1- التخطيط الاستراتيجي باستخدام ذكاء الأعمال:
لقد نتج عن تطبيق نظام SAP R/3 ERP في شركات التأمين الكبيرة والتي تضم ما يزيد عن 20.000 موظفاً تغيراً كبيراً في بنية المعلومات التحتية إضافة إلى التغير الذي طرأ على العمليات التجارية بشكل عام. وكان هناك عدم رضا من قبل بعض الموظفين نتيجة للبيانات التي وجب عليهم فجأة كتابتها كواجهات مستخدم رسومية دون فهم لماذا يتطلب النظام كل هذه البيانات. ولاحقا ًعندما تم تطبيق نظام SAP BI للمرة الأولى في الشركات ظن العديد أنهم يقومون بإدخال البيانات فقط من أجل تخزينها وليس من أجل أي سبب آخر, إلا أن مجموعة قليلة فقط من الموظفين ذوي الرؤية البعيدة استطاعوا تفهم مدى أهمية تخزين كل هذه البيانات ورأوا من وجهة نظرهم أن التعقيدات الناتجة عن نظام ERP أصبحت بسيطة من خلال ذكاء الأعمال وأنه وأخيراً أصبح عملهم اليومي مدعوماً بأنظمة المعلومات.
لقد كان الإنسان خلال الستين عام الماضية يجمع البيانات بشكل منهجي ولذلك فإن أي نظام معلومات حديث سيقوم بالمثل, مع ذلك هذه الأنظمة لن تعمل بالشكل المطلوب دون إدخال البيانات الصحيحة. للأسف أن معظم العاملين في المؤسسات لم تسنح لهم الفرصة للتعرف على قيمة هذه البيانات بالنسبة للعمليات التشغيلية والإستراتيجية وعمليات اتخاذ القرار. إن أهمية هذه البيانات بالنسبة لعمليات التخطيط والرقابة واتخاذ القرارات يمكن ملاحظتها فقط من قبل المراقبين في المنظمة أو الموظفين في المستوى التنفيذي من الإدارة وذلك لأن هذه البيانات تعتبر أساسية بالنسبة لعملهم. وبفضل ذكاء الأعمال فئة قليلة من هذه المجموعة يمكنها الاستفادة من المعلومات التي يحصلون عليها. لذلك نرى أنه من الصعب على الموظفين الذين لديهم مهام أخرى في الشركة ولا ينتمون لهذه الفئة أن يفهموا سبب هذه الضجة حول ذكاء الأعمال. ولكن من أجل فهم قيمة ذكاء الأعمال للمراقبين والمنفذين علينا أولاً أن نفهم ما هي طبيعة عملهم اليومي. من خلال المثال التالي سنوضح لماذا هذه الفئة معجبة بذكاء الأعمال.
من الطبيعي أن يُسأل قسم التسويق عن الكلفة التقديرية التي أنفقت على النشاطات الترويجية وأن يقترح كيفية تخفيض هذه التكاليف إلى 15% خلال الفترة القادمة. هذه المهمة هي مهمة على المستوى التنفيذي. للأسف أن نظام CRM أو إدارة علاقات الزبائن يوفر المعلومات عن جميع الأنشطة الترويجية دون إعطاء أي معلومات عن التكاليف, بينما يتم تخزين بيانات التكاليف في نظام CO. وتقنياً من شبه المستحيل دمج الجداول من نموذجي SAP مختلفين مثل CRM وCO باستخدام برمجيات Office. هذا معناه أنه على المراقب أن يعمل لأسابيع لإنجاز هذه المهمة البسيطة بينما يصبح برنامج الإكسيل أبطأ يوماً بعد يوم بسبب ازدياد حجم الملف. ولكن بمساعدة ذكاء الأعمال يمكنه أداء عمله بشكل سريع للغاية وهذا ما يجعل من ذكاء الأعمال أمراً رائعاً بالنسبة لهذه الفئة. إن ذكاء الأعمال ليس قادراً فقط على دمج البيانات المالية مع بيانات CRM بل أيضاً من الممكن دمج ذكاء الأعمال مع تنقيب البيانات فعلى سبيل المثال من الممكن التسريع من عمليات رفع التقارير التحليلية المعقدة من خلال تطبيق خوارزميات التنقيب عن البيانات على مجموعة كبيرة من البيانات المخزنة. وبالنسبة لتميز الأنماط فهو يعطي نتائج عظيمة وذلك بسبب دمج تقريباً جميع تقارير المعايير المستخدمة في القسم بدون أي تدخل يدوي. وبالتالي فإن النتائج الموجودة في البيانات هي عبارة عن بيان يوضح بنية ووضع الشركة في العالم, وستحصل على الخاتمة التالية: " معظم الزبائن هم من عمر 47 عاماً, يعيشون في مدن يسكنها أكثر من 150.000 نسمة, متوسط الشراء لديهم هو 2.5 غرض". إن عملية تنقب بيانات بسيطة قادرة على أن تعطيك خاتمة مشابهة وهي خلاصة ما يقارب 30 تقرير وذلك قبل أن يكون هناك ذكاء الأعمال. فإضافة إلى ذلك محرك توليد التقارير الخاص بذكاء الأعمال سيعطيك النتائج بطريقة أكثر تنظيماً مما يسهل أيضاً عملية التحليل عبر الانترنت. كل ما تم ذكره سابقاً سيؤدي إلى تسريع عملية التحليل واتخاذ القرارات مصحوباً بمعلومات ذات نوعية أفضل من السابق. فيما يخص عملية اتخاذ القرار فهذا لا يعني تقدير القيمة أو عرض ذلك من خلال تقرير عبر الانترنت, بل أن يبين ماذا تعني هذه المعلومات بالنسبة لأعمال الشركة, هل متوسط عمر 47 هو أمر جيد أم سيئ؟ وهل معدل شراء 2.5 هو كثير أم قليل؟ وهنا لن يستطيع ذكاء الأعمال أن يساعد أكثر من ذلك لأن هذا الأمر يتطلب أكثر مما ممكن أن تعطيه أنظمة ذكاء الأعمال للإنسان ألا وهو التقييم والتحليل والتفكير وهنا تكون المشكلة الرئيسية ليست في أنظمة ذكاء الأعمال بل بعدم مقدرة الأشخاص على تفهم هذا الكم من المعلومات وتحويلها إلى قيمة من خلال عملية اتخاذ القرار.
التحليل نفسه مهم بالنسبة لعملية التخطيط الموزع في المنظمة فبدون ذكاء الأعمال لن يكون هناك بيانات دقيقة ولا تطبيقات مدمجة وسيتأثر سير العمل ولن يكون هناك عملية توليد تقارير احترافية. كما أن ذكاء الأعمال قادر على استخدام كل ما تم تحقيقه من خلال تنقيب البيانات (ما تم ذكره في الفقرة السابقة) في عملية التخطيط مضاف إليه مجموعة من التقارير التحليلية عبر الانترنت تم إنشائها عن طريق ذكاء الأعمال. إن الشركات التي تحاول توزيع مهام التخطيط على الأشخاص الغير قادرين على الاستعانة بمساعدة ذكاء الأعمال ستواجه مشاكل كبيرة, حيث من الصعب الاستفادة من ذكاء الأعمال باستخدام برمجيات الأوفيس فقط.
ولكن أيضاً بوجود الدعم الكامل من ذكاء الأعمال سيكون النقص بين المعلومات والقرارات أو الأفعال ملحوظاً حيث أظهر الباحثين في هذا المجال أنه بالرغم من أن ذكاء الأعمال قد سهل عملية التخطيط الموزع إلا أنه غير قادر على مساعدة الأشخاص في التعامل مع كل هذه المعلومات المخزنة في النظام وفي الواقع حتى بوجود بيانات أكثر أو شفافية ومرونة أكبر لن تساعد هؤلاء الأشخاص أن يكونوا أكثر كفاءة وأن يتخذوا قرارات أفضل. إن تطوير عملية التخطيط بشكل ملحوظ يحتاج إلى أن يستخدم المخططون معرفتهم وأن يوسعوها بمساعدة أنظمة المعلومات. مثال, إذا طلب من قسم الموارد البشرية أن يقدروا العمالة التي تحتاجها المنظمة في السنوات الخمس القادمة سيقومون باستخدام الكثير من قدراتهم المعرفية والتحليلية من أجل هذه المهمة. ولنفترض أن قسم الموارد البشرية قدر أن 17.000 شخص ستحتاجهم المؤسسة في المستقبل فالسؤال الذي سيسأله أي شخص "هل سأكون في المنظمة؟" والسؤال الثاني "لماذا 17.000؟" وسيطرح السؤال نفسه أيضاً على القيم المفصلة, "لماذا يوجد هناك 100 شخص يعملون في المكتب الفرعي؟" هنا نجد أن الأمر يختلف عن التقارير التي تخص البيانات القديمة والتي تشرح نفسها بنفسها, ففي هذه الحالة علينا أن نستخلص القيمة الأساسية من خلال المعلومات الغير مخزنة في أنظمة ذكاء الأعمال. من الممكن أن يتم تفسير تلك القيم نتيجة لبناء هياكل تنظيمية جديدة أو نتيجة لزيادة عدد الزبائن أو دوران العمالة وهذه الإجابات لا يستطيع ذكاء الأعمال أن يعطيها حيث تكون مهمته فقط أن يعالج البيانات أي أن مفتاح هذه الأسئلة يكمن في مجال إدارة المعرفة. وحدها إدارة المعرفة قادرة على إعطاء المنهجية اللازمة لتزويد الأشخاص الذين يستخدمون ذكاء الأعمال بالمعلومات الضرورية. ويجب علينا من أجل فهم العملية كلها أن نحصل على المعلومات التي يستخدمها الشخص المسئول من أجل تقدير العناصر الأساسية ذات القيمة حيث أن معرفة كيفية الوصول إلى قيمة معينة سيسهل علينا أن نفهم الخطة. وليس من الممكن أن يتم تطبيق ذكاء الأعمال بدون الجمع بين البيانات والمعلومات لينتج عنها المعرفة وهذه الحقيقة تتطلب مفهوماً للتداخل بين ذكاء الأعمال وإدارة المعرفة. إن الفكرة الأساسية هي الدمج بين البيانات المخزنة والمعلومات الموجودة في نظام إدارة المعرفة حيث أنه يوجد لكل قيمة أساسية يتم التخطيط لها علاقة بمعلومات السياق على سبيل المثال قد يكون هناك وثائق أو معلومات عن الشخص المسئول قد تم حفظها في قاعدة البيانات لتكون مرجعاً للأشخاص الذين يتصفحون التقارير وبالتالي تمكنهم من الحصول على جميع المعلومات التي يحتاجونها لفهم ماذا تعني هذه القيم بالنسبة لعمليات الأعمال في الشركة. عملياً, يوجد لكل قيمة رموز معينة كوثيقة أو جهة اتصال على الشخص الذي يقوم بعملية التخطيط الرجوع إليها عندما يقوم بتحديد قيم لسنة معينة أو قسم معين في المنظمة ويمكن استخدام هذه الرموز في التقرير لمعرفة المراجع التي استخدمها المخطط وبالتالي ستقوم هذه المراجع بشرح القيمة وجعلها مفهومة للآخرين. إن الفائدة المحققة من وراء هذا المفهوم هي وجود عملية جديدة لخلق المعرفة وتحسين عملية التخطيط في المنظمة. وتتميز إدارة المعرفة في عملية التخطيط الاستراتيجي المعززة بتطبيقات تخطيط ذكاء الأعمال بسرعتها وجودة بياناتها وأنه لم تعد القيم المخططة بدون معنى للمخططين والمراقبين والمنفذين, حيث أصبح المخطط أكثر حساسية تجاه القيم التي يخطط لها لأن قراراته أصبحت أكثر شفافية نتيجة لذكاء الأعمال وإدارة المعرفة وبالتالي أمور مثل سوء فهم النتائج واستهلاك الوقت والاجتماعات والقيم المزيفة كلها أصبحت نسبتها أقل. وأصبح من الممكن فهم القيم الأساسية حتى بدون وجود المخطط الأساسي من قبل أعضاء لجنة التخطيط الباقين وذلك لأنهم يشاركونه الآن بالمعرفة ولأن العملية أصبحت أقل اعتماداً على الأفراد. وهذا الأمر لا يعني فقط أن ذكاء الأعمال قد عزز عملية التخطيط بل زاد من نسبة قبولها واعتمادها.
إن منهجيات وتقنيات ذكاء الأعمال تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم خاصة فيما يتعلق بدمجها مع مجالات أخرى كالدمج بين ذكاء الأعمال وإدارة المعرفة والذي يتولد عنه العديد من الفرص. إن عملية تحويل هذه الفرص إلى قيم يؤكد دور ذكاء الأعمال الأساسي في عمليات التخطيط والتحليل واتخاذ القرار.


أ.د.م. جورج ماركس غوميز
Carl von Ossietzky Universität Oldenburg
Department für Informatik, Abt. Wirtschaftsinformatik I
26129 Oldenburg, Germany