كتم رشيد غيظه وهو ينظر إلى فاتورة الكهرباء والماء التي تناولها من بين أوراقه عندما همّ بالنزول من السيارة، وبدأ يتمتم: "اللعنة... خمسة آلاف وثلاثمائة درهم! لماذا؟! ألا نستطيع التنعم بالنور والماء دون دفع هذه المبالغ الكبيرة؟!"
"تعال ساعدني يا سهيل..." جاء حارس الڤيلا وحمل أوراق رشيد وبعض الحاجيات ومشى خمس خطوات قبل أن يتابع رشيد القول: "اغسل السيارة الآن لأني سأخرج بعد قليل". هز سهيل رأسه إيجاباً وعاد والماء يتدفق من خرطوم يحمله وألقاه قرب السيارة وذهب مجدداً ليعود بعد لحظات بعدة الغسل ويبدأ في غسل السيارة.
"22 دقيقة يا أبي!... أبي هل سمعتني؟". "ماذا يا ابنتي؟" ردّ رشيد وهو يلتفت إلى صغيرته أمل ذات الأربعة عشر ربيعاً. قالت الفتاة: "استمر سهيل يغسل السيارة مدة 22 دقيقة بماء لم ينقطع طوال الوقت، كما أنه أضاء كامل الإنارة الخارجية للمنزل عندما كان يلزمه إنارة الكراج فقط لغسيل السيارة..." قاطعها الأب بنبرة ساخرة: "ما شاء الله... كبرت وأصبحت تراقبين تصرفات الحارس! لا عليك، ولكن الوقت هو المغرب ونحن بحاجة إلى أن نضيء البيت على أية حال". أجابت الصغيرة: "الشمس لم تبدأ في الغروب بعد، كان بوسع الحارس توفير نصف ساعة من الإنارة، لقد عددت في سور منزلنا وحده أكثر من 40 لمبة، عدا عن الكراج والمدخل الرئيسي و...
بدأ الوالد في الانتباه لما تقوله ابنته وتذكر فاتورة الخدمات بآلافها الخمسة...
"هل في سورنا أربعون لمبة؟! والله ما كنت أعلم". أجابته الفتاة الذكية: "أجل يا أبي وكلها من النوع العادي، رغم أنني قرأت عن لمبات موفرة للطاقة لم أتعلم بعد كيف تعمل، ولكنني أعرف أنها توفر الاستهلاك وتقلل قيمة فاتورة الكهرباء."
شعر رشيد بشيء من الحرج، وسارع بوضع يده بسرعة على جيبه وكأنه لا يريد لابنته أن ترى الفاتورة فتعرف حجمها.
فكّر رشيد لثوانٍ وبدأ يلوم نفسه: "والله لم تكن رشيداً في تصرفاتك يا رشيد، تشتكي دائماً من قيمة الفاتورة ولا تعرف ما يدور في بيتك من إسراف."
نظر الرجل إلى سيارته من الطابق العلوي وشاهد قربها بركة ماء، وتحسر وهو يدرك أن مئات البرك المماثلة كانت تتبخر في الهواء خلال السنوات الماضية وكان يدفع ثمنها دون أن يستفيد.
التفت رشيد إلى ابنته وقال مبتسماً: "من أين لك كل هذا الاهتمام بمسألة الانتباه إلى كيفية استخدام الكهرباء والماء..." فقاطعته بسرعة: "اسمها مسألة ’الترشيد‘ يا والدي العزيز، ترشيد استهلاك الموارد مسألة مهمة جداً لا نستخدم فيها الماء والكهرباء إلا بقدر حاجتنا، فنوفر نقودنا ونقلل إطلاق الغازات الضارة بالغلاف الجوي ونحافظ على بيئة سليمة نحيا فيها حياة سليمة."