يشارك الأردن دول العالم اليوم الاحتفال بيوم العمال العالمي الذي يوافق أول أيام أيار من كل عام. ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة تقديرا للسواعد القوية التي أسهمت وتسهم بشكل فاعل في مسيرة بناء الأردن الحديث ونهضته الشاملة.

وتنتهز «الدستور» هذه المناسبة لتهنئة عمال الوطن بعيدهم وتستذكر ما تحقق لهم بفضل توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني التي وفرت كل سبل الرعاية والاهتمام للطبقة العاملة بمختلف المجالات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية، اذ تعددت الخدمات العمالية لتشمل كل المتطلبات الأساسية في حياة العامل من تهيئة لفرص التدريب المهني والتشغيل وتوفير فرص العمل والمشاريع الاستثمارية الحيوية للنهوض بالاقتصاد الوطني.

الى ذلك، ينظم التجمع العمالي بهذه المناسبة مسيرة تنطلق من أمام اتحاد النقابات المهنية باتجاه مقر اتحاد نقابات العمال في الشميساني للمطالبة باصلاح اتحاد نقابات العمال وتحقيق مطالب اجتماعية واقتصادية تركز على تحسين المستوى المعيشي للعمال وزيادة أجورهم.

20 مهنة حرة لا يعرف عمالها عيدهم

أكثر من 20 مهنة حرة، لا يعرف عمالها من عيد العمال الا اسمه، فهم غير مشمولين بعطلة العيد التي ينعم بها مئات الالاف من العمال، بل إن أكثرهم لا يكترثون بحلول العيد.

أحمد أبو يوسف، سائق نقل عمومي، تفاجأ عندما سألته «الدستور» أمس عن برنامجه خلال عطلة عيد العمال، وأكد أن برنامج حياته يخلو من الاجازات والعطل المرضية والعادية، لانه غير مشمول بقانون العمل ولا الضمان الاجتماعي، ويعمل دون أي عقد عمالي ينظم علاقته مع صاحب العمل.

أحمد كغيره من الكثير من المواطنين لا يرغب كثيرا في الخوض بالقضايا العامة، ويعتبر أن الحديث بذلك الامر إضاعة للوقت، فعليه التزامات مالية يومية تجبره على العمل لاكثر من 12 ساعة، فهو رب لاسرة مكونة من ستة افراد، غير مشمولين بالتأمين الصحي، وتعليمهم المدرسي على نفقته الخاصة، وأجرة المنزل الشهرية تستهلك أكثر من ثلث دخله الشهري المرهون بحجم ساعات عمله اليومي.

يغادر أحمد منزله في جبل النزهة عند الساعة السادسة صباحا من كل يوم، ويعود منهكا وتعبا بعد الساعة العاشرة ليلا، حاملا معه قوت أولاده الستة، وزوجته التي لا تتردد في القيام بأعمال إضافية لإعانة العائلة كخياطة فساتين العرس للجارات و»حفر الكوسا» وتزيين الألبسة التقليدية، ومهن يدوية أخرى تقول إنها تعلمتها من والدتها.

ما يشغل بال أحمد كثيرا، ويجعله قلقا وخائفا، هو عدم شموله بالضمان الاجتماعي، فهو خائف من التعرض في أي لحظة الى حادث سير أو اصابة عمل تؤدي به الى التعطل عن العمل.

ولا يختلف واقع عمل أحمد عن غيره من العمال الذين يعملون بمهن أخرى، فعلي الذي يعمل في مطعم للوجبات السريعة منذ 7 أعوام يقول إنه لم يحتفل بعطلة عيد العمال على الاطلاق، وان صاحب العمل يصر على التحاقهم بالعمل يوم عيد العمال وذلك لزيادة الاقبال على شراء الوجبات من قبل المواطنين بحيث يغدو لا فرق لديه بين عيد العمال وأي يوم آخر، باستثناء إمكانية أن يتضاعف عملهم في العطلة، لخدمة رغبات المجازين من أعمالهم.

نقيب نقابة العاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة خالد أبو مرجوب، يعدد أعمالا ومهنا لا يستطيع عمالها الحصول على إجازة في عيدهم، ويقول إن «الانكى من ذلك، هو عدم حصول عمال على حقوقهم القانونية، بمعنى أجر يوم ونصف».

ويبين أن «أوضاع العمال في قطاعات العمل تختلف من مكان الى آخر، ففي الوقت الذي لا يعني عيد العمال لعمال يعملون في قطاعات خدمية صغيرة كسائقي التاكسي والأجرة وباصات نقل الركاب والمطاعم شيئا يذكر، ويعتبرونه يوما آخر جديدا في سلسلة لا تنتهي من معاناتهم وراء البحث عن لقمة الخبز، وسد رمق أطفال صغار ينتظرون ما يأتي به الأب من طعام، فإن عمالا آخرين لا تسمح لهم طبيعة عملهم بالتعطيل، يستفيدون منه ماديا على أقل تقدير، عبر احتساب يوم دوامهم في ذلك اليوم بيوم عمل ونصف، وفق قانون العمل».

ويقول بألم «عمال كثر لا يشعرون بما يسمى عيد العمال، أو بأي عطلة أخرى، لأنهم لا يحصلون على حقهم فيه، سواء من حيث التكريم أو الراحة أو المقابل المادي». ويرى أن سبب ذلك يعود الى ترامي هذا القطاع وعدم تنظيمه قانونيا بالشكل المطلوب، بحيث إن غالبية كثيرة من عماله يعملون لدى أصحاب عمل بشكل فردي، ولا يستطيع القانون تنظيمهم.

ويقول علي «لا فرق بين يوم وآخر، الهم الوحيد عندي هو الحصول على يوميتي التي تصل الى 12 دينارا، واذا غبت يوما لمرض أو لمتابعة أمر يخص أحد ابنائي فإنني أتكبد خصم ذلك اليوم».

وعند سؤال هؤلاء عن عيد العمال يجيبون ببساطة «ليس لنا، ففيه يعطل الموظف وليس العامل، ونحن علينا أن نقدم خدماتنا للمحتفلين بالعيد، من دون أن يكون لنا نصيب في الاحتفال به مع ابنائنا وعائلاتنا، ومن دون أن نفكر بيوميتنا التي سنخسرها إذا فكرنا بذلك».

لسان حالهم واحد، وهو أمنية أن يتكرس عيد أو يوم العمال للاحتفال بهم عبر تثبيت حقوقهم في الضمان والتأمين الصحي، والحصول على إجازاتهم المرضية من دون خصم غيابهم من يومياتهم، عن طريق تشريع يجبر كل صاحب عمل على الالتزام بالقانون والإجازات السنوية أو المرضية، أو أجرة اليوم والنصف القانونية، أو الالتحاق بالضمان. المرض ممنوع والغياب بعذر أو من دونه ممنوع، والتأخير ممنوع، كلها شبكة ممنوعات تطارد عمالا يعملون في أرجاء مختلفة من الوطن، لا يعلمون سبب العطلة أو معنى يوم العمال، لأن أوضاعهم التي يعملون فيها لم تتحرك قيد أنملة حتى اليوم، ولم ينظر اليهم على أنهم مثل باقي العمال، يستحقون حقوقا وعطلا وأجورا تناسب ما يقومون به من أعمال.

ووفق سجلات نقابية، فإن عدد العمال الذين يعملون في مهن حرة، يفوق الـ 50 ألف عامل ويزيد، وهؤلاء، الذين يستوي عندهم يوم العمال باحتفاليته وأي يوم آخر، يطاردهم شبح عدم تمكنهم من الحصول على كفاف يومهم، وتلبية حاجيات بيوتهم المفتوحة، وتضغطهم عجلة الغلاء، وارتفاع تكاليف الحياة، من دون أن يكون لحياتهم ذلك المعنى الذي يشعرهم بجدوى ما يقومون به.

12 نقابة عمالية تطلق رؤية لإصلاح اتحادها العام

أطلقت 12 نقابة عمالية بمناسبة الاول من أيار، عيد العمال العالمي، رؤية إصلاحية للاتحاد العام للنقابات العمالية تضمنت 6 بنود جوهرية على النظام الداخلي للاتحاد، تحد من صلاحيات رئيسه، وتدفع العمل في شرايين العمل النقابي لمزيد من الاصلاح والتطوير والتغيير.

وتعد الرؤية من ضمن الحركة التصحيحية التي يسعى تيار الاصلاح والتغيير داخل اتحاد النقابات العمالية الى تكريسها بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للعمال، بعد نقاشات وحوارات وحراك عمالي مستفيض، فإنها توصلت الى وضع ثوابت لقواعد العمل النقابي، ومبادئ تتعلق بالحريات النقابية وهيكلة الاتحاد مع تحديد لهيكلية نقابية قائمة على الديمقراطية في التأليف والانتخاب والتحرك في القضايا العمالية المطروحة.

واختلطت الرؤية الاصلاحية بمطالب اجتماعية إصلاحية تعنى بالارتقاء بمستوى معيشة المواطن، ورفع الحد الادنى للأجور الى 300 دينار، إضافة إلى تعديل مواد قانوني العمل والضمان الاجتماعي.

وتضم قائمة النقابات المطالبة بالاصلاح العمالي، كلا من نقابات الكهرباء والبناء والموانئ والبتروكيماويات والورق والكرتون والنقل الجوي والخدمات العامة والمهن الحرة والسكة الحديد والنقل البري والخدمات الصحية والعاملين في الصناعات الغذائية.

ظاهرة احتجاجية عمالية وبيانات مطلبية

يبدو الاحتفال بعيد العمال للعام 2011 مختلفا الى حد كبير عن الاعوام الماضية، وسط تصاعد وتيرة الحركات الاحتجاجية والمطلبية التي تنادي بإصلاح اتحاد نقابات العمال ومطالب اجتماعية واقتصادية أخرى تركز على تحسين الظروف المعيشية للعمال.

في مناسبة عيد العمال تتجدد تلك التحركات لتذكرنا بعدم الاستسلام لواقع الحال، ويأتي الاحتفال لهذا العام محملا بمطالب للقطاعات العمالية المنسية في الاردن، والبيانات تتزايد وكذلك المعايدات والأمنيات للعمال بعيدهم، لكنها ككل عام لا تلتفت الى عدد كبير من المحتفى بهم، وفي اليوم التالي تعود الحياة الى طبيعتها «غير الطبيعية».. كل عامل، كل موظف، كل مياوم، كل سائق سيارة أجرة... كلهم يعودون إلى رواتبهم الضئيلة، إلى غياب الضمانات الاجتماعية، إلى غياب اهتمام الضمان الاجتماعي بشيخوختهم وتأمينهم الصحي، إلى قهر أصحاب العمل، إلى قهر السياسات الاجتماعية والاقتصادية.. لا يستقر في أذهانهم إلا أن اليوم الذي انقضى «هو عيدهم»، فلا بيان ولا قرار يعيد للعمال حقوقهم الضائعة، في ظل تصدع كبير في الحركة العمالية، وتردد في أصواتها المطلبية التي تفاقمت خلافاتها «البينية» وأضرمت في الحركة العمالية انشقاقا إصلاحيا.

وقد طرحت النقابات العمالية عدداً من الشعارات المتناغمة في بياناتها، بعضها دعا إلى إعادة إحياء الحركة النقابية الميتة، وأخرى إلى إعادة إحياء دور الدولة في المجال الاجتماعي، وبعضها طالب باصلاحات جذرية في الاتحاد العام لنقابات العمال. فيما أعلن التجمع العمابي عن التظاهرة المطالبة باصلاح الاتحاد.

لأكثر من 4 شهور استمرت المطالب الاحتجاجية لقيادات عمالية بعضها من داخل الجسم النقابي الفاعل، وأخرى من قيادات تاريخية للحركة العمالية، مشيرة الى ان ساعة التغيير قد دقت والاصلاح العمالي قد حان موعده، ولابد من التسريع بتنفيذه.