أشجار- ثمار- الحنة
ومن نعيم الجنة الخالد, كثرة الأشجار, ووفرة طيب الثمار, وغرائب الأطيار, فأشجارها لا يقدر قدرها إلا الذي خلقها ، من كثرة أغصانها وطول عمودها وانسياب أركانها وأعوادها, ولقد أودع الله فيها من جمال الشكل وحسن المنظر وبهاء اللون ورونق المظهر وامتداد الظل وطيب الثمار مالا يخطر على بال ولا رأته عين ولا سمعته أذن.
فتصور نفسك أخي الكريم: وأنت تملك واحدة من تلك الأشجار, كيف ستكون نشوتك وكيف سيكون سرورك وفرحتك, وكيف وهي أشجار كثيرة, عديدة ومتنوعة, فمنها أشجار الرمان ومنها أشجار العنب ومنها أشجار السدر ومنها أشجار الطلح, ولا تظن أخي الحبيب, أن هذه الفاكهة هي نفسها التي نراها في الدنيا, بل إن فواكه الآخرة لا تشبه فواكه الدنيا سوى في الاسم فقط كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه .
أما شكلها ولونها و مذاقها فلا يعلم قدره و مقداره إلا الذي خلقها و أبدعها .
قال تعالى :) إن للمتقين مفازاً _حدائق و أعناباً ( [ النبأ 31-32 ] و قال سبحانه :
)فبأي آلاء ربكما تكذبان ([ الرحمن ] ، و قال عز وجل : ) وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين _في سدر مخضود _وطلح منضود _وظل ممدود _وماء مسكوب _ وفاكهة كثيرة ([ الواقعة 27-32 ] .
فسدر الجنة مخضود ،منزوع الشوك ، و طلحها منضود معد للتناول دون كد أو عناء .
يا طيب هاتيك الثمار وغرسها
في المسك ذاك الترب للبستان
و كذلك الماء الذي يسقى به
يا طيب ذاك الورد للظمآن
فأي نعيم بعد هذا النعيم .. وأي تجارة رابحة بعد هذه التجارة .



فيا أيها القلب الذي ملك الهوى
أزمته حتى متى ذا التلــوم
وحتام لا تصحو و قد قرب المدى
ودانت كؤس السير و الناس نوم
أهذا هو الربح الذي قد كسـبته!
لعمرك لا ربح و لا الأصل يسلم
فانتهز أخي الكريم : هذه اللحظات الباقيات في صالح الأعمال وطيب القربات 00 ولا تغرنك الدنيا فإنما هي سحابة صيف عما قريب تنقشع واسلك سبيل المتقين لتنهم من فواكه الجنة الكثيرة ، قال تعالى : )يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ([ ص5 ] ، وقال تعالى :
)وفاكهة مما يتخيرون ( [ الواقعة 20 ] وقال جل وعلا :)إن المتقين في ظلال وعيون _وفواكه مما يشتهون([ المرسلات 41-42 ] ، إنها فواكه كثيرة طيبة لا تنقطع00 فأشجارها دائمة العطاء وافرة الخضرة 00 ممتدة الظلال00 في كل حال . قد تشابهت أشكال ثمارها, بيد أن كنهها ومذاقها يختلف. وهذا من لطائف نضجها وعجائب قدرة الله في إبداعها, قال تعالى:) كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً ( [ البقرة 25 ] ومن تلك الأشجار ما إن ظلها ليسير فيه الراكب مائة عام وما يقطعه. قال رسول الله r :"إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام وما يقطعها" ( البخاري م مسلم ) ، وقال تعالى:) وظل ممدود( [ الواقعة 30 ] ومن تلك الأشجار سدرة المنتهى: قال تعالى:) ولقد رآه نزلة أخرى_ عند سدرة المنتهى([ النجم 13-14 ] قال r في حديث الإسراء :"ثم انطلق بي-أي: جبريل- حتى انتهى إلى سدرة المنتهى ونبقها فلال هجر, وورقها مثل آذان الفيلة, تكاد الورقة تغطي هذه الأمة فغشيها ألوان لا أدري ما هي, ثم أدخلت الجنة, فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك" ( صحيح الجامع و الحديث في الصحيحين )
ومن تلك الأشجار ما يخرج منها ثياب أهل الجنة قال رسول الله r :"طوبى شجرة في الجنة,مسيرة مائة عام, ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" (السلسلة الصحيحة ) ومما يزيد أشجار الجنة بهاء وجمالاً, أن سيقانها من الذهب قال رسول اللهr :"ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب" ( صحيح الجامع ) ، الله أكبر.. ما ألذ ثمارها وما أبهى أشجارها فطوبى لمن أحسن غراسها,في الدنيا بذكر الله وتهليله تسبيحه وحمده وتكبيره. فقد قال رسول اللهr :"لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد, أقرئ أمتكمني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربةعذبة الماء, وأنها قيعان, غراسها: سبحان الله..والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر"
( الصحيحة ) ، فاغرس.. أيها الأخ الكريم: بساتين الأشجار بأسهل الأذكار فهي كلمات خفيفة سهلة, وما أكثر الغافلين عنها, المشتغلين بلغو الكلام وربما الهذر الحرام. مساكين هؤلاء الغافلون شغلهم غراس الدنيا, فاشتغلوا به ونسوا حظهم في الآخرة,ولم يزل يلهيهم طول الأمل وحب الدنيا, حتى باغتهم الموت.

بخلت بشيء لا يضـــــرك بذله
وجدت بشيء مثله لا يقـــــــوم
بخلت بذا الحظ الخســيس دناءة
وجدت بدار الخلد لو كنت تفهم
وبعت نعيماً لا انقضـــاء له ولا
نظير ببخس عن قريب سـيعدم
ومع كثرة أشجار الجنة وثمارها, فإن أهل الجنة يرغبون في الزرع, فعن رسول الله r :
"أنه كان يوماً يحدث وعنده رجل من أهل البادية: أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له: أولست فيما شئت قال: بلى! ولكن أحب ان أزرع. فأسرع وبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال, فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء. فقال الأعرابي يا رسول الله. لا تجد هذا إلا قرشياً أو أنصارياً. فإنهم أصحاب زرع. فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله r" ( البخاري )

هيئة نساء أهل الجنة
هيئة أهل الجنة:وقد جعل الله أهل الجنة في أكمل صورة خلق عليها البشر, وهي صورة آدم عليه السلام,وما ذلك إلا لتكمل سعادتهم وغبطتهم في ذلك النعيم الخالد. وكما جمل الله صورهم فقد جمل أخلاقهم فكان أهل الجنة على خلق رجل واحد: قال رسول اللهr :
"أخلاقهم على خلق رجل واحد, على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء" ( مسلم ) فما أعذب تلك الحياة.. وما ألذ عيشها.. حياة كلها مودة وصفاء وألفة وإخاء.. ومحبة وصدق ووفاء, قال تعالى:) وهدوا إلى الطيب من القول([ الحج 24 ] وقال سبحانه:) لا تسمع فيها لاغية([ الغاشية 11 ] وقال سبحانه:) ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين( [ الحجر 47 ] فلا نكد ولا شقاء. ولا بغض ولا حسد ولا تشاجر ولا حروب, وإنما هو مجتمع يسوده الهدوء والسكينة والألفة والرحمة.
وقد ذكر رسول الله r أن أهل الجنة كلهم شباب أبناء ثلاث و ثلاثين. قال رسول الله r :"يدخل أهل الجنة جرداً مرداً, كأنهم مكحلون, أبناء ثلاث وثلاثين" ( صحيح الجامع ) ، كما أنهم لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا ينامون فقد قال رسول الله r :" النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة" ( السلسلة الصحيحة ) ، فما أغرب أهل الإيمان في الدنيا. فهم يتطلعون بقلوبهم إلى هذا النعيم ولسان حالهم يقول:
لا خير في العيش ما دامت منغصة
لذاته باذكار المــوت والهرم
وإنما عيشهم في دار المقام, حيث لا ينغص الهرم شبابهم ولا يزيل الموت نعيمهم.
فتبصر يا عبد الله ولا يلهينك طول الأمل, ولا يمنينك الشباب, فإن المنايا لا تهاب وإنه بعد الشباب كهولة فهرم, وبعد الهرم موت فقبر فحساب, فإما إلى نعيم وإما إلى جحيم.
نسأل الله العفو والعافية وحسن الختام.
نساء الجنة
حسنهن:أما نساء الجنة فأعظم بجمالهن,فإنهن محورات العيون ملألآت الخدود,تكسوهن النضرة, ويملؤهن الجمال,أخاذات بنظراتهن, ساحرات بحسنهن, قاصرات بطرفهن.
قال تعالى:)وحور عين_ كأمثال اللؤلؤ المكنون( [ الواقعة 22 –23 ] وقال سبحانه:) كأنهن الياقوت والمرجان([ الرحمن 58 ] وقال تعالى:) كأنهن بيض مكنون([ الصافات 49 ] قد تمازج بياض عيونهن بالسواد, وبياض أبدانهن بالنعومة, فقد جاء في الحديث "ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن" ( البخاري مع الفتح ) وقال رسول الله r :"لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً أي(المشرق والمغرب) ولأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" ( مسلم و انظر الترغيب ).
واعلم أخي الكريم:أن هذا النعيم لا ينال إلا بالجد في طاعة الله, وتقديم مراده على مراد النفس, بأداء الصلوات والذكر في الخلوات, والقيام في الظلمات. قال مالك بن دينار: كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة, فنمت ذات ليلة, فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن وجمال وبيدها رقعة فقالت أتحسن أن تقرأ؟ فقلت: نعم. فدفعت إلي الرقعة, فإذا مكتوب هذه الأبيات:
لهاك النوم عن طلب الأماني
وعن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلداً لا موت فيهـــــا
وتلهو في الخيام مع الحســـان
تنبه في منامك إن خيراً
من النوم التهجــــــــد بالقرآن
ونساء الجنة كلهن أبكار لم يمسهن أحد من الإنس أو الجن قال تعالى:) إنا أنشأناهن إنشاء_ فجعلناهن أبكاراً _عرباً أتراباً ( [ الواقعة 35 –37 ] و(عرباً) جمع عروب وهن المتحببات إلى أزواجهن, وقال أبو عبيدة : العروب: الحسنة التبعل أي التي تحسن مواقعتها و ملاطفتها لزوجها عند الجماع وقال المبرد هي العاشقة لزوجها.
أخلاقهن: أما أخلاقهن فإنها رفيعة عالية, جمعت طلاوة الحياء والحشمة وحلاوة التودد والبسمة وقصر الطرف وحسن الإقبال وجمال الوجه ولطافة الإهلال. قال تعالى:
) فيهن خيرات حسان( [ الرحمن 70 ] فالخيرات جمع خيرة وحسان جمع حسنة, فهن خيرات الصفات والأخلاق والشيم, حسان الوجوه. وقال تعالى : ) حور مقصورات في الخيام( [ الرحمن 72 ] فهن محبوسات على أزواجهن لا يرين غيرهم في الخيام, ولا يردن غيرهم ولا يطمعن إلى من سواهم, بما وهبهن الله من صدق العشرة وصفاء الحب والمودة والإخلاص لأزواجهن. وقال تعالى:) وعندهم قاصرات الطرف عين( [ الصافات 48 ] والطرف بتسكين الراء هو البصر. أي أنهن يقصرن أبصارهن على أزواجهن إعجاباً بهم وحباً.
غناءهن:ونساء الجنة, مع زهو جمالهن ورقة أبدانهن ونعومة شكلهن وسحرهن وحسنهن ومع ما تحلين به من دماثه الأخلاق وحسن العشرة, قد وهبن من الأصوات أحسنها و من الأغاني أعذبها وأطربها, قال تعالى:) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون_ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون([ الروم 14-15 ] قال يحيى بن أبي كثير: الحبرة: اللذة والسماع.
أو ما سمعت سماعهم فيها غناء
الحور بالأصــــــــوات والألحان
واهاً لذياك الســـــــــماع فكم به
للقلب من طرب ومن أشجان
واهاً لذياك الســــــــماع وطيبه
من مثل أقمار على أغصان