لم يفهم الرئيس مبارك الرسالة .. قالوا له أن الشعب اختار التغيير لطعم الجمبرى ، لم يلاحظ مبارك أن الشعب أفرط خلال الشهرين الماضيين فى التهام كميات من الفوسفور للدرجة التى "خلت مصر تولع" ، كذلك لم تكن السيدة الفاضلة حرمه تعرف أنها بتدشين حملة "كمبيوتر لكل بيت" كانت تضع حجر أساس الثورة التى خرجت من " الفيس بوك".

أبطال الثورة شرفاء لكن يجب ألا يسرقوا الأضواء من أبطال اللجان الشعبية التى تهرب منها سيارات البوليس ، لن أنسى ماحييت الشخص الذى اشتبهنا به أمام منزلى وأقسم لنا أنه رئيس مباحث قسم السيدة ، صدقناه و لذلك سلمناه لأقرب نقطة جيش ، أما فى كمين المنيل يجلس صديقى على كرسى بعيد عن الحاجز واضعا ساق فوق ساق و يستوقف زملائه السيارات و يسحبون الرخص و يحملونها له ليقرر هل تمر السيارة أم تعود ، وفى أحدي المرات منع سيارة من الدخول سأله قائدها عن السبب فقال له "أمن و متانه"، هذا الصديق اتصل بيه يوميا لأعرف منه أحدث الشائعات ..بالأمس قال لى الداخلية فتحت أبواب جنينة الحيوانات و "هربت اللى فيها" لإثارة الذعر ،أقف فى كمين القصر العينى بينما يقف صديقى فى المنيل و صديق آخر عند نادى الشمس لكننا نؤمن اننا جميعا نقف فى الشارع نفسه.

غيرت الثورة أخلاق الكثيرين فقد اعترف لنا "دوكشة" أشهر لص فى المنطقة انه قد سرق جهاز كمبيوتر من البنك المجاور لنا و أنه يود تسليمه ، و عندما أتى به وقف قائد الكمين فوق الكرسى صائحا بصوت عالى " سقفه لدوكشه الحرامى" فصفقنا له جميعا و زغردت النساء من البلكونات ، كان احتفالا مهيبا أسال دموع دوكشه فقررنا أن نعينه مسئول التدفئة فى الكمين فكان يحضر لنا كل ليلة كمية من الاخشاب تجعل النار مشتعلة حتى طلوع النهار ، حتى منصور أشهر فتوة فى المنطقة تعاطف مع الثورة و شارك فى المظاهرات و عندما رجع حكى لنا كيف كان يهتف مع الناس من أعماق قلبه "الشعب يريد إخصاء النظام".

الوحيد الذى لم يتغير هو حسام حسن الذى هاجم البرادعى و الثورة اعتقادا منه أنه مخطط لإفساد مئوية الزمالك و قرب حصوله على بطولة الدورى ، شخص ما أقنع حسام أن الواقفون فى التحرير هم إلتراس أهلاوى لذلك تقدم بشكوى رسمية للفيف لكن الفيفا ردت عليه قائلة " لا تحقيقات إلا بعد رحيل الرئيس".

فى المقابل اختفى من الصورة تماما المطربون الذين لا يفوتون مناسبة تخص مصر دون سيل من الأغنيات .. توقفوا تماما لأنهم لم يعرفوا الإتجاه الذى يجب أن تصب فيه الأغنيات هذة المرة؟ ، فأنت محل اتهام بالخيانة طوال الوقت سواء أيدت الرئيس أو أيدت الثورة سواء شاركت فى النظاهرات أو جلست فى بيتك ، الإرتباك طال الجميع ، التليفزيون المصرى يدعم بقاء النظام بطريقة تجعلك تتمنى رحيله بأقصى سرعة، و تليفزيون الجزيرة يهدم النظام بطريقة تجعلك تتعاطف لأول مرة فى حياتك مع النظام الذى مسح بكرامتك الأرض .

الرئيس يخشى التنحى خوفا من الفوضى ،و المتظاهرون باقون فى أماكنهم للسبب نفسه ، المتظاهرون يخشون إن رحلوا أن ينكل بهم النظام ، و النظام يخشى إن رحل أن تنكل به المحاكم و يطارده الإنتربول ، قطع النت و الإتصالات و القطارات حشد المشاعر لصالح المتظاهرين ،و قطع عيش الكثيرين فى ظل عدم قدرة المتظاهرين على وضع نهاية واقعية ومحكمة للأحداث بدأ يحشد مشاعر البعض لصالح النظام .

لا توجد ضمانات لما وعد به الرئيس،و لنكن واقعيين لا توجد ضمانات للبدائل التى تطرحها الثورة ،الناس العادية فرحة بما حققه الشباب و تخاف أن يضيعه الرئيس بنظامه الخبير فى التحايل ،أو أن يضيعه الثوار بافتقادهم لقيادة مخضرمة قادرة على ملاعبة نظام يبدو كسلحفاة عجوز مطمئنة ، يرون أن الخصومة مع النظام يجب أن تكون شريفة وأن قدرة الثورة على تحقيق أهدافها مع الحفاظ على كرامة مبارك سيحسب لها و سيعتبره التاريخ إنجازها الأكثر نبلا ،لكن الحديث عن شرف الخصومة لا معنى له أمام دماء 200شهيدا أهانهم الرئيس عندما أعتقد أننا قد ضحينا بهم من أجل إقالة بعض الوزراء.

هناك خيانة فى أروقة النظام لا نفهم مداها..هل كانت الخيول و الجمال محاولة لدعم مبارك أم لتعميق ورطته ؟ ،هل كانوا الخياله يقصدون شرا بالفعل أم زُج بهم خصوصا و أن كمية الزينة و الألوان المبهجة التى وضعوها فوق دوابهم تنم عن أناس خرجوا يشاركون فى زفة بلدى لا حرب؟! ،كيف مروا أصلا إلى الميدان عبر قوات الجيش التى كانت تفتشنا تفتيشا دقيقا كمتظاهرين؟.

الأشخاص المحسوبون على النظام "يجرون ناعم" فى البرامج بطريقة مقززة مثل مسجل خطر "ممسوك فى لجنة" يتحدثون باستفاضة عن احترام الشرعية و الدستور بعد سنوات تناوبوا خلالها الإعتداء على الشرعية فى إحدى الزراعات المهجورة،والأشخاص المحسوبون على الثورة (ولا أقل صناعها) استعاروا من النظام السابق أسوأ ما فيه فصاروا يتحدثون فى البرامج بلهجة استعراضية ديكتاتورية و يدلون بتصريحات لا تبل الريق .

لا يوجد شيئا واضحا سوى أن النظام هو الذى ورط نفسه بنفسه عبر سنوات من القهر و الفساد للدرجة التى تجعلك تؤمن أن أية خسائر سيسببها رحيله المفاجىء (مقارنة برحيله) هى مكاسب ،وأن أبطال الثورة الحقيقون شرفاء لا يملكون أجندة سوى حب جارف لهذا البلد ، المشكلة أنها أجندة غير كافية فى هذة اللحظات .

لكن فى النهاية لا بديل عن الوقوف مع أهل ميدان التحرير ظالمين أو مظلومين ، فأنا منحاز للثورة انحيازا يؤجل كل المناقشات و الأسئلة والفلسفة الفارغة حتى عبور النقطة التى نقف فيها ، أنا شخصيا قررت تأجيل سؤال "دوكشة" عن مصدر الأخشاب التى يمون بها الكمين كل ليلة لأننى أصبحت أثق فيه ثقة عمياء.