من يتصور ان مباراة لكرة القدم بين فريقين عربيين أيا كانت اسمائهم، يمكن ان تبدأ بالورود والتحية والتشجيع الرياضي المثالي، وتنتهي بهذا الشكل الهمجي الذي انتهت به مباراة الزمالك والأفريقي التونسي، هل هذه هي الرياضة؟، هل هذه هي روح ثورة 25 يناير؟، هل هذه هي طبيعة الشعب المصري؟، وهل هذه جماهير كرة قدم من الأساس؟، الأسئلة كثيرة ولكن يقيني الذي لن يتزحزح انها ستبقى أسئلة بلا اجوبة شافية.

البعض من الآن بدأ يروج بأن ما حدث هو من الثورة المضادة، والبعض يؤكد هذا، والبعض ينفي ويقول تلك هي جماهير الكرة ولكنها هذه المرة بلا حاكم وبلا رابط، فلا ننسى ان الأمن غائب حتى الآن، ولا أعرف ولا أتصور كيف تم تنظيم هذا اللقاء وبهذا الحضور الجماهيري الكبير وبدون أي اجراءات امنية تذكر، فالجماهير لم يتم تفتيشها كما أن العدد الموجود في الاستاد هو أكبر بكثير من عدد التذاكر المباعة، فكيف يتأتى هذا وذاك.

ثم كيف دخلت هذه الأسلحة البيضاء التي ظهرت في ايادي بعض من الجماهير التي نزلت الملعب، وهل يعقل ان مشجع لكرة القدم مهما بلغت درجة تعصبه ان يحمل سلاحا معه وهو ذاهب لمشاهدة مباراة في كرة القدم مهما كانت درجة تعصبه الكروي.

انا لا أخلي مسئولية بعض من جماهير نادي الزمالك التي لابد وانها اشتركت في هذه الفضيحة والتي ستترك أثرا في التاريخ لن يمحى مهما يحدث، وسيكون لهذه الكارثة أثارا وتداعيات أخطر من خسارة مباراة بكثير، وأنا لا أملك الشجاعة الكافية حتى في النظر الى تداعيات مثل هذا الأمر على الوضع في مصر وعلى الاستثمارات المصرية وعلى الحياة في مصر، ولكني أتسائل من الذي فتح أبواب الاستاد لدخول الجماهير أرض الملعب؟، ولماذا لم تنتظر الجماهير حتى نهاية المباراة؟، اليس من الطبيعي لمشجع اي مباراة ان ينتظر حتى نهايتها ثم بعد صافرة الحكم وحينما تكون النتيجة غير مرضية له فإنه يبدأ في افراغ طاقته السلبية، هذا اذا كان ما حدث أصلا يدخل في باب إفراغ الطاقة السلبية؟.

الغريب ان الزمالك كان يحتاج الى هدف، وكان الأقرب فعلا لتسجيله خصوصا مع النقص العددي للفريق المنافس، ومع الضغط الجماهيري بدأ الزمالك يقترب كثيرا وسجل هدفا وألغاه الحكم بداعي التسلل – والتسلل صحيح بلا شك – أي ان الزمالك كان يمكن ان يحرز هدفا في أي لحظة.

لو اني من جمهور الزمالك سأنتظر حتى صافرة الحكم، ومن ثم سيبدأ رد فعلي في الظهور، ولكن الغريب ان الجماهير التي نزلت الى أرض الملعب لم تنتظر حتى النهاية، كما ان الأعداد التي نزلت الى أرض الملعب غفيرة بدرجة غير طبيعية، وهو أيضا أمر غير مفهوم.

ثم من الغير المفهوم أيضا بعدما ظهرت الصور على مواقع الانترنت أن يظهر جانب كبير من هذه الجماهير التي نزلت الى أرض الملعب وقد أخفت وجهها تماما، فهل من الطبيعي ان مشجع كرة قدم يخفي وجهه، أليست هذه عجيبة جديدة تضاف الى أعاجيب هذه الحادثة المروعة.

أعلم تماما ان المنطق والعقل والحكمة غائبون تماما في هذا الحدث الشاذ والكارثي، ولكن كثرة الأسئلة التي هي بالأساس بلا أجوبة يزيد من حيرتنا جميعا تجاه هذا الموقف الغريب، كما أن هناك بعض الإرهاصات والعلامات والتي تحلق في الأفق من بعيد وقد يكون فيها حل اللغز كله، ففي البداية يعلن جهاز الكسب غير المشروع عن بدء محاكمة صفوت الشريف، وفتحي سرور، وزكريا عزمي، فاذا بمظاهرات ما يطلق عليه جمعة انقاذ الثورة والتي تم فيها توجيه انتقادات لازعة لحكومة عصام شرف رغم انه من المفترض ان الثورة هي التي أتت بهم وبناء على طلبهم، ثم بعدها بيوم واحد نشاهد أحداث استاد القاهرة، ألا تبدو هذه المتسلسلة العجيبة وهي تتجه الى الوحي باشاعة الفوضى في البلاد، وخلق حالة من عدم الاستقرار فيما يبدو كعقاب للشعب المصري على ثورته، وهل هذه الأحداث تتابع علينا لكي نقارن بين مصر ما قبل الثورة وما بعدها، فهل كانت الجماهير تجرؤ على فعل ما فعلت قبل الثورة، وهل كانت المظاهرات والاعتصامات بمثل هذا الكم قبل الثورة، وهل كانت حال البلاد والعباد قبل الثورة مثلها بعد الثورة؟.

اني اشتم رائحة كريهة في كل ما يحدث الآن في مصر، وأصبحت حقيقة لا أعلم اين الصواب واين الخطأ، اين الحق واين الباطل، نعم فرحت بالثورة، ولكني حزين على ما وصلت اليه مصر ما بعد الثورة، نعم كنا نستحق أفضل مما كنا عليه قبل الثورة، ولكننا لا نستحق هذه الفوضى والاحساس بالخوف من المستقبل، نعم سعيد بمحاكمة الفاسدين، ولكني تعيس بما يفعلوه بالبلد حتى يتحقق لهم نظرية الأرض المحروقة، فجميع الفاسدين يعيشون بمبدأ واحد لا غير ؛ "انا ومن بعدي الطوفان".

ان الأصابع لازالت تعبث بمصر وأمنها، وأرى ان أسماءً بعينها لازال من صالحها ان تعم الفوضى البلاد وان ينشغل الناس بأحداث أخرى غير محاكمة الفاسدين، وعتابي على القوات المسلحة بطء محاسبة المسئولين السابقين والذي يعلم الجميع مدى الفساد الذي وصلوا اليه، وكيف كانوا يسرقون بلا حياء وعلى الملئ، ولا أحسب المسألة تحتاج الى أدلة لكي نتأكد من تورطهم في قضايا فساد كبرى، والمسألة هذه المرة ليست متعلقة نهائيا بالتشفي ممن أفسدوا الحياة في مصر على مدى عشرات السنوات، ولا المسألة هي معاقبة المفسدين والفاسدين، بقدر ما هي حماية مصر نفسها، فإذا تركنا هؤلاء يعبثون ويخططون، وتباطئنا في محاسبتهم ستظل اصابعهم تعبث ونحن لا نأمن مكرهم، وخاصة بعدما فعلوه بمصر طوال كل تلك السنوات.

هذه دعوة صريحة للقوات المسلحة، وللقائمين على الحكم في هذه البلد التي كانت عظيمة، ان يتحركوا قبل ان تنهار البلاد تماما، سيأتي يوما نندم فيه على كل ثانية ضيعناها ولم نحاصر هذه الفلول الفاسدة، ورغم اعتراضي على خلق فزاعة جديدة، وهي الطريقة التي كان يتبعها النظام السابق حينما استخدام الاسلام كفزاعة امام الغرب، ورغم أن هناك الان من يدفعنا الى أن نستخدم النظام السابق كفزاعة جديدة للتنديد بالشباب والثورة، لكي نترحم على ما مضى، ولكن اين هو الحل؟، وكيف نتخطى هذه المأساة البشعة؟، وكيف نستطيع ان نرى الغد ونحن نعيش في وحل الحاضر؟.

نعم كثرت الأسئلة، وزاد العبء، وليتني املك اجابات تشفي صدري وصدوركم وتهدء من روعي الفزعة مما رأيت ومما أرى .. لكي الله يا مصر .. لكي الله يا مصر.