وللخوض في هذه المسألة سنناقش الموضوع من جوانب ثلاثة:

الجانب الأول: طريقتنا في التعامل مع ابنائنا
الجانب الثاني: هو كيفية استثمار قدرات ابنائنا وتنميتها.
الجانب الثالث: هو كيفية علاج التسرع والملل وعدم الصبر لإنجاز أي عمل.

أما عن الجانب الأول وطريقة التعامل مع الابن:

أولاً: لا تلجئي للضرب أو الحدة في التعامل مع ابنك، بل مع أبنائك جميعًا، وضعي في اعتبارك أنه ما زال صغيرًا، وأن جل اهتمامه هو اللعب. ولعلاج الحدة والعصبية يمكنك الاستعانة بالرد على مشكلة تعالج هذا الأمر قد وردت في هذا الباب، كما أنصحك بالقراءة عن خصائص المرحلة العمرية التي يعيشها طفلك لتدركي طبيعة هذه المرحلة، وتتعاملي معها على أساس سليم، ويمكنك ذلك من خلال الاطلاع على أي كتاب في علم نفس النمو، وهي كتب متوفرة بالمكتبات المتخصصة في علوم التربية.

ثانيًا: أنت تطالبين ابنك أن يتعامل مع مواهبه بنضج وكأنه إنسان بالغ مكلف، وكما وصفت في رسالتك أنه: "يحزّ في نفسي هذه القدرات تذهب سدى"، وأنا أؤكد لك أن الذي سيجعلها تذهب سدى هو ضغطك وإلحاحك عليه لكي يتصرف بشكل أنضج مع هذه القدرات؛ فتصرفي معه بشكل تلقائي سلس بسيط، لا تجعليه يحس أنه عوقب بهذه القدرات، وأن جُلَّ ذنبه أنه خُلِق مميزًا، بل اجعليه يستمتع بهذا التميز ويفخر – في غير غرور- بهذه القدرات، وهو ما سنساعدك فيه في السطور التالية – إن شاء الله – في تناول الجانبين الثاني والثالث.

ثالثًا: تكمن حقيقة المشكلة سيدتي في قولك: "أنا أريد أن أصنع منه شيئًا"، وهذه هي القضية؛ فلا يجب عليك أن تصنعي منه أي شيء، وليست هذه مهمتك، بل مهمتك هي توجيه طاقاته وتنمية مهاراته، وإيمانك به كما تقولين هو الذي سيساعدك على هذا.

أما الجانب الثاني: وهو كيفية استثمار قدرات طفلك وتنميتها:

أولاً: أذكرك بأنك إذا نجحت فيما سبق، فإن هذا من شأنه أن يحل الجزء الأكبر من المشكلة.

ثانيًا: لا بد أن يقوم ابنك بنشاطات حياتية متعددة، مثل: أن يقوم بشراء بعض مستلزمات البيت ويحاسب هو، لا بد أن تشاركيه في وضع ميزانية البيت، ويمكنه أن يتحمل هذه المسؤولية لمدة يومين مثلاً - تحت إشرافك بالطبع - وتدربيه بطريقة بسيطة لطيفة في حسن استغلال المال في مثل هذه المواقف، ويمكنك أيضًا أن تجعليه المسؤول المالي عن نزهة أو رحلة أو معسكر تقوم به الأسرة، مع ملاحظة إشراك إخوته في كل ما سبق، وتُوزّع المسؤوليات كلٌّ على حسب سنه وقدرته.

ثالثًا: كل الأنشطة السابقة تحقق عدة أغراض، فستعتبر بالنسبة لابنك من المهام الممتعة، وهي بمثابة تنمية لقدراته الرياضية أو الحسابية من ناحية أخرى، ومن ناحية ثالثة ستدربه بطريقة تلقائية غير متكلفة على الصبر وعدم الملل، وفي الوقت نفسه تعزيز لأشياء أخرى.

بمعنى أنه يمكنك مثلاً إذا حفظ قدرًا مناسبًا من القرآن الكريم - وأعني مناسبًا بالنسبة له لا لك، ويمكنك الاستعانة أيضًا في أمر حفظ القرآن بالرد على مشكلة في هذا الموضوع في الباب نفسه - تكافئيه بالتنزه أو الرحلة أو المعسكر، ويكون مسؤولاً ماليًّا فيه كما سبق وأشرت. مع ملاحظة - وهذه الملاحظة في غاية الأهمية - ألا تجعلي المكافأة شرطًا لإنجازه أي طلب تطلبينه منه، وإنما تحدث المكافأة بشكل طبيعي بعد أن يأتي بالفعل المرغوب فيه أو المطلوب.

وإذا أردت مزيدًا من الأفكار والأنشطة التي يمكن أن تمارسيها مع طفلك، فهناك مواقع متعددة على (الإنترنت) في باب التربية تفيدك في هذا، ومن أشهرها وأفضلها من وجهة نظري موقع:
familyeducation.com

أما الجانب الثالث وهو كيفية علاج التعجل والملل وعدم الصبر، فقد أضحى الأمر أيسر بكثير إذا قمنا بعلاج الجانبين الأول والثاني.

وأحب أن أوضح لك السبب الرئيسي للملل الذي يصيب ابنك أثناء المهمة المطلوبة منه، فكل ما يطلب منه لا يتحدى ذكاءه، فهي مهام بالنسبة له بسيطة تافهة؛ لذا عليك دائمًا إسناد بعض المهام التي تتحدى ذكاءه، مثال ذلك أن تطلبي منه أن يحسب بعض العمليات الحسابية دون اللجوء إلى الورقة والقلم، وأن يقوم بحل بعض الألغاز الرياضية (الفوازير) أو أن تصطنعي بعض المواقف الصعبة وتطلبي منه حسن التخلص منها...

وأما عن التسرع في الأمور الأخرى، فقد ضربت أنت مَثَلين لهذا التسرع، وهما طريقته في تناول الطعام، وعدم حبه القراءة. وسأتناول المثلين نفسيهما، وعليك بعد ذلك قياس الأمور الأخرى عليهما، وما عليك في هذا الأمر إلا أن:

أولاً: أن تتحدثي معه على انفراد بطريقة حازمة (غير عصبية) عطوفة أن يلتزم بآداب الطعام، فإذا فعل ذلك ولو مرة واحدة - عفوًا - فعليك بتعزيز هذا السلوك ومكافأته، وتجاهلي تمامًا المرات التي يأكل فيها بطريقة سيئة، وليس شرطًا على الإطلاق أن تكون المكافأة مادية، بل الأفضل أن تكون معنوية؛ فمثلاً عندما يأتي والده تخبريه أمام طفلك بأنك مسرورة منه؛ لأنه التزم اليوم في طريقة أكله.

وعليك بتعزيز هذا السلوك المهذب منه في كل مرة يأتي به لمدة خمسة عشر يومًا، ثم يَقلّ التعزيز رويدًا رويدًا، بحيث يكون مع كل وجبتين لمدة عشرة أيام، ثم مع كل ثلاث وجبات لمدة عشرة أيام أخرى، ثم بعد ذلك توقفي عن التعزيز تمامًا لمدة أسبوع، ستلاحظين أنه عاد إلى طريقته السيئة ولكن ليس بالدرجة نفسها الأولى، ثم أعيدي التعزيز مرة أخرى لمدة عشرة أيام، ولكن بطريقة عشوائية، أي ليس في كل مرة يأتي بالفعل المرغوب فيه، وطبعًا لا بد من كتابة هذا في سجل خاص.

ثانيًا: يمكن أن تشتري له بعض اللعب التي تعلِّمه الصبر وتنمّي قدراته في الوقت نفسه مثل لعبة "الميكانو"، كما يمكن للأسرة أن تخرج في رحلات صيد مثلاً وتعلم الطفل هذه الهواية، وبالطبع لا يمكن إكراه الطفل على ممارسة هذه الرياضة إن لم تستهوه.
ثالثًا: أشركيه في بعض الأعمال المنزلية التي تحتاج إلى بعض الصبر مثل ترتيب الأسرَّة، وتصنيف كتب مكتبة المنزل تحت إشرافك، أو طيّ الملابس المغسولة أو عمل وجبات خفيفة…

رابعًا: أما بالنسبة للقراءة فلا بد أن تكون هذه العادة عند الآباء أولاً قبل أن نلزم بها الأبناء، كما أنه يمكن أن تقومي بقصّ بعض القصص على أولادك، ثم تقرئينها عليهم فإن تملّص منك ابنك في أثناء القراءة لا تجبريه على الاستمرار، ولكن استمري أنت في القراءة لباقي أولادك، على أن تعبري وتمثلي بصوتك أثناء القراءة، واختاري قصصًا طريفة مُسلّية، فإذا ما سمع ضحكاتكم ومرحكم فسيجذبه هذا إليكم، وعندما يعود لا تعلقي على ذلك واستمري في القراءة والتمثيل إلى أن تنتهي القصة، ثم ناقشيهم فيها.

 تخيري بعض القصص التي تجذب الأطفال من حيث الشكل، وفي الوقت نفسه بسيطة جدًا في بادئ الأمر، ثم تدرجي في الصعوبة.(وهنا نقترح عليك البدء بالقصص التي يكتبها الكاتب الكبير أحمد نجيب ففيها من الإمتاع و الأسلوب المبسط ما يجذب الأطفال في هذه السن وأيضا مجموعة كليلة ودمنة المبسطة) ساعدي ابنك في قراءة إحدى هذه القصص وقوموا (أنت وأولادك) بتمثيلها، واجعلي كل واحد يختار دورًا، ووزعي العمل عليهم من تجهيز بعض الملابس والديكورات البسيطة.

 كوّني عادة القراءة لدى أطفالك جميعًا قبل النوم، والاحتفاظ برفّ عليه بعض الكتب والقصص في حجرات النوم، ومقعد مريح، وكذلك الإضاءة.

وأخيرًا عليك بالاتصال ببعض مراكز الإبداع التي أصبحت موجودة بالبلاد العربية، فمن خلالها يمكنك التعرف على أفكار متجددة، وأظن أنه يمكنك التعرف على هذه المواقع بسهولة بحكم عملك كمدرسة كمبيوتر.

ملاحظة هامة: كلما كان تواجد الأب في كل ما سبق كان الأمر أيسر وأكثر طبيعية؛ وفي مسألة تعديل السلوك هذه، تكون مهمة الأب أكثر فعالية من الأم وخاصة مع الصبية، ويمكن أن تترك الأم أمر زجر الأبناء للأب، بل تخبرهم أنه إذا صدر منهم أمرًا غير لائق فستخبر الوالد بذلك؛ فللأب مهابة في نفوس أطفاله نتيجة لقلة الاحتكاك، ولا تقتصر مهمة الأب في التربية على هذا فقط، بل هو مشارك فيها كما ذكرت، ولكن إذا كان عمل الأب يجعل فرصة تواجده مع أبنائه قليلة، فلا بد وأن يعوض ذلك من خلال الإجازات الأسبوعية والسنوية.