سيدي الرئيس الفاضل .. أنا مواطن تربى في أسرة مصرية مكونة من أم وأب وأخ وأنا، تعلمت فيها أن أحترم كل من يكبرني أو من يسبقني أو من يقودني أو من يعلمني .
تعلمت يا سيدي أن أصمت حين يتحدث من هو أكبر ، تعلمت أن أحترم كلمة الرجل ولو صغر عمره، تعلمت أن أحترم رجل الدين ولو قل علمه، تعلمت أن أحترم الجماعة ورأيها ولو كنت أفهم عنهم، تعلمت أن أحترم أهلي وبلدي ولو إختلفت مع أحد فيهم ..
تعلمت يا سيدي ألا ألوم بلدي وقت أزمة لأنني أعتبر نفسي جزء من أي أزمة فيها ، سبب ولو حتى بأنني لم أكتشف الخطأ أو لم أساهم في حله من طرفي..
تعلمت يا سيدي أن الحروف التي تتكون منها كلمة م ص ر ، هي أعظم الحروف بعد إسمي أمي وأبي رحمة الله عليهما..
تعلمت يا سيدي أن أحترم كل قانون يتم وضعه حتى لو وجدت غيري لا يحترمه ..
تعلمت يا سيدي أن أقدم كل ما أستطيعه لمن حولي حتى لو تألمت فما أعظم الألم لو كان لإبراء أصدقائي وأحبابي ومعارفي وحتى من يتقدمون لي بشكوى بحكم عملي..
تعلمت يا سيدي أن اصبر على ألمي ووجعي أياً كان لأجل أخر يلجأ لي ، خاصةً لو كان من أهل بلدي في أي مكان ..
تعلمت يا سيدي أن الوطن العربي كله مهما قدم بعضه نحونا فنحن مسؤلون عنه وأسعى للتطوع في أي عمل لصالح أي دولة عربية فيها أم تتألم أو طفل يئن..
تعلمت يا سيدي أن أتعامل مع الجميع بغض النظر عن إختلافاتي معهم ديناً او إنتماءً أو في أي شئ..
لقد إمتنعت في الفترة الماضية حتى عن أن أُقيم إدارة دولتنا لأزمتها ، لأنها (بلدي) يعني (أمي) التي توفيت بين يدي على جهاز غسيل الكلى لأن الطبيب تركها وذهب للمستشفى الخاص الأخر الذي يعمل به ولم يضع لها عقار مسيل للدماء حتى لا يتجلط دمها على الجاز واستلمتها جثة بلا دماء ، (ووالدي) الذي توفى بعد أن تركته بساعات متوجهة لعملي بمستشفى الجلاء - في عيادة للأطفال المعاقين حينما كنت أشكو له من أني أحصل في الشهر على راتب لا يكفى نصف تكلفة التاكسي كان يقول أن ذلك حق بلدي عليَ وأنني أحصل من الخاص على ما يمكن أن أصرفه على العام - تركته يا سيدي لأعود وأجده قد رحل لأبقى بدونهما ، لتبقى (مصر) بقبرهما هويتي وسكني .. (مصر) يا سيدي ما تجعلني أقف وأرفض بكل إباء وشمم أي عرض يُعرض عليَ في أي دولة من دولنا العربية لأحسن به معيشتي ..
لأجل كل هذا لم ولن أبدأ في المهاجمة فقد فعلها غيري كثيرون وربما لخبرتهم عني إستطاعوا أن يعزلوا العاطفة ..
إلا أنني رغم كل محاولاتي .. وكل ما تعلمته وإجتهادي يا سيدي في أن أحفظ مصر من كلمة ألوم فيها (بلدي) وقت ما تتعرض له ، أو أقوم بالتنظير حول إدارتنا للأزمة بإعتبارها موضوع الدكتوراة التي حصلت عليها، خاصةً أنني تعلمت إدارة الأزمات على أرضها وفيها ومن علماءها ..
أقول رغم كل هذا يا سيدي .. إلا إن ذلك كله لم يجعلني أتراجع عن كلماتي التي جئت أقولها ، فقد تعودت حين أجلس للكتابة أقسم لك أنني لا أتوقف عن كلمة تأتي على بالي ، فأكتب لأهلي الذي يقرأون لي كل ما يمر على ذهني أياً كان ..
لذلك دعني أقول لك .. إنني بمعلوماتي البسيطة جداً في إدارة الأزمات ، آسفةً بعض الشئ للبيان الذي جاء اليوم ، وأتساءل لماذا جاء هذا البيان؟؟
أتساءل سيدي الفاضل عن نوايا بعض من يشاركون في صناعة القرار وإدارتهم للأزمة أو إجعلني أقول عن مهاراتهم إن لم تكن نواياهم ..
سيدي .. لقد كانت هناك سيناريوهات أكثر تأثيراً ، لقد كانت هناك كلمات أكثر أهمية ، لقد كانت هناك تلميحات أكثر إحتياج للتوضيح ..
أعلم أن هناك عندك نظرة أكبر لما تراه ولا نراه ستظهر لنا قريباً .. ولكني يا سيدي كنت أتمنى أن تُدخلنا معك قليلاً فما أحوجنا أن نفهم بعض الأمور معك ..
كنت أتمنى خروجاً مختلف لسيادتك علينا .. حتى لو لم يكن بالتنحي – الذي كنت أرى أن هناك أمور أهم منه ، ولم أكن معه لفهمي لما قد يترتب عليه – فقد كانت هناك أمور أهم..
سيدي .. بعقلي أعلم جيداً الكثير من أبعاد الموقف ، ولكني بقلبي أكاد أفقد تنفسي من قلقي على مصر غداً ، أخشى على كل ركن في بلدي ، أخشى على دماء كل شاب ، أخشى على دمار أي مبنى ، أخشى على جيشنا وما يمكن أن يتم فيه بناء على الضغط الذي يتعرضون له ، أخشى على رجال الأمن الذين حتى لو إختلفنا مع بعضهم فهم رجال منا تربوا على أن يكونوا فاعلين فكيف حال كل ضابط الأن يجلس دون أن يكون بيننا يقوم بدوره فليس من المعقول أن كل الداخلية هي الوجوه التي كنا نرفضها!!
سيدي سأطلق العنان لنفسي لأحلم بما كنت انتظره اليوم من خطابك ويعلم الله أنني مشيت سيراً على الأقدام قرابة ساعة لأستمع لك فلم يقف لي أي تاكسي وأضطررت مع الفتاة التي تعمل معي أن ننتقل على أقدامنا لألحق بخطابك ..
كنت انتظر إعلان عن أسماء من قاموا بحادثة الأربعاء
كنت انتظر إعلان عن إجراءات حقيقية تجاه من أفسدوا حياتنا
كنت انتظر إعلان عن الأيادي التي تدخلت من الخارج لتشويه ثورة شبابنا
كنت انتظر إعلان قرارك بأن تجلس شخصياً مع الشباب
كنت انتظر إعلان عن سداد ديون مصر من أموال من تحفظتم عليهم
كنت انتظر طمأنة حقيقية من أننا لن نجد من يتطرق لمنازلنا ويستحل أموالنا كما حدث في الأيام الأولى.
كنت أتمنى إعلان عن أن الوزير الجديد للداخلية بتاريخه المحترم الذي قرأناه قد اتخذ إجراءات محددة للتواجد الأمني في يوم صعب مثل الغد لنطمئن ..
كنت انتظر كلمات مختلفة ....كنت أتمنى سيناريوهات كثيرة لإدارة الأزمة بشكل يتناسب مع درجة التصعيد .. كنت أتمنى الكثير والكثير يا سيدي.
أرجو إلتماس العذر لي ، فكل أفكاري مختلطة .. فقد أصبت بصدمة حقيقية ، لقد كانت صدمتي لأسباب على رأسها صدمتي لأجلك يا سيدي ، من بينها ضيقي بالأيادي التي لا تسهم لإصلاح الموقف ولا مساعدتك لمساعدتنا ، من بينها صدمتي في بعض مستشاريك الذين كان يجب أن يكون تدخلهم مختلف ووجودهم خلفك مختلف ..
سيدي لم يتركوا لك فرص كثيرة .. وأقصد هنا مستشاروك ومن يقدمون المعلومات ويساعدون بما تعلموا ، فمهما كانت قدرات القائد فإن فريقه هو من يساعده أو هو من يضلله أو على الأقل لم يجتهدوا في إسداء النصيحة له ..
سيدي لقد توقفت عن الكتابة سابقاً حتى لا أكون من بين من يكتبون وقت الضعف فلم أكن صاحبة قلم يكتب مع أو ضد ، ولم تكن معرفتي بسيادتك إلا يوم أن جاءت وفاة السيد الرئيس محمد أنور السادات وقتها كنت خمس سنوات وكنت مع أمي في النادي وحركونا فوراً لتفريغ الشارع ثم إستمعت لرئيس جديد ، ثم لا شئ سوى إنني وضعتك ضمن كل من أحترمهم لأنك رئيسنا وحينما كبرت بدأت أفهم أنني لا أحترمك فقط لأنك الرئيس وإنما أيضاً لأنك بطل في حربنا مع عدونا الحقيقي ..
ولكني لم أجد لدي طاقة أخرى للتوقف على الأقل للتنفيس عن حالي .. لا والله بل قلقي على المشهد غداً، من خلال معرفتي ببعض السيناريوهات التي سيلعب عليها أصحاب المصالح بايةً من دول لم تستطيع خلال الأيام الماضية أن تنال منا ، إلى اللص الصغير الذي ليس في باله سوى أن يجد من الأمر فرصة عظيمة له..
تعبت .. نعم .. سأتوقف عن الكتابة .. لكني وضعت سيادتك معي .. لتعلم كم الحيرة التي أقع فيها ، لتعلم كم الصراع الذي أعيشه بين رغبتي في الصمت لأنها بلدي ، ورغبتي في الحديث لأنها بلدي !!!
ولكني ورغم كل ما قلته لسيادتك عاتبةً على مستشاريك وتأخير إدراتهم للأزمة .. ورغم أن كان في أمنياتي الكثير ، إلا إنني أرى الأن أن الأهم مصر ، والأولى مصر وأن كل الأمور يمكن تداركها ، وأن الأيام القادمة ستحمل لنا خير إن لملمنا أمورنا ..
حديثي الأن لأهلي وأصدقائي وتلامذتي وأساتذتي الذين يستعدون للمظاهرات غداً .. بالله عليكم إجعلوها أولاً .. إجعلوها أولاً .. إجعلوها أولاً .. أتحدث لمن يرسلوا لنا الرسائل الأن ليعدوا العدة لها ..
مصــــــر .. بالله عليكم لا تسمحوا لهم بالنيل منها .. بالله عليكم لقد تعبنا في بناءها ، بالله عليكم .. فلم أتحدث لأحد منكم خلال كل الأيام الماضية وحاولت أن أكون وسطكم لأسمع منكم أو أسمعكم إليَ فذهبت لكم لكني لم أجد في قلبي سوى فرحة بكم وإختلاف مع بعض ما جئتم به إلا أن ذلك لم يؤثر على هذا ، وهذا لم يؤثر على ذلك ..
فأتحدث الأن حتى لو لم تسمعوا .. وسأكتب حتى لو لم تقرأوا .. وسأتألم حتى لو لم تشعروا لأقول لكم .. مصـــــــــــر .. الأم التي حتى لو ضاقت بأبناءها فلن نجد أحن منها ، لن نجد صدر يتسع لنا غيرها مهما أعلنوا أن صدورهم مفتوحة لنا ، والله لن يرفعونا لو أذلناها ..

المصدر:
https://www.3ain3alabokra.com/article-589.html