يمثل ضعف الإنتاجية والسلوكيات المعوقة للإنتاج مشكلة خطيرة للكثير من المؤسسات الإنتاجية؛ فقد قدرت بعض الدراسات أن ما بين 10% إلى 30% من المؤسسات تعلن سنوياً إفلاسها بسبب تدني مستوى الإنتاجية، وبسبب تورط العاملين في أفعال من شأنها أن تقلل من الإنتاج .

فما هو حال المظاهر السلوكية لدى مجتمع الإداريين من ذوي المناصب الإشرافية في كل من القطاع الحكومي والخاص في مدينة الرياض ؟

في دراسة أجراها الدكتور سليمان بن محمد الحسين آل جبير من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام، على عينة تتكون من (142) مديراً، اتضح أن المشرفين في القطاع الحكومي ينظرون إلى - سلوك عدم التكيف - الذي يتضمن (كثرة الغياب، وإشغال الوقت في أعمال غير الأعمال المناطة بالموظف، وترك مكان العمل من دون عذر) كمؤثر سلبي على الإنتاجية أكثر من المشرفين في القطاع الخاص، وربما يرجع ذلك إلى أن مؤسسات القطاع العام تعاني أكثر من آثار هذا السلوك نظراً لأنهم لا يستطيعون التخلص بسهولة من الموظف الذي تظهر عليه مظاهر سلوك عدم التكيف، لأن عملية استبعاد موظف من عمله تحتاج إلى موافقة جهات عليا، بينما اتخاذ قرار فصل موظف في القطاع الخاص أيسر من القطاع العام؛ فيسهل استبعاد الموظفين غير المنتجين. وربما يكمن سر نجاح القطاع الخاص في قدرته على التخلص من العناصر غير المنتجة والتي تشكل عبئاً على مؤسسات الأعمال وتحول دون تحقيق أهدافها. بينما لم توجد فروق بين آراء المديرين والمشرفين في تقدير أهمية سلوك ضعف الكفاءة الإنتاجية وتقدير أهمية السلوك الانسحابى والسلبية حسب نوع العمل.

ووفقاً لنتائج الدراسة لم يختلف المديرون والمشرفون في تقدير أهمية سلوك عدم التكيف - بغض النظر عن نوع مؤهلاتهم التعليمية - في تدني مستوى الإنتاجية. ولم توجد فروق بينهم في تقدير أهمية ضعف الكفاءة الإنتاجية يمكن أن تعزى إلى اختلاف المؤهلات التعليمية، وربما يرجع ذلك إلى أن جميع أفراد العينة باختلاف مؤهلاتهم التعليمية يرون أن ضعف العلاقات الإنسانية يؤثر على الإنتاجية، ولا يختلفون في تقدير أهمية السلوك الانسحابى والسلبية باختلاف المؤهل التعليمي. وتختلف المجموعة الثانية المكونة من حملة الماجستير عن بقية المجموعات في تقدير أهمية سلوك ضعف الكفاءة الإنتاجية.

وفي الوقت نفسه تبيّن أنه يوجد اختلاف في تقدير أهمية سلوك عدم التكيف طبقاً للعمر، حيث تبين أن أفراد العينة الذين تقع أعمارهم بين (36-45) يقدرون أهمية سلوك عدم التكيف وتأثيره على تدني مستوى الإنتاجية. ويمكن إرجاع ذلك إلى أن هذه الفئة العمرية يغلب على سلوكها - السلوك المؤسسي - وهو سلوك تطوعي زائد عن الدور المطلوب يتميز بالتعاون والإيثار، وترغب أن ترى في العاملين الذين يعملون تحت إدارتها وإشرافها أن يتمتعوا بنفس الطاقة والحيوية وأن يكونوا على نفس المستوى من الفعالية والأداء .

هذا في حين لم يوجد اختلاف بين الفئات العمرية الثلاث في تقدير أهمية سلوك ضعف العلاقات الإنسانية بالرؤساء والزملاء والمتعاملين. وربما يعزى ذلك إلى أن جميع أفراد العينة بغض النظر عن فئاتهم العمرية متفقون على أن هذا البعد يؤثر على الإنتاجية فبيئة العمل التي تسودها العلاقات الإنسانية - سواء كان ذلك بين المسؤولين أو زملاء العمل أو في علاقاتهم مع المتعاملين الذين يستفيدون من الخدمات التي تقدم - ينعكس إيجاباً على الإنتاجية، كما أن المتعاملين الذين تلقوا معاملة حسنة يرغبون في تكرار زيارة هذه المؤسسة والتعامل معها تارة أخرى في المستقبل.

وأظهرت النتائج اختلاف المجموعة الثانية من المديرين والمشرفين المكونة من الفئة العمرية (36-45) عن بقية المجموعات العمرية في تقدير أهمية سلوك ضعف الكفاءة الإنتاجية. فهذه المجموعة تؤكد على أن هذا السلوك يؤثر على الإنتاجية، وأن الموظفين الذين لا يسعون إلى تطوير مهاراتهم، وتبدو عليهم آثار السهر والإرهاق في العمل، ويتخطون الرئيس المباشر ولا يبالون وكثيري التردد في العمل، وكثيري الشكوى من المشاكل الأسرية السيئة ينعكس ذلك على سلباً على أدائهم.

كما لم يتضح وجود فروق بين المجموعات العمرية في تقدير أهمية السلوك الانسحابي والسلبية. وربما يرجع ذلك إلى أن المديرين والمشرفين بغض النظر عن فئاتهم العمرية متفقون على الأثر السلبي للسلوك الانسحابي في تدني الإنتاجية، فالتمارض، وكثرة الشكوى والاستياء من الرؤساء أو الزملاء، والنوم في المكاتب، وإثارة الشغب من السلوكيات السلبية التي تؤثر على مستوى الأداء. وعدم وجود اختلاف بين آراء المديرين والمشرفين في تقدير أهمية السلوك الانسحابى والسلبية باختلاف العمر. لكن المجموعة الثانية المكونة من الفئة العمرية (36-45) ظهرت مختلفة عن بقية المجموعات في تقدير أهمية سلوك عدم التكيف في بيئة العمل. ولم يوجد اختلاف بين الفئات العمرية الثلاث في تقدير أهمية سلوك ضعف العلاقات الإنسانية بالرؤساء والزملاء والمتعاملين. كما اختلفت المجموعة الثانية المكونة من الفئة العمرية (36-45) عن بقية المجموعات العمرية في تقدير أهمية سلوك ضعف الكفاءة الإنتاجية. ولم توجد فروق بين المجموعات العمرية في تقدير أهمية السلوك الانسحابي والسلبية.

من جهة اخرى أشارت الدراسة إلى أن تفاعل (العمر والتعليم) يؤثر بصورة دالة إحصائياً في درجة عدم التكيف في بيئة العمل، وفي درجة ضعف العلاقات الإنسانية بالرؤساء والزملاء المتعاملين، وضعف الكفاءة الإنتاجية، وعدم وجود تأثير في درجة السلوك الانسحابي والسلبية.

كما لوحظ أن تفاعل المتغيرات(العمر * نوع العمل) يؤثر في درجة سلوك عدم التكيف في بيئة العمل، وعدم وجود تأثير في درجة ضعف العلاقات الإنسانية بالرؤساء والزملاء المتعاملين، وضعف الكفاءة الإنتاجية، والسلوك الانسحابي والسلبية، وكذلك فإن تفاعل المتغيرات(التعليم * نوع العمل) يؤثر في درجة سلوك عدم التكيف في بيئة العمل، ودرجة ضعف العلاقات الإنسانية بالرؤساء والزملاء المتعاملين، ودرجة ضعف الكفاءة الإنتاجية، وعدم وجود تأثير في درجة السلوك الإنسحابي والسلبية.

وفي ختامها طرحت الدراسة عدة توصيات أفادت بضرورة تحسين وزيادة البرامج التدريبية وضرورة تلاؤم البرامج التدريبية مع حاجات المتدربين، وكذلك تحسين الاتصالات والعلاقات الإنسانية داخل بيئة العمل، والاهتمام بالتوعية الصحية للموظفين، إلى جانب استعمال وسائل الرقابة الفعالة، وجعل عنصر الانتظام في الدوام من العناصر الأساسية في تقييم أداء الموظف وترقيته.

كما دعت الدراسة إلى تبني مبدأ التدوير الوظيفي لإكساب الموظفين خبرات جديدة، وتخفيف الملل من أداء أعمال محددة لفترة زمنية طويلة، مع العمل على مساعدة العاملين في حل مشكلاتهم الوظيفية والنفسية والاجتماعية وإزالة العقبات من طريقهم، مشيرة إلى أن الأجور التي تكفل للموظفين حياة مستقرة وتضمن دخلاً يفي بمتطلبات الحياة بعزة وكرامة، أمر يحقق زيادة الإنتاج كماً وكيفاً.

ونوهت إلى أهمية دراسة أسباب التغيب والتأخر عن العمل، لأن هذا قد يكون في حالات كثيرة مظهراً لمشكلة أخطر وهي "عدم رضا الفرد عن نوع أو طبيعة العمل الذي يؤديه" بحيث يفقد اهتمامه بهذا العمل، وتصبح الرغبة في التخلف عن العمل لديه أقوى من الرغبة في الذهاب إلى العمل، كما قد تكون مظهراً لمضايقات أو متاعب يلاقيها الموظف من ظروف العمل المحيطة به.