درجات الجنة
من الكتاب والسنه والطريق الموصل
اعداد القسم العلمى بدار ابن خزيمة
أخي الكريم: لقد خلق الله الجنة وأورثها عباده الصالحين وجعلهم فيها متفاضلين متفاوتين, ولذلك كانت الجنة درجات يفضل بعضها بعضاَ, وكل ذلك كان فضلاََ من ربك وعدلاَ.. ليشمر ويثابر من اشتاقت نفسه إلى الجنة وعلت همته لأعلى درجاتها, في ذلك النعيم المقيم. قال تعالى:) ومن يأته مؤمناَ قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى( [ طه 75 ] . فالإيمان والعمل الصالح هما طريق الفردوس فكلما كان إيمانك- أخي الكريم- عالياَ ثابتاَ كانت منزلتك رفيعة في تلك الدرجات, وإنما يتفاوت المؤمنون المتقون في ذلك بحسب إيمانهم وتقواهم قال تعالى:) من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماَ مدحوراّ_ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراَ_كلاّ نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراّ_انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاّ([ الإسراء18-21] فهنا بين الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجات الآخرة أكبر من درجات الدنيا .
واعلم أخي الكريم: أن تفاضل الجنان يشمل التفاضل بين خيراتها من أبنية وعيون وأشجار وفواكه ونساء. قال تعالى:) فبأي آلاء ربكما تكذبان( [ الرحمن ] ، وبعد وصفهما قال سبحانه:) ومن دونهما جنتان([الرحمن 62 ] ، أي دون الجنتين الأوليتين في الخير والمقام والمنزلة.
فأما عن الفاكهة فقال في الأوليتين:) فيهما من كل فاكهة زوجان([الرحمن 52 ] ،فذكر أن في كل صنف من الفواكه شكلين. أما في الجنتين الأخريتين فذكر مطلق الفاكهة من غير ذكر الزوجين فقال:) فيهما فاكهة ونخل ورمان([الرحمن 68 ] ، وأما عن الأثاث فذكر في الأوليتين:) متكئين على فرش بطائنها من إستبرق([الرحمن 54 ] ، وقال في الأخريتين: ) متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان([الرحمن 76 ] ولا شك أن الفرش أفضل من الزخرف وأن الإستبرق أفضل من العبقري.
وهكذا الأمر في نسائهما وخضرتهما كما هو ظاهر في الآيات. وما هذا التفاضل إلا تسلية من الله لعباده الصالحين الذين تحملوا مشاق السفر في رحلة الدنيا وصبروا على ما أصابهم من ضر في سبيل الله وحده, وعاشوا بين أهليهم غرباء.. لما كانوا عليه من التمسك بالكتاب والسنة. ومما يدل على تفاضل أهل الجنة ما رواه المغيرة بن شعبة أن رسول اللهr قال:
"سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجئ بعدما أدخل أهل الجنة الجنة. فيقال له: ادخل الجنة0 فيقول: أي رب؟ وكيف؟ وقد نزل الناس منازلهم, وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب, فيقول: لك ذلك ومثله, ومثله ومثله ومثله, فقال في الخامسة رضيت رب.فيقول: لك هذا و عشرة أمثاله ، ولك ما اشتهت نفسك ، قال(أي موسى): رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت, غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها, فلم تر عين, ولم تسمع أذن, ولم يخطر على بال بشر. قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل :) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين(
( مسلم ) ، فهذه الجنة وهذه درجاتها, قد بنيت وهيئت لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, ففيها والله يحمد التنافس بالطاعة والقربات وإليها تجب المسارعة بالخيرات والحسنات فأين ذوو الهمم العالية, وقد دعوا إلى السباق, واين طلاب السمو, وقد قرب اللحاق:
وإذا كانت النفوس كـــبارا
تعبت في مرادها الأجسام
فلا تتصور- أخي الكريم- أن ذلك النعيم المقيم, ينال بالراحة والتفكه, بل إن طريقه وعر طويل ودربه قد حف بالمكاره والعقبات فلا يسلكه إلا مشمر عن ساعد الجد مخلص قد باع نفسه وماله يبتغي بذلك الجنة, قال رسول اللهr:" حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" ( البخاري ومسلم ) ، أما أعلى منزلة في الجنة فإنها الوسيلة.. وهي بإذن الله لنبينا محمد r قال r :
"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي, فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً, ثم سلوا الله تعالى لي الوسيلة فإن من سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة" ( مسلم ) وقد أخبرنا رسول الله r أن الشهداء في سبيل الله ممن ينالون تلك الدرجات العلى قال r :
"أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول, فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا,وأولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة, يضحك إليهم ربك, فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه" ( صحيح الجامع ) ولك أن تتصور نفسك يا عبد الله وقد رفع الله درجتك ومنزلتك في الجنة مع الأنبياء والشهداء, وما ذلك على الله بعزيز.. إذا صدقت الله فأجبت داعيه إذ يقول:
) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار_ من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاَ من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يزقون فيها بغير حساب([ غافر 39-40 ] .