يذكر ان صاحب مصطلح " رأس المال الفكرى" هو رالف ستير مدير شركة جونسون فيلي للأطعمة حيث قال: " في السابق كانت المصادر الطبيعية أهم مكونات الثروة الوطنية وأهم الموجودات ، بعد ذلك أصبح رأس المال متمثلاً في النقد والموجودات الثابتة هما أهم مكونات المنظمات والمجتمع ، أما الآن فقد حل محل المصادر الطبيعية والنقد والموجودات الثابتة رأس المال الفكري الذي يعد أهم مكونات الثروة الوطنية وأغلى موجودات الامم" , ويقصد برأس المال الفكرى تلك الفئة من البشر التى تمتلك الخبرة والمعرفة والقدرة الإبداعية والمواهب الفطريه التى تمكنها من دفع عجلة التقدم على المستوى القومى , إن رأس المال الحقيقي الذي تملكه الامم هو " رأس المال الفكري" وما تتميز به امه عن اخرى هو القدر الذى تستطيع به تحويل رأس المال الفكري إلى قيمة من خلال ما تحدثه من الاختراعات والابتكارات فى شتى المجالات , ومما لاشك فيه ان قيمة رأس المال الفكري استثمار له عائد على المدى الطويل , ولكي يتحقق هذا العائد يجب أن تكون هناك تكاليف تتحملها الامه نظير حصولها على هذا العائد لاحقا , لذلك يجب ان تبذل من أجله كل الطاقات في سبيل الحصول عليه , ولكن يبدو ان واقع الحال مختلف تماما , حيث لايدرك كثير من القائمين على الامور ان أي فكرة أو معرفة لا تصبح ذات قيمة أوفائدة ما لم يتم تطبيقها ووضعها موضع التنفيذ , لقد كان مفهوم رأس المال الفكرى – ومازال- فى اذهان من نادوا به او من عملوا على تنظيره ينسحب فقط على منظمات الاعمال من الشركات والمؤسسات والهيئات ولكننى اعتقد ان هذا المفهوم جدير بالتطبيق على الامم والدول , وخاصة بالدول التى فى طور التقدم او التى تخلفت عنه .
ان نقطة الانطلاق الاولى لرأس المال الفكرى على مستوى الدول لابد ان تنبع من الاقتناع بانه الاساس فى النهضه والتنميه , ومدى هذا الاقتناع لابد ان يكون باتساع يشمل القمه والقاعده على حد سواء , ويقصد بالقمه النخب سواء اكانت الحاكمه ام المثقفه , ويقصد بالقاعده جميع الافراد فى سوق العمل , و برأيى ان البدايه يجب ان تكون باتجاهين متوازيين : الاول يتمثل فى النشأ بكافة المستويات التعليميه , اما الثانى فيتمثل فى كافة المفردات المكونه لسوق العمل . وبالطبع لن يكون كل هؤلاء من المبدعين , فليس من المتصور ان يكون هناك مجتمع بالكامل من المفكرين او المخترعين , لكن افراز مبدعين ومفكرين سيكون بالامر الهين ان توافرت البيئه الملائمه والتى تعنى فى المقام الاول اتجاه المجتمع بكافة طبقاته الى المعرفه كوسيله للتميز وتجاوز الكبوه الحضاريه التى يمر بها , والتى من ابراز دلائلها " الاستهلاك لا الانتاج – الاستيراد لا التصدير " , ان اتخاذ المعرفه طريقا لتجاوز الكبوه الحضاريه , وارتياد ركب التقدم لابد ان يكون على ثلاث محاور : المحور الأولى يشمل الاهتمام بتوفير التعليم كعامل من عوامل اكتساب وتطوير التكنولوجيا , المحور الثاني يتركز على ربط متطلبات سوق العمل بنوعية التعليم من حيث الكم والتخصصيه , المحور الثالث يتمثل فى حق كل فرد بالمجتمع فى الحصول على التعليم الكافى الذى يجعل منه قيمه انسانيه قادره على توجيه سلوكه للتكيف مع نفسه ومع مجتمعه , لكن حتى لو استطعنا الوصول الى صياغه جيده لتلك البيئه التى نصفها بالملائمه الا ان هناك عقبات كثيره ستقف حائلا بيننا وبين ما نصبو اليه , اهم تلك العقبات عدم وجود منظومه اصلاحيه تعمل جنبا الى جنب مع المنظومه التعليميه , ونقصد بالاصلاحيه تكييف النظم واللوائح والتعليمات لتتامشى فى نفس الخط , حيث يمثل الكثير منها حجر عثره امام التقدم والتنميه , وخاصة فيما يتعلق باسلوب عمل الجهات الرقابيه المختلفه , والتى لاتعى الدور المنوط بها , يواكب ذلك اسلوب الاختيار لاصحاب القرار فى الوظائف القياديه العليا وما يمكن ان تحدثه هذه القيادات من تغيير وتقدم ان كانوا من المبدعين والموهبين فى الاداره , او ما يحدثوه من تأخر وتخلف ان كانوا من اصحاب الاقلام المرتعشه التى تخشى اتخاذ او التوقيع على اى قرار خوفا من ان يقترفوا اخطاء بحق اللوائح او التعليمات , ان فكرة رأس المال الفكرى تحتاج لكثير من التأمل حيث تتشابك فيها الكثير من المحددات والمعطيات وتتعلق بكثير من القناعات فى اذهان المجتمع بكافة مستوياته , لكنها فكره تحتاج منا وقفه جاده مع انفسنا كأمه تريد ان تنهض من كبوتها الحضاريه.

أ . محمود أبو الوفا