الجريمة التأديبيـة :
الجريمة التأديبية هى كل اخلال بأحدى الواجبات الوظيفية أى انها تتعلق بالمحالفات الادارية ,
ومن ثم فأنها وفقا للتقسيم المتقدمتدخل فى نطاق الجرائم التعزيزية , فلا يتعلق بها حق الله أو اعتداءعلى الغير فى النفس أو مادونهما.
ومن ثم فأن الجريمة التأديبية يفوض امرها الى الامام او من يقوم مقامه لتحديد العقوبة الملائمة
وقد عرفت الجريمة التأديبية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم توالت وتعددت تطبيقاتها فى عهد الخلفاء الراشدين .
ومن الامثلة للمخالفات الادارية التى تستحق التعزيز لانها تشكل جريمة تأديبية حسبما ذكر بعض الفقهاء :
- خيانة ولاة بيت المال أو المشرفون على الاوقاف لاموال المسلمين.
- الرشوة .
- الاعتداء على الرعية
كما بعد من الجرائم التأديبية أيضاعلى سبيل المثال :
- عدم قيام الموظف بأداء واجباته .
- تجاوز الموظفين حدود وظائفهم .
ويلزم لمساءلة العامل عن هذه المخالفات ان يتوافر للفعل الاركان
الازمة التى سنوضحها تفصيلا فى الباب الثالث من هذا البحث .
الفــرع الثانى
العقــوبـات التأديبية
اذا ثبت ارتكاب الشخص لجريمة تأديبية وتوافرت لديه أركان الجريمة نوقع عليه أحد العقوبات التأديبية .
ومن الامثلة على العقوبات التى كانت توقع علي الموظف العام :
- اللوم (التوبيخ) .
- حرق متاع الغال وضربه .
- القصاص .
- العزل عن الوظيفة .
ونوضح فيما يلى هذه العقوبات وصور تطبيقاتها
اولا : اللــوم ( التوبيخ ) :
يعتبر اللوم (التوبيخ) من العقوبات التى توقع على العامل اذا ارتكب خطأ بسيطا .
ومن التطبيقات المليه لهذه العقوبة ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه وبخ أحد عماله وذلك عندما اراد ان يهديه
حله من الغنائم التى غتمها المسلمون فى احدى الغزوات ، ذلك ان سلمه بنى قيس ارسل مع رجل من قومه حليه الى عمر
بن الخطاب رضى الله عنه - وحين رأى عمر ذلك غضب ونهض من جلسته وكان يأكل وقال لا أشبع الله بعلن عمر ((ونادى
على خادمه وأمره ان يلــوى عنق هذا الرجل ثم لام ووبخ سلــمه ورسوله .
كما روى من عمر بن الخطاب انه انقذ جيشا فغنموا غنائم ، فلما رجعوا اليه لبسوا التحرير والديباح فلما راهم تغير وجهه ،
واعرض عنهم فقالوا : اعرضت عنا : فقال : انزعوا ثياب أهل النار , فنزعوا ما كانوا يلبسون من الحرير والديباج .
وذلك فيه تعزير لهم بالاعراض عنهم وفيه توبيخ توبيخ لهم .
وليس للتوبيخ صورة معينق يتم فيها ، فقد يكون بالاعراض عن الشخص مرتكب المخالة ، أو بتوجه حديث عنيف له
بأستخدام الالفاظ والعبارات التى يكون فيها زجر للشخص .
ثانيا : حرق متاع الغال وضربه :
ومن العقوبات التى كانت تقع على عمال الدولة الاسلامية حرق متاع الغال وضربه ،والغال كما سبق ان
اوضحنا هو السارق لاموال الغنيمة أو للمال العام عموما .
وقد طبق الرسول الكريم على الغال هذا الجزاء ، فقد روى ابو داود ان النبى صلى الله عليه وسلم حرق متاع
الغال وضربه . وفى الحديث الشريف عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه
قال : (اذا وجدتم الغال فأحرقوا متاعه وأضربوه ) .
كما طبق صحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الجزاء ايضا . فكان ابو بكر الصديق رضى الله عنه يوصى
عماله ، الايخونوا ولا يغلوا ، ومن يغلل كان يحرق متاعه ويضربه كما فعل ذلك عمر بن الخطاب ايضا .
ثالثا : القصاص :
من بين العقوبات التأديبية التى كانت توقع على عمال الدولة فى الاسلام القصاص فعن ابى فراس قال :خطب عمر بن الخطاب
فقال : يا أيها الناس ، انى والله ما أرسل اليكم عمالا ليضربوا ابشاركم ، ولا ليأخذوا أموالكم ولكنى ارسلهم اليكم ليعلموكم دينكم
وسننكم . فمن فعل به شئ سوى ذلك فليرفعه الى . فو الذى نفس عمر بيده لاقصنه منه فنهض عمرو ابن العاص وقال يا أمير
المؤمنين أرأيت ان كان رجل من امراء المسلمين على رعيه فأدب بعض رعيته . انك لتقصه منه اقال : أى والذى نفس عمر
بيده اذا لاقصنه منه . وكيف لا اقصنه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه .
وجدير بالذكر بأن القصاص هنا ليس هو العقوبة المقدرة والتى توقع فى جرائم القصاص المعروفة . وانما المقصود بالقصاص فى هذا
المقام الذى نحن بصدد بيانه الجزاء التأديبى الذى يوقع على العامل على افعال ارتكبها دون ان - تصل الى حد الجريمة التى يجب
فيها القصاص شرعا . فالقصاص هنا يتم على سبيل التأديب والتعزير على العمال ، اى كجزاء تأيبى وليس عقوبة نتيجة لارتكاب جريمة من جرائم
القصاص
رابعا : المصــادرة :
من العقوبات التى كانت توقع على العمال فى الدولة الاسلامية
مصادرة الاموال التى حصلوا عليها وجمعهــا البعض دون وجــه حق
مستغلين وظيفتهم
وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العقوبة على ابن اللتيبة الذى كان قد
استعمله واليا على الصدقات واستغل وظيفته وحصل على بعض الاموال فى صورة هدايا من الافراد .
كما طبق عمر بن الخطاب هذه العقوبة أيضا فقد استعمل عمر عتيبه ابن ابى سفيان على كنانة فقدم معه بمال فسأله
عمر ما هذا ياعتيبه؟ فقال : مال خرجت به معى وتاجرت فيه ، فقال عمر: ومالك تخرج المال معك فى هذا الوجه ؟ واستشعر
عمر بن الخطاب ان عتيبه استغل وظيفته فى انماء ثروته فأخذ المال وضمه الى بيت المال .
خامسا :العزل من الوظيفـــة :
العزل من الوظيفه من اقسى أنواع العقوبات التى كانت توقع على عمال الدولة الاسلامية اذ يترتب عليه انهاء خدمة العامل نهائيا ,ومن ثم حرمانه من
الاجر الذي كان يتقاضاه . والعزل كان لا يتم لخطورته الا اذا كان خطأ العامل جسيما .
ومن امثله الاخطاء التي ذكرها بعض الفقهاء والتي يجب ان يترتب عليها توقيع عقوبة العزل:
- اذا فعل الامير ما يستعظم.
- الجندي المقتال اذا فر من الزحف .
- ولاة اموال بيت المال او المشرفون علي الاوقاف اذا خانوا.
- من يقلد الوظائف للعاجز عن القيام بها بدون حاجه اليه او غير الامين .
- من يقبل الهديه أو الرشوة بسبب العمل.
- جباه الاموال الذين يفرقون في المعامله عن هوي فيأخذون المال ممن شاءوا , ويدعون من شاءوا.
- كل من يحكم بغير ما انزل الله أو يترك انكار المنكرات .
كما ان من المواجبات للعزل ما يلي :
- ارتكاب العامل عملا لا يتفق و لكرامة الوظيفة: ذلك ان شرط حسن السيرة والسلوك ليس شرطا فقط لتولي الوظيفة العامة , بل شرط لاستمرار
العلاقة بين الموظف والادارة فاذا لم يحافظ علي كرامة الوظيفة فانه يكون قد شرطا من شروط الصلاحية للاستمرار في الوظيفة.
ومن التطبيقات علي ذلك ما حدث في عهد الخليفة عمر بن الخطاب , فقد ولي المغيرة علي البصره ولكن هذا الامير اتي بتصرف لا يتفق وكرامة الوظيفة , فقد كان يتخلي بأمرأة من بني هلال توفي عنها زوجها . فغضب لذلك اهل البصرة . وذهبوا الي منزل المرأة فوجدوا الوالي في حالة تلبس معها . فوفد اليه وفد علي رأسهم شخص يدعو ابو بكره ودخل ابو بكره الي عمر فسمع صوته , وبينهما حجاب فقال عمر :ابو بكره؟ قال : نعم قال : لقد جئت بشر قال :انما جاء الي المغيرة . ثم قص عليه القصة فأمر بعزل المغيرة وولي اب موسي الاشعري بدلا منه . فالعزل هنا ليس عقوبة علي الزنا لأن الزنا من جرائم الحدود لها عقوبتها المقررة شرعا .ولكن العزل جاء نتيجة للسلوك الذي ارتكبه احد عامل الدولة والذي يزعزع الثقة فيه ويخل بكرامة الوظيفة
قلة الخبرة والدراية بالعمل : فقد عزل عمر الخطاب عمار بن ياسر وكان قلده العمل مظنه ان يكون اهلا له فلما تبين له خلاف ذلك عزله وقال عمر : ((قد علمت ما أنت بصاحب عمل ولكنني تأولت قول المولي سبحانه )) ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين
ضعف الارادة:
فقد عزل معاوية بن سفيان عبد الله بن عامر عن ولاية البصرة وكان سبب عزله انه كان حليما , كريما , لينا , سهل العريكة لا يأخذ علي ايدي السفهاء وفسدت البصرة في ايامه , فشكاه اهل البصرة الي معاوية وقالو : ياأمير المؤمنين ان اهل البصرة قد اكلهم سفهاؤهم وضعف عنهم سلطانهم , وعجز ابن عامر وضعف فعزله وولي زياد ابن ابي سفيان مكانه
الاخطاء الادارية الجسيمة:
يعتبر الخطأ الداراي الجسيم من موجبات العزل , فقد عزل امير المؤمنين عمر بن الخطاب عاملة علي البحرين العلاء بن الخضرمي لارتكابه خطأ ادارياً جسيماً حين اراد ان يغزو بالناس في بحر رغم ان عمر كان قد نهاه عن ذلك . فعبرت الجند الي فارس وحالت الفرس بينهم وبيت سفنهم , وتعرض الجنود لمحنه قاسية . فلما علم عمرعزل العلاء بن الخضرمي وولى شخصاً آخر بدلا منه