أسوأ ما في التربية غير السوية، هي أن تمهد لوقوع الآخر في الخطأ، وتسهل له أن يقع في المحظور ثم تشرع في توقيع العقوبات والغرامات، وكأنك تتربص له أو تنتظر أغلاطه!!، مع التغييب شبه العمد للوقاية فيما يشبه نوعاً من الشرك للإيقاع بالآخر، كما لو كان الهدف ليس منع الناس من الوقوع في الخطأ لحمايتهم من العقوبة، بل العكس تماماً !! وكأن إيقاع الناس تحت طائلة العقوبة كما لو كان هواية للبعض، وكأن العقوبة صارت هدفاً بحد ذاتها، وليست مجرد وسيلة لغاية!!.
تذكرت هذا وأنا أراقب بعض سلوكيات بلدياتنا في الوطن، التي تعرف أن هذا أو ذاك يباشر تحت أشعة الشمس وعلى مرأى ومسمع من الغادي والرائح، أعمال البناء في بناء جديد دون الحصول على رخصة بناء، وكل ما يمكن أن تفعله البلدية في أحسن الحالات هو إشعاره بمراجعة البلدية لترخيص البناء، وإذا لم يراجع لا أحد يسأل، إلا بعدما تقع الفأس في الرأس!!، وكأن السلطة بلا محاكم ولا شرطة!!.
سيقول قائل إن القانون لا يحمي المغفلين، لكن المخالفة تتم في وضح النهار، والكل يشاهد أعمال البناء التي تجري على قدم وساق، فلماذا لم يتطوع أحد من أصحاب السعادة في المجلس البلدي وينصح أو حتى يلفت نظر المواطن صاحب البناء لمراجعة البلدية؟ وفي حال عدم تجاوبه يوقف بالقوة !!، ولماذا يترك حتى يقع في مخالفات أكثر ليس أقلها عدم التقيد بارتداد نظامي عن الجيران أو الشارع، وكأن الهدف توريط المسكين ليدفع مخالفات أكثر!!، فأين التوعية، وأين الرقابة، بل وأين النصيحة على اعتبار أن الدين النصيحة؟؟!!.
ما هو شعور متخذي القرار وحماة الأنظمة والقوانين عندما يكمل المواطن بناء مسكنه ويؤثثه بالشيكات الآجلة برصيد أو بدون لا يهم!!، ويحدد يوم عيد للانتقال للبيت الجديد، ثم يفاجأ أنه بحاجة إلى رحلة لها أول ما لها آخر لإنهاء إجراءات الترخيص، وقرض من البنك لتغطية الغرامات التي يحررها له القسم الهندسي بالبلدية، أو يكون المبنى محلات تجارية يريد أن يؤجرها، ويتورط مستأجر بعقد ولا يستطيع إدخال الكهرباء للمحلات غير المرخص بناؤها من البلدية، ويضيع بين البلدية وصاحب العقار.
وأتساءل، أين التوعية ودور العلاقات العامة؟ أم أن البلديات صارت فقط مجرد صناديق تحصيل وحسب؟ وهل بلديات بهذا المستوى تستحق أن تحمل أو تنضوي تحت مسمى الحكم المحلي؟ بكل ما تعنيه الكلمة من دلالة وزخم وهيبة!!؟؟
إن حال مثل هذه البلديات لا يختلف كثيراً عمن يورط الآخرين ويغرر بهم ليضعهم تحت طائل العقوبة، لتحقيق هدف أسمى يتمثل في الجباية والسلام!!.
إن مثل هكذا بلديات حكم محلي يصح فيها قول الشاعر: ــ
ألقاه في الماء مكتوفاً وقال له إيّاك إيّاك أن تبتل بالماء
ويا خوفي أن يأتي علينا حين من الدهر يفتي فيه أحد أصحاب الفضيلة بجواز دفع زكاة المال والصدقات للبلديات لإشباع نهمها وغرائزها في المخالفات والجبايات!!.
وحري ببلديات كهذه أن تلحق بوزارة المالية، أو وزارة الاقتصاد الوطني لدورها المحوري في رفد الناتج الوطني، وإرساء قواعد التنمية المستدامة في الوطن.