نعم للاستفتاء .. ولا للإفتاء
مولد الاستفتاء على التعديلات الدستورية بدء منذ اليوم الأول لتشكيل لجنة تعديل الدستور .. الكل يريد ان يظهر في الصورة، الكل يريد ان يشتهر على حساب الاستفتاء وعلى حساب الثورة وعلى حساب الشعب، لا أحد يريد ان تسير الأمور في مسارها الطبيعي، ذلك أن هذا المسار الطبيعي يخالف مصالحهم وأهوائهم، فعقلية السياسي المصري لازالت هي نفس العقلية العفنة الخربة التي عانينا منها طوال العقود الماضية، هل يستطيع احد السادة المتفزلكين والذين يرفضون التعديلات الدستورية برمتها ان يقول لي ماذا فعل قبل 25 يناير والذي يعطيه الحق في ان يفتي وان يدلو برأيه في هذا الحدث التاريخي، الأكيد انه لم يفعل اي منهم شيئا يذكر يجعله يجلس على المنبر مخاطبا الجماهير ليملي عليهم يقولوا نعم ام لا، وماذا يريدون هؤلاء من مقاطعة الاستفتاء؟، ان لجنة تعديل الدستور كانت لجنة يشهد الجميع لأفرادها بالنزاهة والوطنية ويكفي ان رئيسها هو المستشار طارق البشري من أشرف الرجال ومن أكثرهم وقوفا في وجه النظام السابق، هل يا ترى من الممكن ان يدعي احدهم انه استطاع ان يقاوم النظام كما فعل هذا الرجل؟، واذا كنا لا نشكك في نزاهة تلك اللجنة، فمن أين أتى هؤلاء الرافضون بفكرة مقاطعة الاستفتاء، اليس هذا عودة الى الوراء من جديد، هل بعد ان أتى الوقت الذي نقوم فيه بأول استفتاء حقيقي لا نعرف نتيجته مسبقا، يريدون منا ان نقاطعه، ولماذا يخافون اذا كانوا يشجعون الديمقراطية وراغبون في اعطاء الفرصة لهذا الوطن ان يسير وفق رأي الأغلبية فيه؟، عشرات الأسئلة التي تدور في ذهني ولا أجد لها اجابة مقنعة تجعلني التمس لهم عذرا في نداءاتهم بمقاطعة الاستفتاء، وللحق لم استشعر تجاهها بأي ارتياح يجعل هذا الأمر يمر بالنسبة لي مرور الكرام.
نعم للإستفتاء، وللشعب ان يقول رأيه سواء بالموافقة على التعديلات أو رفضها، ولكن لا للإفتاء ولا مجال هنا لإملاءات السياسيين ذوي العقليات المتعفنة والتي تنادي بمقاطعة الإستفتاء تارة، أو تنادي بالخروج في مظاهرة مليونية لطلب الغاءه تارة أخرى، انهم يظنون انها لعبة يحركونها بأصابعهم كيفما يشاءون، لا يا سادة، انتهي عصركم منذ اللحظة الأولى لانطلاق ثورة الشباب ذلك انه لم يكن لكم فيها دورا، وظللتم طوال ايام الثورة في جحوركم حتى انتصرت ارادة الشعب، حينها فقط .. خرجتم من جحوركم لتحللوا وتفسروا وتتفلسفوا وتبينوا كيف انتصرت ارادة الشعب وكيف انهزم النظام السابق، وتفردتم بأخبار الثورة المضادة وفعالياتها وكأنكم عالمون ببواطن الأمور.
ما أريد ان أؤكده ان تلك العقلية التي حكمت الحياة السياسية المصرية طوال العقود الماضية هي سبب التعفن الديكتاتوري الذي عشنا فيه والذي ملء كل ركن في هذا البلد، والأكيد ان النظام لم يكن وحده المسئول عما آلت اليه الأوضاع طوال تلك السنين، ولكن أيضا لأن الأشخاص والأحزاب المنوط بها التعبير عن أوجاع الجماهير لم تكن على هذا القدر من المسئولية الذي يجعلها قادرة على مواجهة النظام وتحمل تبعات هذه المواجهة مهما كانت لأنها من المفترض ان تحمل لواء الحرية وان تدفع ثمنه مهما كان.
ورغم معارضتي الشديدة لنهج جماعة الأخوان المسلمين، إلا انني أجد نفسي مضطرا لأن احترم تلك الجماعة التي حافظت على مبادئها طوال عقود طويلة ظلت فيها محظورة، ودخلت فيه حربا طاحنة مع الأنظمة السابقة ودفعت ثمن تمسكها بتلك المبادئ – حتى ولو اختلفنا حول شرعية تلك المبادئ – ولم تستسلم رغم ما عانته من تلك الانظمة الظالمة، والآن هي لم تأتي بجديد حينما أكدت تأييدها للتعديلات الدستورية على أساس من المنطق والعقل الذي يقول ان تلك التعديلات هي خطوة أولى مناسبة لبدء رسم خريطة طريق جديدة يتحول فيها المجتمع من النظام الدكتاتوري الفاسد والذي عشنا في ما يزيد عن السبعين عاما الى النظام الديمقراطي الذي يعتمد على انتصار رأي الأغلبية.
انا لست من انصار ان أملي عليكم ان تقولوا "نعم" أو "لا" في هذا الاستفتاء، فعلى كل واحد منا أن يفكر مليا وان يستخير المولى عز وجل فيما يرى انه الأصلح له وللوطن، ولكني من أنصار ان نتعلم جميعا الإيجابية البناءه والإبتعاد كل البعد عن السلبية الهدامة، والتي كانت لها نتائج كارثية فيما سبق خلال العقود الماضية حينما تركنا الساحة للفاسدين والمفسدين يفعلوا ما يشاءون، فخسرنا أنفسنا وخسرنا وطننا.
هذه رسالتي لكم لا أبغي منها شيئا إلا قول الحق، فلقد علمتني هذه الثورة ان سكوتي عن الحق هو الظلم نفسه، واني اذا رأيت منكرا ولم أحاول ان أغيره، فقد شاركت فيه وكان لي نصيبا من ذنب تبعاته، اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.