على وقع ثورات الشباب العرب نؤكد على حل مشا كل الشباب لا سيما فرص العمل واحترام الكفاءة
عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة 2-2

.أزمة الشباب الاجتماعية:
بالإضافة لما يعاني الشباب من مشاكل التعليم الذي لا يلبي طموحاته وأزمة تأمين فرص العمل التي تتفاقم يوماً بعد يوم فإن الحياة الاجتماعية لهؤلاء الشباب هي بدورها تعاني من مشاكل جمة وتمتد في الجذور العميقة لحياة الشباب, فالشباب غير قادر على الزواج في ظل هذه الظروف المادية الصعبة وتعقيد مراحل الزواج والتكاليف الباهظة المطلوبة من الشباب, وإذا استطاع أي شاب تحقيق ذلك, فإنه يقف عاجزاً تماماً أمام استئجار منزل مناسب أو شراء منزل الذي أصبح ثمنه يفوق أي تصور أو خيال أو حلم بل إن ثمن منزل في الوطن العربي يتجاوز مثيله في الدول الصناعية المتقدمة وأن ثمن أي منزل متواضع يزيد عن الراتب السنوي لأي شاب بمئات المرات,كما أن تطور الحياة وكثرة الأفراد في الأسرة الواحدة وصعوبة الوفاق والتفاهم يجعل من الصعوبة بمكان أن يتزوج الشاب أو الفتاة في بيت الأهل, مما ينعكس جميعه على وضع الشباب الاجتماعي سلباً ويجعل الشباب محبط ممزق, ضائع, محطم لا يعرف ماذا يفعل ولا أي طريق يسلك ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الوطن العربي يحتاج سنوياً على الأقل إلى بناء مليون منزل جديد, أي يتطلب ذلك رصد 20مليار دولار سنوياً على الأقل من أجل إقامة تلك المنازل .
إن الخوف كل الخوف حاضراً ومستقبلاً من أن يؤدي ذلك إلى انحراف الشباب عن الطريق السوي وبخاصة بعد تطور الاتصالات وظهور المحطات الفضائية المتنوعة وإمكانية مشاهدة أنواع مختلفة من البرامج التلفزيونية العالمية ورغبة الكثير من الجهات الخبيثة بتحطيم الإنسان العربي أن لا يعود بالامكان السيطرة واستيعاب الشباب وتوجيههم في الطريق الصحيح مما قد يؤدي إلى انفلات الشباب كلياً عندئذ ستكون النتائج فاجعة وبخاصة أن المجتمع العربي من المجتمعات المحافظة.



5-أزمة الشباب الثقافية والإعلامية:
تلعب الثقافة دوراً مهماً في الرقي النفسي والعقلي والاجتماعي للشعوب, ومع الأسف يعاني الوطن العربي حالياً من تدهور في الثقافة في جميع اتجاهاتها وأنشطتها كما يعاني الشباب من انحسار المطالعة والابتعاد عن تثقيف الذات وغياب الحوار الإيجابي البناء وغياب التأمل والتفكير يبعد الشباب عن تحقيق طموحاته وتطلعاته والخوف الأكبر أن تصبح الأجيال في المستقبل غير قادرة على التعبير عن نفسها سواء بالحديث أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى والخوف كل الخوف بأن تصبح اللغة العربية هي اللغة الثانية أو الثالثة مع مرور الزمن,
بالإضافة لذلك فإننا نشاهد الكثير من خريجي الجامعات في الوطن العربي قد هجروا بإصرار العلم والثقافة, بينما المفروض أن يزداد اهتماماتهم بتطوير ذاتهم أكثر بعد التخرج, تشير الكثير من الإحصائيات إلى تخلف الوطن العربي ليس عن الدول المتقدمة فحسب بل أيضاً عن الدول النامية, على سبيل المثال فإن نصيب كل 1000 مواطن في أوروبا 350 كتابا[1] وفي أفريقيا40 كتابا بينما لا يزيد عن 20 كتاب في الوطن العربي, كما أعد مركز دراسات الوحدة العربية ملفاً إحصائيا على مدى عشرين عاماً بين عامي 1965-1985 جاء فيه أن الوطن العربي كان يصدر 4000عنوان كتاب جديد في عام 1965 ووصل العدد إلى 7000 عنوان كتاب عام 1985 ثم تراجع إلى 2850 عنواناً وبالمقارنة نجد أن اليابان التي يبلغ عدد سكانها نصف عدد سكان الوطن العربي تصدر سنوياً 35 ألف عنوان وشتان بين الكتب التي تصدر في اليابان وبين الكتب التي تصدر في الوطن العربي.
إن انحسار عادة القراءة لدى الأجيال الشابة مع انخفاض في مستوى المعيشة وتفشي الأمية بكل أنواعها, أضف لذلك على أن أكثر الكتب التي تصدر في الوطن العربي تعيد نفسها واغلبها كتب قديمة لا تنسجم مع روح العصر وطبيعته تجعل الأمة بأكملها في محنة.
تشير بعض الإحصائيات العالمية إلى أن : لكل 1000مواطن في عام 1985 كان هناك 37 نسخة كتاب في الوطن العربي بينما هو 59 نسخة في الدول النامية و 490 كتاب في الدول المتقدمة, أي أن الدول المتقدمة تسبقنا بالمتوسط 13 ضعفاً.
كما أن وضع الصحف في الوطن العربي ليس أفضل حالاً حيث هي بالمتوسط 110 صحف لم يزد عددها بشكل ملحوظ منذ1984 وتقدر نسخها ب6 ملايين نسخة يومياً بينما تصدر اليابان أكثر من 25 مليون نسخة صحيفة صباحية وأكثر من 12 مليون نسخة مسائية أي ما مجموعه أكثر من 37 مليون نسخة يومياً.
كما لابد من الإشارة إلى أن الشباب العربي يمضي أكثر من 4ساعات يومياً في مشاهدة التلفزيون وقابلة للزيادة مع غزو المحطات الفضائية وأن 40-60%من برامج التلفزيون العربية مستوردة وكثير منها لا يناسب طبيعة هذه البلاد, كما أن البرامج التلفزيونية المحلية دون المستوى المطلوب ولا تساهم بتثقيف الوطن العربي وزيادة وعيه وإدراكه.


6-أزمة الكفاءة العلمية:
تتنافس جميع دول العالم حالياً فيما بينها على من يملك أكبر عدد من العلماء والباحثين ولا سيما الشباب منهم. إن من أهم مقياس للتقدم في العالم يعتمد فيما يعتمد على نسب الشباب المبدعين وعلى نسب العلماء الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة, فكلما كان الشاب عالماً في سن مبكر كلما كانت أمامه فرص زمنية أطول لتطوير إبداعه وعلمه والوصول إلى أرقى المستويات, إن جميع دول العالم تدرك أهمية العلماء فهي الأساس لتطور المجتمع وزيادة الدخل الوطني ومستوى متوسط دخل الفرد ولا يمكن لأمة من الأمم أن تبلغ مرحلة الرفاهية بدون العلم و التكنولوجيا ويلعب الإنسان والتنمية البشرية الدور الأساسي والأهم في الارتقاء بالعلم والتكنولوجيا, إن أمريكا لم تستطع الوصول إلى هذا المستوى الرفيع في العلوم والتكنولوجيا إلا بعد أن استقطبت الكثير من العلماء من الداخل والخارج حيث يقدر حالياً أن نحو 57%[2] من حملة الدكتوراه هم ليسوا من أصل أمريكي كما أن ثلث الذين حازوا على جوائز نوبل ليسوا أيضاً من أصل أمريكي.
لقد ناضلت الأمة العربية كثيراً بعد الحرب العالمية الثانية ونيلها الاستقلال من أجل إعداد الأطر العلمية الركيزة الأولى في النهوض , فهي تمتلك اعتباراً من عام 1985 -78000- إنسان من حملة الدراسات العليا والدكتوراه وبزيادة سنوية تصل إلى 8,9% كما أن عدد خريجي الجامعات يقدر سنوياً ب250 ألفاً فأكثر عدا الخريجين من الدول الأجنبية ويقدر عدد مراكز البحوث و الإنماء في الوطن العربي ب265 مؤسسة يتراوح عدد الباحثين والمساعدين بين 500-3000 في كل واحدة منها وكما يقدر عدد الباحثين من حملة شهادات الدراسات العليا والدكتوراه في حقل البحث العلمي بزهاء 8800 باحث ومساعد, يضاف إليهم عدد كبير من المعاونين بحيث وصل عدد العاملين في البحوث إلى 33700عام 1990.
كما تشير كثير من الإحصائيات ‘إلى أن إجمالي الإنفاق على البحث والإنماء في الجامعات وفي مراكز البحث والإنماء قد بلغ 3.2 مليار دولار عام 1990 بعد أن كان في حدود 2.3 مليار دولار عام 1985 أي ما يعادل 0,57من إجمالي الناتج القومي في المنطقة العربية وهذه النسبة ضئيلة إذا ما قورنت بالدول المتقدمة, حيث هي بالمتوسط 2,92%من إجمالي الناتج القومي, إن هؤلاء مخولين أكثر من غيرهم كي يصبحوا علماء حقيقيين ولا يجوز بحال من الأحوال الاستهانة بهذا العدد إذ يفوق ما كانت تمتلكه أمريكا أو إنكلترا أو ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية, لكن من المؤسف أن علماء العرب في ميدان البحوث والإنماء دون المستوى المطلوب كما ونوعاً ولا يتعدى أداؤهم 10%مما هو مطلوب عالمياً, حيث من المفروض على العالم أن يقدم بحثاً واحداً أو اثنين على الأقل في كل سنة كما ان أكثر البحوث العلمية والتي تقدر ب 60% من مجمل البحوث هي لصالح الدول الأجنبية وأن الثروة العلمية العربية على ضآلتها وشدة حاجة الوطن العربي لها لا تحسن الاستفادة منها ويستفيد منها الغريب أكثر.
ويعود ضعف إنتاجية الباحثين إلى أهم الأسباب التالية:
1. ضعف دخل العالم أو الباحث بالموازنة مع غيره من الذين لم يحصلوا على شهادات جامعية عليا ويعملون في مجالات التجارة أو إدارة الأعمال أو في الصناعة وحتى في الخدمات, ناهيك عن التناقضات الحاصلة بين أجور العاملين في القطاع العام والخاص.
2. ضعف الإنفاق على البحث العلمي .
3. غياب التخطيط العلمي السليم وعدم توافر التجهيزات والوسائل العلمية الجيدة والمتطورة في مراكز البحوث والجامعات في أكثر الدول العربية والمتوافر منها لا يستفاد منه كما نجد كذلك عدم توافر المراجع العلمية وعدم دخول الحاسوب على نطاق واسع لهذه المراكز.
4. عدم قناعة معظم الحكومات العربية بجدوى الأبحاث العلمية في رفع مستوى الإنتاجية والدخل القومي ومستوى دخل الفرد, وعزوف القطاع الخاص بشكل شبه نهائي عن إجراء البحوث العلمية لديه, على العكس مما هو حاصل في الدول الصناعية المتقدمة حيث يشارك القطاع الخاص ب40-60%من مجمل البحوث الصادرة.
5. هيمنة العقلية الغربية على عقول العلماء والباحثين العرب يجعل كثيراً من البحوث لا تفيد الوطن العربي كما يجب ولا تعبر عن احتياجاته الحقيقية.
6. سيطرة البيروقراطية والروتين والمركزية الشديدة على كثير من مراكز البحوث مما يؤدي إلى إضعاف دورها وتحوله تدريجياً إلى شكل هامشي .
إن كثيراً من الشباب العلماء والباحثين يسعون نحو الفردوس المنشود في الدول الأجنبية، لقد هاجر من الكفاءات العلمية العربية بين أعوام 1970 – 1974[3] ما قدر ب 21000 معظمهم هاجر إلى أمريكا وأوروبا وكندا وكانت الهجرة تتم بقرابة 5000 عالم عربي إلى أمريكا و 4000 إلى أوروبا و 1000 إلى بقية أنحاء العالم في الثمانينات، ولهذا لا غرابة أن نجد أن الدول المتقدمة تستأثر حالياً بزهاء 95% من مجموع رصيد التكنولوجيا في العالم وقرابة 94.8% من مجموع الناتج العلمي العالمي ولكي ندرك حجم خسارة الوطن العربي من هجرة علمائه يكفي أن نشير أن كل مهندس في أمريكا يكلف وسطياً أكثر من 300000 دولار والطبيب أكثر من 500000 دولار، أضف لذلك ما سيدفعه الوطن العربي من ثمن باهظ من أجل استيراد التقنيات والمعدات والتجهيزات والآلات الحديثة والخبراء من الدول الأجنبية، كما يجب الأخذ بالحسبان ما تعكسه الهجرة سلباً على العملية التعليمية وإعداد الأطر الفنية في الجامعات العربية بسبب نقص هذه الكفاءات وعدم القدرة على تعويضها، يقدر أن عدد الطلاب في التعليم العالي ب 6.2 ملايين طالب وطالبة عام 2000[4] وكان الوطن العربي بحاجة إلى توفير 47 ألف عضو هيئة تدريس في الفترة الواقعة بين 1985-1990 وزيادة قدرها 195 ألف عضو هيئة تدريسية في الفترة 1990-2000، باقتراض أن قطاع التعليم العالي قد توافر له 102 ألف عضو هيئة تدريس عام 1985.
إن أهم الأسباب لهجرة الكفاءات العلمية في الوطن العربي تعود إلى:
1.ضعف دخل العالم أو الباحث العربي بالمقارنة مع غيره من العاملين في مختلف الأنشطة الاقتصادية وفي الوقت ذاته يمكن الحصول على دخل أفضل في الدول الأجنبية.
2.غياب التخطيط العلمي السليم، مما يجعل الباحث يعمل بدون أهداف واضحة وبالتالي فإن الأبحاث لا تلبي طموحاته وتطلعاته أو تشبع الحاجات العلمية في نفسه.
3.ضعف الاهتمام بالبحث العلمي وعدم تقدير أهمية الأبحاث العلمية في الوطن العربي عموماً.
4.ضعف ربط الإنسان بوطنه وهيمنته العقلية والحياة الأجنبية على الطلاب والباحثين خلال دراستهم أو عملهم سواء عملوا داخل الوطن العربي أو خارجه.
5.توافر شروط اجتماعية وثقافية وترفيهية أفضل للباحث والتمتع بمزيد من الحرية والعبير عن الذات خارج الوطن.
6.توافر الاستقرار السياسي والوظيفي لحد ما وضمان المستقبل للباحث بشكل أفضل في الدول المتقدمة.
7.ما زالت التجهيزات العلمية والمخابر والمراجع العلمية دون المستوى المطلوب تجعل أبحاث الباحث قاصرة، لا تصل على مستوى مثيلاتها من البحوث في الدول المتقدمة.
بالرغم من أن نتائج هجرة الكفاءات العلمية تكون سلبية عادة على الوطن العربي والمجتمع ولكنها لا تخلو من بعض الفوائد مثل:
تأمين فرص عمل، حل مشكلة البطالة، زيادة الحصيلة المعرفية والعلمية، بعض الفوائد المادية تعود على المهاجر وفي بعض الحالات على الوطن، إذ قد يحول المهاجر جزءاً من أمواله وأعماله العلمية إلى وطنه الأصلي ولا سيما إذا كانت الهجرة مؤقتة.
لا بد من الإشارة إلى أن نتيجة للركود الاقتصادي العالمي ووصول الدول المتقدمة إلى حالة الإشباع من الناحية العلمية والتكنولوجيا وعدم إمكانية تأمين فرص للباحثين والعلماء لديها في الآونة الأخيرة فإن هجرة العلماء العرب بدأت بالتراجع ولكن ذلك لن يحل مشكلة العلماء والباحثين العرب لأن أبصارهم ستبقى معلقة بالخارج إذا لم نحسن الاستفادة منهم وإعطائهم الحقوق المناسبة.
وربما تتفاقم مشكلة العلماء والباحثين العرب في المستقبل بسبب عودة بعضهم من الخارج للاستغناء عن خدماتهم وعدم إمكانية تأمين فرص عمل مناسبة داخل وطنهم أو تكليفهم بأعمال هامشية دون المستوى الذي وصلوا إليه، فتزداد الأمور تعقيداً ونخسر بذلك ثروات لا تقدر بثمن.


7. أزمة التأهيل المستمر:
يعاني التعليم النظامي بمختلق مراحله وفي جميع العالم بما في ذلك الدول المتقدمة من التخلف والقصور وعدم المقدرة على اللحاق بركب التقدم العلمي والتطور التكنولوجي الحاصل في العالم مما وضع كثيراً من الدول في المأزق المحرج ولاسيما المشرفون على الأمور التربوية وعلى التنمية الاقتصادية والسؤال الكبير الذي يمكن أن يطرح كيف يمكن أن نطور خريجي المدارس والمعاهد والجامعات بحيث يكون بمقدورهم استيعاب العلوم الحديثة والتطورات الصناعية المتلاحقة مع العلم أن جميع الكتب العلمية والتكنولوجية لمختلف مراحل التعليم بما في ذلك التعليم الجامعي في العالم أصبحت هي بدورها متخلفة وما أن تتم طباعة كتاب إلا وتكون نظريات وتطورات تكنولوجية جديدة قد ظهرت، أي بمعنى آخر لا يوجد كتاب علمي يدرّس أو كتاب علمي متوافر في المكتبات إلا وأصبح متخلفاً عن عصره، حتى أن المتابع أصبح يركض وراء النشرات الدورية والمجلات العلمية عله يجد فيها ما ينشده، مما حدا بجميع الدول وبخاصة الدول المتقدمة إلى اعتماد وتبني نظام التأهيل المستمر الذي يمكن أن يخضع له بدءاً من العامل العادي وحتى المسؤول بمستوى رئيس مجلس الوزراء وبات على الجميع ضرورة ندوات نظرية وعملية تمتد من عدة أيام لعدة أسابيع بل لعدة أشهر كل سنة أو بين فترة وأخرى.
إن الوطن العربي إذا أراد أن يرتقي إلى مستوى الدول المتقدمة لا بد له من إيلاء نظام التأهيل المستمر الأهمية التي يستحقها. إن عملية التأهيل المستمر لا يمكن لها أن تتم وتتحقق إلا إذا أعاد الوطن العربي ترتيب أولوياته وشارك الجميع في تبنيها من حكومات ومؤسسات عامة وخاصة وأسر وأفراد من أجل إعداد الشباب للحاضر والمستقبل، إذ ثبت أن التأهيل المستمر استطاع رفع إنتاجية الإنسان في الدول المتقدمة 7 أضعاف خلال القرن الماضي، بينما نجد أن إنتاجية الإنسان العربي تتراوح من 15 – 20% من إنتاجية الإنسان في الدول المتقدمة على أحسن تقدير, بل تشير كثير من الإحصائيات إلى أن إنتاجية الإنسان العربي لا تتجاوز 36 دقيقة عمل فعلية يومياً[5].

_ والشيء المؤسف أن المواطن العربي عموماً والشباب العربي خصوصاً يعانون من هذه الأزمات رغم عوامل القوة والإمكانيات الكبيرة التي يتمتع بها الوطن العربي. نذكر أهم هذه العوامل:
1.التراث: يجمع الأمة العربية تراث خالد ساهم كثيراً في نهوض الأمم الأخرى ولا سيما الغرب الذي استفاد كثيراً من الحضارة العربية الإسلامية، وما زالت الأمة العربية تعتبر أكبر كتلة بشرية في جميع أنحاء حوض البحر المتوسط وهي إلى حد كبير موحدة تاريخياً وجغرافياً ولغة وتراثاً، بل موحدة نفسياً وعاطفياً وروحياً، يضاف إلى ذلك أنها موحدة عرفاً وتقاليد وعادات، ناهيك عن الإمكانيات المادية المشتركة المتاحة، لكنها في الحقيقة متغيبة عن الدور الفعال في الحياة العالمية المعاصرة قسراً عن طريق التجزئة.
2.الموقع: يمتد الوطن العربي في قلب عالم الحضارات القديمة ويقع ضمن ثلاث قارات آسيا، إفريقيا، أوروبا، وموقعه حساس سواء فيما يتعلق في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وتقدر مساحته ب 14 مليون كم* مربع، منها قرابة 3.5 مليون كم مربع في آسيا و 10.5 مليون كم مربع في إفريقيا أي يشكل قرابة 10% من مساحة العالم، كما تقدر حدود الوطن العربي على الأطلسي ب 4000 كم كما يشكل قرابة 5000 كم على ساحل الأبيض المتوسط[6].
3.السكان: يقدر عدد سكان الوطن العربي حالياً ب 300 مليون وهو بذلك الكتلة البشربة الثالثة في العالم بعد الصين والهند، وتشير الإحصائيات إلى أن النسبة الأكبر من السكان من الفئة العمرية الفتية، فإن استطاع الوطن العربي الاهتمام بهذه الفئة فستشكل طاقة هائلة والعكس صحيح.
4.الأراضي الزراعية: تقدر مساحات الأراضي الصالحة للزراعة ب 236 مليون هكتار والمستفاد منها 46 مليون هكتار فقط، وما زال الوطن العربي مع الأسف يعتمد في غذائه على موانئه أكثر من أراضيه.
5.الثروات الطبيعية: يمتلك الوطن العربي أكثر من 60% من الاحتياطي العالمي من النفط، كما أن الغاز الطبيعي الاحتياطي يقدر ب 22.5% من مجمل الاحتياطي العالمي، بالإضافة إلى احتياطي كبير من الفوسفات يصل إلى 50% من الاحتياطي العالمي، كما توجد فيه احتياطيات لا بأس بها من الحديد و الكروم و والبوتاس والمنغنيز والنيكل والكوبالت والنحاس والذهب والفضة والكبريت.


الاقتراحات والتوصيات:
1.الوطن العربي أحوج ما يكون إلى الوعي من قبل الحكومات والشعوب وإدراك الحاضر وما يتربص بنا في المستقبل إذ بدون الوعي وإرادة التغيير والعمل لا يمكن أن نفعل شيئاً أو أن نصل إلى أي هدف.
2.علينا أن نسعى جاهدين بكل ما نملك من طاقات وموارد للخروج بالشباب من دائرة الإحباط والمواقف السلبية إلى دائرة النور والمشاركة الفعالة الإيجابية في بناء الوطن.
3.الوطن العربي أحوج ما يكون للحكماء والفلاسفة والمفكرين والباحثين، بكلمات أخرى أنه أحوج ما يكون إلى للعقول النيرة التي تنير الطريق أمامه والأيدي الماهرة التي تبني مستقبله والأهم من هذا وذاك الجهود المخلصة التي تضحي من أجله.
4.أكثر ما يميز هذا العصر بأنه عصر المواصفات سواء بالنسبة إلى الإنسان أو أية سلعة منتجة وبالتالي لا بد لنا من الاهتمام المتزايد بمواصفات الإنسان والسلع المنتجة والارتقاء بالجودة وإتقان ما نعمل.
5.ضرورة الاعتماد على التخطيط السليم والتنفيذ الجيد والمتابعة والتقييم والمحاسبة وتصحيح المسارات كلما وقعت زلات أو أخطاء كذلك لا بد من وضع خطط تنموية قصيرة وأخرى متوسطة وثالثة استراتيجية بعيدة المدى.
6.علينا أن نسعى جدياً نحو الادخار، إذ بدون الادخار لا يوجد استثمار وبدون ادخار واستثمار لا توجد مشاريع جديدة وبالتالي لا توجد فرص عمل جديدة للشباب.
7.ضرورة إعطاء الأولوية في مشاريعنا العربية إلى المشاريع الزراعية والصناعات الغذائية بغية الوصول للاكتفاء الذاتي وإن أمكن مستقبلاً تصدير المواد الغذائية الفائضة.
8.ضرورة تطوير صادراتنا بحيث تكون مواد مصنعة وأن تكون وارداتنا مواد أولية بغية إتاحة مزيد من فرص العمل للشباب من خلال الاستيراد والتصدير وزيادة الدخل القومي.
9.ضرورة الاعتماد على العلم والتكنولوجيا والبحث العلمي، المصادر الأساسية من أجل نهوض المجتمع العربي، كذلك لا بد من الحفاظ على الكفاءات العلمية وتطويرها وتحقيق طموحاتها كماً ونوعاً.
10. ضرورة السعي الجاد للانتهاء من الأمية في الوطن العربي الداء الفتاك الذي
يمنع أي تقدم حقيقي في الوطن أو تخفيضها على الأقل.
11. ضرورة الاهتمام بالشباب وتأمين حقهم في الحياة الحرة الكريمة وذلك
بتأمين حاجاتهم المادية والروحية وتلبية طموحاتهم ولا سيما في تأمين المسكن والزواج وفرص العمل والتعليم الفعال والصحة.
12. ضرورة الاهتمام بالمرآة وتفعيل دورها في جميع أنشطة الحياة السياسية
والاقتصادية والاجتماعية.
13. ضرورة زيادة الحريات الديمقراطية وتشجيع المنظمات والأندية الشبيبية والاتحادات الطلابية والنقابات وكل ما يرتبط بالشباب من أنشطة ومجالات الإبداع رياضية وفنية وثقافية وتشجيع كافة أنواع الهوايات.
14. ضرورة إعادة النظر في كافة مراحل التعليم النظامي وتطوير خططه ومناهجه وطرق تدريسه ووسائل الإيضاح ونوع الكتب المدرسية والجامعية وربطه بخطط التنمية والأهداف الاستراتيجية كما المطلوب تحسين الأوضاع المالية والمعاشية والعلمية لكافة العاملين في هذا المجال واعتماد التأهيل المستمر للجميع.
15. ضرورة السعي الجاد لتطبيق نظام ضريبي فعال على الجميع وتوزيع الدخل بحيث يحقق العدالة ويقارب بين الناس.
16. ضرورة اعتبار الإنسان العربي أسمى ما في الوجود وهو الوسيلة والغاية وضرورة ترجيح القيم الإنسانية والروح الجماعية على القيم المادية والفردية و الاستهلاكية.
17. ضرورة الاهتمام المتزايد بالطفولة ورعايتها وتأمين حقوقها وحاجاتها وتحسين وتطوير دور الحضانة والمدارس وتشجيع الأطفال على اللعب وممارسة الهوايات المختلفة وتفجير الطاقات الخلاقة لديهم وتشجيعهم على التعبير عن الذات فإن ذلك يخلق منهم مبدعين مستقبلاً.
18. ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، ولاسيما تلك الدول ذات التجربة الحديثة الناجحة مثل اليابان وبعض الدول النامية التي تطورت حديثاً مثل الصين، الهند، تايوان، كورية الجنوبية، كوبا، البرازيل، وغيرها.


مراجع البحث:
1.الشباب العربي، المعرفة - وزارة الثقافة، العدد 389 / 1996.
2.أزمة فرص العمل في الوطن العربي، المعرفة - وزارة الثقافة، العدد 382 / 1996.
3.العلاقات الاقتصادية الدولية، الأستاذ الدكتور اسماعيل شعبان.
4.محاضرات للأستاذ الدكتور اسماعيل شعبان ألقيت على طلاب دبلوم الدراسات قسم العلاقات الدولية.
5.العرب وتحديات العلم والتقانة (تقدم من غير تغيير)، الدكتور انطوان زحلان، مركز دراسات الوحدة العربية.
6.العلوم والسياسة العلمية في الوطن العربي، الدكتور انطوان زحلان، مركز دراسات الوحدة العربية.
7.مقالات وابحاث منشورة للكاتب والباحث عبد الرحمن تيشوري- موقع الحوار المتمدن


[1] مصدر سبق ذكره.

[2] العرب وتحديات العلم والتقانة (تقدم من دون تغيير)1999، انطوان زحلان، مركز دراسات الوحدة العربية.

[3] الشباب العربي، المعرفة، العدد389 1996.

[4] مصدر سبق ذكره.

[5] إحدى محاضرات الدكتور اسماعيل شعبان

[6] العلاقات الاقتصادية الدولية، الأستاذ الدكتور اسماعيل شعبان.