نشاط الإدارة العامة
حضيت مشكلة تحديد نشاط الإدارة العامة ونشاط الأفراد بالاهتمام رجال الدولة والمفكرين منذ نشأت الدولة وحتى الوقت الحاضر ، وقد اختلفت غلبة أحد النشاطين على الأخر تبعا للأفكار السياسية السائدة في المجتمع ولعل التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وازدياد تدخل الدولة في هذه المجالات المختلفة قاد بالضرورة إلى وضع الوسائل المناسبة لإدارة الدولة في هذه المجالات المختلفة قاد بالضرورة إلى وضع الوسائل المناسبة لإدارة الدولة ونشاطها ، وفقاً للفلسفة السياسية التي تؤمن بها الأنظمة السياسية ، و قد برز دور الدولة من خلال وظيفتين أساسيتين تقوم بهما الإدارة الأولى منها سلبية تتمثل بالضبط الإداري والذي يقوم على مراقبة وتنظيم نشاط الأفراد حفاظاً على النظام العام أما الوظيفة الثانية فهي وظيفة إيجابية تتمثل بإدارة المرافق العامة والوفاء بحاجات الأفراد وإشباع رغباتهم.
سنبين في هذا الباب هاتين الوظيفتين في فصلين متتاليين الفصل الأول نخصصه للضبط الإداري و الفصل الثاني للمرفق العام .

الفصل الأول
الضبط الإداري
نتناول في هذا القسم في الدراسة الجوانب المختلفة للضبط الإداري ، فنعرض لماهيته و أغراضه و وسائل و حدود سلطات الضبط الإداري .

المبحث الأول
ماهية الضبط الإداري
لبيان ماهية الضبط الإداري نعرض أولا لتعريفه وتمييزه عما يشتبه به وأخيراً نبين أنواعه.
أولا : التعريف بالضبط الإداري .
يقصد بالضبط الإداري بمعناه العام مجموعة الإجراءات و الأوامر و القرارات التي تتخذها السلطة المختصة للمحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاثة " الأمن – الصحة – السكينة " .
يلاحظ أن المشرع سواء في فرنسا أو في الجزائر ، لم يضع تعريفاً محدداً للضبط الإداري ، وإنما اكتفى بتحديد أغراضه، وترك مسألة تعريفه للفقه والقضاء و في هذا المجال يعرف De laubadereالضبط الإداري بأنه : " مظهر من مظاهر عمل الإدارة يتمثل في تنظيم حريات الأفراد حماية للنظام العام " .
بينما يتجه الفقهاء العرب و منهم الدكتور طعيمة الجرف إلى تعريفه بأنه " وظيفة من أهم وظائف الإدارة تتمثل أصلا في المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام و الصحة العامة و السكنية العامة عن طريق إصدار القرارات اللائحية و الفردية و استخدام القوة المادية مع ما يتبع ذلك من فرض قيود على الحريات الفردية تستلزمها الحياة الاجتماعية " بينما يعرفه الدكتور صبيح بشير مسكوني بأنه " مظهر من مظاهر نشاط الإدارة العامة يراد به ممارسة هيئات إدارية معينة اختصاصات فرض قيود على حريات الأفراد وحماية للنظام العام " ، و أيا كان الأمر فان الضبط الإداري نظام وقائي تتولى فيه الإدارة حماية المجتمع من كل ما يمكن أن يخل بأمنه وسلامته وصحة أفراده وسكينتهم ، ويتعلق بتقييد حريات وحقوق الأفراد بهدف حماية النظام العام في الدولة . وبهذا المعنى يتميز الضبط الإداري عن الضبط التشريعي والضبط القضائي.
- الضبط الإداري والضبط التشريعي : يلجأ المشرع في كثير من الأحيان إلى إصدار القوانين التي تقيد حريات الأفراد وحقوقهم حفاظاً على النظام العام ، وفى ممارسته لهذا الاختصاص إنما يستند لاختصاصه التشريعي ، الذي يجد مصدره في الدستور والمبادئ العامة للقانون، وتسمى التشريعات الصادرة في هذا الشأن " بالضبط التشريعي" تميزاً له عن الضبط الإداري الذي يصدر من جانب الإدارة في شكل قرارات تنظيميه أو فردية يترتب عليها تقييد حريات الأفراد ، مع ضرورة الإيضاح بان سلطة الضبط الإداري يجب أن تتم في إطار القوانين والتشريعات وتنفيذاً لها ، غير أن ذلك لا يمنعها من اتخاذ إجراءات مستقلة تتضمن قيوداً على الحريات الفردية بواسطة ما تصدره من لوائح الضبط.
- الضبط الإداري والضبط القضائي. : يقصد بالضبط القضائي ، الإجراءات التي تتخذها السلطة القضائية للتحري عن الجرائم بعد وقوعها ، والبحث عن مرتكبها تمهيداً للقبض عليه، وجمع الأدلة اللازمة للتحقيق معه ومحاكمته وانزال العقوبة به ، من ثم فان الضبط القضائي يتفق مع الضبط الإداري في انهما يستهدفان المحافظة على النظام العام ، إلا انهما يختلفان من حيث السلطة المختصة بإجرائه والغرض منه وطبيعته.
فمن جهة تتولى السلطة التنفيذية وظيفة الضبط الإداري . بينما تتولى السلطة القضائية ممثلة بالقضاة أو أعضاء النيابة العامة وممثليها وظيفة الضبط القضائي ، فمن حيث الغرض فان مهمة الضبط الإداري وقائية تسبق الإخلال بالنظام العام وتمنع وقوع الاضطراب فيه، في حين مهمة الضبط القضائي علاجية ولاحقة لوقوع الإخلال بالنظام العام وتهدف إلى ضبط الجرائم بعد وقوعها والبحث عن مرتكبيها وجمع الأدلة اللازمة لإجراء التحقيق والمحاكمة وإنزال العقوبة.
و أخيرا يتميز الضبط الإداري في طبيعة إجراءاته التي تصدر في شكل قرارات تنظيميه أو فردية تخضع لرقابة القضاء الإداري إلغاء وتعويضاً ، أما الضبط القضائي فانه يصدر في شكل قرارات قضائية لا تخضع لرقابة القضاء الإداري , وخضوعها لسلطات القضاء العادي محل نظر .
ثانيا : أنواع الضبط الإداري.
يطلق مصطلح الضبط الإداري ويقصد به معنيان : الضبط الإداري العام- والضبط الإداري الخاص .
يقصد بالضبط الإداري العام المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن والصحة والسكنية العامة . وحماية جميع الأفراد في المجتمع من خطر انتهاكاته والإخلال به.
أما الضبط الإداري الخاص فيقصد به حماية النظام العام من زاوية أو ناحية معينة من نشاط الأفراد من ذلك القرارات الصادرة بتنظيم نشاط صيد بعض الحيوانات النادرة ، وتنظيم عمل في بعض المحلات العامة المضرة بالصحة أو المقلقة للراحة. أو في مكان أو أماكن محددة، حيث يعهد بتولي سلطة الضبط في هذه الأماكن إلى سلطة إدارية معينة ، كان يعهد إلى شرطة الآثار بمهمة المحافظة على النظام العام في الأماكن الأثرية .
يلاحظ أن الضبط الإداري الخاص قد يستهدف أغراضا أخرى بخلاف أغراض الضبط الإداري العام التقليدية ، إذ يملك أن يفرض القيود التي يراها لتحقيق أهداف أو أغراض أخرى خلاف النظام العام كالقيود التي تفرض على الأفراد لحماية الآثار أو تنظيم السياحة وتجميل المدن ، من ثم فان الضبط الإداري الخاص أضيق حدوداً من نطاق الضبط الإداري العام لتقيده بمكان أو نشاط أو أغراض معينه، إلا أن ذلك لا يعنى محدودية تأثيره في المجالات التي يتولاها ، بل أن الاتجاه التشريعي في بعض الدولة ينحو إلى استبعاد نظام الضبط الإداري العام وانفراد هيئات الضبط الإداري الخاص في تنظيم نشاطات معينة ، مثلما هو الحال في الضبط الخاص بشؤون السكك الحديدية والمنشات الخطيرة والمقلقة للراحة والصحة في فرنسا.