ربما يريد الله لي أن أؤجل الحديث عن من خانونا في الجزء الذي يتم تأجيله يوم بعد الأخر من حيث نشره في هذه السلسلة والذي أصر أن أعلن عنه في كل جزء والذي عنونته بـ (يوم إسودت وجوه) للتحدث عن عدد ممن لعبوا أدوار سلبية في أزماتنا لا تقل خطورة عن كل الفساد الذي تعرضنا له وربما مصيبتهم الأكبر أنهم كانوا دائماً يلوحون لنا بأنهم (الخلاص) وأنهم المنقذون ، وغير ذلك ..
لكن ربما لأنني طلبت من الله الإخلاص في كل كلمة وأن يبعدني عن كلمة باطلة أو حتى كلمة حق تُأصل لباطل ، فتأتيني مع المعايشة اليومية للأحداث موضوعات أراها أكثر أهمية من الحديث عن هؤلاء لأنها ستساعد في تحقيق بعضاً من دوري في المجتمع في التعامل مع الجانب الذي يؤثر على الصحة النفسية في ظل الأزمة ..
فبعد مراجعتي لعدد كبير من صفحات الزملاء على الفيس بوك ، وإتصالات مع بعض الزملاء الأخرين على الحياة والتواصلات الإجتماعية بغير التي تتم على الإنترنت ، ومع متابعة وسائل الإعلام بعض الشئ – حيث أنني من البداية أعرف تأثيرها السلبي وحذرت كل من أعرفه من المتابعة المستمرة لها – فقد وجدت من خلال هذا كُله عرض أخر هام من الأعراض السلبية للأزمات ، بعد أن نشرت عن العرض الأول وهو (تحويل زاوية الغضب) الذي عرضت له في الجزء الثاني ، وهنا أتحدث عن (الشائعات) ..
فالشائعة .. ذلك السلاح الذي يقتل تماماً كما تقتل الأسلحة النارية ، أحد أهم وأبرز الأسلحة التي تستخدم في الأزمات ، ويتم استخدامها بأحد شكلين هما :
الشكل المتعمد : وهو ما يتم من الأعداء فيما يُعرف بالحرب النفسية بأن تنشر بعض وسائلها أنباء حول نقص بعض الأغذية مثلاُ أو قتل عدد كبير أو التجهيز لحرب أو غيرها ولدينا في التاريخ قضايا وشواهد كثيرة على ذلك أخرها ما نشرت عنه فيما يسمى حرب (باكية الرجال) التي سمعت عنها حين وجودي في غزة الشهر قبل الماضي.
الشكل غير المتعمد : والذي يتم عن حالة نفسية معروفة تظهر في الأزمات بحيث يسعى كل فرد إلى أن يكون (فاعل) في الحدث بأن يضيف وجهة نظره لها ، ثم (يرسلها) للأخرين من خلال وسائل مختلفة منها الحوار أو استخدام وسيلة للنشر لترويجها وإعتبارها حقيقة.
ولظهور الشائعات عدد من الشروط أهمها :
1-وجود موقف صدمي لفئة ما .
2- رغبة الإنسان في أن يكون وسط الأحداث .
3- غياب المعلومة الحقيقية .
4- وجود أطراف أصحاب مصالح مختلفة في الحدث.
5- وجود إنتماءات يتم التعامل معها بوصفها متناقضة لا مختلفة.
6- انتشار الخوف والقلق .
وكل هذه الأمور بالطبع متوفر في الأزمة التي تعيشها بلادنا هذه الأيام.
لكن .. ما هي الشائعة وكيف تنمو ؟؟
الشائعة هي : " خبر يتم تكوينه من خلال فرد أو جماعة في موقف غامض يحتاج إلى تفسير، وفيه يقوم كل فرد بوضع بديل للتفسير بحسب ما يتوافق مع إنتماءاته المختلفة ، غير أنه في كل الأحوال يسعى صاحب الشائعة – فرد أو جماعة – إلى إستغلال جزء صحيح من المعلومة ثم الإضافة عليه ، بحيث يمكن للشخص الأخر المستهدف إيصال الشائعة له بتصديقها بناء على الجزء الحقيقي "
شروط نجاح الشائعة :
1- تأخر التفسير الحقيقي أو المنطقي.
2- حجم الجزء الحقيقي في الشائعة.
3- مصداقية قائل الشائعة لدى من يرسلها لهم (لذلك في الجماعات بيتم إختيارهم وتدريبهم).
4- إعتماد ناقل الشائعة على فنيات وأدوات تساعد على نقلها (بعضها موهبة والأخر يتم التدريب عليه) ليحصل على مصداقية الأخرين منها مثلاً البكاء أو إعتماد النغمة العاطفية.
خطورة الشائعة ؟؟
كما ذكرت في البداية الشائعة تحمل خطورة السلاح الناري، ولديَ عدد كبير من الحوادث العالمية التي أثرت على دول وشعوب ، وعلى شركات كبرى عالمية ، أدت بها الشائعة إلى تدمير شامل ، وعلى المستوى الفردي فإن الشائعة قد تؤدي بالفرد في بعض الأحيان إلى الإنتحار، وقد قابلت حالة من هؤلاء حين تخرجي ، حيث كانت فتاة يتم علاجها لدى أستاذي رحمة الله عليه دكتور عادل صادق وكانت قد حاولت الإنتحار بعدما روج أحد شباب المنطقة عنها شائعة تخص الشرف لرفضها الزواج منه، وعلى شاكلة ذلك الكثير.
أما خطورة الشائعة على المستويات الكبرى التي تخص الدول وغيرها إنها أولى الأحجار التي تسقط على رأس الأشخاص الين لم يكتب الله لهم الوفاة برصاص أو الإصابة به، فإن كل الأمان يتم تدميره نتيجة لشائعة تجعل الأشخاص يتقاتلون على الخبز أو يتقاتلون لأجل من يعتبرونه وليهم ، أو غير ذلك.
لتكون الشائعة أول مسمار يتم وضعه في نعش الأمان حينما نقرر أن نُميته (طواعيةً) أو غير ذلك ..
كيف تنمو الشائعة وتؤثر على الأخرين ؟؟
للأسف فإن الشائعة في كل الأحوال تصبح لدى الشعوب كمن حضر (عفريتاً) ولا يستطيع أن يصرفه ، فنجد بعض الأشخاص يردد هو شائعة وتذهب لأخر فيضيف عليها ، ثم لأخر فيُعدل فيها تبعاً لإنتماءاته ، ثم ، ثم ، ثم ، ثم تعود للأول ونتيجة لما دخل عليها من تغيير لا يعرفها ولا يعرف أنه أساسها ، فيبدأ في الخوف منها ، لنعيش جميعاً في دائرة مفرغة من الخوف ، تنالنا جميعاً للأسف ، ولأن الله عادل ، فإن صاحب الشائعة عادةً لا ينجو منها فكما ذكرت تعود له في زي جديد كي تخيفه ، فقد حذرنا رسولنا الكريم من إرهاب الأخرين ، و(الكلمة) تحمل إرهاباً كما يحمل السلاح ، أليس كذلك؟!!!
وحتى لا أطيل عليكم .. فالموضوع من الموضوعات التي تشغلني على المستوى البحثي ، فأهتم بالشائعات التي تؤدي إلى كوارث وأسعى لرصدها بشكل ربما أجدني فيه مقهورة على فعل ذلك لفهم هذا النمط الإنساني الغريب ، فسوف أنهي الحديث عن الموضوع بعدة وصايا للأشخاص حولنا ، خاصةً أن هناك شخصيات أحبها بالفعل من صديقات أو زميلات أعرفهن جيداً أجدهن للأسف قد تورطن في ذلك – ربما رغماً عنهن – وبما أن أولى حقوقنا لدى بعضنا البعض هي النصيحة والمساعدة على الفهم والتغيير ، فهذه نصائحي لكي نتوقف عن هذا السلاح اللعين .. الشائعات تتمثل فيما يلي :
1- أرجو تكرار أننا لن نُحاسب على الفعل فقط وإنما سنحاسب على (الكلمة) أيضاً.
2- أرجو التأكيد داخل نفوسنا من أن (الكلمة) (تقتل) مثلها مثل الفعل .
3- أرجو التأكيد على أن الكلمة التي أستهين بها قد يُضاف عليها الكثير وأحاسب ضمن من سيحاسبوا لأن البداية ربما من عندي وأنا لا ادري.
4- أرجو التأكيد على أن المتضرر الجميع ، خاصةً في ظل ما شرحته من تطور للشائعة.
5- أرجو التأكيد على أن مشاعر الذنب التي تنتج عند إطلاق شائعة من الشخص تضايقه تماماً كما كان يضايقه غموض الموقف، وبالتالي فلم تنفعه شائعته في التقليل من قلقه.
هذه بعض النقاط التي أردت التنبيه عليها .. وأخيراً .. أكررها علينا أن نتقي الله في بعضنا البعض ، ونتقي الله في أنفسنا ، ونعلم أن يوم لقاءنا بالله أتٍ لا محالة ، فياليتنا نعمل له فهذا جزء كبير من السلامة النفسية أو إن شئتم الحق هو كل السلامة النفسية دون مبالغة ومع كامل الإحترام لرفض العلم لكلمات التعميم .

المصدر:
https://www.3ain3alabokra.com/article-580.html