فن عقد الصفقات

حامد داود الطحله
مستشار محاسبي وضريبي
عضو مؤسس جمعية المحاسبة الأردنية
عضو مشارك/الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية
عضو هيئة المحاسبة والمراجعة لدول مجلس التعاون الخليجي

إن التفاوض وعقد الصفقات من الأمور الهامة التى تلعب فيها الإيحاءات والإشارات واللفتات دورا حساسا وهي فن له أصوله وقواعده التى يجب دراستها وإتقانها من اجل إحراز النجاح فيها والفوز بما يبغي الطرف الأول من الطرف الثاني.

وقد يذهب البعض إلى أن السلوك الطبيعي وعدم التصنع هو السبيل الأمثل لاقتناع الشخص الذي نتفاوض معه , ولكن هذا السلوك الطبيعي قد لا يكون مناسبا تماما للموقف في حالة التفاوض مع المدير الرئيسي في دولة أخرى مثلا , يكون لها تقاليدها المختلفة, وفي الصفحات التالية سأتناول بعض مظاهر فن التفاوض واختلافه من ثقافة إلى أخرى.

على الرغم من أن كثيرين من الناس يقولون بان السلوك الطبيعي غير المتكلف هو نتاج النجاح في الاتصالات بين طرفين , إلا أن هذا لا ينطبق تماما أو دائما على فن التفاوض , إذ أن لغة التفاوض تعتمد على الإيحاءات وعلى الاحساسات النفسية بقدر ما تعتمد على الكلمات والأفكار, ففي اللحظة التى يعرف المتفاوض فيها التأثير الذي يحدثه في نفس من يتفاوض معه ويدرك ذلك حق الإدراك , فانه يكون قد تغلب على اكبر عقبة قد تعوق حسن التفاهم , ألا وهي الشعور بالثقة , وقد تتعرض المفاوضات إلى شئ من التعثر, ولكن هذا أمر يحتمل أن يكون اكثر حدوثا بين متفاوضين ينتميان إلى دولتين أو ثقافتين مختلفتين ويحاول المتفاوضون الخبراء في هذا الميدان أن يتغلبوا على ذلك بواسطة إجراء أبحاث مستفيضة تزودهم بمعلومات كاملة عن ثقافة وعقلية ونفسية الشخص الآخر الذي يتفاوضون معه وهناك شركات وهيئات متعددة تزود مديريها الذين يعتزمون السفر للتفاوض مع أطراف أجنبية, بكل ما يلزمهم من مهارات وخبرات ومعلومات ثقافية واجتماعية , ويتعين على من يجري مفاوضات أن يفهم الميزات الخاصة بالطرف الآخر ويعها نصب عينية وان يلتزم بها , ولكن كثيرا ما تحدث مفارقات غير متوقعة , فليس هناك شئ اكثر حرجا من تعارض الثقافات وتضاربها , وعلى سبيل المثال , ياباني يدخل غرفة المفاوضات منحنيا برأسه ليقابل بريطانيا مادا يداه للمصافحة.

ومن الأركان الهامة في التفاوض الناجح إتقان التحية الافتتاحية قبل بدء الحديث ويستحسن أن يتقبل كل طرف العادات والتقاليد الخاصة بالطرف الآخر وان يحترمها ويلتزم بها .

وهناك عامل مهم آخر لنجاح المفاوضات وعقد الصفقات ألا وهو دقة التوقيت والالتزام بالزمن المحدد , ومن النصائح الهامة عدم الضغط على الطرف الآخر والتأثير عليه بحيث يتخذ قراره بسرعة فان هذا كفيل بان يجعله يشعر بأنك تمارس ضغطا غير عادي عليه وقد يبعث هذا في نفسه شعورا بالاستياء والإهانة.

وعلى المدير الذي يقوم بأجراء مفاوضات اقتصادية مع شركة أجنبية أن يعرف الطريقة التى يفضل بها رجال الأعمال التابعين لدول أجنبية مختلفة , عقد الصفقات والتوصل إلى سعر نهائي , فبعضهم يميلون إلى المقايضة أو المساومة, ويظنون أن السعر الذي يقترحه البائع هو أعلى كثيرا من السعر النهائي , وعلى العكس من ذلك ففي بعض الدول مثل اليابان لا يتوقع رجال الأعمال أن تكون هناك مبالغة كبيرة في السعر المعروض.

وهكذا فان الإلمام المسبق بالأسلوب الفكري الذي ينتهجه رجال الأعمال التابعين إلى دولة أجنبية من الأمور التى يجب أن يحرص عليها المفاوض الناجح وهذا يعني انه لا يجوز مطلقا أن نتصرف بناء على أفكار تقليدية مأخوذة على علاتها, ففي اليابان على سبيل المثال يمكن أن تغتفر أخطاء الزائر الاجتماعية فهو ليس مكلفا أن يكون مدركا تمام الإدراك لأسلوب الحياة الاجتماعية , وما يتضمنه من قواعد أصول قد تكون مجهولة لدي الغريب.

ولكن الأمر يختلف اختلافا تاما في الحياة الاقتصادية , ولا شك أن المدير الذي يزور اليابان في سبيل عقد صفقات تجارية سوف يكون اقرب إلى النجاح والتوفيق إذا كان ملما ولو بعض الشيء بهذه العادات الاجتماعية , وإذا كان أيضا يعرف بعض التعبيرات باللغة اليابانية فان هذا كفيل في أن يبعث السرور لدي اليابانيين , وان مراعاة بعض العادات والتقاليد تعتبر جزءا هاما يؤدي إلى النجاح في الصفقات.

وخلاصة القول أن الالتزام باحترام العلاقات الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والأصول المرعية في مختلف الدول , هو حجر الأساس س في قيام علاقات اقتصادية ناجحة تبشر بالنمو والازدهار على الصعيد الدولي