فضل الرسول على البشرية


ما دمنا نتحدث عن حب المؤمنين للرسول محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد لنا من إيضاح أسباب ودوافع هذا الحب الذي يشكل جزءا من إيمان المسلم.
فإيمان المؤمن لا يكون مكتملا إذا كان حبه للرسول ناقصا أو غير كامل وقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة بوضوح وصراحة يقول تعالى في سورة آل عمران (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فان تولوّا فان الله لا يحب الكافرين) 31 ،32 روى البخاري في صحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله (ص) قال (فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده) رواه البخاري عن انس رضي الله عنه قال: قال النبي (ص) لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه الشيخان وحب الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون بالأقوال فحسب بل بإتباع وترجمة فعلية لهذا الحب وذلك بالاقتداء والتأسي والمنافحة عنه صلى الله عليه وسلم وتطبيق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمسلم يحب الرسول عليه الصلاة وأفضل التسليم لأسباب كثيرة فهو صاحب الشفاعة الأولى: الشفاعة للبشرية ببدء الحساب, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة ماج الناس (اختلط واضطرب) بعضهم في بعض فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: اشفع لنا الى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فانه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فانه روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد فيأتونني فأقول: أنا لها فأستأذن ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال: يا محمد ارفع ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع) رواه البخاري في باب التوحيد ورواه مسلم عن أبي هريرة بلفظ آخر (عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله (ص) قال: " فيأتوني فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ إلا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فاقع ساجدا لربي ثمّ يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد من قبلي ثم قال: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه اشفع تشفع) رواه مسلم في باب الأيمان.
فالرسول (ص) هو الذي يسجد تحت العرش يطلب من ربه الرحمن الرحيم أن يأمر ببدء الحساب بعد أن يتعرض البشر إلى المشقة والحرج والتعب والنصب كل حسب عمله كما ورد في مصادرنا الشرعية الصحيحة فلا يفرق الرسول (ص) بين الناس هذا عربي وهذا أوروبي وهذا إفريقي وهذا آسيوي فهو يرجو ربه وهو صاحب المقام العظيم من أجل البشرية جمعاء لا من أجل أمته العربية والإسلامية فحسب فصدق الله القائل عز وجل (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء آية 107 فكيف يهان مثل هذا الرسول والنبي الإنسان؟ في حين أن فضله لا ينحصر في أتباعه بل يشمل المسلم وغير المسلم من الأمم الضاربة في أعماق التاريخ الإنساني.
إما الشفاعة الثانية: فتكون كما روى الإمام مسلم يقول الرسول (ص): يا رب أمتي أمتي فيقال: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب).
أما الشفاعة الثالثة: إخراج كل إنسان من أمة محمد قال لا اله إلا الله كما روى الإمام البخاري, يقول الرسول فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل).
وعن أنس في رواية ثانية قال (ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثمّ أخرّ له ساجدا فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا اله إلا الله فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا اله إلا الله).
والانتصار للرسول (ص) يكون باتخاذ خطوات عديدة من أهمها أن يفهم المسلمون ويدركوا مقام رسولهم الكريم ويتعرفوا على هديه وسيرته العطرة وصفاته وشمائله وأخلاقه وأن يدرك جميع المسلمين في العالم أنه لا يجوز للمؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم حب أي شيء على حب الرسول وهذا ما يفهم من قوله (ص) (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه الشيخان فإذا ما اجتمع المسلمون على حب رسولهم الكريم يكونون فريقا واحدا يشكل جبهة قوية وسدا منيعا في وجه أية محاولة للنيل من الإسلام ومكوناته وأية جزئية من جزئياته مهما كبرت أو صغرت. عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص) المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) متفق عليه.
ويتوجب على علماء الأمة الإسلامية أن يتحملوا المسؤولية تجاه نبيهم الكريم فهم الأقدر على إبراز الصورة الناصعة والمشرقة عن الرسول وهم الأقدر على استنباط هديه من النصوص الكريمة وبالتالي عرضها أمام العالم صورا إنسانية وحضارية متميزة فلا يعقل أن ننتظر علماء أجانب أمثال ميشيل هارت وغيره من العلماء المنصفين والموضوعيين أن يعرضوا الصورة المشرقة عن رسولنا الكريم ونحن بمنأى عن هذه المهمة الإيمانية العظيمة, فالعالم المتخصص أقدر على استخلاص سيرة نبوية شريفة تعتمد على أسانيد متواترة وصحيحة تشكل دعامة وأساسا متينا لثقافة إسلامية وحضارة في الألفية الثالثة.
ويعتبر سلاح المقاطعة الاقتصادية من صور الانتصار للرسول (ص) من هؤلاء البغاة والظلمة الذين يعتدون على أنبياء الله عليهم أفضل الصلاة والتسليم خاصة نبينا الكريم محمد (ص) فلا بد لكل مسلم وعربي يؤمن بالله عز وجل أن يقاطع هذه البلدان التي لا تحترم الأديان والعقائد والرسل والأنبياء الذين هم أشرف الخلق على الإطلاق وعلى المواطن العربي والمسلم في هذا العالم المترامي أن يقتدي برسول الله (ص) الذي ضرب أروع الأمثلة في الزهد والقناعة والتقشف, تقول السيدة عائشة رضي الله عنها (ما شبع آل محمد (ص) من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض) متفق عليه.
وعنها رضي الله عنها قالت: إنا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله (ص) نارا ويقول عروة راوي الحديث: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص) اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) متفق عليه أي قوتا بمعنى ما يسد الرمق فالرسول لا يطالب المسلمين ولا يلزمهم بأن يكون قوتهم ما يسد الرمق ولكن يقتضي الموقف أن يغضب المسلم المعاصر عندما تنتهك حرمات الله فيستغني عن أجود السلع والبضائع التي اعتاد عليها وان كان لا بد فلا يرضى على نفسه أن يأخذ سلعة من فئة لا تحترم دينه وعقيدته فهذا معروف وقربى يقوم بها المؤمن لله وللرسول, يقول الرسول (ص) لأبي ذر رضي الله عنه (لا تحقرنّ من المعروف شيئا) رواه مسلم فربما فعلك هذا يوافق رضا الله سبحانه وتعالى فتكون من السعداء الذين ينعم الله عليهم في مستقر رحمته وهو مبتغى كل مؤمن بالله ورسوله يلتزم أوامره عزّ وجل ويجتنب نواهيه خاصة عدم الانتصار للرسول عليه الصلاة والسلام ممن وصفوه بأسوأ وصف عرفه مجتمع متحضر ان صح هذا التعبير.



__________________________________________________ _____________