وبيعها في السوق، فكان في كل مرة يكسب فيها يزداد حماساً وينمو حبه للتجارة؛ لأنها علمته كيف يعتمد على نفسه في كسب العيش، بل واستطاع من خلال كسبه أن يدخل عش الزوجية وفعلا تزوج في بلد الأدغال.

عشرون عاما من عمره قضاها في ميدان الحياة الإفريقية، متنقلا بين مدارسها وأسواقها متعلما من قانون غابتها القوة في الطموح والاقتناص في الفرص، فمكان ميلاده لم يغنه عن موطن أجداده، حيث ركب الباخرة عام 1972م تاركا بدموع الحزن البلد الذي ترعرع فيه وتعلم مهارات الحياة والتجارة في أحضان غاباته وأسواقه، متلهفا بشوق إلى موطن أجداده (عُــمان) الذي لم يره إلا في حكايات والده.

ويصف حمد الرحلة التي كانت بمثابة النقلة النوعية له وكان قراره فيها ميلادا جديدا له بالقول: "عاش والدي في زنجبار 46 عاما رزقه الله فيها المال والولد؛ حيث كنت الثاني من بين الأبناء الخمسة، وكان قرار العودة برأي مني أنا وأخوتي، وذلك عندما ارتأينا أن الأمور السياسية والاقتصادية عام 1965 بدأت تسوء في زنجبار؛ حيث بدأت المضايقات في جميع المجالات وفي المقابل بدأت البنية الأساسية تتحسن في عمان والقطاعات بدأت تنتعش".

ويرى الحراصي أنه "بعد تولي السلطان قابوس مقاليد الحكم في البلاد عم الخير جميع أرجاء عُــمان وبدأت الأخبار تصل إلى جميع المهاجرين العمانيين في زنجبار وغيرها بأن عُمان تشهد فجرا جديدا فقررنا العودة إلى البلد".

رحلة الأحلام
رجع حمد الحراصي من زنجبار وهو لا يملك إلا ملابسه التي على جسده ، فقرر التوجه إلى تجارة العاصمة مسقط، حيث كان يراوده الخيال بأنه في يوم من الأيام سوف يكون تاجرا كبيرا وستكون تجارته ضخمة، فعمل في بداياته كاتباً ومحاسباً في بنك "تشارترد" لمدة سبعة أشهر، بعدها عمل في مطار السيب الدولي عام 1973.

ويضيف الحراصي: "عملتُ في البنك براتب 53 ريالاً وفي المطار بـ 75 ريالا كما عملتُ في السفارة الأمريكية كمساعد ملحق تجاري لمدة سنة واحدة، وبعدها تحولتُ إلى شركة تنمية نفط عُمان". (الدولار = 0.37 ريال).

وبحسب الحراصي فإن عمله في السفارة الأمريكية كمحلق تجاري منحه الفرصة للتعرف على أنواع التجارة الصادرة والواردة من وإلى السلطنة والعلامات التجارية، وبعد صدور المرسوم السلطاني بتأسيس سجل تجاري، سارع إلى فتح سجل، وبدأ عمله في نشاط بيع الأدوات الكهربائية من خلال محل صغير في "روي".

شرارة التقدم
في العام 1982 توسعت أعمال الحراصي، فأسس شركة "تيجان للتجارة والمقاولات"، وبدأت حركة النشاط والعقود الحكومية والخاصة تتوسع للشركة الوليدة من خلال بناء المدارس والمجمعات والأبنية الأهلية.

ويقول الحراصي: "بعد دراسة السوق دراسة عميقة قررنا أن ننشئ فرعاً باسم تيجان للمفروشات، وكانت البداية في العائد المادي بسيط، لكن سوق المفروشات بدأ ينمو وبدأت الطلبات تكبر على المفروشات، فكانت بدايتنا باستيراد الأثاث من دبي وبيعه من خلال معرضنا في نزوى".

ولم يتوقف الحراصي عند ذلك، فقد توسع باتجاه إيطاليا التي زارها لأول مرة في العام 1989 ليستورد منها أول شحنة بـ13 ألف ريال، ليتحول بعد مدة قصيرة إلى مهوى لأفئدة التجار في إيطاليا الراغبين بالتصدير إلى عُمان.

وتعتبر شركة "تيجان للمفروشات" في الوقت الراهن أكبر مورد للأثاث في سلطنة عُمان، وتملك 6 معارض في روي والحيل ونزوى وبركاء وصحار، إضافة إلى الفرع الرئيسي في الخوير، كما استحوذت على شركة في الهند منذ أربع سنوات بقيمة 600 ألف ريال عُماني متخصصة في مجال الإطفاء، ليدخل بها الحراصي قطاعاً جديداً هو "معدات الدفاع المدني".