أولاً : مدخل البحث :

1- مقدمة البحث :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .... وبعد :
يُعتبر عضو هيئة التدريس في مؤسسات التعليم العالي العنصر الفاعل والرئيس في جودة البرامج والأنشطة التعليمية على اختلاف أهدافها، ووجود عضو هيئة التدريس متميز ينعكس إيجاباً على الكفاءة الداخلية والخارجية للبرامج الأكاديمية.
وتعتمد الجودة الكلية لمؤسسة التعليم العالي على نوعية أعضاء هيئة التدريس بها، لأن عضو هيئة التدريس المتميز يضع البرامج والمناهج المتطورة التي تهدف إلى ضمان خريج متميز وقوي، وفتح قنوات اتصال بينه وبين بيئته المحيطة حتى يمكن أن يكون شريكاً فاعلاً في برامج التنمية الوطنية، والإسهام في البحث والتنقيب العلمي من أجل المساهمة في تقديم الرؤى العلمية لحل مشكلات التنمية.
ولكي يكون تميز عضو هيئة التدريس مضموناً فإن هناك حاجة ماسة لتهيئة الدعائم والمقومات التي تمكن عضو هيئة التدريس من الاستجابة والاستيعاب الكامل لحاجة المرحلة الحالية والمستقبلية.
ويعتبر نموه الأكاديمي المستمر من الأولويات التي ينبغي على إدارات مؤسسات التعليم العالي إبلائها أهمية كبيرة جداً.
وتؤيد العديد من الدراسات هذا الطرح، فالتقرير النهائي للمؤتمر العالمي للتعليم العالي (1998م) يوصي بأهمية اعتماد سياسة حازمة لتنمية قدرات العاملين في مؤسسات التعليم العالي، وأكد فيما يخص أعضاء هيئة التدريس على ضرورة وضع استراتيجيات واضحة لحفزهم على استيفاء كفاءتهم وتحسينها. وتؤكد دراسة آل زاهر (1423هـ:4 ) على أن دور الهيئة التدريسية بمؤسسات التعليم العالي دور متجدد بصفة مستمرة، مما جعل المكثير من الجامعات العالمية تركز على التطوير الأكاديمي لعضو هيئة التدريس، بهدف تطوير العملية التعليمية، والتأكيد على رسالة مؤسسة التعليم العالي، واستيعاب التطورات الجديدة المتسارعة في مجالات وأدوار عمل هيئة التدريس المتعددة والتي تشمل ( التطوير التدريسي والمعلوماتي والتقني والمنهجي و الإداري والبحثي والتقويمي والتخصصي.
وفي ضوء ذلك يحدد آل زاهر ( مجالات، وطرق تنفيذ، ومعوقات، ودعائم نجاح ) يجب أن تنطلق منها برامج التطوير المهني لعضو هيئة التدريس يرى ضرورتها عند محاولة وضع خطة أو بناء نموذج للتطوير المهني لأعضاء هيئة التدريس في مؤسسات التعليم العالي.
وهذا البحث بدور حول تقديم برنامج مقترح لتطوير الممارسات الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس بمؤسسات التعليم العالي، من خلال التركيز على المحاور التي يتوقع أنها ستُلبي حاجات أعضاء هيئة التدريس وفقاً للتعدد أدوارهم العلمية والمهنية.
2- مشكلة البحث :
تبرز مشكلة البحث من أن مؤسسات التعليم العالي تواجه تحديات وصعوبات كثيرة تتعلق بتحسين ظروف العاملين فيها، واتاحة التدريب والتطوير على المهارات اللازمة لها، ورفع مستوى التدريس والبحوث والخدمات وضمان ملائمة البرامج لحاجة البيئة ومتطلبات العصر.
ويؤكد عدد من الباحثين على أن من الآفات ذات الأثر السلبي الداخلي هوا كتفاء الأستاذ بما حصل عليه من تعليم وتكوين علمي، وعدم حرصه على متابعة المستجدات العالمية ولاسيما المتعلقة بطبيعة عمله، مما يجمد إمكاناته العلمية والفكرية والمهنية ( مهداد،1421هـ:66).
وقد تنبهت الجامعات العالمية المتقدمة لهذه الحقيقة منذ أمد بعيد فقامت بالتخطيط والتنظيم لبرامج مواجهة أصلا لتطوير قدرات عضو هيئة التدريس المهنية أثناء الخدمة.
ومن خلال استقراء واقع مؤسسات التعليم العالي السعودية، وما أشارت إليه بعض الكتابات والدراسات السعودية الحديثة في مجال التعليم العالي، اتضح عدم وجود خطط علمية تهدف إلى تطوير مهارات وقدرات عضو هيئة التدريس المهنية بعد حصوله على الدكتوراه.
من هذا المنطلق فان مشكلة البحث يمكن أن تتحدد في وجود قصور في التخطيط لبرامج التطوير الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس في مؤسسات التعليم العالي السعودية، الأمر الذي يتطلب البحث في واقع هذه البرامج، والسعي إلى بناء برنامج يمكن أن يُسهم في تطوير الممارسات الأكاديمية لأعضاء هيئات التدريس.
3- أسئلة البحث :

يحاول البحث الإجابة عن الأسئلة التالية :
1-ما الإطار المفهومي لتطوير وتنمية أعضاء هيئة التدريس بمؤسسات التعليم العالي؟
2-ما الأسباب التي تستدعي تطوير أعضاء هيئة التدريس بمؤسسات التعليم العالي.
3-ما أبرز الجهود العالمية التي تعطي اهتماماً بتطوير أعضاء هيئة التدريس في بمؤسسات التعليم العالي؟
4-ما البرنامج المقترح لتطوير الممارسات الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس بمؤسسات التعليم العالي السعودية؟.

4- الدراسات السابقة: .
يعتبر موضوع تطوير الأداء الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس من الموضوعات الهامة، ولعل ذلك يرجع إلى التطورات المتعددة في أدوار المؤسسة الأكاديمية من جانب، وظهور الثورة العلمية والتقنية التي تتطلب تدريباً وتطويراً مستمراً لأعضاء هيئة التدريس في مؤسسة التعليم العالي من جانب آخر.
كما أن الرؤى الجديدة في التعليم العالي تؤكد وتؤيد تنويع البرامج والأنشطة وفقاً لتعدد الأدوار التي يقوم بها عضو هيئة التدريس في مؤسسة التعليم العالي، ومهارات تقنية المعلومات، وكذلك المهارات المرتبطة بالمجالات الحديثة في القضايا التربوية كهندسة النظم الجامعية، وإدارة الجودة، والمهارات القيادية والتنظيمية وتصميم المناهج والبرامج الأكاديمية الحديثة، ومهارات القياس والتقويم . إلا أن الباحثين يختلفون في تحديد الحاجات والمجالات التي ينبغي أن تتناولها استراتيجيات التطوير الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس وفقاً لإهتماماتهم العلمية والمهنية، وقد برزت العديد من تلك الكتابات التي تصب في مجملها في التركيز على تطوير الأداء الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس، فهناك عدد من الدراسات جعلت الاهتمام باحتياجات التطوير التدريسي والتربوي ضمن أولوياتها. فهذه دراسة أنيس وخلف ( 1999م) تتوصل في نتائجها إلى أن احتياجات أعضاء هيئة التدريس في جامعة عدن كانت درجة طلبها عالية في مجالات ( التخطيط للتدريس، وإجراء البحوث العلمية، وتكنولوجيا التعليم، والوسائل التعليمية. وتوصي الدراسة بضرورة إعطاء الأولوية للمجالات التربوية التي أبدى أعضاء هيئة التدريس احتياجاً لها، وعدم اقتصار التأهيل على أعضاء الهيئة التدريسية الجديدة .
أما دراسة عبد الحكيم موسى ( 1419هـ) فتؤكد على الاحتياجات التدريبية المهنية لأعضاء هيئة التدريس غير التربويين وحددت الدراسة سبع كفايات بدرجة عالية وهي ( التعرف على أسباب تدني تحصيل الطلاب، وطرق التدريس للمرحلة الجامعية، والعوامل المساعدة على زيادة تحصيل الطلاب، وصياغة الأهداف التربوية، وأساليب حفز الطلاب، وأساليب التقويم الشفوية، وكيفية بناء الأسئلة الموضوعية). وتوصي الدراسة بأن تكون هذه الكفايات أهداف لأي برنامج تدريبي يسعى إلى تطوير قدرات عضو هيئة التدريس.
وتأتي دراسة كل من زكي وغنايم بجامعة الملك فيصل لتؤكد وجود اتفاق على تنظيم دورات تدريبَّية في التأهيل التربوي وبطريقة خيارية، مع التوصية بدراسة مماثلة في الجامعات السعودية التي لا يوجد بها برامج للتأهيل التربوي لأعضاء هيئة التدريس ويوافقه جون ستيفن " Jone steven 1984" إذ تؤكد نتائج دراسته على التركيز بدرجة عالية على استراتيجيات التدريس الفعَّال، والاستفادة من الطرق الحديثة في مجال التدريس، ومعاملة الطلاب، وتشجيع التفكير الابتكاري، والتقويم المستمر لأعضاء هيئة التدريس، واستخدام الوسائل التعليميَّة المساعدة في التدريس بدرجة عالية.
أما تطوير المجال الإداري والقيادي لعضو هيئة التدريس فلعَّل من أبرز الدراسات في هذا الصدد دراسة محمد حرب ( 1998م) التي تؤكد على احتياجات التطوير المهني والإداري، وكذلك التعرف على المهمات الإدارية والأكاديمية التي يمارسها رؤساء الأقسام، وتوصلت الدراسة إلى تحديد أولويات مجالات التطوير والمتمثلة في ( المهارات الإدارية، المنهاج الدراسي، إدارة شؤون العاملين، وتطوير العلاقات بين الأفراد، ونشطات الموازنة.
ودراسة آل زاهر ( 1425هـ ) التي قدمت رؤية تحليلية لتطوير الممارسات القيادية لرؤساء الأقسام الأكاديمية في مؤسسات التعليم العلي في ضوء الاتجاهات العالمية المعاصرة في القيادة الإبداعية. وقد استنتجت الدراسة أن لتطوير الممارسات القيادية العديد من الإيجابيات الظاهرة والكامنة التي تحقق لمؤسسة التعليم العالي العديد من الفوائد منها ( ترقية وتطوير مناخ تعليمي وأكاديمي يراعي القيم الإبداعية،وتمكين رئاسة الأقسام من ممارسة أدوارهم التخطيطية والتنظيمية والتدريسية والقيادية والبحثية، كما أنها تساعد على إدارك القيادة التعليميَّة لالتزاماتها، والتعرف على استراتيجيات التغيير الأكاديمي، وإدارك الرؤية المستقبلية لمؤسسة التعليم العالي مع ضرورة تبني تقنيات الإدارة الحديثة.
أما دراسة برندا روزير " Clark brndarozier 1989 " فهي تركز على فحص أحد برامج التطوير الأكاديمي لمن يمارس مهام قيادية وأبرزت نتائج الدراسة أن الأفراد الذين شاركوا في البرنامج ينظرون إلى أنفسهم بزيادة كفاءاتهم في جوانب المسؤولية الإدارية، وأنهم أكثر اتقاناً والتزاماً من غيرهم من الأكاديميين الذين لم يتلقوا برامج في التطوير الإداري والقيادي.
وحول الأهتمام بالوقت الملائم للتطوير الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس تؤكد دراسـة بـاي كانـج " Baikang1999 " على ضرورة تنظيم برامج التطوير في العطلات واستثمار إجازات التفرغ كآلية لتطوير الممارسات الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس .... وتهتم هذه الدراسة بمجالات ( تطوير المعرفة، وكيفية تحقيق الإبداع ، والتركيز على الأبحاث التي تهتم بجوانب تطوير قدراتهم، واكتساب الثقافة الشمولية في العمل التعليمي وليست الجزئية.
وتعضد دراسة جون ستيرن "Joan stren1989" أهمية التطوير المستمر ولكن وفق تنظيم يأخذ في الاعتبار أغراض التطوير التي تركز على تحسين التدريس، والتطوير التنظيمي، والنمو الذاتي ، وتركز الدراسة على التوقيت المناسب لعقد مثل تلك الأنشطة من خلال برامج صيفيه، أو معاهد طوال السنة، أو سيمنارات غير رسمية ومنزلية، أو حضور المؤتمرات والاجتماعات المهنية.
وفي جوانب التطوير الأكاديمي المعلومـاتـي لأعضاء هيـئة التـدريس تتصـدر مهـارات استخـدام الحـاسب المهارات المطلوبة من قبل أعضاء هيـئة التدريـس بكلـية كانيونز بكاليفورنـيا "Colifornia,Scollege1993 " وتؤكد تلك الدراسة على منافع وفاعلية استخدامات تقنية المعلومات في العمل الأكاديمي والتدريسي, كما أشارت دراسة القرين كريستين لي "Algren Christinelee" إلى أن أعضاء هيئة التدريس الذين لهم اهتمامات باستخدام الحاسب، كانت فعالية تدريسهم عالية، وظلت تتزايد في العديد من الأنشطة التدريسية مثل : تخطيط التدريس وإعداده، وإدارة المعلومات.
أما الأهتمام بتقويم الأداء الأكاديمي لعضو هيئة التدريس واعتباره منطلقاً هاماً في أي برنامج. فإن دراسة أمام والشريف ( 1999م) أكدت في نتائجها على أن هناك علاقة بين الأداء الجامعي وأساليب التفكير والمسؤولية الاجتماعية، وأن هناك تحسن ملحوظ في النمو المهني لأداء أعضاء هيئة التدريس كما يدركه طلابهم نتيجة لعملية التقويم المستمر لديهم، وأن هناك فروق دالة إحصائياً بين أداء أعضاء هيئة التدريس مؤيدي ورافضي التقويم كما يدركه الطلاب في الصفات المهنية الأكاديمية لصالح مؤيدي التقويم.
وتهتم دراسة تاواسي برايست "Tawasy Prasit 1995" يتقويم خطط تطوير أعضاء هيئة التدريس فتركز على تقويم مكونات مختارة من خطط تطـويـر أعضـاء هيـئة التـدريـس بجـامعـة فيتا نولوك بتايلندا"University hiTanullkThaioland " وأبرزت نتائج الدراسة وجود فروق ذات دلالة وفقاً للجنس والخبرة والمرتبة ومكان الحصول على الدرجة حول الدور الفعلي والمتوقع لخطط تطوير عضو هيئة التدريس.
ولم يكتف ( شمسان ونموتليب ) بتحديد المجالات الهامة للتطوير الأكاديمي لعضو هيئة التدريس ... وإنما ينظران إلى ضرورة توافر الدعائم والعوامل التي تساعد على التطوير . فيذكر شمسان ( 2001م) أن الرضاء الوظيفي يؤثر على كفاءة أداء أعضاء هيئة التدريس ويحدد خمسة عوامل للرضاء الوظيفي بجامعة صنعاء كانت مرتبة على التوالي إذ تشمل ( الرضاء عن محتوى العمل، والرضاء عن جماعة العمل الجماعي، والرضاء المالي، والرضاء عن ساعات وظروف العمل الجامعي، والرضاء عن نمط الإشراف وفرص التقدم والتطوير... ويوصي بضرورة زيادة مخصصات الخدمات الصحية والمشاركة في المؤتمرات العلمية وحوافز البحث العلمي. ويؤكد نموتليب اسزيري وياكررث"Gattlieb esthere and yakier ruth 1994" على أن الفعالية الأكاديمية والتدريسية تتأثر بعوامل من أهمها : نمط القيادة الأكاديمية، وحجم العمل، وتوزيع الوقت، والرضا الوظيفي، والرغبة الشخصية في التطوير.
ويرى بعض الباحثين أن محاور التطوير الأكاديمي لعضو هيئة التدريس يجب أن تتنوع ولا تركز على محور واحد فهذا حداد ( 1416هـ ) يؤكد على العديد من الاتجاهات الحديثة للتنمية المهنية الشاملة لأعضاء هيئة التدريس باعتبارها ضرورة تتطلبها العوامل المجتمعية والمتغيرات العالمية، وأن تنبثق الأهداف من الحاجات الحقيقية لأعضاء هيئة التدريس وفق خبراتهم وتخصصاتهم، وأهمية الاتصال المستمر بالشبكات العالمية والعربية والأقليمية للتنمية المهنية لأعضاء هيئات التدريس. أما سالاس دي بابا ريلا أوليمبيا"Salas de Paparella olimpia , 1988" فيؤكد في دراسته التي أجريت على مؤسسات التعليم العالي بفنزويلا أن كل المشاركين يعتقدون أن تطوير هيئة التدريس يمكن أن يكون له أثر على مؤسساتهم، كما أن هناك اختلاف في تصنيف الاحتياجات إذ صنف أعضاء هيئة التدريس التطوير التنظيمي كأخر خيار لهم والعكس صنفه الأداريين كخيارهم الأول، كما أن هناك عوائق قد تعوق جهود التطوير الأكاديمي وأظهرت الدراسة تلك العوائق في ( عدم كفاية الوقت، ضعف الدعم المؤسساتي ..) مما يتطلب كما أشارت الدراسة إلى ضرورة إعادة النظر في بعض الإجراءات حتى يمكن التأكيد على التطوير الشامل لعضو هيئة التدريس مهنياً وتنظيمياً وتدريسياً