عندما شاهدت أجمل البنات المصريات ينظفن الشوارع أمام مكاتبنا في مدينة نصر، عرفت أن الثورة قد انتصرت. حدث ذلك بعد عشرة أيام من انطلاق ثورة القاهرة الساخرة. وعندما عدت من شارع الطيران إلى الحي السابع في مدينة نصر كان علي أن أحفظ كلمة السر لكي يسمح لي فتيان الحي الشجعان باجتياز الحواجز الاعتراضية التي بناها شباب لجنان حماية الثورة. وفي صباح هذا اليوم استقبلت رسالة من شاب يدعى “هيثم هاني” يشكر فيها كل من شاركوا في تنظيف شارع الطيران حتى صار يضاهي ميدان التحرير في بهائه وصفائه. ومن خلال مشاهداتي الشخصية وقراءاتي اليومية أعتقد أن العلاقات الإنسانية بين المصريين لم تصل أبدًا إلى هذه الدرجة من المتانة والرصانة منذ ثورة أحمد عرابي في القرن التاسع عشر.

لقد عجز الإعلاميون والسياسيون والعسكريون والمفكرون والمسوقون عن اختيار اسم واحد لهذه الثورة. لقد وصفها مراسل “بي بي سي” في القاهرة بأنها الثورة الضاحكة وهو اسم جميل لولا أن فيها الكثير من البكاء. هي ثورة ملونة؛ لا حمراء ولا بيضاء؛ لا ضاحكة ولا باكية؛ اختلطت فيها الجنائز بالأعراس، والأهلة بالأجراس، والجمال بالدبابات، والماء بالنار، ومسارح الكوميديا بحلقات الزار لطرد الأرواح الدكتاتورية الشريرة.

هذه هي الثورة الوحيدة التي يشاهدها العالم على الهواء مباشرة من أولها إلى آخرها، وكأنها فيلم سينمائي عالمي شارك فيه 80 مليون تتراوح أعمارهم بين التسعين عامًا والتسعة أشهر. ولأنها ثورة حرة وخالية من الخطط والاستراتيجيات فقد نفذت بدون قائد، فقد كانت العلاقات الإنسانية الحميمة وحضارة مصر القديمة، والجديدة العظيمة، هي التي تقود التاريخ الطويل إلى المستقبل الجميل.

كتبت قبل ثلاثين عامًا قصيدة بعنوان “أسميك أنت” قلت فيها: “ونحن نسافر، نحمل أحزاننا في الحقائب. تقرأ كل المطارات أوراقنا، وتعرف كل الشوارع أقدامنا، وتشرب كل الفنادق أحلامنا؛ فماذا أسميك؟ أسميك غائبة؟ فارجعي! أسميك قادمة؟ فاسرعي”. وها هو السؤال ما زال يتكرر: ماذا نسمي ثورة مصر 2011؟

* الثورة النظيفة؟ لأنها نظفت الشوارع وكنست الفساد
* ثورة الشباب؟ لأن الذين نفذوها وعاشوها ما زالوا بين العشرين والثلاثين
* ثورة الالتزام؟ فبعد مرور أربعة أسابيع على انطلاقها انخفض الدولار ولم ترتفع الأسعار!
* ثورة الشعب في خدمة الشرطة؟ فهي أول ثورة في التاريخ يحمي فيها الشعب الأعزل رجال الأمن المسلحين ويعود فيها السجناء الخارجون والمخرجون إلى سجونهم مختارين!
* هل نسميها “الثورة”؟ مثلما نفعل في التسويق ونطلق اسم أشهر علامة تجارية على كل الصناعة، فنسمي التصوير “زيروكس” وكل المناديل “كلينيس” وكل الزيت “عافية” وكل الموبايلات “نوكيا”؛ هل نسميها: “الثورة”؟
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]