نماذج لإشكالية بطالة المتعلمين في الوطن العربي
والحقيقة أن بطالة المتعلمين تعد ظاهرة بارزة المعالم في الوطن العربي ومن الصعب تجاهلها أو غض الطرف عنها. خذ مثلا ما أشارت الدراسات الإحصائية من أن أهم سمات البطالة في مصر هي بطالة المتعلمين "أن البطالة في مصر هي بطالة متعلمة فالغالبية العظمى من العاطلين من خريجي الجامعات ومدارس ثانوية، ويلاحظ أن نسبة المتعلمين في كتلة المتعطلين أخذه في الازدياد وهو ما يعني إهدار طاقات وموارد استثمارية تم استثمارها في العملية التعليمية دون أن ينتج عنها عائد، يتمثل في تشغيل هذه الطاقة البشرية لتصبح منتجة. فقد كانت تشكل نحو 76 % من جملة المتعطلين في عام 1986 أما في عام 2001 فإنه وفقاً للبيانات المستخدمة من بيانات اللجنة العليا للتشغيل فإن العدد الإجمالي للمتعطلين بلغ 3.438 مليون عاطل منهم نحو 3 ملايين متعلم مما يعني أن المتعلمين يشكلون نحو 87.3 من عدد المتعطلين". (12) في حين تسعى بلدان مجاورة الى تجاوز هذه الظاهرة – المشكلة (أي تفاقم أعداد العاطلين عن العمل من المتعلمين) وزيادة نسبتها عن غيرهم. ومن أمثلة هذه البلدان تركيا، لقد قطعت شوطا معقولا في تقليص هذه النسبة. "حيث أن تخمينات أعداد العاطلين وصلت إلى 1 مليون و451 ألف شخص، وان النسبة التخمينية للبطالة وصلت إلى 6.4 % في نيسان (أبريل) 1998 ,وذلك من خلال HLFS).نتائج مسح قوة عمل الأسرة التمهيدية)، وعند مقارنة نتائج نيسان عام 1997 إلى نتائج نيسان 1998 عن طريق نفس الجهة HLFS، نجد أن نسبة العاطلين قد ازدادت من 5.9 % إلى 6.4 %. ولكن معدّل البطالة للشباب المتعلّم في تركيا تناقصا مشهودا من 29.3 % إلى 27.9 %. إلا أن معدل البطالة بين الشباب المتعلّم كان عاليا في المناطق الحضرية.حيث وصل إلى 27.7 % بالنسبة للذكور و33.5 % بالنسبة للإناث".أما العراق فيعد مثالا صارخا لهدر طاقات المتعلمين ورواج بطالتهمبفضل ما أنتجه نظام صدام البائد وما خلفه من تبعات بعد انهياره أيضاففي مرحلة النظام البائد جرى تبديد الكثير من الطاقات والكفاءات المتعلمة وبشتى الاختصاصات وبطرق متعمدة وغير متعمدة. فالتصفيات الجسدية والسجن والاعتقال، بددت عوقت الكثير من الكفاءات تحت حجج وتهم سياسية، ثم أضافت صبغتها لاحقا على نظام التوظيف والذي قام على أساس الانتماء الحزبي والطائفي والعرقي والمناطقي، والذي كان سمة بارزة لهذه المشكلة الأمر الذي نتج عنه بروز هذه المشكلة ثم جاء ما يزيد الطين بلة كما يقال، إلا وهو موضوع الحصار والذي كان من جملة تبعاته أن تقلص عدد الوظائف وانحسر النشاط المهني والعلمي والاقتصادي، والذي جر إلى هجرة العديد من الكفاءات وتحول القسم الأكبر منها إلى سوق العمل الذي لا يلائم كفاءاتهم. وانخرطوا بمهن لا تمت بصلة إلى ما تعلموه في الكليات والمعاهد العليا التي تخرجوا فيها، والحقيقة أن معظم أعمالهم ومهنهم كانت تدل على شبه بطالة أن لم تكن بطالة حقيقية، حيث محدودية الدخل وهامشية الأعمال التي يمارسوها.
إن ما يزيد هذه المشكلة تفاقما في بلداننا العربية هو عدم وجود ضمانات اجتماعية تكفل للعاطلين عن العمل تعويضات مادية مؤقتة لغاية حصولهم على عمل، الأمر الذي يزيد من فرص الانحراف لديهم ويزيد من فرص المشاكل الاجتماعية والنفسية الأخرى.
ما العمل؟
إن الإشكاليات سابقة الذكر والنتائج المترتبة عليها تعني من بين أهم ما تعنيه: هدرا كبيرا للطاقة البشرية الشابة كما هو هدر للموارد المادية التي أنفقت في سبيل تنفيذ برامج التعليم وتطبيق سياسة تنموية ناجحة. وبهذا الشأن نشير إلى دراسات أجريت بالخصوص إلى انه "يمكن أن يحدد مردود التربية بمقارنة ما ينفقه مجتمع ما على التعليم والزيادة الناتجة للدخل القومي. ولكي يكون التعليم أداة للإنتاج ونتوقى شر بطالة محتملة، فإنه يتوجب:
أولا: من الضروري وكما هو معمول به في الدول المتقدمة أو الصناعية أن تحسب بدقة مسألة (ارتباط السياسة التعليمية باحتياجات خطط التنمية من القوى البشرية). ويأتي ذلك بإتباع سياسة تخطيط للتعليم متوافقة مع هذه الاحتياجات، مع مراعاة إمكانات البلد ونوعية البرامج التنموية المطلوبة. كما إن الحاجة للتعليم العالي مطلب مشروع لكل مواطن وحق اختياره مشروع أيضا " وحيث إن الحاجة العبرة ليست بأعداد الخريجين فقط – الجوانب الكمية لمخرجات التعليم العالي – بل بتوعية هؤلاء الخريجين ومدى ملاءمتهم لاحتياجات التنمية من العمالة الفنية الراقية. ونظرا لعدم توافر إحصائيات دقيقة عن تخصصات إعداد الخريجين ، فانه يمكننا قياسا على نسب التسجيل في الفروع الأدبية والعلمية والفنية أن نقول إن الغالبية العظمى أو النسب الكبيرة من الأعداد قد تخرجت من الكليات النظرية، فقد تصل هذه النسبة والتقريب إلى حوالي 70% من مجموع الخريجين.
ثانيا: تحسين نوعية التعليم بصورة عامة والتعليم العالي بصورة خاصة. والاهتمام بالجوانب التطبيقية والتدريبية والعمل الميداني حتى يكون بالإمكان أن يتخرج طلبتنا قادرين على العمل واثقين من أنفسهم، ومحاولة تطبيق أنماط تعليمية مستخدمة في بلدان العالم المتقدمة الأخرى أو تطوير استخدامها إن كانت مستخدمة، مثال ذلك دورات التعليم المستمر، والتعليم المفتوح ، والتعليم عن بعد والتعليم التعاوني وهذا الأخير يستثمر دمج الدراسة والعمل ، " إن العملية التعليمية لم تعد تحدث فقط في المؤسسات التعليمية وحسب ، بل في المجتمع ككل ، ولا سيما في مواقع العمل والإنتاج. ولقد شهدت مناهج التدريب النظامية حديثا تغييرات في هيكلها بعدما تم إدخال فترات العمل التطبيقي والخبرة في مواقع العمل في تركيبتها.
ثالثا: توجيه الطلبة قبل اختيارهم لتخصصاتهم واطلاعهم على طبيعة دراستهم وعملهم المستقبلي بعد التخرج. كما إن من الممكن أن تتم اختيارات بسيطة من قبل الجهات المعنية غرضها التعرف على شخصية الطالب وميوله لكي يتم توجيه واستثمار مواهبه وقدراته.
رابعا: تنمية أو إيجاد فلسفة اجتماعية تعني بتحبيب العلم والتعلم بصورة عامة، ومحاولة تصحيح اتجاهات الناس إلى أن التعليم ليس شرطا أن يكون وسيلة لكسب الرزق.
خاتمة
تبقى بطالة المتعلمين جزء من بناء هيكلي عام مرتبط بسياسة الدولة بصورة عامة، تلك السياسة المبنية على إمكانيات هذه الدولة الاقتصادية من جهة، وطبيعة النظام السياسي فيها وما يرتبط بذلك من أشكال الفساد الإداري ودرجته خاصة في البلدان النامية ومنها بالتحديد بلداننا العربية. حيث يصعب في الكثير من الأحيان التفريق بين المال العام والمال الخاص بالنسبة لرموز السلطة، وقد جر ذلك الوبال الكبير على تنفيذ خطط التنمية، وما يتعلق منها بشكل كبير في فرصة الاستثمار وعلاقته بتوظيف الأيدي العاملة وعدالة توزيع الفرص، وإمكانية الاستفادة من الخريجين