ملخص القانون الإداري
كلية الحقوق والعلوم السياسية

السنة ثانية
جامعة بيروت العربية
فرع إسكندرية


إعداد/ أنور راشد سعيد ساعد الكيومي
(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة) 00968
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)


2007 – 2008















1. أكتب في المحاولات الفقهية للتعريف بالمنظمة الإدارية.
- أكتب في الفقه والمعيار المميز للمنظمة الإدارية./ أكتب في المعيار المميز للشخص المعنوي العام.
الفقه والمعيار المميز للمنظمة الإدارية:
تعددت آراء الباحثين وتنوعت أفكارهم في مسالة المعيار المميز للمنظمة الإدارية أو الشخص العام، إلا أنه يمكن التمييز في هذا الإطار بين اتجاهات ثلاثة:-

(1) الاتجاه الأول : ذهب فريق من الباحثين إلى الاعتماد على غرض النشاط والهدف منه، بمعنى أنه إذا كان النشاط يهدف لتحقيق مصلحة عامة ويشبع حاجة جماعية، أنعكس ذلك على المنظمة التي تمارسه، وتوصف في هذه الحالة بأنها منظمة عامة.

على أن من الملاحظ، وهو ما تعرضنا له بالتفصيل فيما سبق، أن فكرة المصلحة العامة غير منضبطة، ولا تعتمد على قواعد موضوعية ثابتة، بل هي فكرة مرنة ومتطورة، ولذلك ، فهي تختلف في نظام يسلم بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي باعتبارها فاعلاً أصلياً، وليس بصفتها فاعلاً احتياطياً كما هو الحال في النظام الرأسمالي الصرف.

إضافة إلى ذلك، إن المصلحة العامة- كمعيار لعمومية المنظمة- ليس مانعاً من دخول أشخاص أخرى – وصفها المشرع صراحة بأنها أشخاص خاصة – في طائفة المنظمات أو الأشخاص العامة، ومثال ذلك المؤسسة الخاصة ذات النفع العام التي تمارس نشاطاً ذو نفع عام باعتراف المشرع، وإن كانت، قانوناً وفعلاً، من أشخاص القانون الخاص.

خلاصة القول أو قصارى القول إذن أن استهداف المصلحة العامة يصلح قرينة أو مؤشراً غير كاف على الطبيعة العامة للمنظمة يضاف إلى قرائن ومؤشرات أخرى.

(2) الاتجاه الثاني : وهناك من الفقهاء من يقول بأن الفيصل – في تحديد ما إذا كانت المنظمة عامة أم خاصة – يكمن في بحث علاقتها مع الدولة.

فإذا كانت هذه الدولة تهيمن عليها، كانت المنظمة عامة وإلا فلا، فمثلاً، يجب النظر إلى من أخذ المبادرة بإنشاء المنظمة، فإذا كان من أنشأها شخص عام أو سلطة إدارية، كانت المنظمة عامة، لأن الدولة هي التي تنشئ بقرار منها الأشخاص المعنوية العامة، فإذا أغفلت إضفاء صفة الشخص العام على المنظمة التي أنشأتها، فإن مجرد قيامها بذلك، أي يخلق المنظمة، يكون دليلاً كافياً على أن المنظمة هي شخص عام.

إلا أن هذا المعيار غير منضبط في التطبيق، صحيح أن مجلس الدولة الفرنسي أخذ به في بعض الأحيان كمعيار للشخص العام، غير أنه في أحوال أخرى رفض إتباع نفس المنطق.
فضلاً من ذلك، هناك المشروعات المؤممة التي اعترف لها بصفة الشخص العام مع كونها، أصلاً، من إنشاء الأفراد
ذلك أن التأميم هو عمل يتم بمقتضاه نقل ملكية مشروع من القطاع الخاص إلى القطاع العام بما يترتب عليه من تغيير في إدارته، بإحلال إدارة عامة محل الإدارة الفردية السابقة. (الخصخصة والتأميم).

فالتأميم إذن ، لا ينشئ إلا لمشروع لأن هذا المشروع موجود، ويشكل محل التأميم، ولكن أثر التأميم يكمن في تغيير طبيعة المشروع الذي كان في السابق مشروعاً خاصاً، ثم تحول بعد التأميم إلى مشروع عام.

وفي قول أخر، يجب لمعرفة ما إذا كانت المنظمة عامة أم لا، معرفة مدى تدخل الدولة في سير هذه المنظمة، فإذا بلغ هذا التدخل حداً يجعل الدولة هي التي تعين رجال الإدارة بالمنظمة، أو تكون ممثلة في هيئات إدارتها، حيث أن الطبيعة العامة للمنظمة لا تحول دون تعيين أعضاء جهازها الإداري عن طريق الانتخاب – كما هو الحال في الهيئات المحلية أي (المحافظات) – مع ممارسة رقابة معينة عليها تبلغ أقصاها حينما تكون هذه المنظمة مجردة من الشخصية المعنوية، إذ تكون رقابة الإدارة في الحالة مفترضة لا تحتاج إلى نص يقررها، وعامة تشمل جميع قرارات المنظمة إلا ما تم استثنائه بنص، ومطلقة حيث يكون لممثل الدولة إلغاء أو تعديل القرارات الصادرة عن المنظمة الإدارية، أو الحلول محلها في إصدار هذه القرارات. وحتى لو كانت المنظمة الإدارية متمتعة بالشخصية المعنوية، فإن الدولة تمارس رقابة أكيدة عليها، وإن كانت أخف في وقعها من الرقابة التي تمارسها على المنظمات غير المتمتعة بالشخصية المعنوية، حيث أن هذه الرقابة – المسماة بالوصاية الإدارية- تحتاج إلى نص يقررها وهي ليست عامة، وليست مطلقة.

ذلك أنه عندما تمارس الإدارة هذا النوع من الرقابة على المنظمة، فإنها تكون مشاركة في إدارتها فعلاً، ويكون هناك احتمال كبير أن نكون أمام منظمة عامة.

فالطبيعة الخاصة لا تتفق، والحالة هذه، مع مشاركة الدولة في إدارتها، وهي تتفق فقط مع إجراءات الضبط الإداري التي لها هدف واحد هو حماية النظام العام والآداب العامة.

ويخص بعض الفقه بالذات إجراءً معيناً حيث يرتب عليه عمومية المنظمة ألا وهو قيام السلطة العامة بالتصديق على حسابات المنظمة التي تمكن السلطة العامة من تأكيد وإظهار هيمنتها على المنظمات العامة، وهو نفس الإجراء، أي التصديق على الحسابات الذي يظهر به الشركاء المساهمون هيمنتهم على شركات المساهمة في مجال علاقات القطاع الخاص.

إلا إن هذا الرأي لا يتفق مع الواقع، حيث أن السلطة العامة – كما تصدق على حسابات المنظمات العامة – فإنها تصدق أيضاً على حسابات بعض المنظمات التي لا جدال في أنها أشخاص خاصة.

وعلى ذلك، إذا كان ما للدولة على المنظمة لا يمثل سوى مجرد الإشراف عليها والتفتيش على أعمالها، فإن ذلك لا يعدو أن يكون من إجراءات الضبط الإداري التي تمارسها الدولة في مواجهة جميع المنظمات.

إما إذا بلغ تدخل الدولة حداً جعلها تسيطر على وضع وتعديل قواعد سير المنظمة ونشاطها وتعيين أعضائها أو الموافقة على تعيينهم وحلها كانت المنظمة إدارية.

(3) الرأي الثالث : أخيراً ذهب فريق من الفقهاء إلى أن معيار عمومية المنظمة يكمن في استخدامها لأساليب السلطة العامة.

وفقاً لهذا الرأي، تكون المنظمة إدارية حينما يكون مصدر تمويلها هو ميزانية الدولة، وهو ما ينطبق على المنظمات غير المتمتعة بالشخصية المعنوية، وقد يقصد بذلك أيضاً أن الدولة تهب لمساعدتها مالياً إذا تعثر نشاطها حتى ولو كانت متمتعة بالشخصية المعنوية، وما ينتج عن ذلك من استقلالها مالياً عن الدولة.

غير أنه لوحظ على هذا المعيار عدم صلاحيته من ناحية أن الدولة قد تعين الأشخاص الخاصة وتساعدهم مالياً بهدف توجيه نشاطهم نحو مجالات ترغب الدولة في قيامهم بها، أي أن مصدر التمويل ليس كافياً لتمييز المنظمة العامة عن المنظمة الخاصة.

لذلك يرى البعض أن العبرة هي بممارسة المنظمة لأساليب القانون العام، ومثالها امتياز التنفيذ الجبري وامتياز التنفيذ المباشر وكعدم قابلية أموالها للحجز عليها أو تملكها عن طريق نزع ملكيتها للمنفعة العامة، وجواز قيام السلطة العامة بنزع الملكية الفردية لصالحها..الخ.

إلا أنه أخذ على هذا الرأي أن ثمة أشخاصاً خاصة متمتعة، مع ذلك، بامتيازات السلطة العامة، ومنها الجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
ولوحظ أيضاً أن ثمة منظمات عامة لا تتمتع بامتيازات السلطة العامة.

وفي إطار هذا الاتجاه، أيضاً، قيل بأن عمومية المنظمة تستند إلى أن انضمام الأفراد إليها له طابع إجباري.
فالدولة مثلاً منظمة إجبارية حيث أن أنتساب الأفراد إليها يتم تلقائياً بمجرد حصول الولادة داخل إقليمها أو الولادة من أبوين يحملان جنسيتها، وانتساب الأفراد إلى الوحدات الإقليمية يتم أيضاً، بصفة تلقائية، بمجرد إقامتهم داخل حدودها.

ومع ذلك، هذا المعيار غير منضبط بصفة مطلقة، حيث أن الانتساب، إلى دولة معينة، مثلاً، لا يكون إجبارياً كما هو الحال في التجنس، إذ لصاحب الشأن أن يطلب حمل هذه الجنسية في حالة توافر شروطها أو لا يطلب ذلك.

في الواقع، إن توافر أحد الدلائل السابقة – مصلحة عامة، خضوع لهيمنة الإدارة، التمتع بامتيازات السلطة العامة – في منظمة ما غير كاف بذاته لإضفاء صفة المنظمة العامة عليها، بل يجب ، على ما يبدو، توافر عدة دلائل مجتمعة بعضد أو يساند بعضها بعضاً لكي تكتسب المنظمة صفة العمومية.
ولعل هذا هو الاتجاه الذي أستقر عليه القضاء الإداري في مصر.

2. تكلم عن عدم التركيز الإداري في مصر – في لبنان.
أولاًَ : عدم التركيز الإداري في التشريع المصري.
لقد أقر المشرع المصري التفويض كوسيلة لعدم التركيز الإداري، شريطة أن تتوافر شروط معينة:-

(1) وأول هذه الشروط أنه لا تفويض إلا بنص صريح من المشرع، بمعنى أن التفويض له طابع استثنائي، والقضاء الإداري مستقر على ذلك.

فمحكمة القضاء الإداري أعلنت في إحدى أحكامها بأن " القاعدة المستقرة فقهاً وقضاءً، أنه إذا أنيط بسلطة إدارية اختصاص معين بمقتضى المبادئ الدستورية أو القوانين أو اللوائح، فلا يجوز لها أن تتنازل عنه أو تفوض فيه إلى سلطة أو جهة أخرى لأن مباشرة الاختصاص عندئذ تكون واجبة، من الناحية القانونية، عليها وليس حقاً لها بجواز أن تعهد به لسواها، إلا أنه يستثنى من ذلك الحالة التي يقرر فيها القانون إمكانية التفويض حيث يكون هذا التفويض مستمداً مباشرة من القانون.

والاختصاص الذي يتحدد بقانون لا يجوز النزول عنه أو الإنابة فيه إلا في الحدود وعلى الوجه المبين في القانون، كما لو كان ثمة قانون يرخص بالتفويض.

(2) والشرط الثاني- الذي يتفرع عن المبدأ السابق يمكن في أن التفويض، دائماً، له طبيعة جزئية، حيث أن التفويض في كامل الاختصاصات مخالف للقواعد العامة إلا إذا أجاز المشرع الوضع العكسي. ففي هذه الحالة، يجب احترام إرادة المشرع لأنه هو الذي ينشئ الاختصاص، وهو الذي يحدد من له أن يمارسه في حدود القواعد الدستورية.

(3) والشرط الثالث – اللازم لشرعية التفويض – يكمن في احترام القاعدة التي تقرر أنه " لا تفويض في التفويض " ومعنى ذلك أن من قوّض إليه ممارسة اختصاصات ما يجب عليه أن يمارسها بنفسه شخصياً، وعلى ذلك، فإنه لا يستطيع أن يعيد التفويض في هذه الاختصاصات، حيث أن هذا التفويض في التفويض لا يجوز، شرعاً. فالتفويض غير مسموح به قانوناً إلا في اختصاص أصيل يستمده رجل الإدارة من القانون مباشرة.

(4) وأخيراً، إن التفويض في المسئولية غير جائز، وذلك أن الرئيس الذي يفوض مرءوسيه في ممارسة بعض اختصاصاته، يظل مسئولاً عن هذه الاختصاصات مع المفَوّض إليها ممارستها، وذلك نابع من مسئولية عن أعمال مرءوسيه، سواء أكانت اختصاصات أصلية مستمدة من القانون مباشرة، أو كانت اختصاصات مستمدة من قرارات التفويض.

(5) والتفويض – بالمعنى السابق- يفترق عن الحلول، حيث أن هذا الأخير يفترض أن صاحب الاختصاص الأصيل قد تغيب عن العمل، أو قام لديه مانع يحول دون ممارسته لاختصاصاته، وفي هذه الحالة، يحل محل هذا الشخص من عينه المشرع لذلك، وتكون له نفس سلطات الأصيل. كل ذلك بعكس المُفوَّض إليه الذي يمارس الاختصاصات التي فُوَّض في ممارستها فقط، وفي المدة المحددة لذلك، مع قابلية التفويض للإلغاء من قِبلَ الأصيل في الوقت الذي يراه مناسباً.

وإذا كانت الحلول ، كالتفويض، لا يجوز إلا إذا نظمه المشرع، بحيث لو أغفل المشرع النص عليه لأصبح مستحيلاً من الناحية القانونية، إلا أنه ليس لصاحب الاختصاص الأصيل أن يعقب على القرارات الصادرة عن من حل محله بصفته رئيساً لهذا الأخير.
وعلى ذلك إذا رأى الأصيل أن تصرفات الشخص الذي حل محله غير مشروعة وغير ملائمة، فما عليه، إذا أراد إلغاءها إلا أن يتوجه إلى السلطة الرئاسية المشتركة، أو إلى الجهة القضائية المختصة بحسب الأحوال، كل ذلك بعكس المبادئ التي تحكم علاقة الرئيس بالمفوَّض بالمرءوس المفوَّض إليه.

هذا، وقد حرص الدستور المصري الحالي في مادته رقم 82 على تنظيم مسألة الحلول محل رئيس الجمهورية ، حيث جاء بها " إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية".

صحيح أن النص الدستوري أستخدم كلمة " أناب "، مما قد يوحي بأن المسألة تتعلق بالتفويض وليس بالحلول، إلا أن ذلك مردود عليه بالقول بأن التفويض بطبيعته جزئي، ولا يشمل أبداً كامل اختصاصات الأصيل، في حين أن المادة المذكورة تتكلم عن كل " اختصاصات" رئيس الجمهورية. فضلاً عن ذلك، هذه المادة تعالج الحالة التي يمتنع على رئيس الجمهورية فيها، مؤقتاً ، مباشرة اختصاصاته، وهي تعالج بذلك حالة الحلول، لأن التفويض يفترض عدم غيبة الأصيل، وقيامه بمباشرة اختصاصاته.

3. أكتب في نظرية عمل الأمير.
نظرية عمل الأمير:
تعرّف محكمة القضاء الإداري عمل الأمير بأنه كل إجراء تتخذه السلطات العامة، ويكون من شأنه زيادة الأعباء المالية، أو في الالتزامات التي ينص عليها العقد، مما يطلق عليه بصفة عامة المخاطر الإدارية، وهذه الإجراءات التي تصدر من السلطة العامة قد تكون من الجهة الإدارية التي أبرمت العقد، وقد تتخذ شكل قرار فردي خاص، وقد تكون بقواعد تنظيمية عامة أي أن محكمة القضاء الإداري تأخذ هنا بمعنى واسع لنظرية الأمير، إذ إنها تكتفي بصدوره عن سلطة عامة، وليس بلازماً أن تكون هذه السلطة العامة هي الجهة الإدارية المتعاقدة.

أما المحكمة الإدارية العليا، فتأخذ بمعنى ضيق لفكرة عمل الأمير، وتقرر المحكمة الإدارية العليا أن شروط نظرية فعل الأمير هي كالتالي:-
1. أن يكون ثمة عقد من العقود الإدارية.
2. أن ينشأ عنه ضرر لا يشترط فيه درجة معينة من الجسامة.
3. أن يكون الفعل الضار صادراً من جهة الإدارة المتعاقدة.
4. افتراض أن الإدارة لم تخطئ حين اتخذت عملها الضار فمسئوليتها عقدية بلا خطأ.
5. أن يكون الإجراء الصادر من الإدارة غير متوقع.

  1. أن يلحق المتعاقد ضرر خاص لا يشاركه فيه سائر من يمسه القرار العام.


وطبقاً لهذا التعريف، فإن عمل الأمير هو ، إذن، إجراء يصدر عن السلطة الإدارية المتعاقدة، ويكون من شأنه زيادة في الأعباء المالية للمتعاقد معها، وقد يأخذ هذا الإجراء شكل قرار فردي، أو شكل قاعدة عامة ومجردة تؤثر على العقد تأثيراً مباشراً أو غير مباشر، كأن تغير الإدارة في بعض شروط العقد، أو تصدر تشريعات تزيد من الرسوم الجمركية على مهمات أو مواد أولية يحتاج المتعاقد مع الإدارة، أو ترفع الحد الأدنى لأجور العمال، أو تنقص عدد ساعات تشغيلهم.

فللحصول أو بالمعنى الأخر لاقتضاء التعويض، يجب بدايةً أن يكون الإجراء صادراً عن السلطة الإدارية المتعاقدة، فإذا صدر هذا الفعل عن شخص معنوي عام – غير الذي أبرم العقد – تخلف أحد شروط نظرية فعل الأمير، وامتنع، بالتالي، تطبيق أحكامها.

يجب أن يكون أيضاً أن يكون الإجراء غير متوقع، فإذا صدر قانوناً خلال تنفيذ العقد يقضي برفع الرسوم الجمركية، مما يسبب ضرراً للمتعاقد مع الإدارة، إلا أنه لما كان طرفا العقد قد توقعا صدور مثل هذا القانون ووضعا نصاً ليحكم هذه الحالة، فإن هذا النص هو الذي يطبق دون نظرية عمل الأمير، حيث أنه لا يلجأ لنظرية عمل الأمير إلا في حالة طلب التعويض عن أمر غير متوقع وقت إبرام العقد.

كما أنه يشترط لقيام الحق في التعويض أو المطالبة بالتعويض تأسيساً على نظرية عمل الأمير يجب أن يترتب على الإجراء ضرر خاص بالمتعاقد مع الإدارة، والضرر الخاص يتحقق هنا إذا أصاب المتعاقد وحده دون مجموع الشعب، أو إذا أصابه بضرر من الجسامة، بحيث يتجاوز ما أصاب مجموع الشعب.

وعلى ذلك فإذا صدر تشريع يقرر زيادة في أعباء أصحاب العمل " أرباب الأعمال" عن عمال المقاولات وعمال التراحيل والعمال الموسميين الذين يستخدمونهم، وكان هذا القانون لم يقرر مثل هذه الأعباء على عاتق شركات المقاولات وحدها، ولكنه حمل بها أصحاب الأعمال جميعهم على اختلاف مستوياتهم وتباين أنشطتهم، ومن ثم لا يتوافر في هذا القانون وصف عمل الأمير، لأنه لم يلحق بهذه الشركات ضرراً خاصاً فالتشريع إذا كان عاماً لا يتصف بوصف عمل الأمير ولا يكون ثمة محل للتعويض أي ضرر يصيب الأفراد من تطبيقه، ولما كان قانون العمل – الذي تطلب الشركتان التعويض عما أصابهما من ضرر بسبب تطبيقه هو قانون عام لا يسري على الشركتين وحدهما، وإنما يتناول عدداً غير محدود من الأفراد والشركات والهيئات، فعلى مقتضى ما تقدم لا تستحق الشركتان تعويضاً عما أصابهما من ضرر بسبب تطبيقه.

فإذا توافرت شروط تطبيق نظرية عمل الأمير فإن القاعدة بالنسبة للتعويض هي إنه إذا لم يكن مقدار التعويض متفقاً عليه في العقد، فإن جهة الإدارة لا تملك أن تستقل بتقديره بل يقدره القاضي اعتباراً بأنه ينشأ عن تكاليف غير متوقعة.
وإن محكمة القضاء الإداري إنما تقدر هذا التعويض طبقاً للقواعد المقررة في القانون الإداري في هذا الشأن وهو يشمل عنصرين.
العنصر الأول : ما لحق المتعاقد من خسارة ويتضمن هذا العنصر المصروفات الفعلية التي أنفقها المتعاقد والثاني ما فات المتعاقد مع الإدارة من كسب اعتباراً بأن من حقه أن يعوض عن ربحه الحلال عن عمله ورأس ماله. وبذلك تضيف محكمة القضاء الإداري بأنه يتميز التعويض على أساس نظرية التوازن المالي وليس على أساس نظرية الظروف الطارئة وذلك في نظرية التوازن المالي تعويض شامل وغير جزئي أما في نظرية الظروف الطارئة فإن التعويض جزئي إنقاص الالتزام وليس إزالته.

4. أكتب في المنفعة العامة كمعيار للقانون الإداري.
قال بهذا المعيار الأستاذ فالين نتيجة لما شاب معياري المرفق العام والسلطة العامة من نقائص.
فبالنسبة لمعيار المرفق العام، لاحظ فالين أنه يكون في بعض الأحيان أوسع مما يجب، وذلك في الحالات التي تلجأ فيها السلطات الإدارية إلى أساليب القانون الخاص في إدارتها للمرافق العامة، وكذلك بالنسبة للمرافق العامة الصناعية والتجارية، وفي أحيان أخرى أضيق أو تكون أضيق مما يجب، ويتحقق ذلك الضيق في الحالات التي يمتد فيها نطاق اختصاص القضاء الإداري خارج دائرة المرفق العام.

بالنسبة لمعيار السلطة العامة، فقد أستبعده فالين حيث أن استعمال وسائل وامتيازات السلطة العامة – وإن كان يؤدي دائماً إلى تطبيق القانون الإداري، وانعقاد الاختصاص للقاضي الإداري- إلا أنه لا يصلح معياراً، حيث لا يفسر تطبيق القانون الإداري واختصاص القضاء الإداري في حالات أخرى لا تمارس فيها الإدارة مظاهر السلطة العامة، بل نتيجة للقيود التي تثقل كاهلها وتكون، بناء عليها في مركز " أقل " من مركز الأفراد الذين تتعامل معهم السلطة العامة.

ولذلك انتهى فالين إلى القول بأن هناك فكرة جامعة تفسر تطبيق القانون الإداري في جميع الحالات التي يطبق فيها، وهي فكرة " المنفعة العامة ".

(1) إن الباحثين في فقه القانون العام لم يتلقوا معيار المنفعة العامة بقبول حسن، لأنه لا يصلح مطلقاً، كمعيار يرتبط تطبيق القانون الإداري به وجوداً وعدماً، ذلك أن هذا المعيار أي معيار المنفعة العامة من الأتساع والغموض بحيث يصلح أن يكون أساساً للقانون كله-العام منه والخاص بصفة عامة.

ففكرة المنفعة العامة فكرة مرنة ومطاطة، تختلف من عصر إلى عصر، ومن نظام سياسي إلى نظام سياسي أخر، ويتغير مدلولها بتغير الأنظمة والأفكار، ولذلك ليس لها مدلول ثابت محدد، ومن ثم فهي لا تصلح لأن تكون معياراً لتحديد مجالات القانون الإداري.

فالمصلحة العامة في نظام الرأسمالي الحر لها معنى شديد الضيق، حيث يقصد بها إشباع حاجات جماعية يعجز الأفراد عن إشباعها أو لا يرغبون في ذلك في حين أنها في نظام يأخذ بتدخل الإدارة في المجال الاقتصادي يتسع مدلولها ليشمل إشباع جميع الأنشطة التي ترى السلطة العامة أن إشباعها يحقق مصلحة عامة.

ولا شك أن المنفعة العامة في دولة ديمقراطية تختلف عن فكرة المنفعة العامة في دولة لا يتسم نظامها بطابع ديمقراطي ، حيث تعني في الحالة الأولى تحقيق رغبات الشعب، في حين أن معناها في الحالة الثانية تحقيق رغبات الحكام.

(2) إن نشاط السلطة العامة في مجمله يحقق منفعة عامة أياً كانت الوسائل التي تستخدمها الإدارة في ممارستها لهذا الشرط، وبصرف النظر عن طبيعة القواعد القانونية التي تحكمه.
وبعبارة أخرى، أن نشاط الإدارة الخاضع للقانون الخاص يهدف إلى تحقيق منفعة عامة مثله في ذلك تماماً مثل نشاطها الخاضع للقانون الإداري، والمنفعة العامة هي التي حتمت إخضاع النشاط في الحالة الأولى لقواعد القانون الخاص، وإخضاعه في الحالة الثانية لقواعد القانون الإداري.
فالإدارة في تسييرها للمرافق العامة الاقتصادية تستخدم، في أحيان كثيرة، أساليب القانون الخاص، وما كان ذلك إلا لأن استعمال الإدارة لنفس الوسائل التي يستعملها الأفراد – في ممارستهم لنشاطهم التجاري والصناعي – يكون أكثر تحقيقاً للمنفعة العامة من حيث أنها تجعل هذه المرافق أغزر إنتاجاً، وأكثر تحققاً للغرض من إدارتها مما لو استخدم في تسيرها أساليب السلطة العامة.

والإدارة حينما تلجأ لأسلوب العقد المدني بدلاً من أسلوب نزع الملكية أو الاستيلاء للحصول على ما تحتاجه من أموال مملوكة للأفراد، فإنها تفعل ذلك بدافع المصلحة العامة، حيث أنها قدرت أن أسلوب التعاقد مع الأفراد – بالإيجار أو الشراء – يكون أكثر تحقيقاً للمصلحة العامة من أسلوب السلطة.

ذلك أن العقود التي تبرمها الإدارة، يستوي في ذلك العقود الإدارية والعقود المدنية، لها هدف واحد وهو تحقيق المصلحة العامة.
وإدارة الدولة لأملاكها الخاصة، التي تخضع بصفة أساسية لأحكام القانون الخاص، تحقق أيضاً منفعة عامة بحيث يوضع الناتج من استغلال هذه الأموال في ميزانية الدولة لإشباع حاجات عامة.

(3) أخيراً، أن ممارسة النشاط ذي النفع العام ليس حكراً على الإدارة، فالأفراد، أيضاً، يساهمون في تحقيق المنفعة العامة حتى في أدق تصرفاتهم الشخصية، فالزواج مثلاً ، الذي يسهم في استمرار الحياة القومية في البلاد، يسهم في تحقيق منفعة عامة ومع ذلك فهو لا يخضع لأحكام القانون الإداري.
والمشروعات الخاصة ذات النفع العام تخضع، بصفة أساسية، لأحكام القانون الخاص بالرغم من هدف النفع العام الذي تحققه، والصانع في مصنعه يحقق بلا شك منفعة عامة، ذلك أنه كلما زاد إنتاجه وتحسن تحققت المصلحة العامة بصورة أوفى. فلماذا لا تخضع للقانون الإداري؟

كل هذه الأسئلة – التي يمكن إثارتها في مجالات عديدة أخرى تدل بصفة قاطعة، على عدم صلاحية معيار المنفعة العامة كأساس لتطبيق القانون الإداري ولاختصاص القضاء الإداري، فالمنفعة العامة من تلك الاصطلاحات الفضفاضة التي تختلف الآراء وتتعدد الاتجاهات في تحديد مدلولها، بحيث يستطيع من يشاء أن يصنع فيها ما يريد. وفكرة لها هذا الطابع الشخصي في حدوده القصوى لا تصلح، بداهة، أن تكون ضابطاً لقانون كالقانون الإداري يتعلق بعلاقة الإدارة بالأفراد.

5. أكتب في طاعة المرءوس للرئيس.
أولاً : مضمون واجب الطاعة
في البداية يجب توضيح الملاحظة التالية وهي أن واجب طاعة المرءوس لرئيسه لا يعني مطلقاً إهدار كرامة هذا المرءوس، أو منعه من إبداء رأيه، أو التصرف في حدود القانون، فهي تعني فقط ألا يستخف المرءوس بأوامر هذا الرئيس، أو يضرب بها عرض الحائط.

(1) من حق المرءوس أن يناقش رئيسه فيما يصدره إليه من أوامر مما يتصل بعمله، وأن يقترح المرءوس على رئيسه ما يراه في صالح العمل، شريطة أن يتم كل ذلك في حدود علاقة الاحترام المتبادل، كما ليس هناك ما يمنع المرءوس أن يختلف مع رئيسه في وجهات النظر إذ الحقيقة دائماً وليدة اختلاف الرأي، لا يمليها إلا قرع الحجة بالحجة، ومناقشة البرهان بالبرهان ولكن ليس للموظف أي المرءوس أن يخالف ما أستقر عليه رأي الرئيس نهائياً أو يقيم العراقيل في سبيل تنفيذه، حيث أصبحت الطاعة واجبة، بعد أن خرجت المسألة من دور البحث إلى دور التنفيذ.

(2) وواجب الطاعة لا يحول دون استخدام المرءوس لحقه في الإبلاغ عن المخالفات التي تصل إلى عمله ولو كانت تمس رئيسه في العمل، شريطة أن يحفظ لرئيسه التوقير والاحترام الواجبين، وأن لا يكون قصده من عمله الكيد برئيسه، أو الإضرار به.

(3) كما لا يحول واجب الطاعة حيال الرئيس دون استخدام المرءوس حق الشكوى والتظلم، ولكن لا يدخل في هذا الحق تقديم منشورات بعبارات نابية، وإذا قام المرءوس بذلك فإن هذا السلوك يكّون مخالفة إدارية وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها.
وإذا خرج المرءوس عن واجب اللياقة في مخاطبة رئيسه، فإنه يكون مستحقاً للجزاء التأديبي.

ثانياً: حدود واجب الطاعة:
واجب الطاعة حيال الرئيس مقيد بمبدأ جوهري، ألا وهو أنه لا طاعة فيما هو غير مشروع ومخالف للقانون.
(1) تأخذ هذه القاعدة كل أبعادها في الحالة التي يأمر فيها الرئيس مرءوسيه بارتكاب جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات.
لذلك إن المشرع يخاطب الجميع بموجب قانون العقوبات، لا فرق بين رئيس ومرءوس، وليس من شأن أمر الرئيس إضفاء الشرعية على فعل لم يجزه أو أثمه المشرع في قانون العقوبات.وصدور أمر الرئيس ليس سبباً من أسباب الإباحة، وبناءً على نص قانون العقوبات " لا جريمة إذا وقع الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه طاعته أو أعتقد أنها واجبة عليه.. وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا من بعد أن تثبت وتحرى، وأنه كان يعتقد مشروعيته، وأن اعتقاده كان مبيناً على أسباب معقولة.

وبعبارة أخرى، على الموظف إذا كان يعلم أن ما أمر بتنفيذه يندرج تحت طائلة التجريم بنصوص صريحة في قانون العقوبات، عليه أن يمتنع عن التنفيذ وإلا عرض نفسه للمساءلة الجنائية.

(2) وحتى لو لم يكن الأمر متضمناً ارتكاب مخالفة جنائية بل أقتصر على ارتكاب مخالفة لا تصل في جسامتها إلى حد وقوعها تحت طائلة قانون العقوبات – فإن المرءوس لا يعفي نفسه من المسئولية، إلا إذا توافرت شروط معينة جاءت في نص القانون " لا يعفى العامل من الجزاء استناداً إلى أمر صادر إليه من رئيسه" إلا إذا أثبت العامل أن ارتكاب المخالفة كان تنفيذاً لأمر مكتوب بذلك صادر إليه من هذا الرئيس، بالرغم من تنبيهه كتابياً إلى المخالفة، وفي هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر وحده"

وعلى ذلك فإن إعفاء المرءوس من المسئولية منوط بتحقيق شرطين:
الشرط الأول : أن ينبه المرءوس رئيسه كتابة إلى المخالفة، حيث أن طاعة الرئيس لا تحول بين المرءوس واحترامه للقانون، وعلى ذلك، إذا نفذ المرءوس الأمر المخالف للقانون بصفة تلقائية، فسيكون مسئولاً عما يفعل.
الشرط الثاني : في حالة إصرار الرئيس على أمره المخالف للقانون بالرغم من تنبيه المرءوس له كتابة، فيجب أن يصدر هذا الأمر كتابة حتى لا يستطيع التنصل منه، وفي نفس الوقت، قد يجعله هذا الشرط يفكر في الأمر المخالف للقانون، لأنه سيتحمل في هذه الحالة المسئولية وحده.
يستفاد من كل ما ورد أن السلطة الرئاسية ليست امتيازاً لصاحبها وليست حقاً شخصياً له، بل هي في الواقع اختصاص له حدوده وضوابطه التي نص عليها القانون.
ولا تكون هذه السلطة مشروعة إلا إذا احترمت الحدود التي نص عليها المشرع لممارستها، كما أن المرءوس لا يدين في مواجهة رئيسه بطاعة عمياء. فالمرءوس ليس آلة صماء تنفذ ما تؤمر به بدون تفكير، بل يجب عليه أن يشغل عقله كإنسان وموظف مسئول، فيمتنع عن تنفيذ الأمر الذي يتضمن ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون، وأن لا ينفذ الأوامر غير المشروعة الأخرى إلا إذا كان ذلك بعد تنبيه رئيسه إلى عدم مشروعيتها، وشريطة أن تصل إليه مكتوبة، حتى يعفي نفسه من المسئولية عن تنفيذها.

6. أكتب في الحماية القانونية للمال العام في مواجهة الأفراد. (مهم جداً)
ثمة أساليب عديدة تكفل حماية المال العام في مواجهة الأفراد.
(1) فالأموال العامة لا يجوز تملكها بالتقادم ، ذلك أنه لما كان المال العام لا يجوز التصرف فيه بنقل ملكيته للأفراد، فمن باب أولى، لا يجوز لهؤلاء اكتساب ملكيته بالتقادم، وبعبارة أخرى، إن المشرع حرم نقل ملكية المال العام إلى الأفراد، أياً كانت وسيلة ذلك النقل.

وعلى ذلك، إذا وضع الأفراد يدهم لفترة معينة، مهما طالت، على جزء من المال العام للإدارة ، فإن الإدارة تستطيع حينما تنتبه استرداد هذا المال.
إضافة إلى ذلك، إن مبدأ الالتصاق – يعني دمج الأموال الأقل أهمية في الأموال الأكثر أهمية التي تلتصق بها إذا أختلف المالكون لهذه الأموال لا يسري على المال العام، حيث أن القاعدة أن المال الخاص هو الذي يتبع المال العام وليس العكس.

كذلك أن الدفع بعدم جواز تملك المال العام بالتقادم دفع مقصور على الإدارة وحدها دون الأفراد، وعلى ذلك إذا ثار نزاع بين شخصين على قطعة أرض، ودفع أحدهما – بهدف استبعاد دعوى الحيازة المرفوعة عليه من خصمه – بأن هذا الأخير يحوز الأرض حيازة مؤقتة حيث أنها جزءاً من المال العام، ففي هذه الحالة، ليس للقاضي أن يقبل هذا الدفع منه، لأن الإدارة ، فقط، هي التي يكون لها أن تدفع بذلك.

(2) والأموال العامة لا يجوز الحجز عليها، فالحماية المقررة لها –التي منعت الإدارة من التصرف فيها أو كسب ملكيتها بالتقادم – تحول أيضاً دون الحجز عليها، لأن هذا الإجراء يؤدي في النهاية إلى نزع ملكية المال جبراً عن الإدارة وبيعه، كما يحدث للأموال المملوكة للأفراد.

ومن مقتضى ذلك، أنه لا يجوز إثقال المال العام بحقوق عينية تبعية ضماناً للديون التي تشغل ذمة الشخص العام كالرهن الرسمي أو الحيازي، حيث أن فائدة هذه الحقوق العينية تظهر عندما تباع أموال المدين – المحملة بها- جبراً، لأن الدائن ذا الحق العيني له الأفضلية على الدائنين الشخصيين، وهذا غير ممكن تحقيقه فيما يتعلق بالأموال العامة التي لا يمكن بيعها جبراً، إضافة إلى كل ذلك، إن القاعدة العامة التي تفترض ملاءة الدولة والأشخاص العامة – تعني حصول دائنيهم على حقوقهم كاملة.

(3) ولم يكتفي المشرع بصورتي الحماية السابقتين للمال العام في مواجهة تصرفات الأفراد، بل إنه ذهب إلى حد فرض عقوبات جنائية عديدة لمجرد الاعتداء عليه أي على المال العام، حتى ولو كان هذا الاعتداء غير جسيم.
إلا أن هذه الحماية الجنائية لا يجمعها تشريع واحد، ولكنها مبعثرة في قانون العقوبات، وغيره من القوانين، والقرارات اللائحية المختلفة.

(4) وأخيراً يجب القول أن المشرع المصري مد حمايته خارج نطاق أموال الإدارة التي يعتبرها أموالاً عامة، لتشمل أموالها الخاصة، سواء كانت هذه الحماية مدنية، أو جنائية.

7. أكتب في الحماية القانونية للمال العام في مواجهة الإدارة والأفراد.
أولاً : حماية المال العام في مواجهة الإدارة
تتحقق حماية المال العام في مواجهة الإدارة بتقرير قاعدة عدم جواز التصرف في المال العام بأي حال من الأحوال وتحت أي ظروف من الظروف، وإذا تم ذلك وقع باطلاً. ويشمل ذلك التصرف المقابل (بالبيع مثلاً)، أو بدون مقابل أي مجاناً (عن طريق الهبة) ، وهكذا، فقاعدة عدم جواز التصرف في المال العام تشكل قيداً على سلطة الشخص الإداري الذي يتبعه هذا المال، وبناءً عليه، لو تصرفت الإدارة خطأ في مال منقول يدخل في طائفة الأموال العامة كتحفة أثرية مثلاً، فإن للإدارة أن تسترد هذه القطعة الأثرية في الوقت الذي تشاء، وليس للمشتري أن يحتج في مواجهة الإدارة بقواعد القانون المدني، وخصوصاً قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، حيث أن هذه القاعدة تفترض جواز التصرف في المال، وانتقاله من ذمة إلى ذمة أخرى، مما يتنافى والقواعد المقررة لحماية المال العام.

وإيضاحاً لهذه القاعدة يلزم الإدلاء بالملاحظات التالية:-
(أ#) إن ثمة تصرفات تجريها الإدارة، ولا تشكل مساساً بتخصيص الأموال – محل التصرف – للمنفعة العامة، ومن الأمثلة على ذلك المبادلات التي تتم بين مختلف الأشخاص العامة بشأن عين من أعيان المال العام، فينتقل المال العام، مثلاً، من شخص إلى الدولة أو من الدولة إلى الشخص.
ومنها أيضاً، منح امتياز مرفق عام يكون محله المال العام، أو منح الأفراد حق استعمال المال العام استعمالاً خاصاً ينطوي على حرمان غيرهم من الانتفاع بالجزء المخصص من المال العام، كما هو الشأن في حالة حصول فرد على ترخيص بإقامة كازينو على شاطئ البحر مما يتضمن حرماناً للمصطافين من استعماله.

كما من الملاحظ أن مثل هذه التصرفات، منح امتيازاً أو الترخيص باستعمال خاص لمال عام، تختلف اختلافاً جوهرياً عن التصرف في المال العام، حيث أن التصرف في المال العام يعنى التنازل النهائي عن هذا المال والتخلي عنه وهو أمر متسم بطابع الدوام والاستقرار مما يتنافى وقابلية المرافق العامة للتغيير والتعديل في كل وقت، في حين أن التصرفات من النوع الأول تتسم بطابع مؤقت وعابر وهي عبارة عن الانتفاع، وتملك السلطة العامة فسخها في الوقت الذي تشاء.

(ب#) إن قاعدة عدم جواز التصرف في المال العام تبقى صحيحة منتجة لأثارها ما دام المال مخصصاً للنفع العام، ولكن إذا جرد المال العام من صفة العمومية، وذلك بوضع حد لتخصيصه للنفع العام بالأداة القانونية المختصة أو بالفعل، فإن التصرفات الخاضعة للقانون المدني من بيع ورهن وإيجار يمكن أن تطبق عليه.

(ج) وأخيراً، إن قاعدة عدم جواز التصرف في المال العام تسري على جميع الأموال العامة دون تمييز بين ما هو عقاري وما هو منقول. ويلاحظ أن قاعدة جواز عدم التصرف في المال العام من القواعد المستقرة.

ثانياً: حماية المال العام في مواجهة الأفراد
ثمة أساليب عديدة تكفل حماية المال العام في مواجهة الأفراد.
(1). فالأموال العامة لا يجوز تملكها بالتقادم ، ذلك أنه لما كان المال العام لا يجوز التصرف فيه بنقل ملكيته للأفراد، فمن باب أولى، لا يجوز لهؤلاء اكتساب ملكيته بالتقادم، وبعبارة أخرى، إن المشرع حرم نقل ملكية المال العام إلى الأفراد، أياً كانت وسيلة ذلك النقل.

وعلى ذلك، إذا وضع الأفراد يدهم لفترة معينة، مهما طالت، على جزء من المال العام للإدارة ، فإن الإدارة تستطيع حينما تنتبه استرداد هذا المال.
إضافة إلى ذلك، إن مبدأ الالتصاق – يعني دمج الأموال الأقل أهمية في الأموال الأكثر أهمية التي تلتصق بها إذا أختلف المالكون لهذه الأموال لا يسري على المال العام، حيث أن القاعدة أن المال الخاص هو الذي يتبع المال العام وليس العكس.

كذلك أن الدفع بعدم جواز تملك المال العام بالتقادم دفع مقصور على الإدارة وحدها دون الأفراد، وعلى ذلك إذا ثار نزاع بين شخصين على قطعة أرض، ودفع أحدهما – بهدف استبعاد دعوى الحيازة المرفوعة عليه من خصمه – بأن هذا الأخير يحوز الأرض حيازة مؤقتة حيث أنها جزءاً من المال العام، ففي هذه الحالة، ليس للقاضي أن يقبل هذا الدفع منه، لأن الإدارة ، فقط، هي التي يكون لها أن تدفع بذلك.

(2). والأموال العامة لا يجوز الحجز عليها، فالحماية المقررة لها –التي منعت الإدارة من التصرف فيها أو كسب ملكيتها بالتقادم – تحول أيضاً دون الحجز عليها، لأن هذا الإجراء يؤدي في النهاية إلى نزع ملكية المال جبراً عن الإدارة وبيعه، كما يحدث للأموال المملوكة للأفراد.

ومن مقتضى ذلك، أنه لا يجوز إثقال المال العام بحقوق عينية تبعية ضماناً للديون التي تشغل ذمة الشخص العام كالرهن الرسمي أو الحيازي، حيث أن فائدة هذه الحقوق العينية تظهر عندما تباع أموال المدين – المحملة بها- جبراً، لأن الدائن ذا الحق العيني له الأفضلية على الدائنين الشخصيين، وهذا غير ممكن تحقيقه فيما يتعلق بالأموال العامة التي لا يمكن بيعها جبراً، إضافة إلى كل ذلك، إن القاعدة العامة التي تفترض ملاءة الدولة والأشخاص العامة – تعني حصول دائنيهم على حقوقهم كاملة.

(3). ولم يكتفي المشرع بصورتي الحماية السابقتين للمال العام في مواجهة تصرفات الأفراد، بل إنه ذهب إلى حد فرض عقوبات جنائية عديدة لمجرد الاعتداء عليه أي على المال العام، حتى ولو كان هذا الاعتداء غير جسيم.
إلا أن هذه الحماية الجنائية لا يجمعها تشريع واحد، ولكنها مبعثرة في قانون العقوبات، وغيره من القوانين، والقرارات اللائحية المختلفة.

(4). وأخيراً يجب القول أن المشرع المصري مد حمايته خارج نطاق أموال الإدارة التي يعتبرها أموالاً عامة، لتشمل أموالها الخاصة، سواء كانت هذه الحماية مدنية، أو جنائية.

8. أكتب في فسخ العقد الإداري.
الفسخ الإداري، أي سلطة الإدارة في وضع حد لوجود العقد الإداري بإرادته المنفردة، من العلامات المميزة للنظام القانوني للعقد الإداري، وتجدر التفرقة بين حالة الفسخ المنصوص عليه، وحالة الفسخ خارج نطاق النصوص.

أولاً: حالة الفسخ المنصوص عليه:
قد يرد النص على حق الإدارة في الفسخ في العقد الإداري ذاته وقد تنص عليه القوانين واللوائح، ذلك أن من المعتاد أن يتضمن العقد الإداري نصاً يعترف للإدارة بحقها في فسخه كجزاء يوقع على المتعاقد معها لعدم قيامه بالوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد، أو لأسباب أخرى لا صلة لها بخطأ المتعاقد، كوفاة هذا الأخير مثلاً، أو فقده لأهليته المدنية أو البدنية، أو اتصاله بجهات أجنبية.

وإن مثل هذا النص كذلك قد يرد في عقود القانون الخاص فهو إذن هذا النص لا يشكل خاصية مميزة للعقود الإدارية. وعلى كل حال يجب التنبيه إلى أن النص على سلطة الإدارة في الفسخ إذا ارتكب الطرف الأخر في العقد مخالفات معينة لا يسلبها حقها اللجوء إلى هذا الإجراء في حالة ارتكاب المتعاقد معها مخالفات أخرى غير تلك التي نص عليها في هذا العقد. كل ذلك يجد تبريره في أن سلطة الإدارة في فسخ العقد لا يجد مصدرها في النص عليها في هذا العقد، وإنما تجد أساسها في طبيعة العقد كعقد إداري يخضع لمبادئ وأحكام مختلفة اختلافاً جوهرياً عن تلك التي تحكم عقود القانون الخاص.

وقد تنص القوانين واللوائح على سلطة الإدارة في فسخ العقد مثلاً تنص على أن يفسخ العقد ويصادر التأمين النهائي في الحالات التالية:-

  1. إذا استعمل المتعاقد الغش أو التلاعب في معاملته مع الجهة المتعاقدة.
  2. إذا ثبت أن المتعاقد قد شرع بنفسه أو بواسطة غيره بطريق مباشر أو غير مباشر في رشوة أحد موظفي الجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون.
  3. إذا أفلس المتعاقد أو أعسر.


كما أن نفس المادة من نفس القانون تقضى بأنه إذا أخل المتعاقد بأي شرط من شروط العقد كان للجهة المتعاقدة الحق في فسخ العقد أو في تنفيذه على حسابه.
كما أن اللائحة التنفيذية للقانون نصت على حق الإدارة في فسخ العقد الإداري إذا توفي المتعهد أو المقاول أو إذا أخل المقاول بأي شرط من شروط العقد، أو أهمل ، أو أخل بأحد التزاماته المقررة، ولم يصلح أثر ذلك خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بكتاب موصى عليه بعلم الوصول بالقيام بإجراء هذا الإصلاح ، أو إذا تأخر المتعهد في توريد كل الكميات المطلوبة، أو جزءً منها في الميعاد المحدد بالعقد.
كما أن تلك الحالات قد وردت على سبيل المثال فقط، لا على سبيل الحصر، لأن للإدارة حقاً أصيلاً في فسخ العقود الإدارية، إذا أخل الطرف الأخر بالتزاماته التعاقدية إخلالاً يستوجب توقيع هذا الجزاء عليه.

ثانيا: الفسخ غير المنصوص عليه:
يسلم مجلس الدولة الفرنسي بحق الإدارة في فسخ العقد الإداري حتى ولو لم ينص على ذلك الحق لا في العقد ولا في نصوص القوانين واللوائح المطبقة على العقود الإدارية، وهو حق ثابت لها حتى ولو لم يرتكب الطرف الأخر في العقد أي خطأ.

وهذه القاعدة تنطبق على جميع العقود الإدارية، عقود الامتياز، عقود الأشغال العامة، عقود التوريد، عقود استغلال جزء من المال العام، عقود العمل لدى الإدارة.

ولقد سلم مجلس الدولة المصري، من ناحيته، لجهة الإدارة بهذا الاختصاص بالنسبة لجميع العقود الإدارية، بل وجعل منه طابعاً مميزاً للعقد الإداري.
إن العقد الإداري يحكمه نظام قانوني يختلف اختلافاً تاماً عن النظام القانوني الذي تخضع له العقود المدنية، ويرجع هذا الاختلاف إلى عدم المساواة بين طرفي العقد الإداري فهما يمثلان مصالح غير متكافئة.. كما أن إضافة محكمة القضاء الإداري بأن العقد الإداري يتميز عن العقد المدني من حيث التنفيذ ومن حيث الآثار المترتبة عليه، فقد تحتفظ الإدارة لنفسها في تنفيذ العقد بامتيازات تخرج على مبدأ المساواة بين المتعاقدين، كأن تشترط لنفسها حق الفسخ دون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء بل ودون خطأ من جانب المتعاقد الآخر، وحق الإدارة في هذا الصدد تتمتع به دون حاجة للنص عليه في العقد.

كما أن للجهة الإدارية الحق في فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب الاسم، وهذه ليست إلا إجراءات تملك توقيعها على المتعاقد معها إذا تخلف عن الوفاء بما يفرضه العقد أو إذا أستعمل المتعاقد الغش أو التلاعب في معلوماته معها، وبما أن توقيع هذه الجزاءات إنما يهدف أساساً إلى حسن تنفيذ العقد المتصل بسير المرفق العام وضمان استمراره وانتظامه تحقيقاً للمصلحة العامة، ومن حق جهة الإدارة توقيعها دون انتظار لحكم من القضاء.

إن المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا تتوازيان في مجال الروابط القانونية التي تنشأ بين الأفراد والإدارة بل يجب أن تعلو المصلحة العامة في مثل هذا الأمر الذي يتعلق أساساً بتسيير مرفق عام وأن تتحول المصلحة الفردية إلى تعويض إذا كان لذلك أساس من القانون.

فسلطة الإدارة في فسخ العقد الإداري- أياً كان نوعه- معترف بها من جانب القضاء ، حتى ولو لم يوجد النص القانوني الذي بها يقررها، وسبب ذلك هو صلة العقد بالمرفق العام، فقد يصبح العقد غير ذي فائدة للمرفق العام، أو لم يعد يحقق الهدف الذي أبرم من أجله.

وبذلك، فإن سلطة الإدارة لا تتمتع بسلطة مطلقة، فاستعمالها لامتياز الفسخ مقيد بهدف تحقيق المصلحة العامة، وذلك تحت رقابة القضاء.

9. أكتب في طرق تعيين الموظف العام في مصر.
إن طرق تعيين الموظف العام في مصر للوظيفة العامة تخضع لقيود قانونية وهما أمرين:-
الأمر الأول : توافر شروط معينة في المرشح للوظيفة العامة
الأمر الثاني : احترام الإدارة مبدأ المساواة أمام الوظائف العامة

شروط التعيين في الوظيفة العامة:
حرصت قوانين الموظفين على تحديد شروط معينة يلزم توافرها للتعيين في الوظيفة العامة، والشروط كالأتي:-

أولاً: الجنسية:
أشترط المشرع المصري ضرورة توافر الجنسية المصرية للتعيين في الوظيفة العامة يتفق على ما تسير عليه التشريعات الحديثة في الوظيفة العامة في مختلف الدول، والتي تعنى بالنص على توافر جنسية الدولة فيمن يعين في وظيفة عامة.

ولعل هذا الشرط له ما يبرره في أن الموظف العام يتصرف باسم الدولة ولحسابها، فهو ممثلها أمام الأفراد، ولذلك يجب أن يحمل جنسيتها حتى يكون ولاؤه كاملاً لها، ويكون جديراً بشرف التحدث باسمها، إضافة إلى ذلك يتمتع الموظف العام، بحكم وظيفته، بالعديد من المزايا العينية والأدبية، ولا شك أن من يحمل جنسية الدولة هو أولى من غيره بالتمتع بذلك.

ولكن المشرع المصري أورد استثناءان على هذا المبدأ:
الاستثناء الأول : ومبعثه الانتماء القومي لمصر إلى أمتها العربية، حيث يجوز تعيين مواطني الدول العربية موظفين عموميين في مصر إذا كانت هذه الدول العربية تعامل الرعايا المصريين بالمثل.
الاستثناء الثاني: مرجعه حالة الضرورة التي تلجئ الإدارة إلى تعيين موظفين أجانب نظراً لحاجتها إلى خبراتهم.

ثانياً: حسن السيرة أو الأهلية الأخلاقية:
عبر المشرع المصري عن هذا الشرط بقوله " أن يكون محمود السيرة حسن السمعة"، وهو شرط له ما يبرره في أن الموظف العام موضع ثقة الدولة، وقبل ذلك وبعده، موضع ثقة أفراد الشعب، مما يحتم أن يكون ذا خلق فاضل.

وكما يلاحظ عبارة " حسن السيرة " عبارة مطاطة لم يحدد لها المشرع عناصر معينة، مما يترك للإدارة سلطة تقديرية واسعة بشأنها، فلها، أي للإدارة أن تقبل – دليلاً على حسن سيرة صاحب الشأن- مجرد شهادة إدارية يوقع عليها اثنان من الموظفين اللذين من المتصور تماماً أنهما يفعلان ذلك مجاملة له بغض النظر عن سيرته الحقيقية، وهو ما دعا البعض إلى أن يؤكد على عدم جدية هذا الشرط.
ومن المؤكد أن ثمة أموراً تتعارض مع حسن السيرة منها ما يأتيه المرشح – لشغل وظيفة عامة – من أفعال تصطدم اصطداماً مباشراً مع الأخلاق المستقرة في المجتمع، كأن يختلي بأجنبية عنه مدة طويلة من الزمن، أو أن يأتي أفراد أسرته أو بعضهم بعلم منه، أعمالاً غير شريفة يتحقق منها دخل غير مشروع يستفيد منه، حيث أن مثل ذلك يؤثر تأثيراً سيئاً على الوظيفة العامة وعلى كرامتها واعتبارها، ويقلل من الثقة فيها وفي شاغلها، وهو الأمر الضار بالمصلحة العامة التي يحرض المشرع على إحاطتها بسياج من الاهتمام الذي لا يمكن أن يتحقق وشاغل الوظيفة على درجة مؤسفة من تدهور الخلق.
ويتعارض مع حسن السمعة ، أيضاً، إذا سبق الحكم على المرشح بعقوبة جناية ، وهي الأشغال الشاقة المؤبدة، أو السجن ، أو بعقوبة مقيدة للحرية ، أي بالحبس في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، إلا إذا رد إلى المحكوم عليه اعتباره، مما يترتب عليه محو أثر العقوبة، أو إذا كان الحكم مشمولاً بوقف التنفيذ، حيث يجوز التعيين بعد موافقة السلطة المختصة.

ومما يتعارض مع حسن السمعة أيضاً إذا سبق وتم فصل المرشح للوظيفة من الخدمة لسبب تأديبي، وهو ما ينطبق على من كان يشعل وظيفة عامة في الماضي ثم فصل منها بالطريق التأديبي بقرار من المحكمة التأديبية المختصة، أو بقرار من مجلس التأديب المختص.
كما يلاحظ ذلك أن الحظر ، في هذه الحالة يزول بعد مضي أربع سنوات من تاريخ الفصل التأديبي.

ثالثاً: اللياقة الطبية:
إن توافر اللياقة الطبية شرط جاء النص عليه بأنه " أن تثبت لياقته الصحية للوظيفة بمعرفة المجلس الطبي المختص، وذلك عدا العاملين المعينين بقرار من رئيس الجمهورية. ويجوز الإعفاء منها بقرار من السلطة المختصة بالتعيين".

ولعل هذا الشرط أي شرط اللياقة الطبية به كثير من المنطق، حيث أن القصد منه التحقق من قدرة الموظف الجسدية على أداء أعباء الوظيفة، وإلى أن المرشح خالي من الأمراض المعدية التي من الممكن نقلها بسهولة إلى زملائه في العمل، وإلى جمهور المتعاملين مع الإدارة العامة.

وكما يلاحظ أن شرط اللياقة الطبية هذا مسألة مرنه ومتغيرة بحسب نوع وطبيعة الوظيفة المزمع شغلها، فاللياقة الطبية المطلوبة في سائق قطار أو عربة، مثلاً ، هي بالدرجة الأولى قوة الإبصار، في حين أن هذا ليس أمراً جوهرياً للتعيين في وظائف التدريس، فقد يعين في وظيفة مدرس من أبتلى بفقد نعمة البصر.

كما إن من يعين بقرار من رئيس الجمهورية في مصر لم يشترط المشرع بشأنهم توافر شرط اللياقة الصحية، وينطبق ذلك على شاغلي الوظائف العليا، وهي وكيل أول ووكيل وزارة ومدير عام.

كما أن للسلطة المختصة بالتعيين في مصر أن تعفي المتقدم أي المرشح لشغل الوظيفة من هذا الشرط حيث أنه، أي هذا الشرط، تقرر لمصلحة الدولة ومن أجل التحقق من القدرة على أداء الوظيفة العامة.

رابعاً : القدرة الفنية:
يندرج تحت القدرة الفنية على تحمل أعباء الوظيفة ما يتطلبه المشرع من توافر سن معينة في المرشح لشغل الوظيفة العامة، حيث أن الوظيفة العامة تتطلب شعوراً بالمسئولية لا يتوافر في صغار السن، إضافة إلى أن الوظيفة العامة قد تلقى على عاتق الشخص أعباء لا يستطيع القيام بها إلا إذا كانت لديه خبرة في الحياة، وهو أمر لا يتأتى ولا يتحقق إلا عند بلوغه سن معينة.

هذا، وقد حدد المشرع المصري سن ستة عشر عاماً كحد أدنى لشغل الوظيفة العامة، وهي سن أقل مما يجب لشغل وظائف تخصصية ، كالطب والهندسة والمحاماة.. التي يستلزم التأهيل لها الحصول على درجة علمية جامعية، وهو أمر لا يمكن الحصول عليه في سن السادسة عشرة.

ولذلك، فإن تطبيق هذه السن أي سن السادسة عشرة مقصور فقط على الوظائف الحرفية، ووظائف الخدمات المعاونة، كالسعادة مثلاً أي مساعد فني وغير ذلك.

10. أكتب في حداثة نشأة القانون الإداري.
أولاً : القانون الإداري قبل إنشاء مجلس الدولة:
لا محل للحديث عن قانون إداري بمعناه الضيق أو بمعناه الواسع في مصر في الفترة السابقة أي قبل إنشاء المحاكم المختلطة والوطنية، ذلك أن مبدأ المشروعية نفسه كان متخلفاً، فلا فصل بين السلطات، ولا خضوع للإدارة لقواعد تسمو عليها وتقيدها حيث كانت، أي الإدارة، مصدر القانون، وتجمع في نفس الوقت بين يديها سلطة القضاء.

لكن مع إنشاء المحاكم المختلطة لتفصل في المنازعات المدنية والجنائية التي يوجد فيها عنصر أجنبي، والمحاكم الأهلية التي أطلق عليها أسم المحاكم الوطنية، قام نظام قضائي في مصر كفل في ظله حق التقاضي، حيث مثلت هذه المحاكم، بنوعيها المحاكم المختلطة والمحاكم الوطنية، سلطة قضائية مستقلة ومنفصلة عن السلطة الإدارية.

ومن هنا ثار التساؤل عن وجود، أو عدم وجود قانون إداري في مصر.

ذهب فريق من الفقه إلى القول بوجود قانون إداري في الفترة التالية لإنشاء المحاكم المختلطة والأهلية، وحتى إنشاء مجلس الدولة المصري، مستندين في ذلك إلى نصوص الدستور والتشريعات القائمة آنذاك، وأيضاً إلى أحكام القضاء.

فدستور سنة (1923) قرر مبدأ الفصل بين السلطات، وجاء بالمادة 44 من هذا الدستور النص على اختصاص السلطة التنفيذية بترتيب المرافق العامة وتنظيم شئون الموظفين العموميين، فقد قررت هذه المادة صراحة أن " الملك يرتب المصالح العامة ويولي ويعزل الموظفين على الوجه المبين بالقوانين".

كما أن من ذات الدستور أشار صراحةً إلى وجود القانون العام المصري، حيث ورد به " تعتبر المديريات والمدن والقرى فيما يختص بمباشرة حقوقها أشخاصاً معنوية وفقاً للقانون العام بالشروط التي يقررها القانون.
إضافة إلى ذلك، تضمنت القوانين المنشئة للمحاكم المختلطة والأهلية نواة لبعض أحكام القانون الإداري.

فعند إنشاء المحاكم المختلطة نصت المادة 11 من اللائحة الصادرة بترتيبها على أنه " ليس لهذه المحاكم أن تحكم في أملاك الحكومة من حيث الملكية، ولا تؤول معنى أمر يتعلق بالإدارة ولا أن توقف تنفيذه. إنما يجوز لها في الأحوال المنصوص عليها في القانون المدني أن تحكم في الاعتداءات التي تنشأ عن إجراءات إدارية تقع على حق مكتسب لأحد الأجانب".

وبعد إلغاء الامتيازات، جاءت لائحة التنظيم القضائي الجديدة مقررة أنه " ليس للمحاكم المختلطة، أن تنظر بطريقة مباشرة ، أو غير مباشرة في أعمال السيادة. وليس لها أن تنظر في صحة تطبيق القوانين واللوائح المصرية على الأجانب ولا يجوز لها كذلك أن تفصل في ملكية الأموال العامة. على أن تلك المحاكم دون أن يكون لها تأويل عمل إداري أو إيقاف تنفيذه وتختص المحاكم المختلطة في التالي:-
1. تختص في الدعاوي المدنية والتجارية بكل المنازعات – في شأن عقار أو منقول – التي تقع بين الأجانب والحكومة.
2. تختص بدعاوي المسئولية المدنية المرفوعة من الأجانب على الحكومة بسبب إجراءات إدارية وقعت مخالفة للقوانين واللوائح.

وبعد التعديل في اللائحة نص المشرع صراحة على استبعاد أعمال السيادة من رقابة القضاء.
وجاء بالمادة 11 من لائحة ترتيب المحاكم الوطنية النص على أنه " ليس لهذه المحاكم أن تحكم فيما يتعلق بالأملاك الأميرية، من حيث الملكية، ولا أن تؤول معنى أمر يتعلق بالإدارة، ولا أن توقف تنفيذه ، إنما تختص بالحكم في المواد الآتية:-

أولاً: كافة الدعاوي المدنية والتجارية الواقعة بين الأهالي والحكومة في شأن منقولات أو عقارات.
ثانياً: كافة الدعاوي التي ترفع على الحكومة بطلب تضمينات ناشئة عن إجراءات إدارية تقع مخالفة للقوانين أو الأوامر العالية".

ويتضح من هذه النصوص، المتعلقة بالتنظيم القضائي بالدولة آنذاك، أنها تقرر مبدأين هامين فيما يتعلق بالقضاء العادي:-
الأمر الأول : ويخلص في منع المحاكم من التعرض لأعمال السيادة، وأيضاً منعها من تأويل أي عمل إداري أو إيقاف تنفيذه.

الأمر الثاني : تقرير مسئولية الإدارة عن أعمالها غير المشروعة الصادرة بالمخالفة للقوانين واللوائح ، وذلك بإسناد الاختصاص إلى هذه المحاكم بالحكم في التعويض عن تلك الأعمال حين تلحق ضرراً بالأفراد.

وأخيراً استندوا أصحاب الرأي القائل بوجود قانون إداري، في هذه الفترة، إلى بعض أحكام المحاكم الوطنية منها والمختلطة التي تذهب إلى ضرورة وجود مبادئ قانونية معينة تختص بالقانون العام وتختلف عن القواعد المقررة في القانون الخاص.

إن هذه الوجهة من النظر لم تحظ بموافقة أجماعية عن الباحثين في القانون الإداري، حيث ذهب فريق أخر من الفقه إلى إنكار وجود القانون إداري بمعناه الضيق في الفترة السابقة على إنشاء مجلس الدولة، وإن كان وجود قانون إداري بمعناه الواسع أمراً مسلماً به، ذلك أن الجانب التنظيمي – أو الوصفي للقانون الإداري- يتحقق في كل دولة متحضرة.

أما عن القانون الإداري بمعناه الضيق – فلا يمكن التسليم بوجوده استنادا إلى بعض أحكام قررت الأخذ بمبدأ أو نظرية من نظريات القانون العام، بل يجب تحديد الأحكام والمبادئ التي يخضع لها النشاط الإداري في مجموعه.

وهنا، يمكن القول بان القضاء العادي ، على الرغم من إقراره لبعض مبادئ القانون الإداري بمعناه الضيق، إلا أنه لم يكن يستطيع التحرر من أحكام القانون المدني، فلا تفرقة بين العقود الإدارية والعقود المدنية – وما ترتب على الطائفة الأولى من نتائج – مما جعله يمتنع عن تطبيق نظرية الظروف الطارئة في عقود التوريد الإدارية، ولا يعترف بسلطة الإدارة في تعديل أحكام عقد امتياز المرفق العام بإرادتها المنفردة.

والمسئولية الإدارية كان لها نفس أسس المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، ولم تذهب المحاكم العادية مذهب القضاء الإداري الفرنسي الذي أبتدع قواعد خاصة تحكم المسئولية الإدارية.
وكانت القواعد المطبقة على أموال الإدارة هي ذا ت الأحكام التي تضمنتها المجموعة المدنية.

فالأصل، إذن، هو تطبيق أحكام القانون المدني على منازعات الإدارة وكان ذلك أمراً ملزماً للقاضي المصري ولم يكن مسألة اختيارية له، أما الحالات الاستثنائية التي كانت تستند فيها المحاكم إلى مبادئ القانون الإداري المطبقة في فرنسا، فقد كانت محدودة جداً، ولم يجد لها القاضي العادي حكماً المجموعة المدنية، ومن هنا كان لزاماً عليه، وإلا كان مرتكباً لجريمة إنكار العدالة، الاستعانة بمبادئ القانون الإداري للفصل فيها.

وبعبارة أخرى، ما كان القاضي المدني ليخرج على أحكام القانون المدني في حل المنازعات الإدارية إلا استثناءً وبحكم الضرورة التي تحتم عليه الحكم فيما يعرض عليه من منازعات.
ولذلك صح تسمية هذه المرحلة، على حد تعبير بعض الفقه، بأنها " مرحلة القانون الخاص".

11. أكتب في التعريف بالموظف العام.
أولاً : التعريف بالموظف العام:

من المثير للانتباه أن المشرع المصري، مثله في ذلك مثل نظيره الفرنسي واللبناني، لم يضع في أي من قوانين الموظفين العموميين المتعاقبة تعريفاً عاماً جامعاً مانعاً للموظف العام، وإنما أكتفت قوانين التوظيف بتحديد الموظفين الخاضعين لأحكامها فقط.

ففي مصر، يكتفي قانون العاملين (قانون العمل) المدنيين بالدولة الحالي، كغيره من القوانين السابقة بتحديد المخاطبين بأحكامه.
وجاءت المادة الأولى من قانون العاملين المدنيين مقررة " يعتبر عاملاً في تطبيق أحكام هذا القانون كل من يعين في إحدى الوظائف المبينة بموازنة كل وحدة.

وهناك طوائف عديدة من الموظفين العموميين غير خاضعين لأحكام هذا القانون أي قانون العاملين المدنيين ومنهم:-

  1. رجال القضاء العادي الذين يخضعون لقانون السلطة القضائية.
  2. أعضاء مجلس الدولة ويخضعون لقانون مجلس الدولة.
  3. أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ويخضعون لقانون خاص بهم.
  4. أعضاء هيئة الشرطة ويخضعون لنظام قانوني خاص
  5. المأذون ويخضعون لتنظيم مستقل عن قانون العاملين المدنيين بالدولة.


وبالتالي، من غير الممكن والمقبول اعتماد التحديد الذي جاء به قانون العاملين المدنيين كمعيار للموظف العام، مما جعل ضرورياً البحث عن تعريف لهذا الموظف العام، بغض النظر عن خضوعه للقانون العام للوظيفة العامة، أو النظم الخاصة.

إن في فرنسا، يكاد الإجماع ينعقد بين الباحثين على ضرورة توافر عناصر ثلاثة لتحقق صفة الموظف العام، وهي:-
- تولية العامل وظيفة دائمة يشغلها بصفة دائمة
- الدخول في تدرج إداري بواسطة التثبيت الذي يؤدي إلى جعله حائزاً لدرجة، المساهمة في مرفق عام.

أما في مصر فقد تولت المحكمة الإدارية العليا، صاحبة الاختصاص الأساسي في تأصيل أحكام قواعد القانون الإداري، ووضع تعريف للموظف العام في مصر ، وقد أستقر قضاؤها – في هذا الشأن – على أن الموظف العام " هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام، تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق، ومن ثم يشترط لاعتبار الشخص موظفاً عاماً توافر شرطين :
الشرط الأول : أن يكون قائماً بعمل دائم
الشرط الثاني : والعمل في خدمة مرفق عام ، وأن يتم إسناد الوظيفة إلى الشخص بالأداة القانونية السليمة.

12. تكلم عن التفرقة بين العمل الإداري والعمل التشريعي. (مهم جداً)
العمل الإداري والعمل التشريعي
من الممكن إجراء التفرقة بين العمل الإداري والعمل التشريعي وفق المعيار الشكلي، أو المعيار الموضوعي.
أولاً : طبقاً للمعيار الشكلي:
يمكن تعريف العمل التشريعي بأنه ذلك العمل الصادر عن البرلمان بالمعنى الواسع الذي يشمل ليس فقط مجلس الشعب بوصفه الهيئة التي تقر القانون، ولكن أيضاً مكاتب المجلس وإداراته المختلفة واللجان التي يشكلها، أما العمل الإداري ، فإنه يعرف بأنه ذلك العمل الصادر عن السلطة الإدارية، كل ذلك بصرف النظر عن مضمون العمل أو الإجراء ذاته، فقد يتحد أو يتشابه موضوع قرارين معينين، ومع ذلك، يكون أحدهما تشريعياً، والأخر إدارياً تبعاً لاختلاف السلطة المصدرة لأحدهما عن السلطة المصدرة للأخر.

وعلى ذلك يعتبر عملاً إدارياً كل عمل صادر عن سلطة إدارية أياً كان مضمونه وفحواه، أي سواءً كان متضمناً لقاعدة قانونية عامة كاللائحة، أو كان متوجهاً بالخطاب إلى فرد معين بذاته وباسمه، كالقرار الإداري..

كما إننا نكون أمام عمل تشريعي إذا صدر الإجراء عن السلطة التشريعية، بصرف النظر عما إذا كان متضمناً لقواعد عامة ومجردة كالقوانين التي تنظم المركز القانوني للعاملين بالدولة وبالقطاع العام، أم كان متعلقاً بحالة فردية كالقانون الذي يجيز عقد القروض العامة، وكقانون الميزانية.

ثانياً: طبقاً للمعيار الموضوعي:
أما استخدام المعيار الموضوعي في هذا المجال، فإنه يؤدي إلى نتائج عكسية لتلك التي يرتبها الأخذ بالمعيار العضوي.

ذلك أنه طبقاً للمعيار الموضوعي، يعرف العمل التشريعي بأنه ذلك العمل الذي يتضمن قاعدة عامة ومجردة، بغض النظر عن صفة الهيئة التي تصدره، والشكل والإجراءات التي تتبع في إصداره، وهكذا، ليست كل الأعمال الصادرة عن البرلمان معتبرة أعمالاً تشريعية، فهذا التعبير – أي العمل التشريعي – يعين فقط تلك القوانين التي تتضمن قواعد عامة ومجردة دون غيرها التي تنظم حالة فردية معينة بذاتها، كما أنه ينطبق على اللوائح برغم أنها تصدر عن السلطة التنفيذية. باختصار العمل التشريعي يشمل القوانين المشرعة واللوائح.

أما العمل الإداري، فهو كل عمل لا يتضمن قاعدة عامة ومجردة بغض النظر عن مصدره، ولذلك، فالقانون الصادر بالموافقة على الميزانية مثلاً، يعتبر طبقاً للمعيار الموضوعي ، عملاً إدارياً برغم أنه صادر عن البرلمان مثله في ذلك مثل أي قرار صادر عن السلطة الإدارية بتعيين موظف عام مثلاً ، أو أي قرار إداري فردي أخر.

إن المعيار المعتمد في الأغلب الأعم هو المعيار الشكلي المبني على صفة القائم بالعمل القانوني، والعمل التشريعي بمنأى عن الإلغاء وأما العمل الإداري فقابل للإلغاء.
وإن محكمة القضاء الإداري في مصر تأخذ بالمعيار الشكلي : فصدور قرار من السلطة التنفيذية أياً كانت طبيعته يجعله قابلاً للطعن بالإلغاء كأي قرار إداري.
وإن محكمة القضاء الإداري أقرت بأن " السلطة التشريعية هي التي تقوم أصلاً بالأعمال التشريعية أي بإصدار القوانين باعتبارها قواعد عامة مجردة، كما أن السلطة التنفيذية هي التي تقوم أصلاً بتطبيق وتنفيذ هذه القوانين، وذلك بإصدار قرارات في شأن الأفراد والحالات التي توافرت لها شروط تلك القواعد العامة المجردة.
كما يجوز الخروج على هذين الأصلين بنص دستوري على نحواً جرى به الدستور الملغي حيث أباح للسلطة التنفيذية التشريع في بعض الأحيان... كما أعطى السلطة التشريعية حق إتيان أعمال إدارية بعضها يصدر في صورة قانون كاعتماد ميزانية الدولة وقانون العفو الشامل وقيام الأحكام العرفية.

وتضيف محكمة القضاء الإداري إن الأعمال الإدارية التي يصدرها البرلمان في صورة قوانين ومنها قانون ربط الميزانية فترى المحكمة الأخذ بالرأي الذي أخذ بالمعيار الشكلي، ومقتضى ذلك أن يكون لقانون ربط الميزانية حصانات القوانين العادية ومن ثم لا يقبل الطعن فيها وطلب إلغائها لعيب مجاوزة السلطة أو الانحراف بها: أما الأعمال الصادرة من السلطة التنفيذية ولو كانت في مقام التشريع كاللوائح وغيرها فإنها تخضع لرقابة القضاء. وتكون رقابته عليها من حيث الموضوع هي عين رقابته على سائر القرارات الإدارية، ويقبل الطعن عليها بجميع الطعون.

وفي فرنسا، أخذ أيضاً بالمعيار الشكلي لتمييز بين الأعمال التشريعية عن الأعمال الإدارية، فبصدد تحديد الأعمال التي يجوز فيها الطعن بالإلغاء أمام مجلس الدولة، ينص القانون على أنها تلك الأعمال الصادرة عن السلطات الإدارية المختلفة، أي أن القرار يكون ذا طابع إداري إذا صدر عن أحدى السلطات الإدارية حتى ولو تضمن قاعدة عامة ومجردة، أو صدر منها بناء على تفويض تشريعي طالما أن البرلمان لم يوافق عليه، أو صدر بناء على دعوة البرلمان للسلطة التنفيذية.

ومع ذلك، يجب القول بأن استخدام المعيار الشكلي في هذا المجال ليس مطلقاً، فقد أخذ القضاء في حالات استثنائية بالمعيار الموضوعي.

وهكذا، اعترفت محكمة التنازع لمحاكم القضاء العادي بالحق في تفسير اللوائح – هي تلك القرارات التي تتضمن قواعد عامة مجردة دون القرارات غير اللائحية – وذلك لأن اللوائح تشبه القوانين من الناحية الموضوعية، أي إنها أعمال تشريعية من حيث موضوعها ومحتواها، وبما أن للمحاكم سلطة تفسير القوانين المشرعة الصادرة عن البرلمان، فإن من المنطقي أن تمارس نفس الاختصاص بصدد القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية، والمتضمنة لقواعد عامة ومجردة.

ومن جهة أخرى، رفضت المحاكم، في الفترة التي كانت تقر فيها بمبدأ عدم مسئولية الدولة المطلقة عن الأضرار التي تسببها القوانين ، القضاء بالتعويض عن الأضرار التي تسببها اللوائح ، لتشابهها من الناحية الموضوعية مع القوانين.

وأخيراً، طبق القضاء المعيار الموضوعي لإضفاء صفة القرار الإداري على بعض الأعمال الصادرة عن البرلمان بشأن الموظفين العاملين به، كقرارات التعيين والترقية ، والتأديب، والإحالة للمعاش أي للتقاعد.

13. أكتب في المعيار المميز للعقد الإداري.
المعيار المميز للعقد الإداري :
إن العقود التي تبرمها أشخاص القانون العام مع الأفراد بمناسبة ممارستها لنشاطها في إدارة المرافق العامة وتسييرها ليست سواء فمن هذه العقود ما يعد بطبيعته عقوداً إدارية تأخذ فيها الإدارة بوسائل القانون العام بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بمثلها المتعاقد معها وقد تنزل منزلة الأفراد في تعاقدهم فتبرم عقوداً مدنية تستعين فيها بوسائل القانون الخاص ويكون الاختصاص بالفصل في المنازعات المتعلقة بها للقضاء العادي مثلها في ذلك مثل عقود الأفراد.

أولاً: طرفا العقد:
أستقر القضاء في مصر وفي فرنسا على أن وجود شخص عام كطرف في العقد شرط ضروري لكي يتصف هذا العقد بصفة العقد الإداري. وأشخاص القانون العام في نظر القضاء هي الدولة التي تمثلها الوزارات والإدارات والمصالح المركزية التابعة لها، والأشخاص العامة الإقليمية : محافظات، مدن ، قرى، والأشخاص العامة الأخرى ، هيئات عامة، ومؤسسات عامة ، ونقابات المهن، والغرف التجارية.

كما أن المشروعات العامة التي ترتدي ثوب الشركة وتبرم عقوداً من أشخاص القانون الخاص فهذه المشروعات لا تعتبر من أشخاص القانون العام ولذلك تعتبر من حيث المبدأ العقود التي تبرمها عقودا من عقود القانون الخاص.

كما أنه لا يصح الاعتقاد بأن وجود شخص عام- كطرف في العقد – يمثل ضرورة حيوية ومطلقة لكي يتصف هذا العقد بصفة العقد الإداري، فمن الممكن أن يتصف عقد معين بوصف العقد الإداري حتى ولو تم أبرام هذا العقد شخصين من أشخاص القانون الخاص ، ويتحقق ذلك إذا قرر المشرع بصدد بعض العقود بنصوص خاصة خضوع المنازعات المتعلقة بها لاختصاص القضاء الإداري الذي يفصل فيها طبقاً لقواعد القانون العام.

فتوجد طائفة من العقود يطلق عليها الفقه الفرنسي تسمية " العقود الإدارية بنص القانون " وهي عبارة عن عقود تشكل استثناءً على القاعدة التي تقضي بضرورة وجود شخص عام كطرف في العقد لكي يتصف هذا العقد بوصف العقد الإداري.

كما أن هناك استثناءً أخر ورد على هذه القاعدة التي تقضي بوجود شخص عام حتى يكون العقد عقداً إدارياً وهذا الاستثناء تم طرحه في المحكمة الفرنسية بأن " هل العقد الذي أبرم بين شركتين من شركات القانون الخاص وموضوعه إنشاء أحد الطرق السريعة يعتبر عقداً إدارياً أم عقداً من عقود القانون الخاص .
وأجابت المحكمة على هذا السؤال بأن هذا العقد يعتبر عقد إداري، بحجة أن إنشاء الطرق السريعة له طابع الأشغال العامة، وهي من الأعمال التي تحتم طبيعتها قيام الدولة بها، أي أن طبيعة موضوع العقد هي التي فرضت صفته الإدارية

وأخيراً، إن العقد الذي أبرم بين شخصين من أشخاص القانون الخاص يمكن أن يكون عقداً إدارياً بالتطبيق لفكرة النيابة، بمعنى أن يكون أحد هذين الشخصين قد أبرم العقد ليس لحسابه الخاص، وإنما باسم ولحساب شخص معنوي عام، وقالت المحكمة الإدارية العليا " أنه ولئن كان من البديهي أن العقد الذي لا تكون الإدارة أحد أطرافه لا يجوز بحال أن يعتبر من العقود الإدارية وذلك أن قواعد القانون العام إنما وضعت لتحكم نشاط الإدارة لا نشاط الأفراد والهيئات الخاصة، إلا أنه من المقرر أنه متى استبان أن تعاقد الفرد أو الهيئة الخاصة إنما هو في الحقيقة لحساب الإدارة ومصلحتها، فإن هذا التعاقد يكتسب صفة العقد الإداري إذا توافرت فيه العناصر الأخرى التي يقوم عليها معيار تمييز العقد الإداري.

ثانياً: صلة العقد بمرفق عام:
من المسلم به- في القضاء المصري والفرنسي – أن صلة موضوع العقد بمرفق عام من الشروط الأساسية لوصفه بالصفة الإدارية.
وأوضاع اتصال العقد بالمرفق العام متعددة، فمن الممكن أن يتناول موضوع العقد المرفق العام من ناحية تنظيمه ، أو تسييره، أو إدارته، أو استغلاله، أو المعاونة، أو المساهمة فيه.

فمناط العقد الإداري هو أن يتصل بنشاط المرفق العام، من حيث تنظيمه ، وتسييره ، بغية تحقيق أغراضه، وتحقيق احتياجاته، مراعاةً لوجه المصلحة العامة.

فمن العقود الإدارية، كعقود الامتياز والأشغال العامة، ما يتعلق بتنظيم المرفق العام أو استغلاله، ومنها ما يتصل بالمعاونة في تسييره، كعقود التوريد، وعقود المساهمة في مشروع ذي نفع عام، وعقود الالتزام بالدراسة وخدمة الحكومة.

ثالثاً: محتوى العقد:
يجب أخيراً، أن يحتوي العقد على شروط استثنائية وغير مألوفة في عقود القانون الخاص، لكي يتصف العقد بوصف العقد الإداري.
وفي ذلك تقول محكمة القضاء الإداري العليا، " من المسلم به أن العقد الإداري يتميز باحتوائه على شروط غير مألوفة في العقود المدنية، الغرض منها ضمان حسن سير المرافق العامة ومن ثم فإن البند الذي يخول الإدارة الحق في توقيع العقوبات على المخالف جائز قانوناً والقول أنه يطلق يد الإدارة في توقيع الغرامة التي تقدرها بلا قيد من حيث مقدارها ... مردود بأن استعمال الإدارة حقها المخول لها في هذا البند من حيث فرض الغرامة على المخالف، خاضع لرقابة القضاء الإداري للتحقق من أنه غير مشوب بالتعسف.

وتشير محكمة القضاء الإداري العليا في حكمها الصادران العقد تضمن شروطاً استثنائية هي:-

  1. النص على حق الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي في توقيع غرامة يومية قدرها جنيه عند الإخلال بأي شرط من شروط العقد.
  2. النص على حق جهة الإدارة وهي الهيئة المشار إليها – المطلق في فسخ العقد إذا أخل المورد بأي شرط من الشروط.
  3. استقلال الإدارة المتعاقدة بوضع شروط العقد.


فوجود هذه الشروط غير المألوفة في عقود الأفراد، يكشف عن نية الإدارة في استعمال وسائل القانون العام بما تضمنه من امتيازات خارقة للشريعة العامة.

وليس ضرورياً أن يتضمن العقد مجموعة من الشروط غير المألوفة، بل يكفي وجود شرط واحد فقط من هذه الشروط في العقد الذي تبرمه الإدارة مع أحد الأفراد لكي يتصف هذا العقد بالوصف الإداري، وكأن ينص العقد، مثلاً، على حق جهة الإدارة في التنفيذ على حساب المتعاقد المقصر وتوقيع الجزاء عليه دون الرجوع إلى القضاء، أو الشرط الذي يقضي بإلزام المتعاقد مع الإدارة – في عقود التعليم- بالخدمة لفترة معينة، وإلا دفع نفقات الدراسة بالكامل.

كما أنه لا يشترط أن ينص العقد نفسه على الشرط غير المألوف بل يكفي أن تكون هذه الشروط منصوصاً عليها في قانون أو في لائحة، شريطة أن يحيل العقد إلى هذه النصوص.
والقاعدة تقضي بضرورة احتواء العقد على شروط استثنائية أو إحالته إلى نص يتضمن مثل هذه الشروط ذات طابع مطلق ولا تحتمل أي استثناء فهذه أحكام مجلس الدولة المصري والعقد الإداري يجب حتماً أن يتضمن مثل هذه الشروط.

إنه من الضروري أن يتوافر الشرطان الخاصان بصلة العقد بالمرفق العام وتضمنه لشروط استثنائية خارقة للشريعة العامة لكي يكون هذا العقد المبرم بين جهة الإدارة وأحد الأفراد عقداً إدارياً هذا ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري المصري ولو تخلف أحد هذين الشرطين لما جاز وصف العقد بصفة العقد الإداري.

14. أكتب في حدود سلطة الضبط الإداري في أحكام القضاء الإداري الفرنسي والمصري.
حدود سلطة الضبط الإداري
إن استخدام الإدارة لسلطة الضبط الإداري يعد أقوى مظاهر السلطة العامة وأكثرها تقييداً لحريات الأفراد، ومع غيبة وعدم وجود القيود والضوابط ذات المصدر التشريعي التي يتحتم على الإدارة مراعاتها، تدخل القضاء الإداري، بما لديه من سلطة منشئة وخلاقة، لسد هذه الثغرة حمايةً لحقوق الأفراد وحرياتهم، وهو ما فعله مجلس الدولة في كل من فرنسا ومصر.

أولاً : حدود سلطة الضبط الإداري الفرنسي.
لم يعترف مجلس الدولة الفرنسي للإدارة العامة بسلطات بلا حدود أثناء استخدامها لأساليب الضبط الإداري، ولذلك وضع العديد من الضوابط التي تحد وتضيق من سلطاتها في هذا الشأن:

(1) وأول ما يلاحظ في هذا الشأن التفرقة التي أستقر عليها القضاء الإداري الفرنسي بين ما يعتبر حرية عامة حقيقية يحميها ويكفل ممارستها المشرع، وبين ما يعتبر مجرد رخصة متروكة للأفراد بتسامح من الإدارة.
ولقد اتضحت هذه التفرقة بمناسبة المواكب الدينية التي تتم في الطرق العامة. فإذا كان الموكب الديني تقليدياً أستقر منذ وقت طويل، فإن مجلس الدولة ينظر إليه باعتباره مظهراً من مظاهر التمتع بإحدى الحريات العامة، ألا وهي حرية ممارسة الشعائر الدينية.

لكن لو كان الموكب الديني غير تقليدي ومستحدث أي حديث العهد، فلا يرى فيه المجلس مظهراً لحرية عامة، وإنما الأمر يتصل بمجرد رخصة يتمتع بها الأفراد.

وعلى ذلك، إذا أرادت الإدارة المتمثلة في رئيس المجلس البلدي تنظيم كلا الأمرين بإجراءات الضبط الإداري، فإن سلطتها تختلف إزاء كل منهما أي إزاء كل موكب تقليدي أو مستحدث.

ففي الحالة الأولى يقر مجلس الدولة أن الإدارة لا تستطيع منع الموكب إلا إذا كان ثمة تهديد بوقوع اضطرابات جدية ومحددة المعالم، أما في الحالة الثانية، فإن الإدارة تستطيع أن تصدر أمراً يمنع الموكب بكل بساطة متذرعة في ذلك بازدحام الطريق العام.

وفي داخل الحريات العامة نفسها، يجري مجلس الدولة تفرقة – بينها أساسها- التنظيم التشريعي الصادر عن البرلمان.
فبالنسبة للحريات العامة الأخرى، فإن المشرع قد كفلها بشكل قوي وفعال، ومنها على سبيل المثال حرية الاجتماع أي عقد اجتماع عام.
بل إن مجلس الدولة الفرنسي ذهب في حمايته للحريات العامة إلى الحد الذي جعله يقيم قرينة قضائية لصالح الأفراد ضد الإدارة.

فمجلس الدولة الفرنسي يقرر مثلاً أن المواكب الدينية التقليدية والجنازات يفترض فيها أنها لا تعكر السكينة العامة، ومن ثم ليس على الأفراد أن يثبتوا شيئاً حيث أن عبء إثبات العكس أنتقل ووضع على عاتق الإدارة مباشرة، وهذا المسلك، أي نقل عبء الإثبات على عاتق الإدارة، يعد تيسيراً هاماً للأفراد في مجال دعوى الإلغاء.

أما الضوابط الثانية التي وضعها مجلس الدولة الفرنسي على سلطة الضبط الإداري يكمن في أن أسلوب المنع أو الحظر المطلق للنشاط الفردي غير جائز حيث أن هذا الأسلوب يعني، بداهة، إلغاء الحرية ذاتها، في حين أن سلطة الضبط الإداري تختص بتنظيم هذه الحرية وليس بمصادرتها.

كما أن وجود خطر يسير على النظام العام لا يبرر تكبيل الحريات العامة بقيود خطيرة.

ثانياً: حدود سلطة الضبط الإداري المصري
لقد حذا مجلس الدولة المصري حذو نظيره الفرنسي في وضع القيود على سلطة الضبط الإداري.

(أ#) فمجلس الدولة المصري يقر للإدارة بسلطة تنظيم الحريات العامة لا يمنع ممارستها، أو بعبارة أخرى ، ليس للإدارة أن تحظر ممارسة نشاط فردي بصورة مطلقة، حيث أن ذلك يتضمن مصادرة للحرية ذاتها.
(ب#) كما يشترط القضاء المصري، لشرعية إجراء الضبط الإداري، أن يكون ضرورياً ومتناسباً مع الحالة التي يريد أو يرغب في معالجتها.
وعلى ذلك لا يجوز صدور قرار بإلغاء صحيفة إلا إذا كان هذا الإجراء هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة خطر داهم ، وأن لا يزيد على ما تقضي به الضرورة." فإذا لم يكن هناك خطر مفاجئ يقتضي بإلغاء الجريدة فوراً، بل إن المحكمة أفسحت من صدرها للجريدة، ثم أبلغت أمرها إلى النيابة العامة، ثم لجأت النيابة إلى المحكمة فاستصدرت قراراً بتعطيلها ولم تجاوز مدة التعطيل أسبوعاً واحداً، ثم قدمت النيابة رئيس التحرير لمحكمة الجنايات، ولا شيء من هذه التصرفات يتم عن الخطر الداهم الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بالإلغاء الفوري، وبخاصة بعد أن التجأت الحكومة إلى القضاء وأصبح واجباً عليها أن تتربص وتنتظر حتى يقول القضاء كلمته أي محكمة القضاء الإداري.

وإن سلطة الضبط الإداري تتسع وذلك بناء على سند تشريعي في حالة الطوارئ، وهي الحالة التي تعلن طبقاً للدستور.

15. أكتب في الاتجاهات الفقهية في التعريف بالمال العام.
الاتجاهات الفقهية في التعريف بالمال العام:
تشعبت وتعددت آراء الباحثين عند الإجابة على هذا السؤال، ومع ذلك يمكن ردها إلى اتجاهات ثلاثة وهي كالتالي:-

(1) الاتجاه الأول : ويذهب إلى أن المال يكون مخصصاً لمنفعة عامة حينما يكون المال مخصصاً بطبيعته للاستعمال المباشر للجمهور ومثلا ذلك الطرق العامة، والميادين، والحدائق العامة.

يؤخذ على هذا المعيار أنه يضيق بشدة من مفهوم المال العام، حيث أن العديد من الأموال العامة- بإتفاق- لا يستعملها الجمهور مباشرة، كالمباني الحكومية، والحصون، والقلاع العسكرية. بل أنه بالنسبة للقلاع العسكرية لا يسمح للغالبية العظمى من الجمهور بارتيادها.

أما القول بأن المال العام مخصص " بطبيعته " لاستعمال الجمهور فيقصد به عدم قابليته للتملك من قبل الأفراد، وهذا أيضاً غير صحيح، حيث أن الطرق والقنوات – وهي ، في حكم المعيار المذكور، أموال عامة بلا جدال – تقبل بلا شك الملكية الفردية، فهناك العديد من الطرق الخاصة، والقنوات المائية الخاصة التي أنشأها الملاك في أملاكهم الخاصة، وعلى كل حال، إن جزءاً كبيراً من الأموال العامة لا يتنافى ، بطبيعته ، مع الملكية الخاصة للأفراد.

(2) الاتجاه الثاني : ودافع عنه أنصار مدرسة المرفق العام كمعيار مميز للقانون الإداري – يعني أن المال يكون عاماً، حينما يكون مخصصاً لخدمة مرفق عام.

إلا أن هذا المعيار يرد عليه تحفظان أساسيان هما:
الأول : هو شديد الضيق، حيث يخرج من دائرة الأموال العامة تلك الأموال المخصصة للاستخدام والاستعمال المباشر للجمهور كالطرق ، والكباري ، والميادين العامة.

ثانياً: هو شديد الاتساع، ذلك أنه وإن كان هذا المعيار يؤدي إلى الاعتراف بصفة المال العام للمباني المخصصة للمرافق العامة، إلا أنه – ومن هذه الزاوية – شديد الأتساع، لأنه يدخل في دائرة المال العام أشياء على قدر كبير من تفاهة الأهمية : كالمحابر ، وورق النشاف وأقلام الرصاص المخصصة لخدمة مرفق عام. فليس من المعقول أن تطبق على هذه الأشياء صور الحماية القانونية – من جنائية، ومدنية – التي يضفيها المشرع على المال العام.

ولذلك فقد حاولوا أنصار هذا الاتجاه تفادي هذه الانتقادات ، بإدخال بعض التعديلات عليه: فمن قال بأن المال العام يوصف بأنه مال عام إذا خصص لمرفق عام ، شريطة أن يكون له دور رئيسي في سير هذا المرفق، وتطبيقاً لذلك، قيل إن الطرق والقنوات تعتبر أموالاً عامة بعكس المدارس، والثكنات العسكرية ودور المحاكم ، حيث أن الدور الرئيسي – في مرفق التعليم ، ومرفق الدفاع ، ومرفق القضاء – يقوم به المدرس والجندي والقاضي.

إلا أن هذا القول لا يمكن التسليم به، ولقد تمت الإساءة في الواقع باختيار المثال، فالمدارس والثكنات العسكرية ودور القضاء تلعب ، بالحق وبالواقع، دوراً رئيسياً في تسيير المرافق العامة المخصصة لها... فلا يمكن أن يمارس المدرس عمله في العراء ولا يمكن أن يقوم الجندي بواجبه دون أن يحتمي بساتر ولا يمكن للقاضي أن يؤدي مهنته في أحد الميادين العامة.
وفي قول أخر لأنصار الاتجاه الثاني أيضاً، إن المال العام هو ذلك المال المخصص لخدمة مرفق عام، شريطة ألا يكون من الأموال التي يمكن استبدالها بسهولة دون تعطيل لسير المرفق.

وطبقاً لهذه المحاولة، تعتبر الثكنات العسكرية أموالاً عامة، حيث لا يمكن الاستعاضة عنها بغيرها بسهولة، ودون تأثير في سير مرفق الدفاع، في حين أن المباني الحكومية تخرج من دائرة الأموال العامة ، حيث من اليسير استبدالها بمباني أخرى.

وفي قول ثالث للاتجاه الثاني: يكون المال المخصص لمرفق عام مالاً عاماً ، حينما يكون قد أعد إعداداً خاصاً لخدمة هذا المرفق، وينطبق ذلك، مثلاً على مباني الإذاعة اللاسلكية، لأنها معدة إعداداً خاصاً يتلاءم مع نشاط مرفق الإذاعة.

في حين أن المباني الحكومية ، كالمدارس مثلاً، تخرج عن إطار المال العام، حيث أنها لم تخضع لإعداد خاص.

على كل حال، إن هذه المحاولات جميعها يشوبها الكثير من الغموض، لأنها تستند على معايير فضفاضة وغير منضبطة، كفكرة الدور الرئيسي، وفكرة الاستعاضة بسهولة عن المال، وفكرة الإعداد الخاص له.

(3) أما الاتجاه الثالث : وهو الاتجاه السائد في الفقه حيث يجمع بين مضموني المعيارين السابقين، مع تحريرهما من القيود التي أقترحها البعض عليها.

بعبارة أخرى، يكون المال عاماً، حينما يكون مخصصاً للاستعمال المباشر للجمهور، أو حينما يكون مخصصاً لمرفق عام.

ويستوي بعد ذلك أن يكون المال العام عقاراً أو منقولاً، وعلى ذلك ، تعتبر أبنية المدارس والوزارات أموالا عامة شأنها في ذلك شأن الطرق والميادين العامة، وبغير تفرقة بين ما يمكن وما لا يمكن استبداله ، وبغض النظر عن الدور الرئيسي، أو غير الرئيسي للمال، في أداء الخدمة العامة.

كما أن السفن الحربية والبوارج العسكرية، باعتبارها منقولاً، تدخل في دائرة المال العام، مثلها في ذلك مثل الكتب الموجودة في المكتبات العامة، والوثائق التاريخية، والأشياء ذات القيمة الأثرية التي تزدحم بها المتاحف.

ولا أثر لاستعمال الجمهور للمال العام، فقد يكون هذا الجمهور شاملاً لجميع المواطنين، أو محصوراً في أفراد طائفة معينة، أو وحدة جغرافية معينة، طالما كان تحديد هؤلاء الأفراد قد تناولهم بصفاتهم ووظائفهم، لا بأسمائهم وذواتهم.

ويبقى القول ، في هذه الجزئية ، أن المال العام يكتسب صفته العامة بالفعل، أو بمقتضى قانون، أو مرسوم ، أو قرار من الوزير المختص.
أي أن التخصيص للمنفعة العامة قد يتم بالطريق الرسمي : صدور قانون، أو قرار جمهوري ، أو قرار وزاري يضفي صفة المال العام على مال معين،وقد يكون التخصيص للمنفعة العامة بالطريق الفعلي، وفي هذه الحالة يصبح التخصيص للمنفعة العامة واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، فالطريق المباح فيه المرور للكافة، والأرض المخصصة لدفن الموتى، والحدائق العامة المفتوحة لجمهور المواطنين، كل ذلك يعتبر من المال العام.

كما أن قضاء المحكمة الإدارية العليا مستقر على أنه إذا كان التخصيص للمنفعة العامة يتم بالأسلوب الرسمي أو الفعلي، فإن انتهاء التخصيص يكون كذلك بذات الأساليب.

16. أكتب في إلغاء القرارات الإدارية./ أكتب في سحب القرارات الإدارية/أكتب في زوال القرار الإداري.
انتهاء تطبيق القرار الإداري (بالنسبة للمستقبل)
إلغاء القرار الإداري:
المقصود من انتهاء تطبيق القرار الإداري بالنسبة للمستقبل أن هذا القرار الإداري لم يعد يرتب آثاراً قانونية منذ اللحظة التي وجد العامل الذي أدى إلى اختفائه كأحد عناصر النظام القانوني، أما ما نتج عنه من أثار منذ إصداره حتى اختفائه فلا مساس بها.
فقد ينتهي القرار الإداري دون تدخل من الإدارة، وهذا متصور في الكثير من الأحوال: فإذا تم تنفيذ القرار أستنفذ موضوعه فلو تم إبعاد أجنبي من البلاد فبمجرد تنفيذه يتحول القرار إلى مجرد عمل مادي.

وكذلك قد ينتهي القرار الإداري دون تدخل الإدارة إذا انتهت المدة المحددة لنفاذه، ويتحقق ذلك إذا نص القرار على سريانه لمدة معينة ومثال على ذلك كالترخيص الذي يصدر لأحد الأفراد باستغلال أرض مملوكة للإدارة لفترة معينة، فعند انتهاء المدة يصبح القرار منتهي.

والهلاك المادي للشيء الذي يقوم عليه القرار الإداري يؤدي، أيضاً، إلى انتهائه، فالقرار الصادر بنزع ملكية عقار للمنفعة العامة ينتهي بزوال هذا العقار لسبب أو لأخر، كما أن موت المستفيد قد يؤدي إلى انتهاء تطبيق القرار الإداري، ذلك أن القاعدة العامة هي أن القرار الإداري الفردي قرار شخصي بمعنى أن مثيره مرتبط بمصير من صدرت لصالحه، فإذا توفي من صدرت لصالحه، فالأصل أن القرار الذي صدر لصالحه ينقضي.
ومن الأمثلة على هذا النوع من القرارات كثيرة ، ومنها القرارات الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة، وتلك القرارات الصادرة بالترخيص بمزاولة مهنة معينة، أو بحمل السلاح.

وينتهي القرار الإداري أخيراً بتغير الظروف التي دعت إلى إصداره، فاللائحة الصادرة تنفيذاً لقانون معين، تزول بزوال هذا التنفيذ، إلا إذا نص على غير ذلك.

ففي كل هذه الأحوال، ينتهي القرار الإداري بالنسبة للمستقبل نتيجة تصرف إداري، أي أن اختفاء القرار الإداري يعود إلى تعبير الإدارة عن إرادتها بوضع حد لتطبيقه، وهذا الإجراء يسميه الفقه بالإلغاء.

فالإلغاء، إذن ، هو ذلك العمل القانوني الذي يصدر عن الإدارة متضمناً إنقضاء القرار الإداري بالنسبة للمستقبل فقط، ولا يمس بأي حال من الأحوال الآثار التي رتبها منذ صدوره، وحتى اللحظة التي تقرر فيها الإلغاء.

وسلطة إصدار القرار بالإلغاء مقررة، من حيث المبدأ، للسلطة التي أصدرت القرار الأصيل، أو السلطة الرئاسية بالنسبة لها، وطبقاً للشروط التي قررها القانون لذلك فالقرار الصادر من رئيس الجمهورية لا يمكن المساس به بقرار صادر من وزير، والقرار الصادر من وزير معين لا يجوز إلغاؤه بقرار صادر من أحد مرؤوسيه.

ولكن من المتصور أن يعهد المشرع بسلطة إلغاء بعض القرارات إلى هيئة أخرى غير تلك التي أصدرتها، ومن أوضح الأمثلة على ذلك القرارات الصادرة بالتعيين أو الترقية، فإن سلطة إلغائها تكون لمجالس التأديب، أو المحاكم التأديبية بحسب الأحوال.

ومن جهة أخرى يجب أن يصدر القرار بالإلغاء في نفس الشكل وطبقاً لنفس الإجراءات التي صدر فيها القرار الأصلي، وعلى ذلك، إذا أصدر أحد الرؤساء قراراً كتابياً، فإنه لا يجوز له أن يلغيه بأمر شفهي لأن " الأمر الإداري لا يلغيه إلا أمر إداري أخر بنفس أداة الأمر الأول، وهي الكتابة".

كما أن الإلغاء قد يحدث أثره بالنسبة للقرار كله، أو بالنسبة لجزء منه في حالة إذا كان القرار بقبل التجزئة، ومن أمثلة هذا النوع من القرارات: القرار الصادر بتعيين عدد من الموظفين، فمن المتصور أن يصدر قرار بالإلغاء بالنسبة لبعض هؤلاء الموظفين دون البعض الأخر. وقد يأخذ قرار الإلغاء شكلاً صريحاً، كأن تقتصر الإدارة على إلغاء الترقية أو الترخيص الصادر بحمل السلاح مثلاً، وقد يأخذ شكلاً ضمنياً وذلك في حالة ما إذا أحلت قراراً أخر محل القرار الأول فالقرار الصادر بتعيين موظف في وظيفة موظف أخر يتضمن قراراً بفصل هذا الأخير ، والقرار الصادر بنزع ملكية عقار يلغي القرار الصادر باستيلاء على ذات العقار.. ويختلف إلغاء القرارات عن إلغاء اللوائح.
أولاً: إلغاء القرارات اللائحية:
من المسلم به أن للإدارة سلطة إلغاء اللوائح أو تعديلها أو أن تستبدل بها غيرها في الوقت الذي نريد وفقاً لمقتضيات الصالح العام.

ولقد أعترف مجلس الدولة الفرنسي بهذا الاختصاص لجهة الإدارة منذ حكمه الصادر في 27 من يناير سـ1961ـنة الذي يقرر فيه أن القرارات التنظيمية قابلة للتغيير والتعديل في كل وقت حتى تستطيع مواكبة التطورات التي تحدث في المجالات الإدارية، والسبب في ذلك أن اللوائح تضع قواعد عامة ومجردة الغرض منها إنشاء مراكز إدارية عامة أو تعديلها، وهي مراكز خاضعة للتعديل والتغيير في كل وقت.

وما أكدته محكمة القضاء الإداري أيضاً في حكمها حيث تقول " تجب التفرقة بين المراكز القانونية العامة والمراكز القانونية الذاتية، فيما يجوز تغيير الأولى أي تغيير المراكز القانونية العامة في كل وقت بحيث يسري عليها القانون أو القرار التنظيمي الجديد، فإنه لا يجوز المساس بالثانية أي لا يجوز المساس بالمراكز القانونية الذاتية إلا بقانون ينص فيه على ذلك بنص خاص".
وعلى ذلك فإنه وإن كانت علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ... ويجوز تغييرها في كل وقت بتنظيم جديد يسري عليه دون أن يكون له الحق في أن يعامل دائماً بالتنظيم القديم، إلا أنه إذا كان الموظف قد أكتسب بتطبيق النظام القديم في حقه مركزاً قانونياً ذاتياً، فإنه لا يجوز المساس به بالتنظيم الجديد، إذ لا يجوز المساس به إلا بقانون ينص صراحة على سريانه بأثر رجعي.

ومع ذلك يلزم التنبيه إلى ملحوظتين أساسيتين هما:-

الملحوظة الأولى : إذا كانت السلطة التي أصدرت اللائحة تملك تماماً، إلغاءها في أي وقت، فإن ذلك لا يتأتى (لا يتحقق) إلا بإجراء عام، بمعنى أن الخروج على أحكام اللائحة في التطبيقات الفردية غير جائز إلا إذا كان مقرراً في اللائحة نفسها كاستثناء، وبالشروط الواردة في هذا الشأن.

الملحوظة الثانية : لا تأثير للقرار الصادر بإلغاء اللائحة على القرارات الفردية التي اتخذت بالتطبيق لها، وما ترتب على هذه القرارات من آثار، فهي تظل – رغم إلغاء اللائحة – قائمة منتجة لآثارها القانونية ، فكل من هذه القرارات حياته الخاصة المستقلة.

ثانياً: إلغاء القرارات غير اللائحية:
في البداية يجب التفرقة بين القرارات التي ترتب حقوقاً للأفراد، وتلك التي لا ينتج عنها شيء من ذلك.

(1) إلغاء القرارات التي ترتب حقوقاً للأفراد:
يسلم الفقه بصعوبة وضع تعريف محدد للقرارات المنشئة لحقوق الأفراد، ولذلك يقتصر الكتاب على ضرب الأمثلة لها: القرارات الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة، الترقيات، منح الأوسمة والنياشين، تراخيص البناء، القرارات الصادرة بناء على سلطة الإدارة التقديرية بمنح إعانات مالية لمستحقيها.. الخ.
هذه القرارات لا يجوز من حيث المبدأ إلغاؤها إذا صدرت سليمة مستوفية للشروط التي يتطلبها القانون، وتتميز بكونها ذات طابع نهائي، ولا تملك الإدارة التصرف – في مواجهتها- إلا وفقاً للقانون، كل ذلك لأن احترام المراكز الخاصة التي تنشأ – عن القرارات غير اللائحية – يعتبر، مثله في ذلك مثل مبدأ المشروعية، من أسس الدولة القانونية.

ومع التسليم بأن عدم جواز المساس بالحقوق المكتسبة- التي تترتب على هذه القرارات – يحول دون إلغائها، إلا أن من الخطأ التقرير بأن هذا المبدأ ذو طابع مطلق. فالإدارة في بعض الأحيان، يمكنها – بل يجب عليها – أن تلغي قراراً ترتبت عليه حقوق مكتسبة، ومن أمثلة لذلك القرار الصادر بالتعيين في وظيفة عامة، فهذا القرار – الذي ينتج عنه حقوق لصاحب الشأن – يمكن إلغاؤه في حالتين:-
الحالة الأولى : وهي عزل الموظف في حالة ارتكابه خطأ معيناً شريطة مراعاة الإجراءات والشكليات المقررة لذلك.
الحالة الثانية : وهي إحالة الموظف إلى المعاش (التقاعد) إذا ما بلغ السن القانونية لذلك، والذي يتضمن في الحقيقة إلغاء للقرار بالتعيين بالنسبة للمستقبل، ويلاحظ أن هذا القرار أي قرار الإحالة للمعاش (التقاعد) ليس جائزاً فقط لجهة الإدارة اتخاذه، بل من الواجب عليها أيضاً، ذلك أنه من غير المعقول أن يستمر الموظف في مباشرة مهام وظيفته إلى ما بعد بلوغه السن القانونية.

أما القرارات المعيبة، فمن الممكن إلغاؤها خلال مدة معينة تبدأ من تاريخ إصدارها، وأحكام الإلغاء هي نفسها أحكام السحب.

(2). إلغاء القرارات التي لا ترتب حقوقاً للأفراد:
القرارات التي لا ترتب حقوقاً للأفراد كثيرة ومتنوعة، وأولها القرارات النوعية التي يقرر القضاء بشأنها أنه لا تنشأ عنها حقوق مكتسبة للأفراد. ومنها أيضاً القرارات الوقتية سواءً صدرت لمنح تراخيص مؤقتة بطبيعتها كالقرارات الصادرة بالتصريح لأحد الأفراد باستغلال جزء من المال العام، والتصاريح الصادرة عن سلطة البوليس(الشرطة)، فهذه قرارات بطبيعتها، ذات طابع مؤقت، حتى ولو لم ينص على سريانها لمدة معينة أو القرار بندب موظف للقيام بعمل معين، أو تلك الصادرة بقيد موظف على درجة أعلى.

ومن القرارات التي لا تنشأ حقوقاً مكتسبة، القرارات الكاشفة التي تصدر بهدف الكشف عن مركز قانوني قائم، كالشهادة الجامعية المؤقتة التي تسلمها الجامعة لصاحب الشأن مقررة فيها حصوله على درجة علمية معينة، وكالقرار الصادر بمنح نياشين، وذلك إذا ما اقتصر مصدره على التقرير بأن أصحاب الشأن قد استوفوا الشروط التي وضعتها القوانين واللوائح لذلك.. الخ.

فهذه القرارات يمكن للإدارة العدول عنها، وإلغاؤها بالنسبة للمستقبل في أي وقت شاءت دون التقيد بميعاد، وهو ما قررته محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا في العديد من الأحكام.



17. أكتب في نظرية أعمال السلطة كمعيار للقانون الإداري.

مضمون نظرية أعمال السلطة
فحوى هذه النظرية أن الإدارة العامة تصدر نوعين من الأعمال، أو تمارس نوعين من الأنشطة.

النوع الأول : هو نشاط السلطة العامة، حيث تبدو الإدارة العامة في مظهر السلطة العامة وتزاول أعمال الأمر والنهي والإجبار، فهي لا تتفاوض مع الأفراد، ولا تبرم معهم اتفاقات أو عقود، وإنما توجه إليهم أوامر يلزم عليهم تنفيذها وضوا بها حتى وإن لم يرضوا.

النوع الثاني: هو نشاط الإدارة العادية أو الإدارة المالية، حيث تخلع عن نفسها ثوب السلطة العامة، ولا تلجأ إلى أسلوب الأمر والنهي في تعاملها مع الأفراد، بل هي تنزل منزلتهم وتستعين بالوسائل القانونية المتروكة لهم، ومظهر هذا النشاط هو العقود التي تبرمها الإدارة معهم.

ومعنى ذلك أنه إذا أتت الإدارة بعمل من أعمال السلطة – كأن تصدر لائحة، أو تأمر بإغلاق محل عاماً إدارياً، لمخالفته شروط الترخيص، أو فرقت مظاهرة لإخلالها بالنظام العام - فإنها تخضع لأحكام القانون الإداري الذي يطبقه قضاء مستقل عن القضاء العادي، وهو القضاء الإداري.

أما إذا أتت عملاً من أعمال الإدارة العادية – بأن لجأت إلى أسلوب العقد بدلاً من أسلوب الأمر والنهي – فإنها تضع نفسها، والحالة هذه، على قدم المساواة مع الأفراد، وتخضع مثلهم لأحكام القانون الخاص الذي يطبقه القضاء العادي.

هذا وقد سادت هذه النظرية سنوات طويلة، منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى قيام الجمهورية الثالثة وتولى الدفاع عنها نخبة من أساتذة القانون الإداري في ذلك الوقت.

ونظرية إعمال السلطة وإن كانت بصفة أساسية من عمل الفقه، إلا أن تأثيرها لا ينكر على القضاء آنذاك، ولقد استفادت منها الأشخاص العامة المحلية حيث كان ينظر إليها آنذاك باعتبارها أشخاصاً خاصة، فقد استطاعت – بفضل هذه النظرية – أن تجد مدخلاً إلى نطاق القانون الإداري، وحماية القضاء الإداري.



18. أكتب في مرونة القانون الإداري وتطوره السريع.

مرونة القانون الإداري وتطوره السريع:
يتميز القانون الإداري بتطوره ومرونته، حيث أن قواعده وأحكامه جاءت وليدة ظروف واقعية متغيره، وذلك أن القانون الإداري شديد الحساسية لما يجري في المجتمع من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية ، ولما كانت هذه التطورات مستمرة، كان من اللازم أن تظل أحكام ومبادئ القانون الإداري قابلة للتطور السريع، لكي تكون متجاوبة مع الظروف المتغيرة.

وإن هذه المرونة، وهذه القابلية للتطور السريع قد يؤثران في القيمة المعنوية لقواعد القانون الإداري، وتؤثر في ثقة الناس بها واحترامهم لها.
ذلك أن القانون من الخصائص التي يتميز بها الثبات والاستقرار والعمومية، وأن تحقيق العدل والمساواة بين الناس لا يكون كاملاً إلا إذا كان القانون واحداً وعاماً من ناحية، وقواعده واضحة ومعروفة من ناحية أخرى.
ولا شك في أن مرونة القانون الإداري وتطوره السريع قد تؤثران على هذه القيم. فالمرونة تتنافي مع الوضوح والثبات. والتطور السريع يحول دون إمكان الإلمام الدائم بقواعد القانون الإداري، ولا شك في أن قدم القاعدة القانونية يكسبها مزيداً من الاحترام والهيبة لدى الجمهور.. كما أنه لا سبيل إلى تحقيق العدل ما لم يكن القانون عاماً وواضحاً ومعروفاً لدى الكافة، وقد قيل بحق أن قواعد القانون الإداري تكاد تكون سرية، نظراً لأن الجانب الأكبر من هذه القواعد مصدرة أحكام القضاء، وهذه لا يمكن معرفتها وفهمها إلا للقلة من القانونيين المختصين في هذا الفرع من فروع القانون. ومن ثم تظل كثير من هذه القواعد مجهولة للغير القليلون من الأفراد.

وإن التطور ليس خاصية ذاتية للقانون الإداري، حيث أن القانون بصفة عامة متطور بطبيعته لأن تنظيم العلاقات الاجتماعية، وهي بطبيعتها متطورة ومتغيرة، يحتم أن تكون القواعد المنظمة لها متطورة، وإن كان القانون الإداري أكثر تطوراً واستجابة إلى المتغيرات التي تحدث في شتى نواحي الحياة.

وما هذه الخاصية ، أي سرعة الاستجابة إلى المتغيرات الاجتماعية للقانون الإداري سوى انعكاس للتطور الذي يصيب النشاط الإداري في المجتمع.

ولقد ساعد العديد من العوامل على تطور نشاط الإدارة وأتساع مجالاته.
(1) فالأزمات التي يمر بها المجتمع، كالحروب مثلاً، أدت إلى تطور ملموس في نشاط الإدارة، من حيث أتساع سلطاتها، وتقليص لحقوق الأفراد، وممارستها لبعض الأنشطة التي لم تكن تقوم بها في الظروف العادية .
حيث تؤدي الحرب على سبيل المثال، إلى النقص في المواد الأساسية اللازمة لاستمرار الحياة مما يدفع الدولة إلى التدخل لتنظيم توزيع هذه المواد، وتحديد استهلاكها، كما يدفعها ذلك أيضاً إلى اتخاذ إجراءات غير عادية في سبيل الحصول على هذه المواد، كأسلوب الاستيلاء عليها جبراً عن إرادة أصحابها، وأيضاً توقيع الجزاءات القاسية على كل من يتلاعب في أسعارها، أو من يحاول إخفاءها رغبة في بيعها بسعر أفضل.

ويلاحظ أن الظروف غير العادية ليست حكراً على حالة الحرب، فهناك الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد كيان الدولة، وتعتبر من أشكال الظروف غير العادية وهي تبرر، حفاظاً على استمرارية الدولة وبقائها، اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على أمن الدولة وسلامتها. فثمة قاعدة توجب ذلك حتى ولو أسند إلى الحكومة، بصفة استثنائية ، من السلطة ما يمكنها من السيطرة على الموقف المتدهور، ولو كان في استخدامها لمثل هذه الامتيازات ما يتناقض مع تطبيق القانون في الأحوال العادية.

(2) من العوامل التي أدت إلى أتساع النشاط الإداري شيوع الأفكار المطالبة باتخاذ الدولة موقفاً إيجابياً من النشاط الاجتماعي يتعدى موقفها السلبي المتمثل في الضبط الإداري.

فقد كانت وظيفة الإدارة العامة في الماضي، وذلك عملاً بمبدأ النظام الفردي الحر، محصورة في نطاق ضيق ومحدود، إذ أنها كانت متمثلة في صيانة الأمن وصد الغزو الخارجي، وإقامة العدل بين الناس.
وبلغة القانون يمكن القول ، نشاط الإدارة العامة كان يأخذ في الماضي صورة الضبط الإداري الذي يتحدد هدفه في حفظ النظام العام (أمن عام – صحة عامة – سكينة عامة) ، وصيانة الآداب العامة.

ومع الأخذ بالكثير من الأفكار التداخلية والاشتراكية ، أمتد نشاط الإدارة العامة ، واتسع نطاقه ليشبع حاجات متنوعة اقتصادية واجتماعية وثقافية وصحية، وهي حاجات تنمو وتتجدد كلما تقدمت الجماعة البشرية في طريق الحضارة المدنية.

فالأفكار الاشتراكية تدعو الدولة إلى التدخل إيجاباً عكس الأفكار الرأسمالية التي تدخل سلباً في الحياة الاجتماعية بشتى جوانبها، لتنظيمها والإشراف عليها بدرجات تتفاوت من حالة إلى أخرى.

وقيام الدولة بالنشاط الاقتصادي، كلياً أو جزئياً ، من شأنه أتساع مجالات النشاط الإداري، وبالتالي إلى أتساع نطاق تطبيق القانون الإداري ، حيث أنه من غير المتصور أن تقبل الدولة بالمساومة التامة والمطلقة كقاعدة تحكم نشاطها وعلاقاتها مع الأفراد ، حتى ولو كان هذا النشاط من طبيعة اقتصاد صرفة.

وأدى ذلك أيضاً إلى تضخم الجهاز الإداري وتعقده، بحيث أصبح يتكون من إدارات ضخمة يعلو بعضها فوق بعض، مما يفرض وضع القواعد القانونية التي تحدد العلاقة فيما بينها بهدف التنسيق بين أنشطتها، منعاً للتضارب والتعارض بين هذه الأنشطة،كل هذه القواعد تشكل جانباً من القانون الإداري.

إضافة إلى ذلك، أدى الأخذ بالأفكار الاشتراكية إلى أتساع دائرة الحقوق الحريات العامة التي لم تعد مقصورة، والحالة هذه، على الحقوق والحريات السياسية، حيث ظهرت إلى جانب ذلك حقوق وحريات عامة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وتنظيم هذه الحقوق المستحدثة يشكل جانباً من القانون الإداري.

(3) ومن أسباب تطور النشاط الإداري، أيضاً، تأتي المخترعات العلمية والتكنولوجية لتحتل مكاناً هاماً في هذا المضمار، فظهور هذه المخترعات يحتم أتساع نشاط الإدارة لتنظيمها، ومنع إساءة استخدامها من قبل الأفراد.
ولذلك ظهرت مرافق عامة جديدة، منها مرافق الاتصالات السلكية واللاسلكية، وهناك من الاختراعات ما يتحتم احتكاره من قبل السلطة العامة، نظراً لأهميته لأمن الدولة، أو لأن استغلاله يحتاج إلى إمكانيات يعجز الأفراد عن تقديمها.

كما أن من شأن استخدام السلطة العامة للمخترعات الحديثة ما قد يشكل تهديداً للحريات العامة وحقوق الأفراد، مما يحتم وضع الضوابط، وتحديد أوجه استخدام هذه المخترعات بما لا يتعارض مع هذه الحقوق وتلك الحريات.

19. أكتب في نظرية الظروف الطارئة.
نظرية الظروف الطارئة:
مقتضى نظرية الظروف الطارئة إنه إذا طرأ " خلال تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية كانت أو اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة الإدارية المتعاقدة أو من عمل إنسان أخر، لم تكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعاً، ومن شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً فإن جهة الإدارة المتعاقدة ملزمة بمشاركة المتعاقد معها في احتمال نصيب من الخسارة التي أحاقت به طوال فترة الظرف الطارئ وذلك ضماناً لتنفيذ العقد الإداري واستدامة لسير المرفق العام الذي يخدمه، ويقتصر دور القاضي الإداري على الحكم بالتعويض المناسب دون أن يكون له تعديل الالتزامات العقدية".

وأساس نظرية الظروف الطارئة هو اعتبارات العدالة المجردة، وهدفها الأعلى هو تحقيق المصلحة العامة بناء على فهم صحيح لطبيعة العلاقة بين الإدارة ومن يتعاقد معها – من الهيئات والأفراد – في شأن من شئون المرافق العامة.

فمن ناحية الأولى: ليس من العدل والإنصاف وحسن النية في المعاملات أن يترك المتعاقد فريسة لظروف سيئة لا دخل له فيها وبدون أي تعويض استناداً إلى نصوص العقد الحرفية، ولمجرد الحرص على تحقيق الوفرة المالية، والرغبة الملحة في الحصول على المهمات والأدوات أو إنجاز الأعمال المطلوبة بأرخص الأسعار، لأن معنى ذلك استباحة الإضرار به.

ومن الناحية الثانية : إن عدم تعويض المتعاقد – في حالة الظروف الطارئة – لا يتفق مع المصلحة العامة، إذ ينتهي الأمر إلى إحدى نتيجتين: أما إلى خروج المقاولين أو متعهدي التوريد الأمناء الأكفاء من سوق التعامل مع الدولة، أو انصرافهم عن الاشتراك في المناقصات مستقبلاً، فيتلقف الزمام غير الأكفاء وغير الأمناء وتقع المنازعات والإشكالات التي تنتهي إلى تعطيل المرافق العامة.
وإما أن يعمد هؤلاء إلى تأمين أنفسهم، بأن يحتسبوا من ضمن أسعار عطاءاتهم مبلغاً للاحتياط ضد تلك المضار والأخطار المحتملة، وتكون النتيجة زيادة في الأسعار (أي ارتفاع أسعار المعطاءات المقدمة) مما يفوت على الإدارة غرضها في الحصول على أصلح الأيدي العاملة وبأفضل وأقل الأسعار وأنسبها، وهذه كلها نتائج يجب تفادي الأسباب المؤدية إليها، لأنها لا تتفق والمصلحة العامة.

ولتطبيق نظرية الظروف الطارئة شروط ثلاثة وهي كالتالي:
(1) أن يكون هناك حوادث استثنائية عامة ليس في الوسع توقعها، وهو ما يعني ضرورة التمييز بين المخاطر العادية والمخاطر غير العادية أي تلك المخاطر التي ليس بوسع المتعاقدين – عادة – توقعها عند إبرام العقد.

(2) وثاني هذه الشروط أن تكون الحوادث أجنبية عن العقد، أي ليست ناتجة عن عمل أو أخلال الإدارة بالتزاماتها، لأنها في الحالة الأولى تدخل في معنى عمل الأمير، بينما تقود – في الحالة الثانية- إلى تقرير مسئولية الإدارة التعاقدية بناء على فكرة الخطأ العقدي.

(3) وثالث هذه الشروط وأخرها أن يكون من شأن هذه الحوادث الإخلال الجسيم بالتوازن المالي للعقد، فلا يكفي – في هذا الصدد – أن يترتب عليها مجرد نقص في الربح، أو فوات مكسب، إنما يجب أن تصيب المتعاقد خسارة، علماً بأن الخسارة البسيطة غير كافية – وكذلك الخسارة الوقتية العارضة التي لا تسبب إخلالاً في التوازن المالي للعقد- لتطبيق نظرية الظروف الطارئة.

وتطبيقاً لذلك، يعتبر قيام الحرب من الحوادث الاستثنائية العامة الخارجية- التي لم يكن في الوسع توقعها- والتي يترتب عليها أنه إذا أصبح تنفيذ الالتزام أشد وطأة وإرهاقاً وأكبر كلفة، كان للمتعاقد مع الإدارة المطالبة بتطبيق نظرية الظروف الطارئة.

ويلاحظ أنه إذا وافقت السلطة الإدارية المتعاقدة على مد الفترة المحددة في العقد للتنفيذ، ووقع الحادث الطارئ خلال الامتداد – الذي سبق أن وافقت عليه الإدارة – فإن حكمه هو حكم المدة في العقد، أي أن نظرية الظروف الطارئة تنطبق في هذا الصدد.

والآثار تتلخص في إلزام جهة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في الخسارة التي أصابته، ضماناً لتنفيذ العقد الإداري تنفيذاً سليماً، ويستوي – في هذا الصدد – أن يحصل التنفيذ من المتعاقد ، أو تقوم به الإدارة نيابة عنه وعلى حسابه.

فالتعويض الذي يحصل عليه المتعاقد مع الإدارة هو تعويض جزئي عن الخسارة المحققة التي لحقت به، ولذلك ليس له أي للمتعاقد مع الإدارة – أن يطالب بالتعويض بدعوى أن أرباحه قد نقصت أو لفوات كسب ضاع عليه، وعلى ذلك يجب – لتقدير انقلاب اقتصاديات العقد – أن يدخل في الحساب جميع عناصر العقد التي تؤثر في اقتصادياته، واعتبار العقد في ذلك وحدة واحدة، ويفحص في مجموعه لا أن ينظر إلى أحد عناصره فقط، بل يكون ذلك بمراعاة جميع العناصر التي يتألف منها، إذ قد يكون بعض هذه العناصر مجزياً ومعوضاً عن العناصر الأخرى التي أدت إلى الخسارة.

20. تأخذ الأعمال القانونية للإدارة صورتي العقد والقرار، فكيف يجري التمييز بينهما؟
إن من اللازم علينا أن نعطي موضوع التفرقة بين القرار الإداري والعقد الإداري ما تستحقه من عناية، خصوصاً وأن الفقه قد أختلف في شأن القرار الإداري والعقد الإداري، ذلك أن البعض يؤيد الأخذ بمعيار عضوي لإجرائها، في حين أن البعض الأخر ينادي بتطبيق معيار موضوعي. ومن أجل ذلك، ورغبة في التبسيط، تحسن التفرقة بين حالتين :

أولاً : صدور العمل عن إرادة منفردة:
قد يكون من المتفق عليه في مصر وفرنسا، أنه إذا صدر العمل القانوني من جانب واحد – هو جانب السلطة الإدارية- فإنه يكون قراراً إدارياً وليس عقداً إدارياً. لكن الصعوبة تدور وتثور عندما نحاول الإجابة على هذا السؤال وهو، (متى يعتبر العمل صادراً من جانب سلطة إدارية ومعبراً عن إرادتها وحدها؟).

لا شك أننا نكون أمام قرار إداري إذا كان مصدر العمل أو الإجراء فرداً واحداً فقط، أتخذه بناءً على سلطته المخولة له بمقتضى القانون، فرئيس الجمهورية مثلاً عندما يقرر، بالتطبيق للمادة الأولى من القانون رقم 61 لسنة 1963 بشأن الهيئات العامة، إنشاء هيئة عامة، إنما يصدر قراراً إدارياً يعبر فيه عن إرادة الدولة الشخص المعنوي العام الذي يعتبر رئيس الدولة ممثلاً له.

ولكن هل تعدد مصدر الإجراء أو العمل القانوني ، يتنافى مع كونه صادراً من جانب واحد؟، يبدو لنا أن الإجابة التي تفرض نفسها هي " لا " أي بالنفي ذلك أن اشتراك أكثر من فرد في تكوين إجراء معين، لا يتنافى بالضرورة مع كونه صادراً من جانب واحد وهو ما يسمح باعتباره قراراً إدارياً. فمن ناحية ، قد يكون تعدد مصدر القرار صورياً أو ظاهرياً، ويتحقق ذلك عندما ينسب القانون الإجراء إلى عضو واحد فقط من بين الذين شاركوا في تكوينه.

ومن ناحية أخرى، فإن التعدد الحقيقي لا ينفي – بصفة قاطعة – وجود قرار إداري ويتحقق التعدد الحقيقي لمصدر الإجراء حينما يشارك في تكوينه أكثر من جهة إدارية من نفس المستوى، فكثيراً ما يتطلب القانون في مصر وفي فرنسا، اشتراك أثنين من الوزراء مثلاً في إصدار عمل قانوني معين إذا كان هذا العمل يهم كليهما، كما هو الشأن بالنسبة لتحديد سعر السماد مثلاً.

فتعدد مصدر الإجراء هنا هو تعدد حقيقي وفعلي، ومع ذلك فإن الإجراء يعتبر قراراً إدارياً ذلك أن الوزيرين يتصرفان باسم شخص معنوي واحد، هو الدولة، والقرار الصادر منهما إنما يعبر عن إرادة هذه الدولة وليس عن إرادتهما كوزيرين.

الخلاصة من كل ذلك .. إلى أنه إذا صدر الإجراء سواءً من عضو واحد أو من أعضاء عديدين، معبراً عن إرادة شخص إداري واحد، فإنه يكون قراراً إدارياً.

ثانياً: تعاون أكثر من إرادة في إصدار الإجراء:
في البداية يجب أن نحدد بالضبط نقطة موضوع البحث والإجابة على السؤال التالي وهو ( ما معنى أن تتعاون أكثر من إرادة في إصدار إجراء معين؟).

المقصود من ذلك هو أن يشترك في إصدار العمل القانوني إرادات مختلفة لأشخاص قانونية مختلفة، بمعنى أن يكون نتيجة مساهمة شخصين من أشخاص القانون العام، أو شخص من أشخاص القانون العام وشخص من أشخاص القانون الخاص. فما هو طبيعة هذا العمل .. هل هو قرار إداري أم عقد إداري؟

يجمع الفقه المصري على تبني معيار عضوي أو كمي لحسم هذه المسألة.. فطالما أن العمل القانوني صدور نتيجة تقابل إرادتين مختلفتين كان عقداً بغض النظر عن أية اعتبارات موضوعية تمس فحوى العقد وموضوعه. فكل عمل يتم باشتراك طرفين يعمل كل منهما لحسابه الخاص سواءً كان لكل منهما سلطة إدارية أو كان أحدهما سلطة إدارية وكان الثاني فرداً أو هيئة خاصة أعتبر عقداً وإتفاقاً.

أما الفقه الفرنسي، فقد تقاسمه في هذا الموضوع أو هذا الشأن اتجاهان متضادان : فالبعض يرى كما هو الحال في الفقه المصري أي الاعتماد على المعيار العضوي أو الكمي للتفرقة بين القرار الإداري ،والعقد الإداري، وبناءً على ذلك فالعمل الصادر عن إرادة واحدة فردية كانت أم جماعية، فيكون قرار إداري، أما العمل الذي يشارك في تكوينه إرادتان أو أكثر فهو بالضرورة، عقد إداري.

أما غالبية الفقه الفرنسي، فترى الاستناد إلى معيار موضوعي للتفرقة بين القرار الإداري بصفته عملاً صادراً من جانب واحد وبين العقد الإداري.

فعندما نكون إزاء أو أمام عمل قانوني شارك في إصداره أكثر من شخص قانوني، فإننا لا نستطيع بالنظر إلى تعدد مصدر الإجراء. أن نقرر أنه عقد، فالعامل الحاسم بهذا الصدد هو محتوى هذا العمل. والأمر لا يخرج والحالة مثل هذه عن فرضين هما:

الفرض الأول : وهو كون العمل موجهاً إلى تنظيم العلاقات المتبادلة لمن يشارك في إصداره، فنصوصه تنشئ حقوقاً والتزامات لبعضهم في مواجهة البعض الأخر، فهو حينئذٍ يأخذ صفة العقد.

والفرض الثاني: هو كون العمل يحكم سلوك أشخاص لم يشاركوا في تكوينه، أي أنهم يعتبرون غرباً بالنسبة له، فهذا العمل يعتبر لذلك صادراً من جانبٍ واحد ويأخذ صفة القرار فالخلاف الحقيقي بين العقد باعتباره عملاً ينشأ نتيجة تقابل إرادتين أو أكثر، والقرار بوصفه عملاً صادراً من جانبٍ واحد يكمن في أن الأحكام التي يقررها العقد تنظم سلوك أشخاص أعطوا موافقتهم على أحكامه، في حين أن أحكام القرار – بصفته صادراً من جانب واحد. تفرض نفسها استقلالا عن إرادة من تخاطبهم، بل ورغم معارضتهم له.

وعلى كل حال، يبدو أن مجلس الدولة الفرنسي يأخذ بعكس المحكمة الإدارية العليا المصرية أي بالمعيار الموضوعي للتمييز بين القرار الإداري والعقد الإداري، فهو بصدد اتفاق تم بين السلطة العامة والنقابة الوطنية لتجارة الأحذية بشأن تحديد سعر الأحذية يقرر أنه أمام قرار لائحي صادر من جانب واحد هو جانب السلطة الإدارية وأن كان إعداده قد خضع للتفاوض بينها وبين النقابة المعنية على أساس أن القرار الوزاري الذي وافق على هذا الاتفاق قد أعتبر أحكامه جزءاً منه أي أحكام الاتفاق.

21. أذكر أسباب عدم تقنين القانون الإداري.
إن عدم تقنين القانون الإداري لا يرجع إلى انعدام المحاولات التي بذلت في هذا الشأن، ذلك أن العديد من المحاولات أجريت في فرنسا وفي مصر.. ولكن فشلت جميع المحاولات في تقنين أحكام القانون الإداري وكان السبب في فشل التقنين الأمور التالية:-

أولاً : حداثة نشأة القانون الإداري:
يرجع القانون المدني بجذوره إلى تاريخ بعيد، حيث أنه الوريث الطبيعي لأفكار ومبادئ القانون الروماني، في حين أن القانون الإداري حديث النشأة، ويرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب أساسية هي:

(1): حداثة ظاهرة تأسيس السلطة التي تعني انفصال شخص الدولة عن أشخاص الحكام، فلقد كانت السلطة في العصور القديمة ذات طابع شخصي، بمعنى أن الحاكم كان يمارسها باعتبارها حقاً خالصاً له، معتمداً في ذلك على قوته المادية، أو على صفاته الذاتية، ولذلك كانت السلطة مطبوعة بعدم الاستقرار.

ولم يكن الأمر مختلفاً في عصور الإقطاع، حيث كان الأفراد يدينون بالولاء الشخصي للإقطاعي. ولم يكن متصوراً في ظل خضوع الدولة للقانون ومسئوليتها عن أفعالها الضارة بالأفراد، فاختلاطها بأشخاص الحكام كان يعني حصانتها ضد كل أنواع الرقابة.

أما ظاهرة تأسيس السلطة وما تعنيه من انفصال لأشخاص الحكام عن أشخاص القانون العام التي يمثلونها، فهي ظاهرة حديثة بدأت مع الاعتراف للدولة والأشخاص الإدارية العامة الأخرى بالشخصية القانونية

وأمكن في ظل ذلك قيام مبدأ احترام الإدارة وخضوعها للقانون من الناحيتين الإيجابية والسلبية.

فمن الناحية الإيجابية : يفرض المبدأ على الإدارة أن تستند في كل ما تأتيه من أعمال مادية وقانونية على أساس من القانون.

ومن الناحية السلبية: يقصد بخضوع الإدارة للقانون أن أي عمل يصدر عن الإدارة، أياً كانت طبيعته وشكله، يجب ألا يأتي بالمخالفة لقاعدة قانونية ملزمة

(2) حداثة ظهور الوحدات الإدارية المستقلة:
ذلك أن الهم الأكبر للملوك في العصور الوسطى كان تحقيق الوحدة السياسية لبلادهم، ولذلك حرص الملوك الفرنسيون على تبني نظام مركزي يسمح لهم بمواجهة أمراء الإقطاع والأباطرة والباباوات.
ويلاحظ في هذا الشأن أن الدول الكبرى الموجودة حالياً لم تكن كذلك في عصور الإقطاع، بل كان كل منها مكوناً من عدة مقاطعات يحكم كل منها أمير واحد، واندمجت هذه المقاطعات فيما بينها، تدريجياً، لتتكون، في النهاية، الدولة الحديثة.

(3) حداثة نشأة مجلس الدولة:
تبين لنا من دراسة نشأة القانون الإداري بمعناه الضيق، في كل من مصر وفرنسا ولبنان، أنه لم ير النور إلا بعد نشأة قضاء إداري متميز ومستقل.
ففي فرنسا، الموطن الأصلي ومكان نشأته لهذا القانون، لم يبدأ القانون الإداري في الظهور بوصفه قانوناً متميزاً ومستقلاً عن القانون المدني – له مبادئه وأصوله المختلفة عن قواعد وأحكام القانون الخاص – إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وفي عبارة أكثر دقة، إن النظريات الرئيسية في هذا القانون كنظرية المرفق العام، والعقد الإداري ، والقرار الإداري، .. الخ لم تتضح معالمها وترتسم حدودها إلا في خلال القرن العشرين، وذلك بعد أن طور مجلس الدولة الفرنسي أحكامه واستقرت هذه الأحكام وأمكن استخلاص النظريات الرئيسية في القانون الإداري منها.

وفي مصر لم ينشأ القانون الإداري، إلا بعد إنشاء مجلس الدولة عام 1940، ولقد لوحظ أن الرأي القائل بوجود قانون إداري قبل ذلك كان مستنداً إلى أسباب لا تبرر هذه النتيجة التي يرغب في تأكيدها.

ثانياً: مرونة القانون الإداري وتطوره السريع
يتميز القانون الإداري بتطوره ومرونته، حيث أن قواعده وأحكامه جاءت وليدة ظروف واقعية متغيرة، ذلك أن القانون الإداري شديد الحساسية لما يجري- في المجتمع – من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية، ولما كانت هذه التطورات مستمرة، كان من اللازم أن تظل أحكام ومبادئ القانون الإداري قابلة للتطور السريع، لكي تكون متجاوبة مع الظروف المتغيرة.

كما إن العديد من العوامل ساعدت على تطور نشاط الإدارة وأتساع مجالاتها ومنها:-

  1. الأزمات التي يمر بها المجتمع ، كالحروب مثلاً ، أدت إلى تطور ملموس في نشاط الإدارة، من حيث أتساع سلطاتها، وتقليص لحقوق الأفراد، وممارستها لبعض الأنشطة التي لم تكن تقوم بها في الظروف العادية.
  2. ومن العوامل التي أدت إلى أتساع النشاط الإداري أيضاً شيوع الأفكار المطالبة باتخاذ الدولة موقفاً إيجابياً من النشاط الاجتماعي يتعدى موقفها السلبي المتمثل في الضبط الإداري.
  3. ومن أسباب تطور النشاط الإداري، أيضاً، تأتي المخترعات العلمية والتكنولوجيا لتحتل مكاناً هاماً في هذا المجال، فظهور هذه الاختراعات يحتم أتساع النشاط الإداري لتنظيمها، ومنع إساءة استخدامها من قبل الأفراد.


22. أكتب في فكرة العرف الإداري.
فكرة العرف الإداري:
ينصرف اصطلاح العرف، بصفة عامة ، إلى مجموعة القواعد القانونية التي تنشأ من تكرار سلوك الأفراد على نحو معين، في مسألة معينة، فترة طويلة، مع تولد الاعتقاد لديهم بإلزامها، وبأن مخالفتها تستتبع توقيع جزاء مادي.

أما العرف الإداري، بصفة خاصة، فهو " أن تسير الجهة الإدارية على نحو معين وسنن معينة في مواجهة حالة معينة، بحيث تصبح القاعدة التي تلتزمها مختارة بمثابة القانون المكتوب".

ويتضح من إن هناك فرقين أو فارقين بين العرف الإداري والعرف في مجال القانون الخاص.

فمن الناحية العضوية ، تتكون القاعدة العرفية في مجال القانون المدني عن طريق الأفراد، أما في مجال القانون الإداري فإنها تنشأ عن طريق السلطة الإدارية، وما الأفراد العاملون لديها إلا ممثلين عنها.

ومن الناحية الموضوعية ، يتعلق العرف المدني بالمصلحة الخاصة للأفراد، في حين أن العرف الإداري يتعلق بالمصلحة العامة.

والعرف بالمفهوم السابق، له دور في إنشاء قواعد القانون الإداري، وكما تقول محكمة القضاء الإداري إن " كلاً من القضاء والفقه الإداري في مصر وفي فرنسا يجعل من العرف مصدراً للقاعدة القانونية، فليس هناك ما يحول دون التعويل عليه".

وللعرف الإداري ركنان هما ركن مادي وركن معنوي ويقصد يهما مضمون القاعدة العرفية أي ما تنطوي عليه من تنظيم، وهو يتوافر إذا كانت هناك سنة عامة مطردة تقادم عليها العهد واستقر عليها العمل، ثم شعور الجماعة بضرورة احترام القاعدة العرفية وبعدم جواز الخروج عليها".

أما عن شروط العرف فتجملها المحكمة في قولها " وشروط العرف أن يكون عاماً متبعاً من غالبية من يعنيهم الأمر، وأن يكون قديماً أي أستقر ومضت على إتباعه فترة من الزمن تتناسب مع طبيعة الوضع، وتقدير ذلك مرجعه إلى القضاء الذي يثّبت في كل حالة من أن القاعدة العرفية قد مضى على تكرار العمل بها زمن كافٍ يؤكد ثباتها واستقرارها، ومعنى الثبات هنا أن يضطرد الأمر على إتباع العرف بلا انقطاع في جميع الحالات حيث يتوافر شروط انطباقه، فالقاعدة العرفية يلزم أن تكون متبعة بصفة دائمة وبطريقة منتظمة غير متغيره أو متقطعة، كما يجب أن يتوافر الشعور بإلزام العرف بمعنى أن يستقر في الأذهان ضرورة احترام القاعدة العرفية وتوقيع الجزاء على من يخالفها وشروط الاعتقاد بلزوم القاعدة العرفية.

ويلزم كذلك لتوافر العرف الإداري أن لا يكون ثمة خطأ في فهم القانون ... ومعنى ذلك أن العرف ، باعتباره مصدراً رسمياً لأحكام القانون الإداري، لا يجوز اللجوء إليه إلا إذا لم يجد القاضي الإداري في نصوص القوانين واللوائح القائمة ما يمكن تطبيقه لحل النزاع الماثل أمامه، وإلا كان عمله ، أي عمل القاضي، مخالفاً لمبدأ المشروعية.

23. أكتب في السلطة الرئاسية
تعني السلطة الرئاسية أو التسلسلية وضع موظفي الإدارة المركزية، أينما كانت مقرات أو أماكن أعمالهم – أي سواءً كانت في العاصمة أو في أقاليم الدولة – في تدرج رئاسي، بحيث يهيمن الرئيس الإداري على المنظمة الإدارية فيما يتعلق بأشخاص العاملين فيها، وعلى أعمالهم.

إن هذه السلطة الرئاسية مفترضة. أي أنها ليست بحاجة إلى نص يقررها، وهي شاملة لأشخاص المرؤوسين وأعمالهم، وهي مطلقة، من حيث أن الرئيس له أن يلغ، أو يعدل قرارات المرؤوس، أو يحل قراره هو محلها بسبب مخالفة هذه القرارات للقانون، أو لأنها غير ملائمة في الظروف التي صدرت فيها.

أولاً: السلطة الرئاسية على الأشخاص:
لسلطة الرئيس على الأشخاص مظهران : سلطة تنظيم المرفق أو المصلحة، وسلطة إصدار الأوامر والتعليمات.

(1) بالنسبة لتنظيم المرفق أو الوحدة الإدارية التي يرأسها، يتمتع الرئيس الإداري الأعلى بسلطة التنظيم الداخلي لها، بحيث يكون له تعيين العاملين بها، وتحديد الوظائف التي يلحقون بها، وتوزيع العمل فيما بينهم، ونقلهم من إدارة إلى إدارة أخرى، سعياً وراء تحقيق المصلحة العامة، وضماناً لحسن سير المرافق العامة.

إضافة إلى ذلك، تتضمن السلطة الرئاسية في هذا المجال اختصاص الرئيس بترقية مرءوسيه ومنحهم، نتيجة إجادتهم لأعمالهم المزايا العينية والأدبية التي تسمح بها القوانين واللوائح، وفي حالة ارتكابهم لمخالفات قانونية، يرجع إلى الرئيس الإداري توقيع الجزاءات التأديبية التي تندرج، بحسب جسامة الذنب أي المخالفة الإدارية من مجرد التوبيخ شفاهة ، إلى إنهاء الخدمة.

وكل هذه السلطات مفترضة، ولا حاجة لنص في القانون أن يقررها، ولا يجوز تعطيلها، بعضها أو كلها، إلا بنص تشريعي صريح، وعلى كل حال إن ممارسة هذه السلطات يجب أن يكون في إطار القانون، وطبقاً للقيود الواردة بتشريعات الوظيفة العامة.

(2) وبالنسبة لسلطة إصدار التعليمات، فإنها تعني اختصاص الرئيس الإداري الأعلى بأن يصدر في أي وقت – باللفظ أو بالكتابة- الأوامر الملزمة لمرؤوسيه بقصد تعريفهم بالواجب عليهم عمله، أو الامتناع عنه.
ذلك أن القيام بالعمل الإداري من جانب العاملين بالإدارة العامة يستلزم توجيههم من جانب الرئيس الإداري، أو تنبيههم إلى وجود نصوص قانونية، تشريعية كانت أم لائحية أم حتى قرارات فردية ، واجبة التطبيق، وقد يتطلب الأمر، أيضاً، إمدادهم بتفسير لهذه النصوص، أو تعريفهم بكيفية تطبيقها.

وقد يستخدم الرئيس الإداري الأوامر الفردية، وذلك حينما يريد مخاطبة مرؤوس معين أو – مرؤوسين معينين- عن طريق إرسال خطابات مثلاً، وقد تكون أوامر الرئيس ذات صيغة عامة تخاطب المرءوسين في مجموعهم، ويتم ذلك عن طريق الكتب الدورية، أو المنشورات.

وإصدار هذه التعليمات، أياً كانت صورتها، اختصاص أصيل للرئيس الإداري، ولا يحتاج إلى نص، وإن كان جائزاً أن يستخدمه بناءً على طلب مرءوسيه.

ويلاحظ أن هذه التعليمات تعتبر من الإجراءات الإدارية الداخلية التي لها هدف معين هو حسن سير العمل داخل المرفق العام. وعلى ذلك فهي ملزمة للمرؤوسين المخاطبين بأحكامها بصفتهم خاضعين للسلطة الرئاسية، ولكنها ليست ملزمة للأفراد المتعاملين مع الوحدة الإدارية، لأنهم لا يخضعون لهذه السلطة الرئاسية.

إن سلطة الرئيس في توجيه التعليمات من المميزات الرئيسية للمركزية الإدارية، حيث أن عمال المرافق اللامركزية لا يخضعون من قبل ممثلي السلطة المركزية لمثل هذه التعليمات، والأوامر.

ثانياً: السلطة الرئاسية على الأعمال:
وبالنسبة لأعمال المرؤوس، يتمتع الرئيس الإداري بسلطات واسعة في مواجهة هذه الأعمال.
فقد تأخذ سلطته صورة الإذن المسبق أو التصريح، حيث لا يكون المرءوس في وضع يسمح له باتخاذ الإجراء إلا بعد أن يحصل على إذن من الرئيس الإداري، بحيث أنه لو أمتنع هذا الرئيس عن إعطاء مرءوسيه التصريح بمباشرة النشاط، لكان هذا المرءوس في وضع يتعذر عليه، قانوناً، الإتيان به.

وقد تأخذ السلطة الرئاسية شكل التصديق الذي يفترض أن المرؤوس قد باشر الإجراء فعلاً (أي باشر العمل)، وأن هذا الإجراء وجد من الناحية القانونية، إلا أن تنفيذه وتطبيقه عملاً يتوقف على إقرار أي موافقة الرئيس له، أو تصديق الرئيس عليه.
والإقرار، أو التصديق، قد يكون صريحاً بضرورة الحصول على موافقة الرئيس على التصرف، وينفذ القرار- في هذه الحالة- من تاريخ هذه الموافقة إلا إذا قرر المشرع غير ذلك.

وقد يأخذ إقرار الرئيس صورة ضمنية، ويتحقق ذلك في حالة مضي مدة معينة على قرار المرءوس دون أن يقابل من جانب رئيسه باعتراض ما، شريطة أن يقرر المشرع صراحة أن مضي مدة معينة دون اعتراض الرئيس يعتبر في حكم الموافقة، أو التصديق على قرار المرءوس.

وقد تأخذ السلطة الرئاسية صورة وقف قرار المرءوس بمعنى إرجاء تنفيذه، ومنعه من ترتيب آثاره القانونية بصفة مؤقتة، وفي ذلك يختلف وقف تنفيذ القرار من إلغائه من حيث أن هذا الإجراء – أي الإلغاء – يعتبر إعداماً للقرار ذاته.

والإلغاء، باعتباره صورة للسلطة الرئاسية على أعمال المرءوس، يفترض إصدار المرءوس لقراره، ولهذا، فهو يعتبر رقابة لاحقة، وقد ينصب على القرار بكامله – أو على بعض أجزائه – بسبب مخالفته للقانون، أو لعدم ملاءمته.

وقد تبدو السلطة الرئاسية في صورة تعديل لقرارات المرءوس، وليس في ذلك مخالفة لقواعد الاختصاص المتعلقة بأعمال المرءوس، حيث أن التعديل الرئاسي يفترض سبق قيام المرءوس بمباشرة اختصاصه، فالتعديل يتدخل إذن كصورة للسلطة الرئاسية التي يخضع لها المرءوس الذي سبق له وأن باشر اختصاصه.

وأخيراً، ثار الخلاف بين الفقهاء حول سلطة الرئيس في الحلول محل المرءوس في مباشرة اختصاصه.
فهناك من قال إنه طالما أن من المسلم به أن للرئيس أن يعدل في قرارات المرءوس، فإن ذلك يستتبع قدرته على الحلول محله فيها، نظراً لقيام الرئيس – في حالة التعديل – مقام المرءوس في مباشرة الأعمال المشمولة بالتعديل.
وفريق أخر يرى عدم جواز الحلول، لتعارضه مع التدرج الوظيفي القائم قانوناً على تقسيم الاختصاصات الإدارية بين المستويات الوظيفية المختلفة، ذلك أن التسليم للرئيس بالحلول في العمل محل مرءوسيه يشكل تعدياً على الاختصاصات المسندة قانوناً لهذا الأخير، والتدرج الوظيفي لم يتقرر لتحقيق الصالح الشخصي للرئيس الإداري، وإنما تحقيقاً لحسن سير المرافق العامة.

وأخيراً ، هناك اتجاه في الفقه يفرق بين حالتين :-
الحالة الأولى : هي حالة عدم مباشرة المرءوس لنشاطه، وهنا لا يجوز الحلول احتراماً لقواعد اختصاص المرءوس، أي أنه ليس للرئيس الإداري أن يتخذ المبادأة بإصدار قرار هو من الاختصاص الأصيل لمرءوسيه، لأنه إن فعل ذلك يكون قد خالف قواعد الاختصاص الموضوعية.

والحالة الثانية: هي قيام المرءوس بمباشرة نشاطه، وهنا يجوز الحلول حيث لا يتعارض مع قواعد الاختصاص المتعلقة بالمرءوس، لأن هذا المرءوس قد باشر اختصاصه، ويكون للرئيس الحلول محله، ويكون هذا الحلول مظهراً من مظاهر السلطة الرئاسية التي يباشرها الرئيس – لعدم مشروعية قرار المرءوس ، أو لعدم ملاءمته – بأن يحل قراره هو ، أي قرار الرئيس، محل قرار المرءوس.

على كل حال، إن السلطة الرئاسية تضمن هيمنة الرئيس على أعمال مرءوسيه، ولكن إذا خوّل سلطة اتخاذ قرار معين بدون معقب عليه من رئيسه، فليس للرئيس أن يحل محل المرءوس في اتخاذ القرار أو تعديله.
24. أكتب في عناصر اللامركزية الإدارية.
إن اللامركزية الإدارية، خصوصاً في المجال المحلي، تستند إلى عناصر ثلاثة هي : الاعتراف للوحدة المحلية بالشخصية القانونية ، وإدارتها لشئونها الذاتية، وخضوعها لرقابة السلطة المركزية.

أولاً: الشخصية القانونية للوحدة المحلية:
يأتي الاعتراف للوحدة المحلية بالشخصية القانونية – المستقلة عن شخصية الدولة – باعتبارها مظهراً لوجود شئون خاصة لهذه الوحدة تميزها عن الشئون القومية العامة التي تشترك فيها مع سائر الوحدات المحلية الأخرى.

ويلاحظ أن القانون هو الذي يحدد هذه الشئون الخاصة، أو بعبارة أخرى، القانون هو الذي يحدد الحاجات العامة ذات الطابع الإقليمي التي يمكن أن تقوم عليها المرافق العامة المحلية، والحاجات ذات الطابع القومي التي تهم الشعب في مجموعه.

وعلى ذلك، أن تحديد هذه المصالح المحلية لا يترك إلا للوحدات المحلية ذاتها، ولا للإدارة المركزية، لذلك ، ليس للإدارة المركزية أن تعدل اختصاصات الوحدات المحلية بقرار منها، وليس للوحدات المحلية أن تتجاوز دائرة الاختصاص التي حددها لها المشرع.

إن المشرع المصري لم يحدد اختصاص الهيئات المحلية على سبيل الحصر، بل جاء تحديده لذلك في صورة قاعدة عامة " تتولى وحدات الإدارة المحلية – في حدود السياسة العامة والخطة العامة للدولة – إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها، كما تتولى هذه الوحدات – كل ما في نطاق اختصاصها جميع الاختصاصات التي تتولاها الوزارات بمقتضى القوانين واللوائح المعمول بها، وذلك فيما عدا المرافق القومية أو ذات الطبيعة الخاصة التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية.. وتحدد اللائحة التنفيذية المرافق التي تتولى إنشاءها وإدارتها، والمرافق التي تتولى إنشائها الوحدات الأخرى للإدارة المحلية. كما تبين اللائحة ما تباشره كل من المحافظات وباقي الوحدات من الاختصاصات المنصوص عليها.

ومعنى ذلك، أن إنشاء وإدارة المرافق العامة ذات الطابع المحلي هو الاختصاص الحصري للوحدات المحلية.. أما المرافق القومية التي يرجع أمر تحديدها إلى رئيس الجمهورية، فإنها تخرج عن اختصاص الوحدات المحلية، مع ملاحظة أن كل مرفق لم يوصّف بقرار من رئيس الجمهورية بأنه مرفق قومي يصبح بالضرورة محلياً.

ثانياً: الإدارة في الشؤون المحلية
قيام الوحدات المحلية بإدارة شؤونها الخاصة بهيئاتها الخاصة، كركن للإدارة المحلية، ينبثق في الواقع من العنصر السابق، حيث أن منح الشخصية المعنوية يفترض الاستقلال الإداري، ويعني أن يكون للشخص المعنوي جهازاً إدارياً خاص به يدير شئونه الخاصة ويتحدث باسمه، ويمثله أمام الغير بما في ذلك الدولة.

إن اللامركزية بمعناها الكامل تتحقق حينما يكون تشكيل مجالس الهيئات المحلية من أعضاء يختارون جميعاً بالانتخاب، مما يستبعد أية مشاركة للسلطة المركزية في تشكيل مجالس الوحدات المحلية.

وتكون اللامركزية ناقصة إذا كان تشكيل مجلس الوحدة المحلية مختلطاً، أي مكوناً من أعضاء منتخبين من سكان الإقليم ومن أعضاء معينين من قبل الإدارة المركزية.

إلا أن هناك رأي أخر في الفقه يؤكد على انعدام الصلة بين أسلوب الانتخاب واللامركزية الإدارية، حيث أن هذا الأسلوب يمكن الأخذ به في تكوين السلطات الإدارية جميعاً، المركزية منها وغير المركزية.

إضافة إلى ذلك، إن أسلوب التعيين لا يتنافى، بالضرورة مع اللامركزية، ذلك أن العنصر الأساسي في اللامركزية هو فكرة الإدارة الذاتية، أي وجود أجهزة إدارية مختلفة داخل الدولة الواحدة، يتمتع كل منها بقدر من الاستقلال والتسيير الذاتي في إدارة شئونها الخاصة، ويمكن أن يتحقق هذا الاستقلال حتى مع الأخذ بأسلوب التعيين، حيث تقوم الإدارة المركزية بتعيين جميع أعضاء مجالس الهيئات اللامركزية، شريطة توافر ضمانات معينة أهمها عدم القابلية للعزل من قبل الإدارة المركزية، والدليل على ذلك أن تشكيل الهيئات القضائية يتم، في العديد من الدولة، بأسلوب التعيين من قبل السلطة المركزية، ومع ذلك تحقق لهم الاستقلال تجاه السلطة المركزية بتوفير ضمانات معينة لهم، وبالذات عدم قابلية رجال القضاء للعزل.

على كل حال، لقد أنحاز المشرع الدستوري المصري للرأي القائل بضرورة الانتخاب كأسلوب لتشكيل هيئات الوحدات المحلية.

ثالثاً: خضوع الوحدة المحلية لرقابة السلطة المركزية
خضوع الوحدة المحلية لرقابة السلطة المركزية هو العنصر الثالث من عناصر الإدارة المحلية، ويطلق على رقابة السلطة المركزية اصطلاح تقليدي هو " الوصاية الإدارية " وهو في الواقع اصطلاح منتقد، لأنه قد يثير لبساً وخلطاً مع الوصاية المعروفة في القانون الخاص، بالرغم مما بين الوصفين من اختلافات جوهرية:
- فالوصاية في القانون الخاص تقوم على ناقص الأهلية من الأفراد، في حين أن الوحدات المحلية ليست كذلك.

- والوصاية في القانون الخاص أساسها فكرة الإنابة، بمعنى أن الوصي يبرم التصرف لصالح أو لحساب ناقص الأهلية، في حين أنه في القانون الإداري،تقوم الوحدة المحلية بالتصرف وإصدار قرارها، ثم تقوم سلطة الوصاية بمباشرة اختصاصها بعد ذلك، أي أن المبادرة في القانون الخاص عائدة إلى الوصي، بينما هي في الحالة الثانية تعود إلى الهيئة المحلية ذاتها.

وللوصاية الإدارية خصائص معينة يمكن إجمالها في الأتي
(1) لا وصاية إلا بنص صريح وفي حدود هذا النص فقط، حيث أن الأصل هو استقلال الوحدة المحلية، فإذا فات على المشرع أن يزود سلطة الوصاية الإدارية باختصاصات معينة إزاء بعض قرارات الوحدة المحلية، فإنها لا تستطيع أن تعالج الأمر بقرار منها، وعليها حينئذٍ أن تلجأ إلى القضاء الإداري طالبة إلغاء القرار الصادر عن الوحدة المحلية بالمخالفة لأحكام القانون.

وفي هذا الصدد تختلف الوصاية الإدارية عن السلطة الرئاسية، حيث أن السلطة الرئاسية مفترضة، إذ أن للرئيس أن يزاولها في مواجهة مرءوسه دون حاجة إلى نص خاص يأذن له بذلك.

(2) والوصاية الإدارية ليست شاملة بمعنى أن على المشرع أن يحدد على سبيل الحصر القرارات التي يخضعها لرقابة الإدارة المركزية، بحيث يترك للإدارة المحلية سلطة البت والتقرير النهائي في بعض الشئون دون معقب من الإدارة المركزية، والقول بغير ذلك يعدم استقلال الوحدة المحلية، ويجعلنا أمام مركزية مقنعة تلبس ثوب لامركزية وهمية.

(3) والوصاية الإدارية ليست مطلقة، بمعنى أن الإدارة المركزية لا تستطيع أن تفعل ما يحلو لها في مواجهة قرارات الوحدة المحلية.
فالأشخاص المحلية لها حق المبادرة، ولا توجد رقابة سابقة في صورة الإذن أو التصريح إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة، وما تملكه السلطة المركزية هو التصديق أو عدم التصديق على القرار برمته، فليس لها أن تعدل فيه، وليس لها أن تُحِلَّ قرارها الخاص بها محل قرار الوحدة المحلية.

ويلاحظ أن أثر التصديق ينحصر في قابلية القرار للتنفيذ، ولكن يظل هذا القرار منسوباً، بعد التصديق عليه، إلى الوحدة المحلية التي أصدرته، وعلى ذلك يجوز لها، أي للوحدة المحلية، العدول عن هذا القرار رغم التصديق عليه، كما أن قرار الوحدة المحلية ينفذ من تاريخ صدوره عنها، وليس من تاريخ التصديق عليه.

إضافة إلى كل ذلك، يمتنع على ممثلي السلطة المركزية إصدار تعليمات وأوامر إلى ممثلي الوحدة المحلية، ذلك أن هذا الاختصاص من مميزات السلطة الرئاسية التي لها طابع الإطلاق في مواجهة قرارات المرءوس، حيث أن الرئيس له، كما سبق القول، أن يلغي قرارات هذا المرءوس، أو يعدلها، أو يحل قراراته هو محلها.

(4) وأخيراً، إن للوحدة المحلية أن تلجأ للقضاء طالبةً إلغاء قرارات الإدارة المركزية التي تعدت بها على اختصاصاتها، أو التي جاءت مخالفة للقانون لسبب أو لآخر، في حين أنه في ظل المركزية الإدارية، لا يملك المرءوس مثل هذا الحق في مواجهة رئيسه الذي له أن يعدل في قرار هذا المرءوس، أو يلغيه، دون أن يكون لهذا المرءوس الحق في الطعن في قرار الرئيس أمام القضاء.

25. أكتب في الخصائص العامة لنزع الملكية للمنفعة العامة.
الخصائص العامة لنزع الملكية للمنفعة العامة:
إن لنزع الملكية للمنفعة العامة طابعاً استثنائيا صرفاً حرصت الدساتير المصرية المتعاقبة على إيضاحه، فالمادة التاسـ 9ـعة من دستور سـ 1923ـنة تقرر أن " للملكية الخاصة حرمة ، فلا ينزع عن أحد ملكه إلا بسبب المنفعة العامة، وفي الأحوال المبينة في القانون، والكيفية المنصوص عليها فيه، وبشرط تعويضه تعويضاً عادلاً".

وأحكام القضاء الإداري في المسألة أي مسألة نزع الملكية للمنفعة العامة خصائص وهي كالتالي:-
(1) أن نزع الملكية لا يرد إلا على عقار مادي مملوك للأفراد، وعلى ذلك، فلا محل لنزع ملكية المنقولات، أو الحقوق العينية التبعية، وإن كان العقار المنزوع ملكيته ستطهر منها – أي من هذه الحقوق – إذا كان محملاً بها كأثر من آثار نزع ملكيتها.

والاتفاق منعقد بين الباحثين على أن العقارات التي يجوز نزع ملكيتها هي تلك المملوكة للأفراد، أو الهيئات الخاصة، أو الداخلة في نطاق الدومين الخاص للأشخاص الإدارية.

وعلى أي حال، إن القدر المتيقن هو أن الأملاك العامة لا يجري عليها نزع الملكية، حيث أنها محكومة بمبدأ عدم القابلية للتصرف فيها، وفي هذه الحالة على الإدارة أن تتفق مع مالك المال العام على تجريده من صفة المال، مما يسمح بإمكان نزع ملكيته، أو تتفق معه، وهذا أيسر بكثير، على تغيير وجه تخصيصه.

ويبقى أن نشير إلى أنه وإن كان المشرع قرر أن يكون محل قرار نزع الملكية عقاراً، إلا أنه ليس ثمة ما يمنع أن يشتمل القرار أيضاً على العقارات بالتخصيص.

(2) إن نزع الملكية له هدف واحد، ألا وهو تحقيق المنفعة العامة، وهو أمر حرصت على الإشارة إليه مختلف الدساتير المصرية بدءاً من دستور سـ 1923ـنة ، وإنتهاءاً بدستور سـ1971ـنة، بل إن هذا الاعتبار، لأهميته، يشار إليه في تسمية التشريعات المنظمة لنزع الملكية.
ومع ذلك، لقد ترك المشرع، دستورياً كان أم عادياً، مسألة تحديد المنفعة العامة للإدارة التي تتمتع بشأنها بسلطة تقديرية واسعة.

(3) إن نزع الملكية للمنفعة العامة من اختصاص السلطة الإدارية، وإن كان من الجائز أن يكون المستفيد من القرار شخصاً خاصاً يدير مرفقاً عاماً بناءً على عقد التزام أبرمه مع الإدارة، أو شخصاً خاصاً يمارس نشاطاً ذا نفع عام لا تتوافر فيه صفة المرفق العام.( يقصد هنا إن نص المشرع مطلق في نزع الملكية سواء القائم بالمشروع فرد أو شركة خاصة).

(4) وأخيراً لا نزع للملكية بلا تعويض عادل، وهو أمر تفرضه ضرورة التوفيق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة للأفراد المنزوعة ملكيتهم، وهو، في نفس الوقت، تطبيق سليم لمبدأ المساواة بين الأفراد إزاء الأعباء العامة.

كما أن قانون نزع الملكية أعطى الحق لأصحاب الشأن في المنازعة في قيمة التعويض الممنوح لهم أمام لجنة إدارية يرأسها أحد قضاة المحاكم العادية، وأجاز الطعن فيما تصدره هذه اللجنة من قرارات أمام المحكمة الابتدائية المختصة.

26. أكتب في القرار الإداري الفردي والنوعي.
أولاً: القرارات الفردية
يقابل الفقه المصري يبن القرار اللائحي، من ناحية، والقرار الفردي من ناحية أخرى، وهو ما يعني أن كل قرار لا يضع قواعد مجردة يعتبر قراراً فردياً، بعبارة أخرى، إن الفقه يقيم معادلة مقتضاها أن كل قرار غير لائحي هو قرار فردي.

والحقيقة أن هذا النظر لم ينشأ من فراغ، فهو يستند إلى قضاء المحكمة الإدارية العليا التي لا تعترف، أو لا تعرف – من الناحية الموضوعية – سوى نوعين من القرارات : اللائحة والقرار الفردي.

ونحن نعتقد أن كل قرار غير لائحي لا يعني أنه قرار فردي، فهناك أنواع أخرى من القرارات غير اللائحية يجب تمييزها عن القرار الفردي.. إلا أننا نعترف مع التعريف الذي أعطته المحكمة الإدارية العليا للقرار الفردي بوصفه الإجراء " الذي سينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين " متفقين مع جمهور الفقه.

فالقرار الفردي هو، أولاً وقبل كل شيء، ذلك الإجراء الذي يمس شخصاً معيناً بذاته وباسمه، لا بصفته ووظيفته، أي أن هذا القرار يخاطب شخصاً معروفاً باسمه وبذاته، وقد يكون هذا الشخص فرداً، كالقرار الصادر بالتصريح لمالك قطعة أرض بالبناء فوقها، والقرار الصادر بالإذن لأحد الأجانب بالإقامة داخل البلاد أو بإبعاده، والقرار الصادر بهدم منزل آيل إلى السقوط.

وقد يكون الشخص، المخاطب بالقرار، عاملاً بالدولة، كالقرار الصادر بتعيين موظف عام، أو القرار الصادر بتوقيع جزاء عليه، عقوبةً له على خطأ اقترفه.

وقد يكون الشخص، المخاطب بالقرار، شخصاً من أشخاص القانون العام، وذلك كالقرار الصادر بالتصريح لمؤسسة الكهرباء ببناء محطة لإنتاج الكهرباء النووية، أو القرار الصادر لهيئة عامة بالتصريح باستيراد ما يلزم لنشاطها من معدات وآلات منتجة في الخارج (مصنعة في الخارج).

ومع ذلك، فمن الممكن أن يتعلق الإجراء بأفراد كثيرين ويبقى بالرغم من ذلك- قراراً فردياً، إلا أن هذه الحالة تخضع لشرطين:

الشرط الأول : أن يعين الإجراء هؤلاء الأفراد بأسمائهم وذواتهم.
الشرط الثاني : انعدام أية علاقة ترابط بين مراكزهم المختلفة.. بمعنى أن مركز كل فرد مستقل تماماً عن مركز غيره ممن يعنيهم الأمر، ومن الأمثلة على ذلك :
· القرار الصادر برفض ألتماس موقع عليه من عدة أشخاص، فالإجراء الصادر، في هذه الحالة، إن هو إلا تجميع لعدة قرارات فردية مستقل كل منها عن الأخر، ولا يؤثر أي منها في الآخر، بعبارة أخرى، لنا أن نتصور أننا إزاء عدة قرارات فردية صادرة برفض عدة التماسات من عدة أشخاص.
· كما أنه يعتبر قراراً فردياً الإجراء الصادر بتعيين أعضاء مجلس إدارة هيئة عامة فهذا القرار إن هو إلا تجميع لعدة قرارات فردية صادرة بتعيين أعضاء مجلس إدارة الشخص العام، وكل منها مستقل عن الأخر، ولا يوجد بينها أي نوع من الترابط.

وهكذا، يمكن القول بأن القرار الفردي هو ذلك القرار الذي يخاطب شخصاً معيناً بذاته وباسمه، أو أشخاصاً معنيين بدواتهم وأسمائهم، شريطة ألا يكون بين مراكزهم القانونية أي نوع من الترابط بالمعنى السابق.

ثانياً: القرارات النوعية:
القرارات النوعية هي تلك القرارات التي تتعلق بحالة معينة محددة بذاتها، وينتهي أثرها بانتهاء هذه الحالة، إلا أنها تمس عدداً غير محدد من الأفراد، وبهذه الخاصية تتشابه القرارات النوعية مع اللوائح، إذ أن هذه اللوائح تمس أشخاصاً غير معينين بدواتهم وأسمائهم، ولكنها تختلف عن اللوائح من حيث أنها- أي القرارات النوعية- لا تضع قاعدة عامة ومجردة، فهي مجرد تطبيق، فقط، لقاعدة عامة ومجردة موجودة عند إصدارها، بعكس اللوائح التي تضع هذا النوع من القواعد، تحتاج، لكي توضع موضع التنفيذ، إلى صدور إجراءات تنفيذية لها.

ويعطي القضاء الإداري الفرنسي الكثير من الأمثلة لهذا النوع من القرارات غير اللائحية، فالقرار الصادر بإعلان المنفعة العامة لمشروع معين ، هو قرار نوعي، ذلك إنه، يتعلق بمشروع معين معروف بذاته ومحدد تحديداً دقيقاً، ولكنه ذو أثر عام ومجرد، لأن من شأنه أن يحول إلى الدولة ملكية كمية غير محددة من الأموال التي يمتلكها أشخاص غير محددين أيضاً، وإن كان في نفس الوقت لا يتضمن أية قاعدة ذات طابع هام.

ومن القرارات النوعية، أيضاً ذلك الإجراء الذي يلزم مُلاك المنازل المطلة على ممر مائي بتطهير هذا الممر على حسابهم، فالقرار هنا، أيضاً، متعلق بعملية معينة محددة بذاتها، ولكنه ينطبق على أناس غير محددين بأسمائهم وبذواتهم ولكن بصفتهم كملاك للمنازل التي تطل على الممر المائي المراد تطهيره.

وأيضاً مثال أخر .. على القرارات الصادرة بتفريق مظاهرة ، أو بفض اجتماع عام، أو بمنعه ، أو بإلزام سكان مدينة ما بكسح الثلوج أي إزالة الثلوج التي تتراكم على مداخل مدينتهم أثناء ليل الشتاء، فهذه القرارات تعتبر جميعها قرارات نوعية وذلك لأنها أولاً تتعلق بحالة معينة بالتحديد: مظاهرة – اجتماع عام- كسح الثلوج أي إزالة الثلوج من أمام مداخل المدينة، ولأنها ثانياً تخاطب أفراداً غير معينين بأسمائهم وبذواتهم وإنما بصفاتهم فقط ، ولأنها أخيراً هذه القرارات لا تتضمن أية قواعد عامة مجردة.

على إننا يجب أن نقرر – للحقيقة – أن القرارات النوعية، باعتبارها قرارات غير لائحية، طائفة غير معروفة في القانون المصري. والفقه المصري يعتبرها قرارات فردية، فالدكتور سليمان الطماوي مثلاً يقرر أن الأوامر الصادرة من أحد رجال البوليس (الشرطة) إلى الجمهور بعدم التظاهر، أو بعد الاقتراب من مكان موبوء أو خطر، هو قرارات فردية، لأنها تستنفذ موضوعها بمجرد تنفيذها.

والدكتور محمد فؤاد مهنا يؤكد – من جانبه – أن القرارات الصادرة بتفريق مظاهرة، أو بفض اجتماع، أو بمنعه، أو بإلزام سكان مدينة معينة بالقيام بعمل ما لدفع خطر محدق بالمدينة تعتبر كلها قرارات فردية، إذ إنها – وإن خاطب كل منها أفراداً غير معينين بأسمائهم وبذواتهم، إلا أن كل قرار يتعلق بحالة معينة ينقضي أثره بانقضائها، بعبارة أخرى، إن الأمر الصادر بتفريق مظاهرة – أو بفض اجتماع معين – لا ينطبق إلا على هذه المظاهرة أو ذلك الاجتماع، فإذا تفرق المتظاهرون، أو أنفض المجتمعون تنفيذاً لهذه الأوامر، ثم عادوا ونظموا مظاهرة أخرى ، أو عقدوا اجتماعاً أخر، فإن الأمر المتعلق بالمظاهرة – الأولى أو بالإجتماع الأول – لا ينطبق على المظاهرة الثانية ، أو الاجتماع الثاني.

ولعل هذا الرأي يجد سنداً له من قضاء المحكمة الإدارية العليا، فهذه المحكمة الإدارية العليا تقرر خلافاً لما ذهب إليه مجلس الدولة الفرنسي – أن القرار الصادر بتقرير المنفعة العامة لمشروع معين بما يصاحبه ويترتب عليه من نزع ملكية الأفراد المالكين أو الحائزين " هو أقرب إلى القرارات الفردية لأنه يمس المركز القانوني الذاتي لكل مالك أو حائز لجزء من العقار الذي ينزع ملكيته كما يمس أيضاً المراكز القانونية الذاتية لمن ترد أسمائهم بالكشف المرافق للقرار من الملاك الحقيقيين الذي يكون لهم بعد الإطلاع على الكشف المذكور الحق في إبداء اعتراضهم إلى الجهة التي عينها القانون.

ونحن من جانبنا لا نعتقد في صواب الاستدلال الذي قامت عليه المحكمة الإدارية العليا في قضائها السابق، إذ أن القرار الصادر بتقرير المنفعة العامة لمشروع معين يرتب – ولا جدال في ذلك – آثاراً عامة ومجردة بالنسبة لمن تنزع ملكيتهم فيما بعد، فهو لا يذكرهم بالاسم، وإنما يتم تحديدهم وبذواتهم – فيما بعد – عندما تتخذ الإجراءات التنفيذية للقرار الصادر بتقرير المنفعة العامة للمشروع.

ومن ناحية أخرى، نرى تناقضاً في وجهة نظر الفقه المصري، حينما يعترف للقرار الصادر بفض مظاهرة، مثلاً، بالصفة الفردية، ويقرر في – نفس الوقت – أن هذا القرار بمس أشخاصاً معينين بصفاتهم لا بأسمائهم وذواتهم، فكون القرار يعين من يخاطبه بصفته يمحو عنه صفة القرار " الفردي "، ويقربه من القرار اللائحي، ولكن لكون القرار محل البحث لا يتضمن قاعدة عامة ومجرة، ويتعلق فقط بحالة معينة ومحددة ، فإنه يبتعد عن القرار اللائحي – ومن هنا جاء تكييفه " بالقرار النوعي"

خلاصة القول، إن القرار غير اللائحي ليس هو القرار الفردي، فالقرار الفردي إنما هو طائفة من القرارات غير اللائحية وتوجد طائفتين أخريين إلى جوارها هما :القرارات الجماعية ، والقرارات النوعية .


27. أكتب في التمييز بين العمل الإداري وأعمال السيادة.
العمل الإداري وأعمال السيادة:
تنص المـ 11ــادة من قانون مجلس الدولة رقــ 47ـم لسـ1972ـنة على أنه " لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة "
كما ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال السيادة.

فتكييف عمل ما بأنه عمل سيادة – عمل حكومي – تترتب عليه، إذن، نتيجة بالغة الخطورة. ألا وهي تحصين هذا العمل ضد رقابة القضاء إدارياً كان أم عادياً، وذلك بعكس العمل الإداري والعمل الحكومي، (فعلى أي أساس تستند التفرقة بن هذين العملين؟)

يمكن القول بصفة عامه أن استخدام المعيار العضوي لتمييز أعمال السيادة عن الأعمال الإدارية يقود إلى طريق مسدود، وسبب ذلك بسيط : فإعمال السيادة – مثلها في ذلك مثل الأعمال الإدارية – تصدر عن السلطة التنفيذية. ومع الاعتراف بعدم جدوى اللجوء إلى المعيار العضوي تشعبت المحاولات الهادفة إلى التفرقة بين عمل السيادة ، والعمل الإداري.

وأخذت أولى هذه المحاولات بمعيار الباعث على العمل، أو الهدف منه، وقد أخذ بهذا المعيار مجلس الدولة الفرنسي في أول محاولة منه لتمييز العمل الإداري عن عمل السيادة، ومقتضاه أن العمل يعتبر من أعمال السيادة إذا كان الباعث عليه سياسياً، أما إذا كان الباعث أو الهدف منه ليس كذلك أي ليس سياسياً، فإنه يعتبر عملاً إدارياً، ويخضع لرقابة القضاء.

فالواضح أن عمل السيادة يُعرَّف بالهدف والغاية التي يهدف هذا العمل إلى تحقيقها، وأياً كان مضمونه.

وهكذا، فالقرارات الصادرة بالاستغناء مثلاً عن عدد من الضباط تعتبر من أعمال السيادة التي تخرج عن ولاية القضاء.

أما المحاولة الثانية للتمييز بين عمل السيادة والعمل الإداري فتستند إلى طبيعة العمل أو موضوعه، ومؤداها أن العبرة هي بفحوى العمل نفسه وموضوعه بصرف النظر عن الباعث عليه.

وفي هذا الإطار يمكن القول بأن العمل يكون من أعمال السيادة إذا كان تنفيذاً لنص دستوري، ويكون عملاً إدارياً إذا صدر تنفيذاً للقوانين أو اللوائح، ويمكن صياغة هذا المعيار في عبارات أخرى بالقول بأن عمل السيادة هو ذلك العمل الصادر عن السلطة التنفيذية بوصفها حكومة، في حين أن العمل يكون إدارياً إذا كان صادراً عنها بوصفها إدارة.

ولقد أخذت محكمة القضاء الإداري بهذا المعيار، فهي تقرر " أن أعمال السيادة هي تلك الأعمال التي تصدر عن الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة ، فتباشرها بمقتضى هذه السلطة العليا لتنظيم علاقاتها بالسلطات العامة الأخرى داخلية كانت أو خارجية، أو تتخذها اضطراراً للمحافظة على كيان الدولة في الداخل أو للدفاع عن سيادتها في الخارج.

وهذه الملحوظة صحيحة، وهي تدل على الطابع المرن والتطور لعمل السيادة، فمن الممكن تماماً أن عملاً ما يوصف – في ظروف معينة – بأنه عمل سيادة، وفي ظروف أخرى، لا يعتبر نفس العمل من طائفة أعمال السيادة
وهكذا فقد أعتبر القانون رقـ31ـم لسـ1963ـنة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع – أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي – من أعمال السيادة، كل ذلك بقصد منع محاكم مجلس الدولة من النظر في الطعون التي تقدم بشأنها.

غير أن القانون رقـ10ـم لسـ1972ـنة بشأن منع التقاضي والفصل بغير الطريق التأديبي نص في مادته الرابعة على إلغاء القانون رقـ31ـم فيما تضمنه من اعتبار القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية بفصل العاملين بغير الطريق التأديبي أو بإحالتهم إلى المعاش " أي التقاعد " أو إلى الاستيداع من أعمال السيادة.

ولعل ذلك الطابع المرن والمتطور لعمل السيادة هو الذي جعل المشرع يعزف (أي يمتنع) عن وضع تعريف لها تاركاً ذلك للقضاء فنص المادتين 11 من القانون رقـ47ـم لسـ1972ـنة و17 من القانون رقـ46ـم لسـ1972ـنة يستخدم المشرع فقط تعبير " أعمال السيادة " دون أن يوضح المقصود من ذلك.

وبالرجوع إلى مجموعات أحكام محاكم القضاء الإداري، يمكن القول بأن من ضمن الأعمال التي يعتبرها القضاء الإداري من قبيل أعمال السيادة : الأعمال المنظمة لعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، والأعمال المتصلة بالعلاقات الدولية والدبلوماسية، وبعض الأعمال الحربية ، وبعض إجراءات الأمن الداخلي .. الخ.

كل ذلك يعني أن التفرقة بين أعمال السيادة وأعمال الإدارة أمر عسير من الناحية القانونية، ويلقي ظلالاً كثيفة من الشكوك على جدواها، والمصلحة منها.

28. أكتب في نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة.
نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة:
قد تطرأ عند تنفيذ العقود الإدارية – وبخاصة عقود الأشغال العامة- صعوبات مادية استثنائية لم تدخل في حسبان طرفي العقد وتقديرهما عند التعاقد، وتجعل التنفيذ أشد وطأة على المتعاقد مع الإدارة، وأكثر، كلفة.

ففي هذه الحالة، ومن باب العدالة يجب تعويض المتعاقد مع الإدارة عن ذلك، بزيادة الأسعار المتفق عليها في العقد، اعتباراً بأن الأسعار – المتفق عليها – لا تسري إلا على الأعمال العادية المتوقعة فقط، فهذه هي نية الطرفين المشتركة.

فأساس هذه النظرية، إذن، هي اعتبارات العدالة، ولتطبيقها يلزم توافر شروط ثلاثة هي كالتالي:-
(1) أن تكون الصعوبات مادية وغير متوقعة أو استثنائية
(2) أن تكون هذه الصعوبات طارئة، أي غير متوقعة، أو مما لا يمكن توقعه أو لم يكن في الوسع توقعها عند التعاقد.
(3) أن يترتب على التنفيذ نفقات تتجاوز الأسعار المتفق عليها في العقد، وتزيد في أعباء المتعاقد مع الإدارة.

ومن الملاحظ أن شرط الصعوبة غير العادية أو الاستثنائية يختلف تحققه باختلاف الحالات التي تعرض في التطبيق، فإذا كان موضوع العقد هو تطهير ترعة ، فإن هذا الشرط لا يتوافر لمجرد أن الطبقة (أي طبقة الترعة) التي صادفها المتعاقد مع الإدارة كانت ذات صلابة غير عادية، بل يجب أن تكون هذه الطبقة بامتداد غير عادي أيضاً ، بأن تكون لمساحات واسعة، أو بنسبة كبيرة من مجموع المنطقة، وبهذا وحده يتحقق المراد من اعتبار الصعوبة غير عادية أو استثنائية، لأنه يدل على طبيعة أصلية في التربة ذاتها.

ولكن، بتوافر هذا الشرط في العقد الذي يلتزم فيه المتعاقد بحفر ترعة، وأثناء التنفيذ صادف صعوبة غير متوقعة تتمثل في زيادة حجم التربة الصلبة – أضعافاً مضاعفة – تتجاوز ما كان مقدراً على أساس الاختبارات التي جرت بمعرفة المقاولين قبل التعاقد، وبمعرفة الهيئة، وهو ما أستوجب استخدام كرارات ذات قاطع خاص (أي حفارات) لاستخراج كميات هائلة من الأتربة تفوق أضعافاً مضاعفة كل ما كان متوقعاً ومقرراً.

والشرط الخاص بوجوب أن تكون الصعوبة طارئة ينطوي على معنى المفاجأة في صورة معينة، كأن يجد المتعاقد مع الإدارة نفسه أمام حالة لم يكن يتوقع حدوثها، لا بناءً على دفتر الشروط، ولا من دراسته الأولية للمشروع (دراسة الجدوى) أو بالرغم مما نبه إليه، أو ما أتخذه من حيطة لا تفوت على الشخص البصير بالأمور، قبل الإقدام على المساهمة في تسيير المرفق العام، والتعاقد بشأنه.

ويترتب على تطبيق هذه النظرية حصول المتعاقد مع الإدارة على تعويض كامل عن جميع الأضرار التي يتحملها، وذلك بدفع مبلغ معين إضافي له على الأسعار المتفق عليها بالعقد.

وبذلك تختلف هذه النظرية من حيث سببها، والنتائج المترتبة عليها عن نظرية الظروف الطارئة، فنظرية الظروف الطارئة تطبق بسبب ظروف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ينشأ عنها قلب اقتصاديات العقد أو اختلال التوازن المالي، ويقتصر التعويض فيها على قدر محدود تساهم فيه جهة الإدارة.

كما أنها تختلف عن نظرية عمل الأمير من حيث سببها، فنظرية عمل الأمير تطبق بسبب إجراء عام أو خاص صادر عن السلطة الإدارية المتعاقدة، ولكنها تتفق معها في النتيجة، ففي كلا الحالتين التعويض كامل، وليس جزئي.

29. أكتب في إلغاء القرارات الإدارية./ أكتب في سحب القرارات الإدارية/أكتب في زوال القرار الإداري.(انتهاء تطبيق القرار الإداري بأثر رجعي )

انتهاء تطبيق القرار الإداري بأثر رجعي:
تنعدم آثار القرار الإداري بأثر رجعي، سواءً بإلغائه من جانب القضاء، أو بصدور قرار بسحبه من جانب الإدارة. فسحب القرارات الإدارية يتضمن، إذن، إعدام آثار القرار الإداري ليس فقط بالنسبة إلى المستقبل، ولكن بالنسبة للماضي أيضاً ، وكأن القرار لم يولد مطلقاً، ولم يرتب أية آثار قانونية.

ويمكن التقرير في هذا الشأن أن سلطة الإدارة في السحب تخضع لشرطين هما:
الشرط الأول : عدم مشروعية القرار الإداري محل السحب.
الشرط الثاني : ضرورة أن يتم السحب خلال الميعاد المقرر قانوناً للطعن قضائياً في القرار (ميعاد السحب).
أولاً : عدم مشروعية القرار محل السحب:
من المسلم به أن القرار الإداري السليم لا يجوز سحبه، وهذا المبدأ يستند إلى قاعدة أساسية تقضي بعدم رجعية القرارات الإدارية، فالقرار الساحب، لو افترضنا جواز سحب القرارات السليمة، سيكون ذا أثر رجعي من حيث إعدامه لآثار القرار المسحوب من تاريخ صدور هذا القرار الأخير، ذلك أنه من غير المعقول تحريم الرجعية في حالة القرارات المنشئة أو المعدلة لمراكز قانونية، وإباحتها بالنسبة إلى القرارات التي تتضمن إلغاء لهذه المراكز.

في الحقيقة، إن عدم سحب القرار الإداري السليم يأخذ بعين الاعتبار فكرة احترام الحقوق المكتسبة، فإذا أكتسب الأفراد حقاً في ظل وضع قانوني معين، فإن المساس بهذا الحق غير جائز حتى ولو تغيرت الأوضاع القانونية التي تم في ظلها اكتساب هذا الحق، كما أن عدم جواز سحب القرار الإداري السليم يتضمن احتراماً لفكرة استقرار المعاملات التي تقضي بأن التنظيم إنما يكون للمستقبل مع عدم المساس بالآثار التي ترتبت في الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، إن القرار الصادر بسحب قرار سليم ينطوي على مخالفة لقواعد الاختصاص من حيث الزمان، فالذي أصدر القرار الصادر بالسحب يتعدى حدود اختصاصاته الزمنية، ويعتدي على اختصاصات من أصدر القرار محل السحب.
وعلى ذلك، إذا صدر قرار إداري ممن يملكه – وبناءً على سلطته التقديرية بتوقيع جزاء على أحد العاملين – فإن هذا القرار يكون سليماً ومطابقاً للقانون ومن غير الجائز سحبه " حيث أن مشروعية سحب القرارات التأديبية تقوم أساساً على تمكين الجهة الإدارية من تصحيح خطأ وقعت فيه، ويقتضي ذلك أن يكون القرار المراد سحبه قد صدر مخالفاً للقانون، أما إذا قام الجزاء على سبب صحيح مستوفياً شرائطه القانونية، فإنه يمتنع ولا يجوز على الجهة الإدارية سحبه لتوقيع جزاء أشد منه".
فيجب إذن أن يكون القرار محل السحب غير مشروع، ومع ذلك يجب التقرير بأن هذه القاعدة ليست مطلقة، فهناك بعض الاستثناءات التي ترد عليها، أي أن من الممكن وفي أحوال معينة سحب القرارات الإدارية السليمة. فالقرارات التي لا تولد حقوقاً للأفراد- منها اللوائح وبعض القرارات غير اللائحية – يجوز سحبها.. وفي ذلك تقول المحكمة الإدارية العليا " أن القرارات الإدارية الفردية التي لا تنشئ مزايا أو مراكز أو أوضاعاً قانونية بالنسبة للغير.. يكون من حق جهة الإدارة سحبها في أي وقت، لأن القيود التي تفرض على جهة الإدارة في سحب القرارات الفردية إنما تكون في حالة ما إذا أنشأت هذه القرارات مزايا أو أوضاعاً أو مراكز قانونية لمصلحة فرد من الأفراد لا يكون من المناسب حرمانهم منها". . وكذلك بالنسبة للوائح فالمحكمة تؤكد " أنه يجوز سحب القرارات التنظيمية العامة سواءً بالإلغاء أو التعديل في أي وقت حسبما تقتضيه المصلحة العامة.
ومن القرارات التي يجوز سحبها – حتى ولو كانت سليمة – تلك الصادرة بفصل الموظفين، وفي ذلك تقول المحكمة الإدارية العليا: " إن قرار الفصل سواءً أعتبر صحيحاً أو غير صحيح ، فسحبه جائز على أي الحالين، لأنه إذا أعتبر مخالفاً للقانون فلا جدال في جواز سحبه إذ السحب يكون مقصوداً به مفاده الإلغاء القضائي ولأنه إذا أعتبر مطابقاً للقانون فالسحب هنا جائز استثناء لاعتبارات تتعلق بالعدالة، لأن من المفروض أن تنقطع صلة الموظف بالوظيفة بمجرد فصله، وأنه يجب لإعادته إلى الخدمة صدور قرار جديد بالتعيين، ولكن قد يحدث خلال فترة الفصل أن تتغير شروط الصلاحية للتعيين، وقد يصبح أمر التعيين لهذا الموظف مستحيلاً أو قد يؤثر الفصل تأثيراً سيئاً في مدة خدمة الموظف أو في أقدميته، ومن جهة أخرى، قد تتغير الجهة التي تختص بالتعيين فتصبح غير تلك التي فصلت الموظف، وقد لا يكون لديها استعداداً لإصلاح الأذى الذي أصاب الموظف بفصله، أو غير ذلك من اعتبارات العدالة التي توجب علاج هذه النتائج الضارة". (فلو صدر قرار فصل موظف يجوز سحبه لاعتبارات العدالة .. الأصلح للموظف)
ولا يصح، في هذا المجال، الخلط بين القرار الصادر بالفصل والقرار الصادر بإنهاء خدمة الموظف استناداً إلى الاستقالة الصريحة أو الضمنية، ذلك أنه كما تقرر المحكمة الإدارية العليا " أنه لا يسوغ لجهة الإدارة سحب القرار الصادر بإنهاء الخدمة استناداً إلى الاستقالة الصريحة أو الضمنية لأن سحب قرار إنها الخدمة في هذه الحالة ينطوي على إهدار الإدارة للضوابط والشروط التي فرضها المشرع على الإدارة عند إعادة العامل إلى الخدمة وحساب المدة التي قضاها خارج الوظيفة.
ويمكن، أيضاً ، سحب القرار الإداري السليم – حتى ولو رتب حقاً مكتسباً – وذلك إذا طلب المستفيد ذلك من جهة الإدارة أملاً في الحصول على قرار أصلح. فللإدارة أن تلبي رغبة صاحب الشأن (المستفيد) شريطة أن لا يكون في سحب القرار مساساً بحقوق مكتسبة للغير، وأن تصدر السلطة الإدارية فعلاً القرار الأصلح.

وأخيراً، يجوز سحب القرارات الإدارية الفردية متى كان السحب تنفيذاً لحكم قضائي نهائي يقع على عاتق السلطة العامة المتوجب عليها وضعه موضع التطبيق.

ثانياً : ميعاد السحب:
القاعدة، في هذا الخصوص، هي أن سلطة الإدارة – في سحب قراراتها غير المشروعة – مقيدة بالميعاد المحدد للطعن قضاءً بالإلغاء في هذه القرارات – وتبرير ذلك أن إنقضاء هذا الميعاد – هو ستون يـ60ـوماً – يضفي على القرار طابعاً نهائياً بحيث لا يجوز المساس به، ويصبح مصدراً يعتد به شرعاً لمراكز قانونية صحيحة، ولحقوق مكتسبة لذوي المصلحة فيه.

لذلك، ليس من المعقول أن تمنح الإدارة رخصة الاعتداء على هذه الحقوق تحت أي شكل حتى ولو كان القرار معيباً، كل ذلك تفرضه ضرورة التوفيق بين حق الإدارة المسلم به في إصلاح ما ينطوي عليه قرارها من مخالفة قانونية من ناحية ، ووجوب استقرار الأوضاع القانونية المترتبة على هذا القرار من ناحية أخرى.

ولكن ، هل يجب أن يتم السحب فعلاً خلال هذه الفترة .. الإجابة هي لا أي بالنفي وفي ذلك تعلن المحكمة " أنه مما تجب المبادرة إلى التنبيه إليه إنه ليس بلازم أن يتم السحب كلياً أو جزئياً خلال المدة المقررة له، وإنما يكفي لتحقيق مقتضى الحكم المتقدم أن تكون إجراءات السحب بإفصاح الإدارة عن إرادتها في هذا الخصوص قد بدأت خلال الميعاد المذكور فيدخل القرار بذلك في طور من الزعزعة وعدم الاستقرار ويظل بهذه المثابة طوال المدة التي يستمر فيها فحص الإدارة لشرعيته طالما أنها سلكت مسلكاً إيجابياً نحو التحقق من مطابقته أو عدم مطابقته للقانون إلى أن تحدد موقفها منه نهائياً.

والأمر كذلك، هل الإدارة ملتزمة حتماً – وفي كل الأحوال- بمراعاة ميعاد الطعن قضائياً بالإلغاء في القرار حتى تستطيع سحبه؟ الإجابة هي لا أي بالنفي، فهناك قرارات لا يتقيد سحبها بهذا الميعاد.

وأول طائفة من هذه القرارات هي تلك الصادرة بناءً على اختصاص إداري مقيد، ومن أمثلتها القرار الصادر بمنح شهادة جامعية. ومن هذه القرارات ثانياً تلك القرارات المعدومة، أي تلك التي لحقت بها مخالفة جسيمة أفقدتها صفة القرار، وهبطت بها إلى مجرد الأعمال المادية التي لا تتمتع بشيء من الحصانة المقررة للقرارات الإدارية، ونفس الحكم ينطبق، أيضاً، على القرارات الصادرة بناءً على غش أو تدليس ممن صدرت لمصلحتهم، فالمراكز القانونية المتولدة عن أي من هذين العملين الغش أو التدليس ليست جديرة بحماية القانون مهما تقادم بها الزمن، وعلى ذلك، فاكتساب الجنسية، أو التعيين في وظيفة عامة ، أو الحصول على ترخيص بالإقامة داخل البلاد، بناءً على مسوغات مزورة، أو إخفاء مستندات هامة، لا يتحصن القرار بفوات ميعاد الطعن بالإلغاء، بل يجب على الإدارة في مثل هذه الأحوال سحب هذه القرارات بمجرد اكتشافها لحقيقة الغش أو التزوير
والسحب – دون التقيد بميعاد معين – جائز أيضاً، وإذا كان موضوعه قرار لا يمكن تحقيق أثره (تحقيقه) أي استحال محله، ومثال ذلك أن تقوم الإدارة بترقية أحد الموظفين إلى درجة غير قائمة قانوناً.

ونفس الحكم ينطبق على القرار الصادر بتعيين بعض الموظفين على درجات مشغولة في ذلك الوقت.

30. أكتب في مبدأ المساواة أمام الوظائف العامة.
المساواة أمام الوظائف العامة.
يقصد بالمساواة أمام الوظيفة العامة أن يتساوى جميع المواطنين في تولي الوظائف العامة بمعاملتهم نفس المعاملة من حيث المؤهلات والشروط المتطلبة قانوناً لكل وظيفة، ومن حيث المزايا والحقوق والواجبات والمرتبات والمكافآت المحددة لها.

أولاً : المساواة والوظائف المحجوزة:
على أنه لا يتعارض مع الالتزام باحترام مبدأ المساواة – في تولي الوظائف العامة – ما يقرره المشرع أحياناً من حجز لفئات معينة من الوظائف لأشخاص معينين بصفاتهم، لا بأسمائهم وذواتهم.

من قبيل ذلك ما نص عليه الدستور المصري في المـ15ـادة منه من أن " المحاربين القدماء والمصابين في الحرب أو بسببها ولزوجات الشهداء وأبنائهم الأولوية في فرص العمل وفقاً للقانون ".

وتطبيقاً لذلك قرر المشرع " تحدد بقرار من رئيس مجلس الوزراء الوظائف التي تحجز للمصابين في العمليات الحربية الذين تسمح حالتهم بالقيام بأعمالها، كما يحدد ذلك القرار قواعد شغلها، ويجوز أن يعين في هذه الوظائف أزواج هؤلاء المصابين أو أحد أولادهم أو أحد إخوتهم القائمين على إعالتهم، وذلك في حالة عجزهم عجزاً تاماً أو وفاتهم، إذا توافرت فيهم شروط هذه الوظائف، وكذلك الأمر للشهداء.

ثانياً : مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة:
مبدأ المساواة أمام الوظائف العامة لا يحتم المساواة بين الرجل والمرأة في كافة الوظائف.
فإن المرأة تؤثر على الرجل في بعض الأعمال لما تتميز به المرأة من صفات خاصة، فإيثار المرأة على الرجل في هذه النواحي من النشاط لا يعد إخلالاً بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة

ثالثاً : مبدأ المساواة والمساواة المادية بين أصحاب المؤهل الواحد :
المساواة أمام الوظائف العامة لا تعني المساواة المادية بين أصحاب المؤهل الواحد: حيث أن أصحاب المؤهل الواحد قد يشغلون وظائف مختلفة من حيث متطلبات كل وظيفة، مما يترتب عليه التفرقة بينهم من حيث المعاملة المادية.

إن المساواة المقصودة في هذا الصدد وعلى ما هو ظاهر من نصوص الدستور هي المساواة في الحقوق والواجبات كتولية الوظائف العامة لا المساواة المادية لذوي المؤهل الواحد والمؤهلات المتشابهة في الدرجة والراتب رغم ما يكون بين بعضهم البعض من فوارق جمة في الكفاية ونوع العمل والتخصص وأتساع فرص الترقي في وزارة أو مصلحة أو قسم عنها في غيرها من الوحدات الإدارية الأخرى.

رابعاً : مبدأ المساواة وعدم التفرقة بين المواطنين ذوي الظروف المتماثلة:
إذا كان ما سبق لا يتعارض مع مبدأ المساواة أمام الوظائف العامة، فإن هذا المبدأ يحتم عدم التفرقة بين المواطنين، ما دامت ظروفهم متماثلة، أمام الوظائف العامة، وفي ذلك تقوم محكمة القضاء الإداري في إحدى أحكامها " إن القول بأن العمدة المطعون ضده أعرابي يقيم في عزبة بعيداً عن القرية لا ينزع عنه صفة الجنسية المصرية، والدستور ساوى بين المصريين في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفيما عليهم من واجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين، وإقامته في عزبة لا تمنع من تعيينه عمدة، إذ العزبة تتبع القرية وله أملاك فيها تجعله على اتصال مستمر بها".

بل أن إعمال مبدأ المساواة يلزم الإدارة ببحث حالة كل من المتنافسين على الوظيفة بنفس الدرجة، فلا يجوز لها أن تبحث حالة أحدهما بعمق بحيث تقدم صورة حقيقية لصاحبها، وتبحث حالة الأخر بسطحية ، بحيث لا تقدم صورة صادقة له.

31. أكتب في واجب الموظف العام في التفرّغ لأداء العمل الوظيفي.
التفرّغ لأداء العمل الوظيفي
تحرص القواعد المنظمة لأسلوب أداء الموظف العام مهام منصبه -أياً كان مصدرها – تحديد ساعات معينة للعمل الوظيفي، وتحديد ساعات أخرى للراحة، غير أن ذلك لا يعني – مطلقاً – حرية الموظف العام في استعمال الأوقات المخصصة لغير العمل حسبما يرغب، وكيفما يريد.
وينتج عن واجب التفرّغ للوظيفة العامة مجموعة من النتائج الهامة منها:-
أولاً : جواز تكليف الموظف بأي عمل:
باستطاعة السلطة الإدارية المختصة تكليف الموظف الخاضع لها بأي عمل يدخل في اختصاصه أو – عند الضرورة- يكون خارجاً عن اختصاصه، وليس لهذا الأخير أي للموظف الامتناع عن ذلك ما دام قادراً على القيام بالعمل المكلف به، وإلا كان عرضة للعقاب التأديبي.
ثانياً : جواز تكليف الموظف بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية:
إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك، جاز للرئيس الإداري تكليف مرءوسيه بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية، ولا حاجة له – لتقرير ذلك – إلى الاستناد إلى نصوص صريحة، حيث أن الأصل العام – على ما سبق القول – هو أن على الموظف أن يكرّس كامل وقته لأداء عمله ، ومن يمتنع عن تنفيذ هذه التكليف يعد مرتكباً لذنب إداري يستحق عليه العقاب التأديبي.
ولقد أوضحت المحكمة الإدارية العليا – مضمون الواجب بقولها " الأصل أن يخصص الموظف وقته وجهده في الحدود المعقولة لأداء واجبات وظيفته، وأن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به في أوقات العمل الرسمية أو الذي يكلف بأدائه ولو في غير هذه الأوقات علاوة على الوقت المعين لها متى اقتضت مصلحة العمل ذلك .. فإذا لم يؤد عملاً ما أو لم ينجز القدر من العمل المنوط به إنجازه كان مقصراً في واجبات وظيفته، وحق للرئيس إلزامه بأن يقوم بهذا العمل في غير أوقات العمل الرسمية بما لم يؤده أو ما لم يتم إنجازه من عمله الأصلي في أوقات العمل الرسمية دون أن يعتبر ذلك تكليفاً له بعمل إضافي، ودون أن يستحق عن ذلك مكافأة ما".
وإذا كانت القوانين واللوائح تجيز منح الموظف مقابلاً مالياً عن العمل الذي يؤديه في غير أوقات العمل الرسمية، فإن ذلك مقيد بقيدين :
القيد الأول : هو أن يكون حجم العمل من كبير بحيث لا يمكن إنجازه في الوقت الرسمي
القيد الثاني : هو أن يتوافر الاعتماد المالي الذي يسمح بدفع الأجر.
"فالقاعدة الأساسية التي تحكم استحقاق العامل أجراً عما جاوز أيام العمل الرسمية هو وجوب التزام حدود الاعتمادات المالية المقررة لذلك في الميزانية، فإن وجدت هذه الاعتمادات منح الأجر".
ثالثاً: عدم جواز الجمع بين الوظيفة وعمل أخر
هذا ما أشارت إليه صراحة الفقـ11ـرة من المـ77ـادة – حيث حظرت على الموظف العام " أن يجمع بين وظيفته وبين أي عمل أخر يؤديه بالذات أو بالواسطة إذا كان من شأن ذلك الإضرار بأداء واجبات الوظيفة، أو غير متفق مع مقتضياتها وذلك مع عدم الإخلال بأحكام القانون 125 لسـ1961ـنة الذي يقصر تعيين أي شخص على وظيفة واحدة".

ولعل مغزى هذا الحظر يظهر جلياً في منع الموظف العام من مباشرة الأعمال المريحة في أوقات فراغه، كمزاولة الأعمال التجارية المختلفة، لأن ممارسة هذه الأعمال تتعارض مع مبدأ التفرغ الوظيفي، إضافة إلى أنها تعرض الموظف لمخاطر غير محدودة، في حالة توقفه عن الدفع، وإشهار إفلاسه.

ويندرج تحت هذا الحظر شراء العقارات أو المنقولات التي تطرحها السلطة العامة للبيع، إذا كان لهذا النشاط صلة بأعمال وظيفته، كما لا يجوز أن تكون له مصلحة في أعمال أو مقاولات أو مناقصات ذات صلة بمهامه الوظيفية.
إضافة إلى ذلك يمتنع على الموظف الاشتراك في تأسيس الشركات أو قبول عضوية مجالس إدارتها أو أي عمل فيها إلا إذا كان مندوباً عن شخص عام أو شركة قطاع عام، وليس له أيضاً أن يستأجر أراضي أو عقارات بغية استغلالها في الدائرة التي يؤدي فيها مهام منصبه، وذلك إذا كان لهذا الاستغلال صلة بعمله.

ومع ذلك، ثمة استثناءات ترد على هذا المبدأ يجوز معها للموظف – في غير أوقات العمل الرسمية – ممارسة بعض الأعمال خارج الوظيفة، ومنها :
- السماح لبعض الموظفين، كالمهندسين والأطباء والمحاسبين وأساتذة كلية الحقوق، بممارسة أعمالهم المهنية خارج أوقات العمل الرسمية.
ويلاحظ، مع ذلك ، أن على الموظف أن ينجز عمله الأصلي أولاً، لا يجوز له – لتبرير تأخيره في القيام به- الاحتجاج بانشغاله بعمله الإضافي المسموح له بمزاولته، بغض النظر عما إذا كان هذا العمل الأخير بأجر أو بغير أجر.
- وللسلطة الإدارية المختصة – متمثلة في الوزير أو في رئيس إداري أخر – الترخيص للموظف العام بالعمل بعض الوقت لدى الغير، شريطة أن يكون هذا العمل خارج أوقات العمل الرسمية.

- للموظف القيام بأعمال القرابة أو الوصاية، إذا كانت تربطه بالمشمول بأي منها صلة قرابة أو نسب حتى الدرجة الرابعة، كما أن له الوكالة عن الغائب الذي تربطه به صلة قرابة أو نسب حتى ذات الدرجة أي لدرجة الرابعة.
أيضاً، للموظف تولي أعمال الحراسة على الأموال التي يكون شريكاً فيها أو صاحب مصلحة فيها، أو مملوكة لمن تربطه به صلة نسب أو قرابة حتى الدرجة الرابعة، شريطة إخطار السلطة الرئاسية التابع لها.


32. أكتب في طبيعة العلاقة الوظيفية.
طبيعة العلاقات الوظيفية:
النظرية التعاقدية
نعرض، في هذا المطلب ، لتطور النظرية التعاقدية من ناحية ، وللانتقادات الموجهة إليها من ناحية أخرى.

أولاً: تطور النظرية التعاقدية :
في بداية الأمر، أتجه الفقه، متأثراً في ذلك بالنظريات المدنية، إلى القول بأن الموظف يرتبط بالدولة بعقد من عقود القانون الخاص.
فإذا كان العمل المسند إلى الموظف مباشرته عملاً ذهنياً كان العقد عقد وكالة، وإن كان من نوع خاص، إذ أن الدولة حينما تطلب من هؤلاء الوكلاء القيام ببعض الخدمات، فإنها تنقل إليهم، في نفس الوقت، جزءاً من سلطتها. وإذا كان العمل المسند إلى الموظف القيام به، مجرد عمل يدوي جسماني، فإن العقد يوصف بأنه عقد عمل، أو عقد إجارة الأشخاص، حيث أن هؤلاء الأشخاص يقتصر عملهم على تنفيذ القرارات دون أن يكون لهم أية سلطات خاصة.

غير أن هذا الرأي ما كان له أن يتفق مع مبادئ القانون الإداري ذات الطابع المميز. ولذلك ذهب رأي إلى القول بأنه إذا كان من الصحيح أن الموظف يرتبط مع الدولة برابطة تعاقدية، إلا أن هذا التعاقد يتم في إطار القانون العام، وبعبارة أخرى، إن عقد الوظيفة العامة ليس عقداً خاصاً ، وإنما هو عقد إداري من عقود القانون العام.

ولا شك أن نظرية عقد القانون العام أكسبت عقد الوظيفة العامة الكثير من المرونة حيث أصبح بإمكان الإدارة تعديل النصوص التعاقدية وفقاً لمشيئتها، إعمالاً لمبدأ مسلم به، وهو مبدأ قابلية قواعد المرفق العام للتعديل والتغيير لمطابقة حاجات الأفراد المتغيرة.

ولقد أعتمد مجلس الدولة الفرنسي على فكرة عقد القانون العام لتبرير فصل الموظفين المضربين عن العمل، دون حاجة إلى اتخاذ إجراءات تأديبية في مواجهتهم، لأن الموظفين القائمين على أمور المرافق العامة حينما يضربون، أي يتوقفون عن العمل بشكل جماعي، فإنهم يضعون أنفسهم خارج نطاق تطبيق القوانين واللوائح الصادرة من أجل ضمان ممارسة حقوقهم الناجمة عن عقد القانون العام الذي يربطهم بالإدارة.

وبعبارة أخرى، إن إضراب الموظف يعني، ببساطة، فصل الرابطة التعاقدية من جانبه، مما يعطي الإدارة الحق في أن تتحلل من هذه الرابطة.

ثانياً: نقد النظرية التعاقدية:
بالرغم من التطوير الذي أصاب الفكرة العقدية للوظيفة العامة، إلا أنها لم تحصل على موافقة الفقه الذي وجه إليها سهام نقده الشديدة، مما ترتب عليه انهيارها، وتخلى القضاء عنها. ولقد بنى الفقه نقده على عدم توافر مقومات التعاقد من الناحية الشكلية، ومن الناحية الموضوعية.


  1. فمن ناحية ، تفتقد عملية التعيين العناصر الشكلية للعقد باعتباره توافق إرادتين أو أكثر حول موضوع معين.

وتوافق الإرادتين يعني أن إعلان الإدارة من أحد الجانبين لا ينتج آثاره إلا إذا تلاقى مع إعلان الإرادة الأخرى، وهو ما لا يتوافر في التعيين.

من الصحيح القول أن الشخص المعين يقبل قرار التعيين ويتعذر إرغامه على القيام بمهام الوظيفة المنوطة به شغلها، غير أن ذلك لا يعني أن ثمة تبادل أو رضاء تعاقدي، بدليل أن قرار التعيين ينتج آثاره مباشرة بمجرد إعلان الإدارة عن إرادتها، دون انتظار لإعلان الموظف عن قبوله، فالأمر يتعلق، إذن، بعملية إذعان، وليس تعاقداً.


  1. ومن الناحية الموضوعية، يخضع العقد للمبدأ الجوهري، وهو المبدأ القائل بأن العقد شريعة المتعاقدين، وهو مبدأ لا أثر له في علاقة الموظف بالإدارة العامة.


فالموظف والإدارة لا يملكان، قانوناً، الاتفاق على وضع خاص بالأول أي بالموظف، طالما أن ذلك لم يتقرر صراحة في القوانين واللوائح .
إضافة إلى ذلك، إن المركز القانوني للموظف العام- عند تعيينه – يكون عرضة للتغيير والتعديل أثناء حياته الوظيفية، وليس له أن يدعي بحق مكتسب ناتج عن العقد إذا جاء التغيير مجحفاً به، وذلك أن حالة الموظف تنظمها القوانين واللوائح بموجب قواعد عامة ومجردة، وتقبل كافة التعديلات التي يلتزم الموظف بها.

لذلك أستقر الفقه – وأيده القضاء – على أن المركز القانوني للموظف العام مركز تنظيمي لائحي، وليس مركزاً تعاقدي.

33. أكتب في النظرية اللائحية لمركز الموظف العام.

أولاً: الطبيعة اللائحية لمركز الموظف العام
أصبح من المسلم به في الوقت الحاضر أن الموظف العام في مركز تنظيمي أو لائحي، وليس في مركز فردي أو شخصي مستمد من العقد، ولم تعد هذه الفكرة محلاً لجدل بعد أن استقرت في القانون الوضعي.

ولقد تجلى ذلك في قضاء مجلس الدولة الفرنسي الذي لم يعد يلجأ إلى فكرة العقد لتبرير فصل الموظف العام كما كان يفعل في السابق، بل أسس قضاءه على الطبيعة اللائحية أو الموضوعية لمركز الموظف العام... وبناءً على حكمه بتاريخ 22/10/1937 " أن الموظف العام بقبوله الوظيفة التي تقلدت له " يكون قد خضع لكل الالتزامات النابعة من ضرورات المرفق العام وتنازل عن كل قدرة لا تتمشى مع الاستمرار الجوهري للحياة القومية، و.. بالإضراب، فإن العمال المتولين المرافق العامة لا يرتكبون خطأً فردياً، ولكن يضعون أنفسهم بواسطة عمل جماعي خارج تطبيق التشريعات واللوائح المسنونة من أجل ضمان ممارسة الواجبات الخاصة بهم في مواجهة السلطات العامة.

والقضاء الإداري المصري مستقر على وصف علاقة الموظف العام بالدولة بأنها علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، وهو ما رددته المحكمة العليا في العديد من أحكامها، حيث تعلن مثلاً في أحدى أحكامها " أن علاقة الموظف الحكومي هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن، فمركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت، ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني للتعديل والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة ... ويتفرع على ذلك أن كل تنظيم جديد يستحدث يسري على الموظف أو عامل الحكومة بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، ولكنه لا يسري بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح الموظف نتيجة لتطبيق التنظيم القديم، قانوناً كان أو لائحة، إلا بنص خاص في قانون، وليس في أداة أدنى منه كاللائحة.

ثانياً: نتائج الطبيعة اللائحية لمركز الموظف العام:
لقد ترتب على الطبيعة اللائحية للمركز القانوني للموظف العام نتائج عديدة، منها:

  1. إن المركز القانوني للموظف العام يتحدد مقدماً بواسطة تشريعات تتضمن قواعد عامة ومجردة، وينتج عن ذلك تماثل مراكز كافة الموظفين المنتمين لنفس الطائفة، ويمتنع على الإدارة أن تبرم اتفاقات فردية بينها وبين بعض الموظفين يكون من نتيجتها خلق مراكز مختلفة لهم عن مراكز نظرائهم. هذه الاتفاقات، إن حدثت، تكون مجردة من كل قيمة قانونية، لأن المركز اللائحي للموظف حجة عليه، وملزم للإدارة.



  1. إن السلطة المختصة بوضع التشريعات المنظمة للمركز اللائحي للموظف العام تملك، دون تدخل من هذا الأخير، ليس فقط تحديد مضمون هذه التشريعات، وإنما تملك أيضاً تعديل هذا المضمون، أي أن المركز القانوني للموظف العام يقبل التغيير والتعديل بواسطة السلطة العامة، زيادة أو نقصاً، وهو تعديل يطبق بقوة القانون، على من يلتحق بالوظيفة منذ صدوره، وأيضاً على من سبق تعيينهم دون أن يكون لهم الاحتجاج بفكرة الحقوق المكتسبة، حتى ولو أضر بهم هذا التعديل.



  1. إن الإجراءات التي تتخذها الإدارة العامة في مواجهة الموظفين العموميين لها وصف القرار الإداري بالمعنى الدقيق، حيث أنها تعبر عن إرادة الإدارة منفردة، وتحدث تعديلاً في المركز القانوني للمخاطبين بها دون أن يتوقف ذلك على رضاهم.


وينتج على ذلك قابلية هذه القرارات للطعن فيها بالإلغاء مثلها في ذلك مثل غيرها من القرارات الإدارية، ولا تعتبر هذه القرارات إجراءات مرتبطة بتنفيذ عقد إداري يختص بنظر الطعن فيها القضاء الإداري، بماله من ولاية القضاء الكامل.
وهكذا تتجاوب النظرية اللائحية مع مقتضيات المرافق العامة وتلبي احتياجاتها، حيث أنها تؤدي إلى ترجيح السلطة العامة في مواجهة مصالح الموظفين، وتسمح بتعديل قواعد تنظيم المرفق بما يتطابق مع الصالح العام.

وإذا كانت الطبيعة اللائحية المستقرة لعلاقة الوظيفة العامة تميز الإدارة في مواجهة العاملين بها ، فإن القواعد المنظمة للتعيين في الوظيفة العامة تضع على كاهلها العديد من القيود الاستثنائية التي لا نظير لها في مجال علاقات القانون الخاص.

34. أكتب في القضاء والمعيار المميز للمنظمة الإدارية.
· لم يقنع القضاء بمعيار من المعايير سوى إنه أشترط اجتماع أكثر من مؤشر أو دلالة يؤازر بعضها بعضاً كالقول بأن المنظمة هي منظمة عامة.
· إن المشكلة لا تثور إلا في حالة سكون المشرع عن تكييف المنظمة ويكتفي فقط ببيان اختصاصاتها ونشاطها.
· إن المقاييس السابقة التي تم ابتداعها في هذا الشأن فشلت في الوصول للغاية إذ لم يصلح أي مقياس بذاته إلا في بعض الحالات دون البعض الأخر.
· إن محاكم القضاء الإداري في بحثها في طبيعة شركات القطاع العام انتهت إلى اعتبارها من أشخاص القانون الخاص.
· إن القضاء العادي المصري قرر أن شركات القطاع العام هي أشخاص عامة، مما أحدث صورة من صور التنازع بين القضاء، هو التنازع السلبي، حيث أن كل جهة حكمت بعدم اختصاصها.
· التنازع بين القضاء الإداري والقضاء العادي أدى إلى تدخل المحكمة الدستورية العليا وقد انحازت في حكمها بهذا الصدد إلى موقف القضاء الإداري.
· لقد أحتفظ المشرع بشكل الشركة للمشروع العام لكي يتمكن من سرعة إنجاز التأميمات الضخمة التي شملت غالبية الاقتصاد القومي.
· إن القول بأن المشروع العام شخص من أشخاص القانون الخاص يتعارض مع غالبية الأحكام التي يخضع لها هذا المشروع من حيث تنظيمه والعاملين فيه وجزء كبير من نشاطه. وهو وإن كان لا يستخدم أساليب السلطة العامة، إلا أن ذلك لا يعني حتماً ويقيناً أنه شخص خاص والأقرب إلى الدقة القول بأن استخدامه لهذه الأساليب غير ضروري في مباشرته لنشاطه مثله في ذلك مثل أشخاصاً عامة أخرى.

35. أكتب في تعذر التفرقة بين الحكومة والإدارة من الناحية العضوية.
· إن القول بصلاحية المعيار العضوي كضابط للتفرقة بين الحكومة والإدارة لم يحدث وذلك لعدم وضوح القانون الوضعي في وضع تعريف يحدد الهيئات والأشخاص العامة.
· إن رئيس الدولة والوزراء ونواب الوزراء بالمعنى الأخر الهيئة التنفيذية هي جزء من الحكومة بمعناها الواسع وتعتبر بالتالي من موضوعات القانون الدستوري.. وفي نفس الوقت هؤلاء أي ممثلوها باعتبارهم جزءاً من الإدارة العامة يقومون بالعديد من مظاهر الوظيفة الإدارية كإصدار اللوائح، وتنفيذ القوانين، وترتيب المصالح العامة وتعيين الموظفين، ومراقبتهم والإشراف على سير المرافق العامة مما يدخلون بسببه في معنى السلطة الإدارية وهي موضوع القانون الإداري.
· وأما الوزير مثلاً نجد أن للوزير صفتين الصفة السياسية والصفة الإدارية فالصفة السياسية بمقتضاها يشارك الوزير في رسم السياسة العامة للحكومة في إطار مجلس الوزراء ويسأل عن تنفيذها، مسؤولية تضامنية أو فردية، أمام المجلس النيابي... والصفة الإدارية للوزير أي الصفة الثانية وبموجبها يكون الوزير هو الرئيس الإداري الأعلى لوزارته بما يعنيه ذلك من مزاولته للسلطة الرئاسية بالنسبة لموظفي وزارته.
· إذن فرجال الحكومة هم أنفسهم من رجال الإدارة.
الفصل بين الإدارة والحكومة متعذراً من الناحية العضوية باعتبار أن الحكومة جزءاً من الإدارة.

36.أكتب في تعذر التفرقة بين الحكومة والإدارة من الناحية الموضوعية.
(أ)

  • تعددت الصياغات التي قيل بها للتفرقة بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية إلا أنها فشلت، جميعها في التمييز بين هاتين الوظيفتين.
  • قيل مثلاً، بأن الوظيفة الحكومية هي التي تتعلق بأمهات أمور الدولة والمسائل بالغة الخطورة التي تؤثر في مستقبل المجتمع وأوضاعه السياسية والاقتصادية ( الحرب ، والانضمام إلى حلف عسكري، ووضع الخطط الاقتصادية) أما الإدارة فمهمتها تكمن في القيام بالإجراءات الكفيلة بإشباع حاجات الدولة (توزيع البريد اليومي ، قيام رجل الشرطة بواجبه في المنطقة المخصصة له لحراستها)... إن هذه التفرقة لا تتميز بالوضوح والانضباط حيث أن هناك أموراً قد لا تقع تحت حصر أي يمكن في ظروف معينة اعتبارها وثيقة الصلة بالسياسة العليا في الدولة، وبالتالي إدخالها في الوظيفة الحكومية وفي حين أخرى تندرج في الوظيفة الإدارية (مثلاً تسيير المواصلات والإشراف على مرفق النقل يعتبر مسالة إدارية عادية ولكن لو قامت الدولة بمد خطوط سكك حديدية إلى منطقة صحراوية وتوجد على حدودها مع دولة أخرى بهدف أعمار هذه المنطقة وحتى لا تظل فراغاً يسهل احتلاله في حالة حدوث حرب.
  • وعلى هذا الأساس السابق لا يصلح هذا المعيار لرسم الحدود الفاصلة بين ما يعد وظيفة حكومية وما يندرج تحت الوظيفة الإدارية.

(ب)

  • قيل أيضاً في محاولة أخرى لتمييز الوظيفة الإدارية عن الوظيفة الحكومية أن الوظيفة الحكومية تتسم بكونها غير مشروطة في إصدار القرار، أي أنها سلطة حرة قانوناً تظهر بكل قوتها واستقلالها غير المقيد... أما الوظيفة الإدارية ذات سلطة مقيدة حيث أن مداها في التصرف مقيد بواسطة قرارات تصدر من سلطة أعلى.

هذا المعيار أيضاً لا يصلح للتفرقة بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية لأن حتى الوظيفة الحكومية تخضع لقيد أساسي هو احترام سيادة القانون، وما تقرير الرقابة على دستورية القوانين سوى أقوى شاهد على تقييد وظيفة الحكم أو الحكومة.
(ج)

  • وقيل كذلك للتمييز الوظيفة الحكومية عن الوظيفة الإدارية إن الوظيفة الإدارية ذات صبغة فنية تتطلب في شاغلها قدراً كبيراً من التخصص، بعكس الوظيفة الحكومية التي لا تتطلب تخصصاً دقيقاً، إلا أن التفرقة بين ما هو متخصص، وما ليس متخصصاً كذلك تفرقة صعبة، وحدودها غير واضحة.

(د)

  • وقيل أيضاً للتفرقة بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية إن الوظيفة الإدارية تضمن لشاغلها الاستقرار في شغلها، باعتبار أن الوظيفة العامة مهنة تكفل لشاغلها نوعاً من الطمأنينة النسبية للمستقبل مما يفسر ما يكفل للموظفين من ضمانات.

أما الوظيفة الحكومية، فهي لا تضمن لشاغليها هذا الاستقرار الذي يتمتع به رجال الإدارة العامة فهم يأتون عادةً بالانتخاب، ويخضعون في بقائهم في مناصبهم إلى إعادة انتخابهم. ولهذا تم انتقاد هذا الرأي بملحوظتين:
- الملحوظة الأولى: أن الوظيفة الحكومية ليست قابلة للانقطاع أو ذات طابع مؤقت، فالملك مثلاً يشغل وظيفة رئيس الدولة منذ توليه العرش وحتى وفاته إلا إذا تمت إعاقته عن ممارسة عمله بعوامل صحية أياً كانت .. بل إنه في غير النظام المكي يلاحظ ذلك أن رئيس الدولة المنتخب من قبل الشعب يبقى في وظيفته عشرات السنين ونفس الملحوظة تصدق على الكثيرين من شاغلي المناصب الوزارية
- الملحوظة الثانية : ليس صحيحاً أو ليس من الصحيح القول بأن الوظيفة الإدارية تضمن بالضرورة لشاغلها الاستقرار والاستمرار، فوظائف الإدارة العليا يتغير شاغلوها بتغير أشخاص الحكام، إضافة إلى أن بعض الدول تعمل في هذا الشأن مبدأ الغنائم للمنتصر، ويكون ذلك حين تكون الوظائف الإدارية تكون مكافأة للحزب الفائز في الانتخابات حيث يحل فيها أنصاره ومعاونيه محل أنصار ومعاوني الحزب المنافس ومن هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية.

  • يتضح لنا أنه لا يمكن الفصل الموضوعي بين ما هو إدارة وبين ما هو حكومة، وبالتالي يتعذر الفصل بين القانون الدستوري باعتباره قانون الحكومة والقانون الإداري باعتباره قانون الإدارة العامة.

كما أن الفصل التام والمطلق بين القانون الدستوري والقانون الإداري متعذر لسبب أخر، هو التأثير القوي الذي يباشره القانون الدستوري على القانون الإداري.


37. أكتب في تأثر القانون الإداري الشديد بالقانون الدستوري

  • إن القانون الدستوري هو الذي يحدد نظام الحكم في الدولة ويؤثر تأثيراً بعيداً في السلطة التنفيذية وهي تقوم بمهمة التنفيذ اليومي للقوانين وإشباع الحاجات العامة للأفراد.
  • يقول الأستاذ ديكروك إن القانون الدستوري يقرر المبادئ الأساسية للقانون العام في الدولة أي المبادئ التي تضمن للأفراد حقوقهم السياسية والمالية والمدنية والدينية، ثم يأتي القانون الإداري ليضع هذه المبادئ موضع التنفيذ ويحدد شروطها (أي القانون الدستوري يحتوي أو يحوي عناوين موضوعات القانون الإداري).
  • الأستاذ بيرتملي فيقترح صيغة أخرى لبيان تأثير القانون الدستوري في القانون الإداري، حيث يقول أن القانون الدستوري يبين كيف نشأت الآلة الإدارية، أما القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم بوظيفتها، لهذا فإن القانون الدستوري يتضمن رؤوس موضوعات القانون الإداري.


38. أكتب في تأثر القانون الإداري بالفلسفة الاقتصادية للدستور.

  • الدستور يتبنى من الناحية الاقتصادية، فلسفة قائمة على المذهب الفردي الحر يعني ، على مستوى القانون الإداري ، الأخذ بتعريف ضيق للمرفق العام يخلص في الأنشطة الأساسية للجماعة التي يعزف الأفراد عن ممارستها لأنهم عاجزون عن ذلك أو لأنهم لا يرغبون في القيام بمباشرتها بالرغم من قدرتهم على توليها لأنها لا تدر عليهم أكبر قد ممكن من الربح، ويعني حرية التجارة والصناعة، وأن الدولة لا تتدخل بموجب سلطتها الضبطية إلا في أضيق الحدود، لأن الحرية هي الأصل، والقيد هو الاستثناء
  • وكذلك يعني عدم إمكانية اللجوء إلى التخطيط القومي الملزم (التخطيط المركزي) حيث أن ذلك يتعارض ويتناقض مع مبدأ حرية المبادرة الفردية الذي هو أساس النظام الرأسمالي.
  • من آثار الفلسفة الليبرالية التي يتبناها الدستور في مجال القانون الإداري يجب أن يتدخل في أضيق الحدود لأن التوسع به قد يؤدي إلى تهديد نشاط المشروعات الخاصة لعدم التكافؤ في الوسائل التي تتمتع بها الدولة وهي المسيطرة على المشروعات المؤممة (المحولة من قطاع خاص إلى قطاع عام)، وتلك التي بيد الأفراد.
  • إن إنشاء المرفق العام لا بد أن يكون بقانون حيث أن إنشاء المرافق العامة أما أن يؤدي إلى احتكار الدولة للنشاط وهذا يعني إلغاء المبادرة الفردية أو يؤدي إلى منافسته وهو أمر يعجز عنه المشروع الخاص.
  • في الدستور الذي يؤمن بالفلسفة التداخلية للدولة في المجال الاقتصادي، فيجب على القانون الإداري أن يضع أحكاماً متناقضة مع القانون الإداري في ظل فلسفة قائمة على المبدأ الفردي الحر.
  • لقد أدى اعتناق الفلسفة الاشتراكية في دساتير الثورة في مصر إلى إحداث تغييرات أساسية في المجال الإداري.


  1. أتساع مجالات تدخل الدولة والمتمثلة في الإدارة العامة فتدخلت الدولة في مجالات كانت حكراً على النشاط الخاص.
  2. برزت عملية التخطيط كإحدى العمليات الرئيسية للإدارة العامة ونصت عليها دساتير الثورة المتعاقبة، والهدف منها زيادة. الثروة ورفع مستوى المعيشة باعتبار أنها الضمان الأمثل لاستخدام جميع الموارد الوطنية.
  3. إن التأميم ليس إجراءاً استثنائياً لأنه لا يتدخل في حالة عجز المشروعات الخاصة، وإنما يتدخل لغرض هيمنة الدولة وسيطرتها على جميع الأنشطة الاقتصادية في الدولة، وليس من الضروري إنشاء المرفق العام بواسطة قانون بل يكفي لذلك قرار جمهوري.
  4. وفي مجال الوظيفة العامة، تم تحديد مفهوم واضح للوظيفة العامة باعتبارها تكليفاً للقائمين بها الذين يجب عليهم استهداف خدمة جماهير الشعب وتم الاعتراف للمواطنين بحق تقديم الشكاوي إلى جميع الهيئات بالدولة عند إساءة الموظفين لهم وارتكابهم المخالفات بحق المواطنين.
  5. وعلى مستوى التنظيم الإداري تقرر الأخذ بمبدأ مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ، مع التأكيد على ضرورة اشتراك العاملين بالإدارة العامة في مجالس إدارة وحدات القطاع العام، مقترناً باشتراكهم في أرباح الإنتاج.


  • ونتيجة لتزايد مهام الإدارة المركزية، تقرر نقل الخدمات المحلية منها إلى الهيئات المحلية بهدف التخفيف عن كاهل الإدارة المركزية ولكون الهيئات المحلية أقدر على الإحساس بالمشاكل المحلية (أهل مكة أدرى بشعابها)
  • ونتيجة لهذه الفلسفة الاشتراكية التي أدت إلى أتساع مجالات الدولة، تقرر الأخذ بنظام الرقابة المركزية الذي تمثل في ثلاثة أجهزة وهي الجهاز المركزي للمحاسبات ، والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ، والرقابة الإدارية وجميعها تتكاتف لحماية الصالح العام والتأكد من مشروعية النشاط الإداري وسلامته القانونية، ملاءمته للظروف التي صدر فيها.


39. أكتب في تأثر القانون الإداري بالفلسفة السياسية للدستور.
(أ)

  • من الناحية السياسية، أن أحكام القانون الإداري تختلف اختلافاً جوهرياً في ظل دستور قائم على التعددية الحزبية عنها في ظل دستور يتبنى نظام الحزب الواحد.. ففي ظل دستور يعتمد نظاماً سياسياً مبنياً على الأحادية الحزبية، تتجه أحكام القانون الإداري نحو سيطرة هذا الحزب الواحد على السلطة الإدارية.
  • تأتي قواعد القانون الإداري لتحمل في طياتها تقيداً شديداً لحريات الأفراد وحقوقهم، وذلك إن الغاية تكمن في هذه الحالة ، في تزويد الإدارة بكافة الأساليب الكفيلة بتحقيق وظيفتها ومهامها بغض النظر عما يترتب على ذلك من أضرار بحقوق الأفراد وحرياتهم.
  • وفي مجال الوظيفة العامة، يظهر تأثير فلسفة الحزب الواحد على طريقة شغل الوظائف العامة، حيث يشترط القانون الإداري في هذه الحالة ضرورة الانضمام إلى الحزب الحاكم، وحمل بطاقة عضوية فيه لشغل وظيفة عامة، خصوصاً إذا كانت هذه الوظيفة من وظائف الإدارة العليا.
  • كما يكفل القانون الإداري للحكومة اتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات لتطهير الإدارة العامة من المعارضين لها، وتقرير الفصل بغير الطريق التأديبي، وتحصينه ضد رقابة القضاء إلغاءً وتعويضاً.
  • إن فرصة الأفراد في تولي الوظيفة العامة تعتمد على طبيعة العضوية في الحزب الواحد للحاكم، فإذا كانت العضوية مفتوحة لكل مواطن أن ينضم إلى المواطنين المؤهلين فنياً في تولي الوظائف العامة والتدرج في سلم الوظائف... أما إذا كانت العضوية في الحزب مقيدة أي مقصورة على طوائف مميزة من الأفراد، فإن مبدأ التكافؤ في الفرص لا مجال لإعماله في الوظيفة العامة حيث أن الوظائف العامة تبقى حكراً لأهل الثقة دون أهل الخبرة.
  • من ناحية تنظيم الإدارة العامة، يكفل القانون الإداري سيطرة الحزب الواحد على السلطة الإدارية. (داخلياً وخارجياً)
  • يمارس الحزب رقابته النشطة والفعالة على الإدارة العامة حتى لو كان العاملون بها أعضاء فيه وللحزب إصدار قرارات ملزمة لجميع الموظفين وله السلطة الكاملة في ترقيت الموظفين ونقلهم وتوقيع الجزاءات عليهم.
  • هكذا تكرس أحكام القانون الإداري في دولة الحزب الواحد سيطرة الحزب على الإدارة العامة ولا وزن للحريات العامة وحقوق الأفراد بل المهم أن تتحقق أغراض النشاط الإداري بكل الوسائل المتاحة.

(ب)

  • أما في النظام التعددية الحزبية، فالوضع مختلف تماماً، حيث أن الإدارة العامة توجه نحو خدمة المصلحة العامة التي هي ليست بالضرورة مصلحة الحاكم.
  • تتميز الإدارة العامة في نظام التعددية الحزبية بأنها محايدة تعامل أفراد الجمهور على قدم المساواة بغض النظر إن كانوا من مؤيدي النظام أو من معارضيه (احترام حريات الأفراد وحقوقهم، بالذات الذين لا يشاركون سلطة الحكم معتقداتها وآرائها السياسية).
  • يتمتع النظام الإداري في نظام التعددية الحزبية في نظام الدولة بنوع من الاستقلالية النسبية عن النظام السياسي، وهو أمر تكفله الضمانات المقررة للموظفين العموميين إبعاداً لهم عن الصراعات الحزبية.
  • في نظام التعددية الحزبية ترد استثناءات على المبدأ العام وأول هذه الاستثناءات:-


  1. إن وظائف الإدارة العليا تبقى تحت تصرف الحكومة (التعيين للأشخاص من الحزب الحاكم لتسهيل مهمة الحكم).
  2. الاستثناء الثاني ذو طابع مؤقت، إذ يتعلق بحالة تشكيل حكومة ائتلافية، حيث تقتسم الأحزاب السياسية المؤتلفة الحقائب الوزارية فيما بينها .. وفي هذه الحالة يحصل كل حزب منها على عدد معين من الوظائف الإدارية يعين الحزب فيها أنصاره ومؤيديه.


  • إذن نحن أمام نظامين متناقضين من حيث المبدأ إلا إنهما يؤديان إلى نتيجة واحدة ألا وهي إخضاع الإدارة العامة للحكومة وتكريس القانون الإداري لهذا الموضوع... والأمر كذلك، يتضح مدى تأثير القانون الدستوري على القانون الإداري، مما جعل البعض يقرر أن الفرق أو التفرقة بين القانونين لا تستند إلى اعتبارات منطقية، وإنما تستند إلى التقاليد الأكاديمية التي جرت على فصل دراسة القانون الإداري عن دراسة القانون الدستوري، وعلى ذلك يعرف كل من القانون الدستوري بالموضوعات التي تدرس في كل منهما دون غيرها...

إلا أن وجهة النظر هذه، بالرغم مما بها من رغبة في تبسيط الأمور لم تلق قبولاً من بعض الفقهاء الذي يفضل معالجة موضوعات القانون الإداري والقانون الدستوري تحت أسم مشترك ألا وهو القانون العام.

40. أكتب في نشأة القانون الإداري في فرنسا

أولاً: مرحلة الإدارة القاضية
ثانياً: مرحلة القضاء المقيد
ثالثاً: مرحلة القضاء البات
Ø أولاً : مرحلة الإدارة القاضية:

  • أسوأ الذكريات لرجال الثورة الفرنسية عن محاكم العهد القديم (البرلمانات) ويرجع السبب إلى كثرة تدخل هذه المحاكم في أعمال الإدارة الملكية
  • أوائل القرارات التي أتخذها الثوار إلغاء هذه البرلمانات أو المحاكم وخصوصاً بعد وقوف هذه المحاكم أو البرلمانات موقف المعارضة والمعاداة من الثورة ومبادئها.
  • إن سوء الظن وعدم الثقة الذي أنتقل كذلك إلى المحاكم الجديدة دعا المشرع الثوري إبعاد الإدارة ومنازعاتها عن رقابة هذه المحاكم وذلك بموجب قانون خاص بالتنظيم القضائي، مؤسساً المشرع على مبدأ الفصل بين الهيئات الإدارية والهيئات القضائية... نص القانون على أن الوظائف القضائية مستقلة وتبقى منفصلة عن الوظائف الإدارية، وعلى القضاة وإلا كانوا مرتكبين لجريمة الخيانة العظمى، أن لا يتعرضوا بأية وسيلة من الوسائل لأعمال الهيئات الإدارية، وقد فسرت هذه النصوص بالطريقة التالية.


  1. من ناحية، ليس لموظفي الإدارة أن يباشروا الوظيفة القضائية، كما يمتنع بالمقابل المحاكم مباشرة الوظيفة الإدارية.
  2. من ناحية ثانية، ليس للمحاكم أن تنظر في المنازعات الإدارية حيث إن ذلك يجعل المحاكم فرض مراقبة تصرفات الإدارة ويجعل المحاكم عليها رئاسية، وهو ما أراد المشرع بالتحديد منعه تحقيقاً لاستقلال الإدارة فكان من الطبيعي أن يترتب على ذلك الأخذ بما يسمى الإدارة القاضية ويقصد به إسناد مسألة الفصل فيما يثور بين الإدارة والأفراد من منازعات إلى الإدارة نفسها.


  • لقد جمعت السلطة الإدارية، في هذه المرحلة بين صفتين : صفة الإدارة العاملة التي تمارس النشاط الإداري وصفة الإدارة القاضية التي تفصل في المنازعات التي يثيرها هذا النشاط أي أنها خصم وحكم في وقت واحد.

Ø ثانياً: مرحلة القضاء المقيد

  • استجابة لشكوى المواطنين وتذمرهم من نظام الإدارة القاضية أنشأ نابليون بونابرت " مجلس الدولة " كهيئة استشارية تقوم إلى جانب الإدارة العامة، وتعرض عليها المنازعات الإدارية لفحصها وتقديم مشروع مرسوم بشأنها على أن يصدر المرسوم من رئيس الدولة متضمناً القرار النهائي الحاسم للنزاع.
  • بإنشاء مجلس الدولة، بدأت مرحلة جديدة أطلق عليها مرحلة القضاء المقيد على أساس أن هذا المجلس أي مجلس الدولة لم يكن متمتعاً في هذه الحقبة بصفة المحكمة بالمعنى الدقيق، لأنه لم يكن بإمكانه إصدار أحكام قضائية لا معقب عليها من سلطة أخرى، والأمر في النهاية عائد إلى رئيس الدولة، أي إن الأحكام لم تكن تصدر باسم الأمة أو باسم الشعب وإنما باسم رئيس الدولة .
  • كان القضاء المقيد أو المحجوز يجعل الكلمة الأخيرة في المنازعة الإدارية للجهة الإدارية أو لرئيس الدولة إلا إن هذا القضاء كان من الناحية العملية بيد مجلس الدولة الذي كان يمارس سلطة قضائية فعلية ولم تنقض أحكامه بواسطة الإدارة إلا في حالات نادرة .

Ø ثالثاً: القضاء البات

  • بقانون 24 لسنة 1872، انتهت رسمياً مرحلة القضاء المقيد أو المحجوز لتحل محلها مرحلة القضاء البات أو المفوض حيث أن هذا القانون خول مجلس الدولة سلطة إصدار الأحكام النهائية اللازمة لحسم المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها، ولم يعد لرئيس الدولة أو لأية جهة إدارية أخرى من سلطة التعقيب على هذه الأحكام... ومع ذلك لم يعترف لمجلس الدولة بالصفة القضائية الكاملة بل ظلت الإدارة القاضية هي صاحبة الاختصاص العام في المنازعات الإدارية وحُرم على أصحاب الشأن من رفع دعواهم مباشرة إلى مجلس الدولة وكان واجباً عليهم اللجوء أولاً إلى الإدارة القاضية إلا في الحالات التي نص القانون صراحة على استثنائها.
  • وبصدور حكم مجلس الدولة الشهير في قضية كادو مقرراً فيه قبول دعوى رفعت إليه مباشرة ودون عرض مسبق على الإدارة نصّب مجلس الدولة نفسه قاضياً عاماً للمنازعات الإدارية ووضع حد نهائي لنظام الإدارة القاضية .. وبذلك أصبح مجلس الدولة وغيره من المحاكم الإدارية محاكم بالمعنى الدقيق تفصل في منازعات الإدارة، وتقف إلى جانب محاكم القضاء العادي التي تختص بالفصل في المنازعات بين أشخاص القانون الخاص... وبعبارة أخرى نشأ ما يسمى بالازدواج القضائي الذي يعني وجود نوعين من المحاكم وهي :-

- محاكم القضاء العادي وعلى رأسها محكمة النقض(التميز – العليا)
- المحاكم الإدارية وعلى رأسها مجلس الدولة.

  • لقد نتج عن هذا الازدواج القضائي في ازدواج في القواعد القانونية المطبقة، واستقلال المنازعات الإدارية بقواعد خاصة، وتفسير ذلك أنه إذا كانت أحكام القانون الخاص تجد مصدرها الرئيسي في التقنين المدني أو التقنين التجاري، فإن قواعد القانون الإداري لم تنشأ بوضع المشرع الذي لم يصدر تقنيناً إدارياً، وإنما ترك للمحاكم الإدارية حرية اختيار الحلول الملائمة للمنازعات التي تعرض أمامها مع مراعاة الظروف الخاصة بكل منها ومسايرة التطورات المتعلقة بالنشاط الإداري.
  • من مبررات الإبقاء على رأي الأستاذ الدكتور توفيق شحاته على المحاكم الإدارية أنه تبين أن قضاءها في حل المنازعات الإدارية أفضل من قضاء المحاكم المدنية، ليس فقط بالقياس إلى الإدارة العامة، بل بالقياس إلى الأفراد أنفسهم.
  • ويرجع الأستاذ الدكتور ثروت بدوي سر الإبقاء على مجلس الدولة ونجاح هذا المجلس في بناء صرح القانون الإداري بوصفه علماً مستقلاً عن القانون المدني وبالتزام مجلس الدولة في عمله القضائي جانب الحكمة والحذر.
  • إضافة إلى ذلك فإن مجلس الدولة الفرنسي قد وضع نفسه أمام الإدارة العامة وفي مكانه الطبيعي فهو قاضي يقضي، وليس جهة إدارية تدير، ومن هنا فإنه يضع دائماً نصب عينيه أن هناك فصلاً بين الإدارة والقضاء، وإنه كقاضٍ لا يحل محل الإدارة في سلطاتها أو مسؤولياتها، وإنه يتحقق فقط من احترام سيادة القانون... ومن أثر نجاح نظام مجلس الدولة في فرنسا أن كثيراً من الدول أخذت به كمصر ولبنان.


41. أكتب في القانون الإداري في النظام الإنجلوسكسوني.(أي النظام الإنجليزي)
Ø عدم مسؤولية الدولة عن أخطاء موظفيها.
Ø السلطات الواسعة للقاضي العادي في مواجهة موظفيها
Ø وحدة القانون المطبق


Ø أولاً : عدم مسؤولية الدولة عن أخطاء موظفيها:

  • للقضاء الإنجليزي الفصل في المنازعات القائمة بين الأفراد وكافة الدعاوي التي تكون الإدارة طرفاً فيها إلا ما تم استثناءه بنص خاص.
  • إن المحاكم العادية الإنجليزية لا تختص إلا بنظر الدعاوي الموجهة ضد الموظفين بصفتهم الشخصية أي لا تختص بالنظر إلى الدعاوي الموجهة إلى الدولة بعبارة أخرى، إن القانون الإنجليزي يأخذ بمبدأ عدم مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها حيث أنه يقرر بالمقابل مسؤولية الموظف الشخصية، وهو مبدأ يجد تفسيره في قاعدة دستورية قديمة فحواها " إن الملك لا يخطئ " ولما كان الفقه الإنجليزي يخلط بين التاج والدولة فإن الدولة لا يتصور نسبة الخطأ إليها، ولا يوجد مبرر لمساءلتها عن أخطاء موظفيها.
  • يضاف تبريراً لعدم مسؤولية الدولة عن أخطاء موظفيها إن العلاقة بين الموظف والدولة من طبيعة تعاقدية تتضمن عدم مسؤولية الموكل عن أعمال الوكيل إلا في حدود الوكالة، فإذا تجاوز الوكيل هذه الحدود كان وحده المسئول وعليه، لا تسأل الدولة عن أعمال الموظف التي سببت أضراراً للغير، لأن هذه الأعمال خارجة عن حدود الوكالة.
  • إن هذا المبدأ وإن كان مسلماً به ليس ذا طابع مطلق حيث ترد عليه جملةً من الاستثناءات تخفف من حده هذا المبدأ.


  1. فمن حيث نطاق المبدأ، فهو محصور في دائرة المسؤولية التقصيرية، أما إذا تعلق الأمر بالمسؤولية العقدية فإن الإدارة تسأل إذا أرتكب العاملون بها أخطاءً بالمخالفة للعقد المبرم مع الأفراد.
  2. كما إن تطبيق المبدأ مقصور على موظفي الإدارة المركزية فقط، باعتبارها أنها تابعة مباشرةً للتاج الملكي أما بالنسبة لأخطاء موظفي الإدارة المحلية، فإن الإدارة المحلية تسأل عن أخطاء موظفيها.
  3. أقر القضاء بمسؤولية الدولة في حالة الاستيلاء على أملاك الغير.


  • بالشأن المسؤولية الشخصية للموظفين إن المشرع وضع قيوداً على حق الأفراد في مقاضاتهم منعاً للإسراف في رفع الدعاوي عليهم وهذه القيود في ميعاد قصير لمباشرة الدعوى أقصاه سنة من تاريخ وقوع العمل الضار حتى لا يظل الموظف قلقاً مدة طويلة وقرر المشرع غرامة على كل فرد يخسر دعواه.
  • أستقر العرف في حالة الحكم على الموظف بالتعويض، فإن الدولة تدفعه عنه، لا على أساس إنها ملزمة قانوناً بذلك ولكن من قبيل الشفقة والرحمة.


Ø ثانياً : السلطات الواسعة للقاضي العادي في مواجهة الإدارة

  • القاضي الإنجليزي يملك الحكم على الموظف بعقوبة جنائية إذا رأى أن فعله جريمة ويحكم بالتعويض إذا توافرت أركان المسؤولية.
  • للقاضي توجيه أوامر مكتوبة في هذا النظام إلى الموظفين تتضمن إلزامهم بفعل شيء أو الامتناع عنه أو بتعديل قرار سبق وأن أصدروه، وتنصرف المحكمة في هذه الحالة كرئيس إداري في مواجهة مرؤوسيه، مما يكون من شأن إخضاع الإدارة للقضاء.
  • ليس للقاضي العادي اختصاص شامل ومطلق بنظر منازعات الإدارة، فالمشرع أخرج بعض هذه المنازعات التي تنشأ بين الإدارة والأفراد من نطاق اختصاص القضاء العادي وعهد بها إلى لجان إدارية يعين أعضاء هذه اللجنة بقرار من الوزير الذي يتعلق اختصاص اللجنة الإدارية بشؤون إدارته، وكان السبب هو ازدياد المنازعات الإدارية الناتج عن أتساع نشاط الإدارة وتشعبه.
  • لقد تعرض نظام اللجان الإدارية إلى العديد من الانتقادات منها أنه ينطوي على شبه محاباة الإدارة وخصوصاً عندما يكون أعضاء اللجنة من موظفين الوزارة التي تكون طرفاً في المنازعات التي تختص بها.
  • أخذ على نظام اللجان كذلك أنها غير ملزمة قانوناً، بتسبيب قراراتها مع أن التسبيب يشكل ضمانة فعالة للرقابة كما إن نظام اللجان الإدارية لا يسمح دائماً لصاحب الشأن بالاستعانة بمحامي فضلاً عن انعدام العلنية في جلساتها وعدم وجود طريق للطعن بالاستئناف في بعض قراراتها.
  • دفعت كل تلك الانتقادات المشرع لإصدار قانون يتضمن علاجاً لبعض عيوب نظام اللجان الإدارية من ضمن ما جاء به من أحكام:-


  1. إنشاء مجلس يشرف على اللجان الإدارية، وإبلاغ الوزير المسئول عن كل لجنة بما قد تحتاجه من إصلاحات.
  2. إلزام اللجنة الإدارية في العديد من الأحوال، بتسبيب قراراتها.
  3. إمكانية الطعن في أحكام هذه اللجان أما القضاء العادي.


Ø ثالثاً : وحدة القانون المطبق

  • يطبق القاضي الإنجليزي على جميع المنازعات التي تعرض أمامه قانوناً واحداً ( على قدم المساواة)
  • لقد أستخلص أحد كبار رجال الفقه الإنجليزي (دايسي) من ذلك إن إنجلترا لا تعرف القانون الإداري بمفهومة الضيق الذي نشأ في فرنسا، ولا للمبادئ التي قام عليها .. فبعد دراسته لنظام القانون الإداري في فرنسا، تبين له إن القانون الإداري يتميز بالخصائص الآتية.


  1. إن حقوق الدولة تحددها قواعد معينة تختلف عن القواعد العادية (يقصد قواعد القانون الخاص) التي تطبق على الأفراد.
  2. إن المحاكم العادية غير مختصة بالنظر في الموضوعات التي تتعلق بالدولة وأن المنازعات الحكومية تفصل فيها محاكم مستقلة هي المحاكم الإدارية ولا تطبق بشأنها القواعد العادية الني ينص عليها القانون.
  3. تمتع عمال الحكومة بحماية خاصة بصدد الأضرار التي تصيب الأفراد نتيجة تصرفاتهم في إطار ممارستهم وظائفهم.

كل ذلك يفسر في رأي (دايسي) بمبدائين:-
- المبدأ الأول : تمتع الدولة في فرنسا بامتيازات خاصة واسعة المدى في علاقاتها مع الأفراد
- المبدأ الثاني : قيام الفصل التام بين السلطات وخصوصاً السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وهذان المبدآن غير معروفين في إنجلترا ولا في الدولة التي اقتبست نظامها.

  • في فرنسا يوافق العميد (هوريو) على رأي (دايسي) حيث أن هوريو يميز بين طائفتين من الدول:-

- الطائفة الأولى : الدول ذات النظام الإداري ويتحقق فيها أمران .. الأمر الأول هو الازدواج القضائي ويعني ذلك وجود محاكم تختص بالفصل في منازعات الإدارة وتكون مستقلة في ذلك عن المحاكم العادية بحيث يستحيل أن تخضع محاكم القضاء الإداري جميعها حتى الدرجات الدنيا منها لجهة القضاء العادي، والعكس صحيح ... الأمر الثاني هو ضرورة وجود قواعد وأحكام خاصة تنظم النشاط الإداري مغايرة للقواعد والأحكام التي تنظم النشاط الخاص، ويكون من شأنها تمتع الإدارة بسلطات استثنائية لا يتمتع بها الأفراد في ممارستهم لنشاطهم، أو في علاقاتهم ببعضهم البعض، وهو ما تحقق أيضاً في فرنسا، ونقلته عنها مصر ولبنان.

  • الفرق أو الفارق بين النظام الفرنسي (الفرنشوسكسوني) والنظام الإنجليزي (الإنجلوسكسوني) هو فارق من حيث المبدأ، حيث يرى النظام الإنجليزي في النصوص التي تقرر سلطات خاصة للإدارة مجرد استثناء يرد على أصل عام وهو خضوع الإدارة لذات القوانين التي يخضع لها الأفراد، أما في النظام الفرنسي، فإن المبدأ العكسي هو السائد، حيث تنفرد الإدارة العامة في علاقتها بالأفراد بقواعد تغير تلك التي يخضع لها الأفراد فيما بينهم.
  • إذن فإن القانون الإداري لا وجود له في النظام الإنجلوسكسوني (الإنجليزي).



42. أكتب في تناثر التشريعات الإدارية.
Ø الدستور
Ø التشريع العادي
Ø اللوائح

  • نجم عن عدم تقنين القانون الإداري تبعثر القواعد القانونية التي تشكل جزءاً من القانون الإداري في تشريعات عديدة هي بالتحديد التشريع الدستوري أو الدستور والتشريع العادي أي القوانين والتشريع الفرعي أي اللائحة أو المرسوم.

Ø أولاً : الدستور:

  • الدستور هو القانون الأساسي في الدولة وتحتل قواعده، في حالة كونه جامداً قمة النظام القانوني فيها مما يحتم على الجميع- من أحكام بما في ذلك السلطة التشريعية ومحكومين- احترام قواعده وعدم الخروج عليها.
  • إن قواعد الدستور بمعناه الشكلي أي تلك الوثيقة المكتوبة التي لا يمكن تعديلها بإتباع إجراءات تعديل القانون العادي، لا تقتصر على تنظيم المسائل ذات الطبيعة الدستورية فقط كالمسائل المتصلة بالدولة في أساسها وتكوينها وشكلها فقد ورد بالدستور العديد من الأحكام والقواعد التي تكون جزءاً من القانون الإداري.
  • الدستور المصري مثلاً تضمن العديد من المبادئ المتعلقة بتنظيم الإدارة المحلية... وكذلك في الدستور المصري من المبادئ التي تتصل بالمرافق العامة، وكذلك في الدستور المصري من المبادئ ما يتعلق بأموال الدولة وأنواع الملكيات (ملكية الدولة أو ملكية الشعب والملكية التعاونية والملكية الخاصة)
  • كما جاء بالدستور المصري بعض القواعد الخاصة بامتيازات السلطة العامة، ومنها نزع الملكية للمنفعة العامة.
  • ومن أحكام الدستور المصري ما يتعلق بالوظيفة العامة (أداء الوظيفة والواجبات ورعاية مصالح الشعب)
  • وجاء الدستور المصري نص خاص يتعلق بالضبط الإداري
  • ثار الخلاف بين الباحثين حول القوة القانونية لمقدمة الدستور التي تكّون هذه المبادئ جزءاً منها وذلك كالتالي:

1. ذهب رأي إلى أن مقدمة الدستور لها قيمة قانونية تعلو نصوص الدستور ذاته، والسبب في ذلك أنها تعبر عن الإرادة العليا للأمة وهي مبادئ يتعين احترامها وإعمالها بدون حاجة لنص صريح عليه أن معنى أن هذه المبادئ ملزمة ليس فقط للسلطات العامة وإنما حتى على لسلطة التأسيسية التي تتولى وضع الدستور.
2. الرأي الثاني أو الرأي الأخر ، تتمتع مقدمة الدستور بنفس القيمة القانونية المعترف بها للنصوص الدستورية ذاتها على أساس أنه، شأنها في ذلك شأن المواد الدستورية، تعبير عن إرادة السلطة التأسيسية... وعلى ذلك لمقدمة الدستور، في مواجهة كل من البرلمان والسلطة الإدارية، نفس الحصانة التي تتمتع بها نصوص الدستور ذاته باعتبار أنها جزءاً من هذا الدستور.
3. الرأي الثالث في الفقه يعترف لمقدمة الدستور بالقوة القانونية للتشريع الصادر عن البرلمان، أي أنها لا ترقى إلى مرتبة النص الدستوري الجامد، وذلك بقولة لو أن أراد واضع الدستور إعطائها نفس قيمة النص الدستوري لكان قد أوردها في صلب هذا الدستور، وبما أنه لم يفعل، فلا مناص من الاعتراف لهذه المقدمات بقوة القوانين العادية فقط.
4. الرأي الرابع في الفقه يجرد مقدمة الدستور من كل قيمة قانونية ملزمة حيث أنه حسب رأي هذا الاتجاه تتضمن مبادئ فلسفية وسياسية أكثر من أنها قانونية، وبعبارة أخرى، إن ما تنص عليه مقدمة الدستور لا يخرج عن كونه تعبيراً عن أهداف وآمال فهي لا تتضمن قواعد قانونية منشئة لمراكز قانونية واضحة المعالم ولهذا السبب فهي غير ملزمة.
5. أخيراً يرى جانب من الفقه ضرورة إجراء تمييز داخل فقرات مقدمة الدستور بين ما صيغ منها في شكل قواعد قانونية واضحة ومحددة وبين ما يتضمن التعبير عن آمال وأهداف ومثل عليا.. فبالنسبة للطائفة الأولى : يجب الاعتراف لها بقيمة قانونية تسمو على نصوص الدستور ومواده حيث أن الدستور جاء في هذه المواد بالقواعد التفصيلية المنظمة للسلطات المختلفة على ضوء الأهداف والمبادئ التي تحددت في إعلان الدستور.
أما الفقرات الأخرى التي لا تتميز بالتحديد والوضوح، فلا قيمة قانونية ملزمة لها بل فقط قيمة أدبية وأهمية سياسية.

Ø ثانياً: التشريع العادي

  • التشريع العادي أو القانون، في معناه المعتاد، يتضمن القواعد القانونية التي تقررها السلطة التشريعية في البلاد والمنصبة على تنظيم الإدارة العامة أو تتعلق بنشاطها.
  • تأتي قواعد التشريع العادي في المرتبة الثانية بعد الدستور الجامد من حيث تدرج القواعد القانونية وعلى السلطات العامة في الدولة احترام أحكام التشريع ما لم يتم إلغائها أو تعديلها بالكيفية التي بينها الدستور.
  • يستند خضوع الإدارة للتشريع العادي الصادر عن البرلمان إلى سببين رئيسين هما:-

- السبب الأول : هو ذو طابع سياسي، يخلص في أن القانون هو تعبير عن إرادة الشعب حيث إنه يصدر عن ممثلي الشعب الذين يملكون حق الحديث باسمه، وعلى ذلك ليس للإدارة أن تخالف هذا القانون الذي صدر باسم الشعب، فيما تصدره لوائح وإجراءات فردية، حتى ولو لم تكن تنفيذاً لقانون قائم.
- السبب الثاني : وهو ذو طابع فني، يتعلق بطبيعة اختصاص كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية فالسلطة التشريعية تصدر القواعد العامة والمجردة التي تحتاج لتطبيقها إلى قواعد تفصيلية تجعل هذا التطبيق ممكناً.. ووضع هذه القواعد التفصيلية هو مهمة الإدارة.

  • إن القواعد القانونية الصادرة عن المشرع بشأن الإدارة العامة، تنظيماً ونشاطاً، متناثرة ومتبعثرة.. منها ما هو في التقنين المدني.
  • إن التقنين المدني ليس هو التقنين الوحيد الذي يتضمن أحكاماً متعلقة بالقانون الإداري بل إن قانون العقوبات تضمن أيضاً قواعد تهم هذا القانون وهي القواعد المتصلة بتجريم إضراب الموظفين.
  • أيضاً هناك من القوانين المتناثرة التي تعالج موضوعات إدارية متخصصة مما يجعلها تشريعات إدارية ومن أمثلتها التقليدية : قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، وقانون التزام المرافق العامة وقانون العاملين المدنيين في الدولة وقانون الإدارة المحلية أو قانون الحكم المحلي وقانون العمد والمشايخ، وقانون تنظيم الجامعات وقانون الشرطة وقانون المرور
  • وفي لبنان هناك العديد من القوانين المتناثرة التي تعالج موضوعات متخصصة، وبالتالي هي تشريعات إدارية.


Ø ثالثاً : اللوائح

  • يقصد باللائحة، بصفة عامة مجموعة القواعد القانونية العامة المجردة التي تصدر عن جهة الإدارة فاللوائح تتشابه مع التشريع من الناحية الموضوعية ، حيث أنها تتضمن، مثله، قواعد تخاطب الأفراد بصفاتهم ووظائفهم لا بأسمائهم وذواتهم، إلا أنها تختلف عن التشريع من الناحية العضوية، حيث أن هذه اللائحة تصدر عن الإدارة العامة في حين أن التشريع، من الناحية العضوية، حيث أن هذه اللائحة تصدر عن الإدارة العامة في حين أن التشريع يصدر عن البرلمان.
  • لذلك قيل أن اللوائح تعتبر، من الناحية العضوية أو الشكلية، أعمالاً إدارية لأنها صادرة عن السلطة الإدارية ولكنها تعتبر.. بالنظر للمعيار المادي أو الموضوعي – أعمالاً تشريعية لأنها تتضمن قواعد عامة ومجردة
  • إن الإدارة تملك قانوناً إلغاء اللوائح التي وضعتها وتعديلها في كل وقت ولكنها ملزمة بالخضوع لإحكام اللائحة طالما اللائحة قائمة.
  • إذا أرادت الإدارة إلغاء أو تعديل اللائحة يجب أن تتبع الطرق القانونية المقررة لذلك، ويجب أن يتم التعديل أو الإلغاء تحقيقاً للمصلحة العامة وليس بقصد إصدار قرارات فردية مخالفة لما انطوت عليه اللائحة من أحكام.
  • ليس لرئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بتعيين شخص ما في أحد المرافق العامة بالمخالفة للائحة التي وضعها هذا المرفق لتنظيم شؤونه.
  • اللوائح تنقسم إلى قسمين رئيسين هما:-

- القسم الأول : ويشمل اللوائح ذات الطابع العادي ، أي تلك اللوائح التي يعتبر إصدارها من صميم وظيفة الإدارة، ولذلك الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في هذا المجال وهي على ثلاثة أنواع هي:-

  1. اللوائح التنفيذية (اللوائح الصادرة عن رئيس الجمهورية اللازمة لتنفيذ القوانين).
  2. اللوائح التنظيمية (اللوائح التي تصدر عن رئيس الجمهورية التي تحافظ على النظام العام بجوانبه الثلاثة الأمن العام- والصحة العامة- والسكينة العامة وغالباً تقيد الحريات الفردية)


  • إن اختصاص رئيس الجمهورية بإصدار هذه اللوائح له طبيعة شخصية فقد منعه الدستور أن يفوض فيها.

- القسم الثاني : ويشمل اللوائح ذات الطابع الاستثنائي، أي التي تصدرها الإدارة في حالات معينة وبشروط معينة وتعتبر هذه اللوائح، خروجاً على الاختصاص العادي للسلطة التنفيذية.

  • إن الطابع الاستثنائي لهذه اللوائح يكمن أن لها قوة القانون ولذلك هي عكس اللوائح العادية، تستطيع أن تلغي أو تعدل تشريعاً صادراً عن البرلمان.
  • اللوائح الاستثنائية نوعان هي :-


  1. لوائح الضرورة وهي التي قصدها المشرع الدستوري إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات لها قوة القانون.
  2. اللوائح التفويضية وهذه تنص على أن لرئيس الجمهورية، عند الضرورة وفي الأحوال الاستثنائية وبناءً على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلثي أعضائه، أن يصدر قرارات لها قوة القانون ويجب أن يكون التفويض لمدة محددة.


  • وهكذا في غيبة تقنين للقانون الإداري، تناثرت وتبعثرت قواعده المكتوبة، مما جعل القانون الإداري معتمداً إلى حد كبير، في تأصيل أحكامه ومبادئه العامة على القضاء الإداري، خصوصاً وأن للعرف دوراً محدوداً في هذا المجال.



43. أكتب في دور القاضي الإداري في حالة عدم وجود نص تشريعي

  • نحن أمام الفرض التالي: عرض نزاع على القاضي الإداري بين الإدارة وأحد الأفراد ليفصل فيه وبالبحث عن قاعدة قانونية مكتوبة صالحة للفصل في النزاع، وتبين عدم وجود القاعدة فماذا يفعل القاضي؟
  • في البداية القاضي لا يستطيع الامتناع عن الفصل في النزاع وإلا كان مرتكباً لجريمة إنكار العدالة أو التخلف عن إحقاق الحق وليس أمامه إلا أن يبتدع الحل المناسب بإرادته هو أي إنشاء قاعدة (لأن القانون الإداري قانون جديد مقارنة بالقوانين الأخرى وغير مقنن ويكتنفه فراغ واسع)
  • إن القضاء الإداري ليس مجرد قضاءً تطبيقي وإنما هو في الأعم الأغلب قضاء تكويني إنشائي خلاق يبتدع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ بين جهات الإدارة العامة في تسيرها للمرافق العامة وبين الأفراد ويبتكر القضاء الإداري المخارج لما يعترض سبيله تحقيقاً لمهمة بين الصالح العام والمصلحة الخاصة.
  • كما أن قدرة المحكمة الإدارية العليا على هذا الأمر ليست كاملة بسبب تقسيمها إلى أكثر من دائرة مما يجعل إمكانية إصدار أحكام متناقضة من هذه الدوائر قائمة.
  • على كل حال لقد ملأ القضاء الإداري في فرنسا ومصر ولبنان العديد من الثغرات الموجودة في القانون الإداري الوضعي في شتى المجالات مثلاً:-

- في مجال مسؤولية الإدارة، فقد أبتدع القضاء الإداري نظرية المسؤولية على أساس المخاطر.
- وفي مجال الضبط الإداري : وضع القاضي الإداري حدوداً لسلطة الضبط الإداري.

44. أكتب في المسؤولية على أساس المخاطر

  • إن للمسؤولية المدنية أركاناً ثلاثة هي :-

- الخطأ – ضرر – وعلاقة سببية تجمع بينهما، وعندما تجتمع هذه الأركان معاً وجب الحكم بالتعويض كما قيل إن المسؤولية المدنية لها صفة العموم والإطلاق

  • أما المسؤولية الإدارية فهي على حد تعبير محكمة التنازع الفرنسية فهي ليست عامة وليست مطلقة بل تخضع لأحكام مرنة ومتطورة تختلف باختلاف الظروف والأحوال، ولذلك فهي تحابي الإدارة على حساب الأفراد في بعض الأحيان، كما هو الحال في نظرية أعمال السيادة المحصنة ضد رقابة القضاء إلغاءً وتعويضاً .. فلا تعويض تلزم الإدارة بدفعه طالما كان العمل ضمن طائفة أعمال السيادة.
  • كما أن قواعد المسؤولية الإدارية تحابي الإدارة حينما يشترط القضاء الإداري للحكم بالتفويض درجة معينة من الخطأ بأن يكون جسيماً أو ظاهر الوضوح وعلى درجة خاصة من الخطورة ويطبق هذا الحكم على العديد من المرافق العامة: كمرفق البوليس( الشرطة) حيث لا يقر القضاء المسؤولية عن القسوة في معاملة الجماهير إلا إذا ارتكبت سلطة البوليس خطأ ظاهرياً، بالغ الجسامة كأن تصل القسوة إلى شبه مشاركة في القتل.
  • وقواعد المسؤولية الإدارية تحابي الإدارة في نفس الأمر بالنسبة للمرافق الصحية فهو يتشدد في وصف الخطأ إلى الحد الأقصى بالنسبة إلى مستشفيات الأمراض العقلية التي تتعامل مع فاقد القوى العقلية ولهذا لا يحكم بالتعويض إلا إذا كان الخطأ على درجة خاصة وواضحة من الجسامة، كأن تهمل إدارة المستشفى في رقابة أحد نزلائها مما مكنه من إشعال حريق.
  • أما بالنسبة للمستشفيات العادية فإن القضاء الإداري يتطلب جسامة الخطأ إذا كان التقصير منسوباً إلى هيئة الأطباء حال أدائهم للخدمة الطبية المباشرة أو كانت هذه الخدمة تؤدى تحت إشرافهم :أن يسند إجراء عملية جراحية خطيرة إلى طبيب مبتدئ، أو أن يحدث إهمال في رقابة مريض يحتاج إلى عناية خاصة لإدمانه على الخمر أو أن يوضع طفل بين المرضى البالغين، مما تسبب نقل عدوى المرضى إليه.
  • إلا أن قواعد المسؤولية الإدارية التي وضعها القضاء لا تحابي دائماً الإدارة فهي تراعي أيضاً مصالح الأفراد بدرجة تفوق بكثير قواعد المسؤولية المدنية، وذلك حينما يقرر القضاء مسئولية الدولة بلا خطأ من جانبها، أو المسؤولية على أساس المخاطر، وتعني أن الإدارة ستلزم بتعويض الضرر الذي ترتب على نشاطها المطابق للقانون.



45. أكتب في المسؤولية على أساس المخاطر في قضاء مجلس الدولة المصري

  • مر موقف القضاء الإداري المصري من المسؤولية على أساس المخاطر بمرحلتين:-

- في المرحلة الأولى : أقر مجلس الدولة المصري بمسؤولية الإدارة على أساس المخاطر، وقد جاء ذلك في عبارة واضحة وصريحة في أحد الأحكام لمحكمة القضاء الإداري بشأن مسؤولية الإدارة عن فصل موظفيها بغير الطريق التأديبي.. معنى ذلك أن القرار الصادر بفصل موظف عام عن غير الطريق التأديبي، وإن كان مشروعاً من جميع جوانبه الشكلية والموضوعية، يرتب مسؤولية الدولة على أساس المخاطر والعدالة إذا صدر في وقت غير لائق أو بطريقة تعسفية أو بغير مبرر شرعي، فالموظف يلتحق بالخدمة بنية الاستقرار، وهو محق في ذلك، فإذا فاجأته الإدارة بالفصل دون أن تمهد له أو تعينه على بدء حياته الجديدة خصوصاً وأنه لم يصدر عنه ما يبرر هذا الإجراء الخطير، فإن الإدارة تكون محقه في ذلك، والموظف، وبنفس الدرجة، محق أيضاً في طلب التعويض على أساس المخاطر وتغليباً لقواعد العدالة.

  • ولقد أخذت محكمة القضاء الإداري بذات المبدأ في أحكام أخرى، إلا إنها في مرحلة تالية، وبتأييد من المحكمة الإدارية العليا، عدلت هذه المحكمة من مسلكها السابق رافضةً بذلك الإقرار بمبدأ المسؤولية على أساس المخاطر.
  • إن المحكمة الإدارية العليا أيضاً استبعدت فكرة المخاطر كأساس لمسؤولية الإدارة إلا إذا قررها نص تشريعي خاص، حيث أن نصوص القانون المدني ونصوص قانون مجلس الدولة المصري قاطعة في الدلالة على أنها عالجت المسؤولية على أساس قيام الخطأ... وقد أخذ التشريع المصري في حالات معينة على سبيل الاستثناء وبقوانين خاصة ببعض التطبيقات لهذه الفكرة أي فكرة المسؤولية على أساس المخاطر.
  • إن هذا الاتجاه المنكر للمسؤولية الإدارية على أساس المخاطر أثار ردود فعل سلبية من جانب العديد من الباحثين.

- فالدكتور سليمان الطماوي يلاحظ بهذا الشأن أن المحكمة الإدارية العليا قد أغفلت اعتباراً أساسياً، سلمت به من أول الأمر وهو استبعادها للقواعد المدنية في مجال المسؤولية الإدارية وفي غيرها من مجالات القانون الإداري. وهذا المسلك يقتضي السير على القواعد الإدارية في مسؤولية الإدارة ومن المظاهر الأساسية للمسؤولية الإدارية فكرة المسؤولية على أساس المخاطر.
- الدكتور أنور رسلان فيرى إمكانية الأخذ بمسؤولية الدولة بدون خطأ في الحالات وبالشروط المطبقة بها في قضاء مجلس الدولة الفرنسي، حيث أن ذلك أدعى العدالة من ناحية، ولأنه لن يثقل كاهل الخزانة كثيراً من ناحية ثانية، ولأنه يعتبر أساساً تكميلياً أو احتياطياً من ناحية ثالثة، ولأنه يشترط أن يكون الضرر خاصاً وغير عادي من ناحية رابعة، ولأن ذلك يخضع لتقدير القاضي وموازنته بين مختلف المصالح من ناحية خامسة.
- ويرى الدكتور ثروت بدوي من جانبه أنه لا يمكن تقرير المسؤولية الإدارية وفقاً لقواعد واحدة، وإنما تجب مراعاة الظروف الخاصة بكل مرفق وبكل نشاط إداري ذلك أنه " لا شك في أن تنوع أساليب النشاط الإداري، واختلاف المرافق العامة من حيث ظروف سيرها وإمكانياتها، يستلزم إجراء التفرقة بين هذه المرافق المختلفة من حيث الأحكام التي تخضع لها كل منها، وان نميز بين أساليب النشاط الإداري المتنوعة من حيث القواعد التي تحكمها.

  • ومن هنا تميزت القواعد الحاكمة للمسؤولية الإدارية بكونها خارقة للشريعة العامة، ومن حيث أنها في بعض الأحيان تحابي الإدارة، وفي أحيان أخرى تكون أكثر تيسيراً بالنسبة للأفراد




46. اكتب في القيود الفنية للتعيين في القانون المصري
Ø أولاً : الأخذ بأسلوب المسابقة في اختيار الموظفين
Ø ثانياً :الوضع تحت الاختبار

Ø أولاً: الأخذ بأسلوب المسابقة في اختيار الموظفين:
1. هناك طرق عديدة يمكن بها للإدارة أن تختار بها موظفيها، فمن المتصور، وهو ما كان يجري في مصر قبل صدور أول قانون للعاملين بالدولة أن يترك الأمر للإدارة تمارسه بلا معقب عليه، ومما لا شك فيه أن مثل هذه الطريقة تجعل الإدارة العامة مفتوحة على مصراعيها لمختلف المؤثرات السياسية، بماله من تأثير في الهبوط بمستوى الموظفين، وتفشي الانحراف، وسوء الإدارة.
ومن المتصور كذلك أن يتم اختيار الموظفين بطريق الانتخاب، كما هو الشأن بالنسبة لعيين العمد والمشايخ، إلا أن الأفراد قد لا يحسنون الاختيار لتأثرهم الغالب باعتبارات بعيدة عن مستلزمات الوظيفة، كما أنها تجعل تأثير الجماهير شديداً على الموظف المختار بهذه الطريقة.


  • إن الطريقة الرئيسية لاختيار الموظفين هي المسابقة أو الامتحان، ويقصد بها إجراء الاختبارات التحريرية أو الشفوية أو الشخصية أو العملية للراغبين في شغل الوظائف العامة، وذلك بغية التحقق من صلاحيتهم لشغلها، على أن يرتبوا الناجحون في هذه الاختبارات على أساس درجات النجاح، مع التزام السلطة المختصة بالتعيين باحترام هذا الترتيب عند إصدار قرارها... وهذه الطريقة، بالرغم مما قد يوجه إليها من نقد، تعتبر أكبر ضمان ضد المحاباة وتسرب الفساد إلى مجال الوظيفة العامة، مما جعل مختلف قوانين العاملين بالدولة تقررها.
  • الأصل العام، في هذا الصدد، أن السلطة المختصة بالتعيين تحدد الوظائف التي يتم شغلها بالامتحان، وتلك التي يتم شغلها بدون الامتحان. أي أن المشرع أعطى الإدارة حق الاختيار بين سلوك طريق المسابقة وعدم سلوكه... فإذا قررت الإدارة المختصة بالتعيين أن تسلك طريق المسابقة كان عليها لزاماً أن " يكون التعيين في الوظائف بحسب الأسبقية الواردة بالترتيب النهائي لنتائج الامتحان وعند التساوي في الترتيب يعين الأعلى مؤهلاً الأقدم تخرجاً، فإن تساويا يقدم الأكبر سناً. وتسقط حقوق من لم يدركه الدور للتعيين بمضي سنة من تاريخ إعلان نتيجة الامتحان ويجوز التعيين من القوائم التي مضى عليها أكثر من سنة إذا لم توجد قوائم أخرى صالحة للترشيح منها وذلك خلال الستة أشهر التالية لانقضاء السنة.
  • وفي هذه الحالة يجب على الوحدة الإدارية أن تعلن عن الوظائف الخالية، وذلك في صحيفتين يوميتين على أن يتضمن الإعلان البيانات التالية :-

- وصف الوظيفة وشروط شغلها ودرجتها.
- الجهة التي تقدم لها الطلبات والمستندات الواجب تقديمها وميعاد ومكان تقديمها.
- بيان نوع الامتحان ومواده وتاريخه ومكان إجرائه.

  • وبالنسبة للوظائف التي تشغل بدون امتحان، فالإدارة ملزمة أن تتبع بشأنها ضوابط تتمثل في الآتي :-

- إذا كانت الشهادة الدراسية أحد الشروط الواجب توافرها فيمن يشغل الوظيفة فيكون التعيين طبقاً للمؤهل الأعلى وعند التساوي في المؤهل تكون الأولوية للأعلى في مرتبة الحصول على الشهادة الدراسية فالأقدم تخرجاً فالأكبر سناً.
- إذا كانت الخبرة هي المطلوبة فيكون التعيين طبقاً لمدة سنوات الخبرة.

  • هذان القيدان لهما صفة الإلزام لسلطة الإدارة المختصة بالتعيين، ومعنى ذلك أن قرار التعيين الذي يتم خلافاً لها يكون باطلاً.
  • لقد قرر المشرع أحكاماً خاصة بالنسبة لطائفتين من المرشحين لشغل الوظائف العامة وهما:-

- الطائفة الأولي : تتكون من موظفي الإدارة العليا، حيث يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية بدون امتحان وبدون إعلان سابق، نظراً لقرب هؤلاء الموظفين من موقع صاحب القرار السياسي، مما يحتم أن يكون لهذا الأخير سلطة تقديرية في تعيين من يراه مناسباً لشغل مثل هذه الوظائف.
- والطائفة الثانية : تضم المجندين ومن أتم خدمته الإلزامية، حيث يكون من أتم خدمته الإلزامية، الأولوية في التعيين على زملائه المرشحين معه في نفس مرتبة النجاح، وإذا كان التعيين في الوظيفة بامتحان مسابقة، فيكون له الأولوية في التعيين على زملائه الناجحين معه في ذات الامتحان المتساوين معه في درجات أو مرتبة النجاح في الامتحان ويشترط للتمتع بهذه الأولوية الحصول على درجة أخلاق لا تقل عن " جيد " أو تقارير سرية مرضية.

Ø ثانياً: الوضع تحت الاختبار:

  • يقصد بالوضع تحت الاختبار وضع الموظف المعين قبل تثبيته تحت التجربة، وذلك لمدة معينة من أجل التحقق من صلاحيته لشغلها والبقاء فيها، مع احتفاظ الإدارة لسلطتها في فصله خلال هذه المدة، و خلال مهلة قصيرة لاحقة، وذلك في حالة تبينها لعجزه عن القيام بأعباء العمل المسند إليه.
  • أخذ المشرع المصري بهذا الأسلوب حيث أقر قانون العاملين على أن " يوضع المعينون لأول مرة تحت الاختبار لمدة ستة أشهر من تاريخ تسلمهم العمل، وتقرر صلاحيتهم خلال مدة الاختبار، فإذا ثبت عدم صلاحيتهم أنهيت خدمتهم، إلا إذا رأت لجنة شؤون العاملين نقلهم إلى وظائف أخرى على أن يقضوا في هذه الحالة فترة اختبار جديدة.
  • يشترط في جميع الأحوال لثبوت صلاحية العامل أن يجتاز بنجاح برنامج التدريب الذي تضعه الوحدة التي يعمل بها، أو الذي تقرره الوحدة للتدريب التأهيلي أو التحويلي للمعينين من الخريجين عن طريق وزارة القوى العاملة والتدريب، وتحدد لجنة شؤون الخدمة المدنية بناء على عرض السلطة المختصة الوظائف الأخرى التي لا يوضع شاغلوها تحت الاختبار ويستثنى من الأحكام المتقدمة المعينون بقرار من رئيس الجمهورية.
  • إن صلاحية العاملين الموضوعين تحت الاختبار تتقرر بناء على تقارير شهرية تعد بمعرفة الرؤساء المباشرين، وتعتمد من الرئيس الأعلى، وعند نهاية فترة الاختبار يوضع تقرير نهائي على ضوء التقارير السابقة، موضحاً به مدى صلاحية العامل للوظيفة المعين بها، ويعرض هذا التقرير على لجنة شؤون العاملين، ما يجعلها تعد في كل وحدة إدارية سجلاً لقيد العاملين الموضوعين تحت الاختبار توضح به بداية ونهاية فترة الاختبار.
  • إن الوضع القانوني للعامل تحت الاختبار، فإنه يظل قلقاً غير مستقر حتى تنتهي فترة الاختبار وثبوت صلاحيته للبقاء في الوظيفة وهو ما أكدته المحكمة الإدارية العليا.


47. اكتب في نزع الملكية للمنفعة العامة
Ø أولاً : الخصائص العامة لنزع الملكية للمنفعة العامة
Ø ثانيا : إجراءات نزع الملكية

Ø أولاً : الخصائص العامة لنزع الملكية للمنفعة العامة.

  • (1) إن نزع الملكية لا يرد إلا على عقار مادي مملوك للأفراد، فلا محل لنزع ملكية المنقولات، أو الحقوق العينية التبعية، وإن كان العقار المنزوع ملكيته سيتطهر منها أي من هذه الحقوق إذا كان محملاً بها كأثر من أثار نزع ملكيتها... والاتفاق منعقد بين الباحثين على أن العقارات التي يجوز نزع ملكيتها هي تلك المملوكة للأفراد، أو الهيئات الخاصة ، أو الداخلة في نطاق الدومين الخاص للأشخاص الإدارية.
  • (2) إن نزع الملكية له هدف واحد، ألا وهو تحقيق المنفعة العامة، وهو أمر حرصت على الإشارة إليه مختلف الدساتير المصرية بل إن هذا الاعتبار لأهميته يشار إليه في تسمية التشريعات المنظمة لنزع الملكية... ومع ذلك لقد ترك المشرع، دستورياً أم عادياً ، مسألة تحديد المنفعة العامة للإدارة التي تتمتع بشأنها بسلطة تقديرية واسعة.
  • (3) إن نزع الملكية للمنفعة العامة من اختصاص السلطة الإدارية، وإن كان من الجائز أن يكون المستفيد من القرار شخصاًً خاصاً يدير مرافقاً عاماً بناءً على عقد التزام أبرمه مع الإدارة، أو شخصاً خاصاً يمارس نشاطاً ذا نفع عام لا تتوافر فيه صفة المرفق العام.
  • (4) لا نزع للملكية بلا تعويض عادل، وهو أمر تفرضه ضرورة التوفيق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة للأفراد المنزوعة ملكيتهم، وهو، في نفس الوقت، تطبيق سليم لمبدأ المساواة بين الأفراد إزاء الأعباء العامة.


Ø ثانياً : إجراءات نزع الملكية

  • تمر الإجراءات لنزع الملكية بثلاث مراحل هي :-
  • (1) هي مرحلة تقرير المنفعة العامة : يتم تقرير المنفعة العامة وهو الشرط الأساسي لنزع الملكية بقرار جمهوري، ولا يكفي قرار من الوزير المختص.
  • يجب أن يرفق بالقرار الصادر بهذا الشأن أي بنزع الملكية المستندات وهي:-

- مذكرة ببيان المشروع المطلوب اعتباره من أعمال المنفعة العامة.
- رسم التخطيط الإجمالي للمشروع

  • وينشر ذلك كله في الجريدة الرسمية، ويلصق في المحل المعد للإعلانات بالمحافظة ، وفي مقر العمد وفي مقر المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها العقار.
  • مجرد حصول النشر يكون لمندوبي المصلحة القائمة بإجراءات نزع الملكية الحق في دخول العقارات التي تقررت ضرورتها للمنفعة العامة، والتي شملها التخطيط الإجمالي للمشروع، وذلك لإجراء العمليات الفنية والمساحية ، ووضع علامات التحديد والحصول على البيانات اللازمة بشأن العقار، أو العقارات المطلوب نزع ملكيتها.
  • (2) ثاني هذه المراحل هي ، بالتحديد، مرحلة نقل الملكية وتمر الإجراءات فيها على النحو التالي :-

- حصر الممتلكات عن طريق مندوب المصلحة ورجال الإدارة المحلية والصراف ويجب الإعلان لحضور الملاك وأصحاب الحقوق من المحصور أمامها في موقع المشروع للإرشاد عن ممتلكاتهم وحقوقهم.
- ثم إعداد كشوفات من واقع عملية الحصر تبين فيها العقارات والمنشآت التي تم حصرها ومساحتها، ومواقعها وأسماء ملاكها، وأصحاب الحقوق فيها، والتعويضات التي تقدر لهم.. وتعرض كل الكشوفات ومعها خرائط تبين مواقع الممتلكات محل القرار على أن يسبق هذا العرض إعلان في الجريدة الرسمية وفي جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على أن يشتمل هذا الإعلان على بيان للمشروع والمواعيد المحددة لعرض الكشوف والخرائط، إضافة إلى أخطار المالك وأصحاب الشأن بهذا العرض بخطاب موصى عليه بعلم الوصول.
- أخيراً تأتي مرحلة نقل الملكية، وتتميز هذه المرحلة ببساطتها، حيث أن المشرع اكتفى في ذلك بأن يوقع الملاك وأصحاب الحقوق التي لم تقدم بشأنها معارضات على نماذج خاصة بنقل ملكيتها، أما العقارات التي يتعذر الحصول على توقيع أصحاب الشأن فيها، فيصدر بنزع ملكيتها قرار من الوزير المختص. ثم تودع النماذج أو القرار الوزاري في مكتب الشهر العقاري، وهو ما يرتب جميع الآثار المترتبة على إشهار عقد البيع، بما في ذلك نقل الملكية إلى الجهة الإدارية نازعة الملكية، ويتحول ما على العقار المنزوعة ملكيته من حقوق إلى مبلغ التعويض.
وأخر إجراءات نزع الملكية هي، إذن، تعويض الملاك وأصحاب الشأن، ولقد وضع المشرع، في هذا المجال، بعض المبادئ الواجب مراعاتها، وهي:-
- إنه إذا زادت، أو نقصت، قيمة الجزء الذي لم تنزع ملكيته بسبب أعمال المنفعة العامة في غير مشروعات التنظيم داخل المدن، فمن الواجب مراعاة هذه الزيادة، أو النقصان، عند تقدير التعويض.
- إنه إذا كانت قيمة العقار الذي تقرر نزع ملكيته لأعمال التنظيم في المدن قد زادت نتيجة تنفيذ مشروع سابق ذي نفع عام، فإن هذه الزيادة لا تحتسب في تقدير التعويض إذا جاء نزع الملكية خلال خمس سنوات من تاريخ بدء التنفيذ في المشروع السابق.

  • الفرق بين نزع الملكية للمنفعة العامة والتأميم فوارق جوهرية ثلاثة:-

- من حيث الطبيعة القانونية : نزع الملكية هو في كل الأحوال قرار إداري ، في حين التأميم لا يتصور إلا بقانون صادر عن صاحب السلطة التشريعية في الدولة.
- ومن حيث محل كل من نزع الملكية للمنفعة العامة والتأميم يلاحظ أن نزع الملكية يرد، من حيث المبدأ ، على العقارات المادية فقط في حين أن التأميم يرد على مشروع بعناصره المادية والأدبية.
- وأخيراً لا يتصور نزع الملكية بلا تعويض عادل يضمنه القضاء، في حين أن مسألة التعويض في خصوص التأميم ليست أكيدة في كل الأحوال، خصوصاً إذا وقع التأميم كجزاء لصاحب المشروع المؤمم.
إذن إجراءات نزع الملكية هي :-
ü تقرير المنفعة العامة.
ü نشر مرسوم المنفعة العامة وإعلانه.
ü تقدير التعويض بواسطة اللجان.
ü نقل الملكية بواسطة الشهر العقاري.

48. اكتب في العمل الإداري والعمل القضائي.

  • إن التفرقة بين العمل الإداري والعمل القضائي سهلة ويسيرة في حالة إذا أفصح المشرع عن إرادتهن وبين طبيعة النشاط، أو طبيعة العضو الذي يمارسه... إذا وصف المشرع هيئة معينة بوصف " محكمة " أو أضفى على عمل معين صفة " العمل القضائي " كانت إرادة المشرع هي الحاسمة.
  • أما في الحالة التي لا يكشف المشرع فيها عن إرادته فيمكن إجراء التفرقة بين العمل الإداري والعمل القضائي باستخدام المعيار العضوي أو الشكلي، أو المعيار المادي أو الموضوعي.
  • طبقاً للمعيار الشكلي، يمكن تعريف العمل القضائي بأنه ذلك العمل الذي يصدر عن هيئة مكونة من قضاة في إطار إجراءات معينة تتضمن نظاماً للدفاع، مع خضوع العمل لإجراءات خاصة للطعن.
  • ومن الناحية الموضوعية، تعددت المعايير التي قيل بها للتفرقة بين العمل الإداري والعمل القضائي، فذهب رأي إلى أن ما يميز القرار الإداري هو صدوره بناء على سلطة تقديرية في حين أن العمل القضائي يصدر بناءً على سلطة مقيدة، إلا أن وجهة النظر هذه معيبة فمن ناحية لا تتمتع الإدارة دائما بسلطة تقديرية في ممارسة اختصاصاتها، بل قد تكون السلطة مقيدة أو تقديرية ومن ناحية أخرى من الملاحظ أن سلطة القاضي ليست مقيدة في جميع الحالات، بل اعترف له المشرع، أحياناً بسلطة تقديرية تشبه إلى حد كبير تلك التي تتمتع به الإدارة
  • على كل حال هناك أراء كثيرة في هذا الشأن ولكن أخيراً يذهب البعض إلى القول بأن التفرقة بين العمل الإداري والعمل القضائي تستلزم النظر إلى الهدف من العمل، والباعث عليه، فالإدارة تهدف من نشاطها إلى إشباع الحاجات العامة، وتسيير المرافق العامة، في حين أن القاضي يهدف إلى مجرد احترام القانون.


48. اعقد مقارنة بين نظرية عمل الأمير ونظرية الظروف الطارئة ونظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة

نظرية عمل الأمير
  • أن يكون ثمة عقد من العقود الإدارية.
  • أن ينشأ عنه ضرر لا يشترط فيه درجة من الجسامة.
  • أن يكون الفعل الضار صادراً من جهة الإدارة المتعاقدة.
  • افتراض أن الإدارة لم تخطأ حين اتخذت عملها الضار فمسئوليتا عقدية بلا خطأ.
  • أن يكون الإجراء الصادر من جهة الإدارة غير متوقع.
  • أن يلحق المتعاقد ضرر خاص لا يشاركه فيه سائر من يمسه القرار العام.
نظرية الظروف الطارئة

  • أن يكون هناك حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية.
  • أن يكون الحادث عاماً غير مختص بالمدين.
  • أن يكون من شأن هذه الحوادث الإخلال الجسيم بالتوازن المالي للعقد.


نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة

· أن تكون الصعوبات مادية وغير عادية أو استثنائية.
· أن تكون الصعوبات طارئة أي غير متوقعة.
· أن يترتب على التنفيذ نفقات تتجاوز الأسعار المتفق عليها في العقد، وتزيد من أعباء المتعاقد مع الإدارة




49. أكتب في امتيازات السلطة العامة.
امتيازات السلطة العامة كثيرة ومتعددة ونكتفي بالتعرض لأثنين من هذه الامتيازات هي:
Ø امتياز التنفيذ المباشر.
Ø وقرينة سلامة القرارات الإدارية

أولاً : امتياز التنفيذ المباشر:
· يقصد بامتياز التنفيذ المباشر قدرة الإدارة على إصدار القرارات بإرادتها المنفردة، وإحداث تعديلات في المراكز القانونية للأفراد المخاطبين بها وتكون نافذة في مواجهتهم دون توقف على رضاهم.

· يطلق على امتياز التنفيذ المباشر كذلك امتياز المبادأة أو امتياز القرار التنفيذي.
· امتياز التنفيذ المباشر لا نظير له في القانون الخاص ولا تملك الإدارة التخلي عنه، واللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم عوضاً أو بدلاً عنه من تصرفها المباشر، حيث أن امتياز التنفيذ المباشر امتياز تبرره المصلحة العامة، بما تعنيه من إشباع للحاجات العامة للأفراد، وكفالة لأمن المجتمع وسلامته.
· من الآثار المترتبة على امتياز التنفيذ المباشر أن الطعن في القرار الإداري بالإلغاء ليس له أثر ولا يوقفه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك أني أن القرار الإداري يستمر منتجاً لآثاره القانونية.
· إن القرار الإداري الذي تصدره الإدارة بناءً على امتياز التنفيذ المباشر يحوز حجية الأمر المقرر بمعنى أن تكون له قوة إلزامية تنفيذية تميزه عن التصرفات المنفردة للأفراد، وذلك باعتباره أحد مظاهر السلطة العامة.
· إن امتياز التنفيذ المباشر يخل بشدة بمبدأ المساواة، إذ إنه يضع الإدارة في مركز متميز في مواجهة الأفراد الذين يتعاملون معها.

ثانياً: قرينة سلامة القرارات الإدارية:
· يقصد بامتياز قرينة سلامة القرارات الإدارية أن مشروعية القرار الإداري، وصحته، أمر مفترض إلى أن يثبت العكس، وهو ما يعني أن الأفراد المخاطبين بهذه القرارات ملزمون باحترام ما تتضمنه من أوامر ونواهي، وينتج عن ذلك أنه إذا أراد شخصاً التخلص من الالتزامات التي وقعت على عاتقه بموجب هذه القرارات، فما عليه سوى أن يقاضي الإدارة ويهاجم القرار طبقاً للإجراءات القانونية المقررة.
· قرينة السلامة تعتمد على التزام الموظف بالإخلاص والأمانة والنزاهة في العمل، وقيامه بواجبات وظيفته بدقة ومراعاة الحيدة التامة، وهذه واجبات وظيفية أساسية بالنسبة لجميع العاملين ومن بينهم من له سلطة التقرير.
· إن قرينة سلامة القرارات الإدارية تميز الإدارة في تعاملها مع الأفراد، فعلى حين أن الفرد العادي يتعين عليه بدايةً إثبات الحق الذي يدعيه فإن دعوى الإلغاء توجه إلى قرار إداري يتمتع بقرينة الصحة والسلامة وبعبارة أخرى يقف الفرد في هذا الخصوص موقف المدعي وتقف الإدارة موقف المدعى عليه حيث يتعين على الفرد إثبات ما يدعيه أو عكس القرينة القاضية بصحة القرار فإذا نجح في ذلك فإن القرينة لا تزول بصفة آلية بل ينتقل عبء الإثبات إلى عاتق الإدارة المدعى عليها، فإذا عجزت عن إثبات صحة قرارها أو اتخذت موقفاً سلبياً أو غير مقنع، كان قرارها غير صحيح وزالت عنه قرينة السلامة.




مع تمنياتنا لنا ولكم بالنجاح