يعد النمو المتزايد لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر «Foreign Direct Investment» خلال التسعينات من القرن الماضي أحد أهم التغيرات الحديثة في الاقتصاد العالمي. فقد حققت هذه التدفقات معدلات نمو أسرع من تلك الخاصة بالتجارة الدولية والناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعلى الرغم من أن الوجهة الرئيسية لهذه التدفقات كانت ومازالت إلى الدول المتقدمة، فقد شهدت الدول النامية زيادة حادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى أراضيها منذ التسعينات حتى وصلت إلى 49% من إجمالي التدفقات العالمية خلال عام 2009م. هذه التغيرات أعادت إلى السطح بعض الأسئلة الموجودة في الأدبيات الاقتصادية المتعلقة بتحديد العوامل التي تؤثر في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول المضيفة، والآثار المتوقعة لهذه الاستثمارات على هذه الاقتصاديات. ولكن هذه المرة كان التركيز على الدول النامية.

بعد إعلان الهيئة العامة للاستثمار أن المملكة العربية السعودية قد احتلت المركز الثامن من حيث أكبر البلدان المتلقية لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، دار نقاش بين بعض الكتّاب حول تأثير هذه الاستثمارات على اقتصاديات الدول المضيفة. فالبعض يعتقد أن هذه التدفقات لها تأثيرات إيجابية على اقتصادنا الوطني، وآخرون يعتقدون العكس تماماً. وفريق ثالث قال أن هذه التدفقات تحمل في طياتها آثار إيجابية وأخرى سالبة. والحقيقة أن هذا النقاش قديم بقدم ظاهرة الاستثمار الأجنبي المباشر نفسه. فهناك فريق مؤيد من الباحثين والمتخصصين يرى أن الاستثمار الأجنبي المباشر يلعب دوراً جوهرياً على اقتصاد البلد المضيف في معالجة مشاكله الاقتصادية مما يساعده على دفع عجلة التنمية الاقتصادية. وفيما يرى المعارضون أن الاستثمار الأجنبي المباشر يؤثر سلباً على الأداء الاقتصادي للبلد المضيف

يضع هذا المقال بشي من التفصيل الإطار النظري للآثار المتوقعة من الاستثمار الأجنبي المباشر على اقتصاد البلد المضيف، أما الدراسات الاقتصادية التطبيقية «Empirical Studies» التي تناولت هذا الموضوع ربما نناقشها في مقال لاحق إن شاء الله. ولكن لابد من مقدمة نضع فيها الخطوط العريضة التي سوف نعتمد عليها في التحليل.

تعريف الاستثمار الأجنبي المباشر:

يُعرّف صندوق النقد الدولي الاستثمار الأجنبي المباشر "بأنه ذلك النوع من أنواع الاستثمار الدولي الذي يعكس حصول كيان مقيم في اقتصاد ما على مصلحة دائمة في مؤسسة مقيمة في اقتصاد آخر، ويشار إلى الكيان المقيم باصطلاح "المستثمر المباشر"، وإلى المؤسسة باصطلاح" مؤسسة الاستثمار المباشر"، وتنطوي المصلحة الدائمة على وجود علاقة طويلة الأجل بين المستثمر المباشر والمؤسسة، بالإضافة إلى تمتع المستثمر بدرجة كبيرة من النفوذ في إدارة المؤسسة. " ولأغراض هذا التعريف يكون الحد الفاصل لتعريف الاستثمار الأجنبي المباشر هو ملكية حصة في رأس مال الشركة التابعة في البلد المضيف تساوى أو تفوق 10% من السهم العادية أو القوة التصويتية لمؤسسة الاستثمار المباشر.

ومن هذا التعريف يمكن أن نستنتج ما يلي: 1» إن الاستثمار الأجنبي المباشر ينطوي على علاقة طويلة الأجل تعكس منفعة المستثمر الأجنبي المباشر التي يترتب عليها تحويل أصول ملموسة وغير ملموسة إلى البلد المضيف. 2» يكون للمستثمر الأجنبي الحق في إدارة الوحدة التابعة والرقابة عليها. 3» لا يحتاج المستثمر الأجنبي بأن يمتلك جميع أصول الوحدة التابعة، حيث أن 10% من الأسهم العادية للشركة تكفي لإنشاء هذه العلاقة. 4» أن معيار التفرقة بين الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار الأجنبي الغير مباشر «الاستثمار في المحافظ المالية Foreign Portfolio Investment، الذي يهدف إلى شراء أصول لتحقيق عائدات دون اكتساب الحق في إدارة المنشأة والرقابة عليها» هو حيازة المستثمر الأجنبي 10% من أسهم الشركة مما يعطيه الحق في إدارة المنشأة والرقابة عليها.

أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر:

يمكن تقسيم أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أشكال مختلفة استناداً على كيفية إنشاء المشروعات في البلد المضيف وعلى استراتجيات الدخول، والدوافع والأسباب وراء الاستثمار في بلدان أخرى غير بلد الأم.

ينقسم الاستثمار الأجنبي المباشر من حيث كيفية أنشاء المشروعات في البلد المضيف إلى الاستثمار التأسيسي «Greenfiled FDI» الذي يعني إنشاء مرافق إنتاجية جديدة للشركة الأم في البلد المضيف، أو استثمارات عن طريق عمليات الاندماج والاستحواذ «Mergers and Acquisitions» الذي يعني قيام المستثمر الأجنبي بشراء أو الاندماج مع شركة قائمة تعمل في البلد المضيف لإنشاء كيان قانوني جديد. كما أن الاستثمار الأجنبي يمكن أن يكون شركة تابعة مملوكة كلياً للمستثمر الأجنبي «Wholly Owned Enterprise» أو من خلال الشراكة مع مستثمر وطني «Joint Ventures».

وأخيراً يمكن تصنيف الاستثمار الأجنبي المباشر من حيث الأسباب والدوافع وراء الاستثمار في الدول المضيفة من وجهة نظر المستثمر الأجنبي. فهناك الاستثمار الباحث عن الأسواق «Market Seeking» الذي يهدف إلى خدمة السوق المحلي للدولة المضيفة للتقليل من بعض تكاليف المواصلات والرسوم الجمركية، والذي يعد بديلا للعمليات التصديرية من قبل الشركة الأم والبلدان المضيفة. كما يسمي هذا النوع بالاستثمار الأجنبي المباشر الأفقي «Horizontal FDI» حيث تقوم الشركة الأم بإنشاء وحدات إنتاجية تابعة في البلد المضيف لإنتاج نفس السلع والخدمات المنتجة التي تنتج في المقر الرئيسي للشركة الأم. هذا النوع من الاستثمار الأجنبي كان حلاً مثالياً لتجاوز السياسات الحمائية التي اتبعتها بعض الدول النامية التي طبقت سياسة إحلال الواردات خصوصاً دول أمريكا الجنوبية. ثانياً: الاستثمار الباحث عن المصادر الطبيعية «Natural Resources Seeking» والذي يسعى إلى الحصول على الموارد الطبيعية الرخيصة التي لا تتوفر في دولة الأم للشركة، ومن ثم يسعى لاستغلال الميزة النسبية للدولة المضيفة. ثالثاً: الاستثمار الباحث عن الكفاءة «Efficiency Seeking» والذي تسعى الشركات الأجنبية من وراءه لزيادة كفاءتها الإنتاجية عن طريق تحويل جزء من خطوط الإنتاج لدول مضيفة تتمتع بميزة نسبية في تكاليف الإنتاج «الخامات، قوى العمل، والمنتجات الأولية الرخيصة». كما يطلق على هذا النوع بالاستثمار الرأسي «Vertical FDI» حيث تقوم الشركة الأم بتوزيع خطوط أو مراحل عملية الإنتاج على دول مضيفة مختلفة. فمثلاً تقوم شركة جنرال موتورز بتصنيع مكونات وأجزاء من سياراتها في دول مختلفة، ثم نقل هذه الأجزاء إلى المصانع الرئيسية في مدينة ديتدرويت في ولاية مشجن الأمريكية لتجميعها كمنتج نهائي. لذا يعتبر هذا النوع من الاستثمار الأجنبي مكملاً للتبادل التجاري بين بلد الأم وبلد المضيف. وأخيراً الاستثمار الباحث عن أصول إستراتجية «Strategic Asset Seeking» والذي يسعى إلى الحصول على أصول إستراتجية تكون ذات أهمية للشركة الأم في الأجل الطويل. فعلى سبيل المثال قيام المستثمر الأجنبي بالاستثمار في المناطق المتطورة للاستفادة من التكنولوجيا المستخدمة في هذه المناطق يدخل ضمن هذا التصنيف.

الآثار المتوقعة على اقتصاد البلد المضيف:

أن الاستثمار الأجنبي المباشر، يمكنه أن يحقق لاقتصاديات الدول المضيفة بطريقة مباشرة الميزات التالية: مصدر أساسي للموارد المالية خصوصاً للدول النامية، ومصدر للمعرفة والخبرات الإدارية «know - how»، وتوطين التكنولوجيا، وزيادة القدرة التصديرية للدول المضيفة، وخلق وظائف جديدة والحد من مشكلة البطالة وتدريب العمالة الوطنية، ودعم عمليات الأبحاث والتطوير، بالإضافة إلى بعض المزايا الأخرى التي يمكن أن تتحقق بطرق غير مباشره.

ولكن نجد الأدبيات الاقتصادية قد ركزت على دراسة تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على العوامل الاقتصادية التالية: 1» النمو الاقتصادي للبلد المضيف. 2» الصادرات والواردات أو بشكل عام ميزان المدفوعات. 3» الاستثمار الوطني الخاص. 4» سوق العمل من حيث خلق فرص عمل جديدة، وزيادة معدل الأجور، ورفع الكفاءة الإنتاجية للعمال. كما أن هناك بعض الدراسات التي تناولت تأثير الاستثمار الأجنبي على سعر الصرف لعملة البلد المضيف، ومدى نقل وتوطين التكنولوجيا للبلد المضيف، وتأثير أنشطة هذه الاستثمارات على البيئة وغيرها. إلا إننا سوف نقتصر على العناصر الأربعة التي أشرنا لها.

أولاً: تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على ميزان المدفوعات:

إن تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على ميزان المدفوعات للبلد المضيف يمكن أن يتحقق عن طريق عدة قنوات. فالأول عن طريق التأثير الإيجابي على حساب رأس المال بميزان المدفوعات الذي تسجل فيه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر باعتبارها إضافة له، وذلك في بداية تدفق هذه الاستثمارات للبلد المضيف «الأثر المباشر أو المبدئي». أما الثاني عن طريق التأثير على الميزان التجاري للبلد المضيف من حيث التوسع في التبادل التجاري «الصادرات والواردات» مع دول العالم. والثالث هو التحويلات الخاصة بالإرباح والرسوم الإدارية «الإتاوات ورسوم حقوق الامتياز التي تدفعها الشركة التابعة للشركة الأم مقابل الحصول على حق استخدام اسم وشعار ونظام عمل الشركة الأم» وغيرها من البنود المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية من البلد المضيف نحو الخارج مما يؤثر سلباً على ميزان المدفوعات.

يفترض المؤيدون للاستثمار الأجنبي أن قدرة الاستثمارات الأجنبية المباشر على الوصول إلى الأسواق العالمية سوف يغير هيكل التجارة الخارجية للبلد المضيف من حيث زيادة قدرتها التصديرية وغزو أسواق جديدة مما يساعدها على تحسين ميزانها التجاري، وهذا الأثر سوف يفوق الأثر السلبي الناجم عن التحويلات الخاصة بالإرباح ورأس المال من البلد نحو الخارج.

ولكن هذه الفرضية تعتمد اعتمادا كلياً على الفرضية القائلة بأن المستثمر الأجنبي المباشر سوف يعمل على تحقيق فائض في الميزان التجاري عن طريق الزيادة في حجم الصادرات. وعلى الرغم من صحة هذه الفرضية إلا أنها تغفل النقطة التالية: إذا كان الهدف الرئيس للاستثمار الأجنبي المباشر خدمة السوق المحلي للدولة المضيفة عن طريق إنتاج نفس السلع والخدمات بدلاً من العمليات التصديرية من قبل الشركة الأم «الاستثمار الباحث عن الأسواق»، فأن تأثير هذه النوع من الاستثمارات سوف يكون سالباً على الميزان التجاري خصوصاً إذا كانت الشركة الأجنبية تستورد مدخلات الإنتاج كالمواد الخام والمنتجات الوسيطة من الخارج بدلاً من الاعتماد على المدخلات المحلية، مما يعني زيادة الواردات ومن ثم عجز في الميزان التجاري «أقرب مثال لذلك المطاعم الأجنبية العاملة لدينا التي تستورد أغلب مدخلاتها الإنتاجية من المصانع الرئيسية في بلد شركة الأم». كذلك الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الخدمات «الفنادق مثلاُ» ليس له أي تأثير على الميزان التجاري للبلد المضيف لعدم تحقق التبادل التجاري. في المقابل الاستثمار الباحث عن الكفاءة له تأثيرات كبيرة على الميزان التجاري خصوصاً إذا كان المستثمر الأجنبي المباشر يعمل في الصناعات التصديرية الموجودة في المناطق الحرة للبلد المضيف. يتضح من هذا أن تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على الميزان التجاري يعتمد اعتماداً رئيسياً على نوع الاستثمار الأجنبي والدوافع من وراء الاستثمار في البلد المضيف.

ثالثاً: تأثير الاستثمار الأجنبي على الاستثمار الوطني الخاص

تحدد الأدبيات الاقتصادية بعض القنوات التي قد يؤثر فيها الاستثمار الأجنبي المباشر في البلد المضيف على نظيرة الوطني الخاص. بعض هذه التأثيرات ايجابية تؤدي إلى زيادة معدل الاستثمار الوطني الخاص «Crowding - in Effects» وبعضها سالبه تؤدي إلى انخفاض الاستثمار الوطني. أما التأثيرات الايجابية فقد تأتي عن طريق خلق فرص استثمارية وطنية في الصناعات التكميلية من خلال قيام المنشآت المحلية بتوزيع منتجات المستثمر الأجنبي وإمداده بمستلزمات الإنتاج «التكامل الأفقي والعمودي»، أو قد تأتي عن طريق نقل وتوطين التكنولوجيا التي تؤثر على مدى كفاءة المنشآت المحلية في استخدام عناصر الإنتاج الذي يساعدها على تقليل تكاليف الإنتاج وتعظيم الأرباح مما يشجع على دخول مستثمرين جدد إلى السوق.

في المقابل قد يؤثر الاستثمار الأجنبي المباشر على معدل الاستثمار الوطني الخاص عن طريق سعر صرف عملة البلد المضيف الذي يحدث في حالة تدفق استثمارات أجنبية مباشرة بشكل كبير مما يؤدي لزيادة في سعر صرف العملة والذي يؤثر سلباً على القدرة التنافسية للمنشآت المحلية في تصدير منتجاتها إلى الأسواق العالمية.

أيضاُ تعتمد درجة تأثير هذه الاستثمارات على الكيفية التي يدخل فيها الاستثمار الأجنبي للبلد المضيف. فمثلاً بما أن الاستثمارات عن طريق عمليات الاندماج والاستحواذ هي عبارة عن نقل ملكية أصول شركة قائمة مسبقاً إلى فرد أو شركة أجنبية فأن تأثير هذه الاستثمارات سوف يكون أقل من تأسيس شركة جديدة «هذا طبعاً في الأجل القصير فقط». وكذلك مدى درجة المنافسة في السوق من حيث عدد المنشآت الأخرى القائمة. كما أن درجة التأثير تختلف في حالة قيام المستثمر الأجنبي بتقديم سلعة جديدة في السوق أو سلعة منافسة للسلع المحلية الموجودة. ففي الحالة الأولى لا يوجد أي تـأثير سلبي على المنشآت المحلية بل ربما تأثير إيجابي عن طريق التكامل الأفقي أو العمودي.

رابعاً: تأثير الاستثمار الأجنبي على سوق العمل:

عادة ما يتم نقاش تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على سوق العمل في إطار تأثيره على خلق فرص عمل جديدة، وزيادة الأجور، ورفع الكفاءة الإنتاجية للعمالة.

أما تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على خلق فرص عمل جديدة في سوق العمل للبلد المضيف فهذا أمر غير مسلم به، بل قد يؤدي إلى زيادة معدل البطالة. فمن جهة تشير بعض الفرضيات إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر يقوم بدور هام في الحد من مشكلة البطالة في البلد المضيف من خلال التوظيف المباشرة في المنشآت الأجنبية، بالإضافة إلى طرق غير مباشرة من خلال زيادة فرص العمل في الصناعات المحلية التكميلية الأمامية والخلفية. ولكن هذا التأثير يعتمد بشكل كبير على طريقة إنشاء الاستثمار الأجنبي المباشر، فإذا كان تأسيساً، فهذا بدون شك سوف يخلق فرص عمل جديدة. بينما في حالة الاندماج والاستحواذ، قد يؤدي هذا النوع من الاستثمارات إلى زيادة معدل البطالة نظراً لسعي الشركة الجديدة للاستغناء عن بعض العاملين بسبب التقنية المستخدمة أو استبدال العمالة المحلية بأخرى أجنبية. كذلك يعتمد هذا التأثير على القطاع الذي يعمل فيه المستثمر الأجنبي المباشر. فمثلاً الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع الخدمي قد لا يخلق فرص عمل مثل القطاع الصناعي الذي يعتبر كثيف الاستخدام للأيدي العاملة «Labor Intensive Industry».

في المقابل هناك شبه أتفاق بين جميع الدراسات بأن المستثمر الأجنبي المباشر يدفع أجراً أكبر من نظيرة الوطني بالإضافة إلى الاهتمام المستمر بالتطوير والتدريب الوظيفي مما يرفع الكفاءة الإنتاجية للعمال.

أولاً: تأثير الاستثمار الأجنبي على النمو الاقتصادي للبلد المضيف:

إن الاستثمار الأجنبي المباشر يساهم في عملية النمو الاقتصادي من خلال بعض القنوات: 1» إن الاستثمار الأجنبي المباشر يشكل عنصراً مهماً من عناصر تكوين الدخل القومي لإسهامه في تكوين رأس المال الثابت. 2» يقدم المعرفة التقنية المطلوبة التي تساعد على زيادة الكفاءة الإنتاجية للصناعات التي يعمل فيها المستثمر الأجنبي. 3» يؤثر الاستثمار الأجنبي المباشر على النمو الاقتصادي للبلد المضيف من خلال تأثيره على العناصر الاقتصادية السابقة في الأعلى «الاستثمار الخاص، وميزان المدفوعات، وسوق العمل».

هذا يجعل عملية تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على النمو الاقتصادي للبلد المضيف معقدة جداً ولا يمكن الجزم بالقول أن الاستثمار الأجنبي يساعد على تحقيق معدلات مرتفعة في النمو الاقتصادي. فمثلاً ربما يساعد الاستثمار الأجنبي على تحسين الميزان التجاري للبلد المضيف من خلال الزيادة في حجم وقيم صادراتها، ولكنه في المقابل ربما يؤدي إلى خروج بعض المنشآت المحلية من السوق مما يؤثر سلباً على معدل الاستثمار الوطني الخاص. فإذا كان تأثير هذه الاستثمارات على ميزان المدفوعات أكبر من تأثيرها على الاستثمار الوطني الخاص، فأن تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر سيكون موجباً والعكس صحيح.

خلاصة القول

أن تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على اقتصاد البلد المضيف يعتمد على التفاعل الديناميكي لمجموعة من العوامل الاقتصادية والتنظيمية، والتشريعية، والسياسية بالإضافة إلى عوامل تعتمد على نوع الاستثمار الأجنبي المباشر «زراعي، صناعي، أو خدمي»، والأسباب وراء الاستثمار في البلد المضيف، وطريقة دخول الاستثمار الأجنبي «جديد، أو عن طريق الاندماج أو الاستحواذ»، وسياسات الدولة المضيفة اتجاه هذه الاستثمارات، وبيئتها الاستثمارية.

فعلى سبيل المثال، وجدت بعض الدراسات الاقتصادية التطبيقية بأن تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على النمو الاقتصادي للبلد المضيف يعتمد على جودة رأس المال البشري «Human Capital» الذي تمتلكه الدولة. بينما وجدت بعض الدراسات أن هذا التأثير يعتمد أيضاً على درجة تطور ونمو القطاع المالي والمصرفي في البلد المضيف. أيضاً قد يكون لبعض السياسات الاقتصادية المطبقة في البلد المضيف دوراً في تحديد أثر الاستثمار الأجنبي المباشر على الاقتصاد ذلك البلد، فعلى سبيل المثال، وجدت بعض الدراسات أن دول التي تنتهج سياسة الاقتصاد المفتوح تنتفع من الاستثمار الأجنبي أكثر من تلك التي تتبع السياسات الحمائية.

على الرغم من الجدل المحتدم بين الباحثين حول آثار الاستثمار الأجنبي المباشر على اقتصاد البلد المضيف، ليس بوسع الفرد الباحث أن يتجاهل الدور الذي لعبته هذه الاستثمارات على دفع عجلة التنمية الاقتصادية في الدول النامية خصوصاً دول جنوب شرق آسيا ودول جنوب شرق أوروبا «الاقتصاديات التي تمر بمرحلة انتقالية ورابطة الدول المستقلة». ولكن يبقى السؤال: كيف للبلد المضيف أن تعظم الاستفادة من الاستثمار الأجنبي المباشر في مقابل تقلل أثاره السلبية على اقتصادها الوطني؟.