سمات المديرين الناجحين
تحمل وظيفة المدير بعدين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فبينما يمكن للمدير القيادة والإشراف، والمتابعة والتحفيز، ومن ثم فهو الأقدر على تحقيق فاعلية ونجاح المؤسسة ويرتبط به بشكل مباشر مستوى الأداء، فإنه يعجز ما بين 50-80% من المديرين على مستوى العالم من تحقيق التوقعات والأهداف التي عينوا خصيصى من أجلها، وبذلك فمدير المؤسسة قد يكون نعمة ترفع من أدائها وكفاءتها، أو نقمة تدمرها وتهوي بها إلى القاع.
المدير الناجح يعرف ويقر نقاط ضعفه
على الرغم من الأهمية والاهتمام الذي يجب أن تلقاه وظيفة المدير في المؤسسات من حيث التدريب والتطوير، إلا أننا قلما نلقى إحدى المؤسسات المهتمة بتدريب مديريها لا سيما بالشكل السليم، ففي أغلب الأحيان يكون الاهتمام الأكبر بالموظفين، وحتى إن تم تدريب وتطوير المديرين يكون من خلال برامج تدريبية إما عامة أو تركز على المهارات التقنية بدلاً من المهارات الشخصية، فالإدارة يجب أن تعمل على إبراز أفضل الطاقات الكامنة داخل البشر ومن ثم تنميتها وتطويرها، بدلاً من إغراقهم بالمعلومات التقنية.


ولذلك فالمديرون يتطلب منهم التركيز دائمًا على أدائهم وأسلوبهم في الإدارة محاولين استخراج أفضل ما لديهم هم وموظفيهم حتى وإن عملوا في إطار سياسات وإجراءات وإرشادات صعبة أو غير أخلاقية.



ولعل المديرين حديثي التعيين هم أصعب الموظفين في عملية التدريب أو المساعدة، وهناك العديد من الأسباب وراء ذلك منها مثلاً أن المديرين وخاصة حديثي الترقية منهم لديهم وقت ضئيل لطلب المساعدة من أجل التحسين والتطوير وذلك لانشغالهم بمناصبهم، أو لعدم رغبة أغلب المديرين في الاعتراف بنقاط الضعف الخاصة بهم أو في أوجه القصور الوظيفية والشخصية لديهم حتى لا تتغير أو تسوء صورتهم أمام مرؤوسيهم أو رؤسائهم، حيث يشعر العديد من المديرين بأن الاعتراف بنقاط الضعف لديهم إقرار بعدم الكفاءة مما يعد تحجيمًا لحياتهم المهنية، رغم أن أكبر المديرين وأنجحهم هم من يتصفون بالمصداقية والثقة بالنفس للاعتراف بأوجه القصور أو نقاط الضعف لديهم.
وتظهر الأبحاث والدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع أن الإلمام بنقاط الضعف، وفهمها، والالتفاف حولها، من أكثر عوامل نجاح المديرين، فكم رأينا من مديرين يكتسبون الدعم والتقدير الذي يستحقونه من خلال التصرف بطبيعتهم الحقيقية والتواضع بدلاً من الغرور أو التظاهر؟!
سمات المديرين الناجحين
وكما أظهرت الإحصاءات، والبحوث، والدراسات أيضًا والتي أجريت على المديرين الناجحين لمعرفة خصائصهم وسماتهم على مستوى الإدارات المختلفة - أن هناك مجموعة من الخصائص المشتركة والتي سنشرحها فيما يلي.
اختيار عقد الإدارة المناسب
السمة الأولى للمديرين الناجحين تكمن في معرفة المدير لإمكاناته ومدى تطابقها أو ملاءمتها مع الوظيفة التي سيشغلها أو المرشح لها، فإذا كان المدير يرى أن قدراته لا تتلاءم مع ظروف الوظيفة وأنه لن يتمكن من تحقيق ما سيطلب منه، فعليه إما أن يعتذر أو يعيد التفاوض حول مهامه الوظيفية، ولكن قد تكون هذه مهمة صعبة خاصة للمديرين الطموحين، فعندما يسأل مدير عن إمكانية تحقيق الفاعلية في منصبه الإداري الجديد يشعر بضغوط للإجابة بـنعم حتى لو كان لديه شكوك في ذلك، وذلك برغم أهمية رفض تقبل وظيفة هناك شك في إمكانية تحقيق النجاح الفعلي فيها، فالأفضل في تلك الظروف هو التأكد من أن الوظيفة قابلة للتحقيق والأداء مهما كان الطموح، أو ربما يحتاج المدير إلى إعادة التفاوض حول الوظيفة للحصول على نطاق أكبر من الصلاحيات.
وبذلك يجب على المدير التفكير في المهمة التي سيرأسها على أنها عقد يحدد فيه كل معايير النجاح والفشل بحيث يستطيع قياس النجاح الخاص به والتأقلم مع نطاق المهام التي سيؤديها لضمان النجاح.
كن ذاتك
ويتمثل الخطأ الشائع لدى بعض المديرين حديثي التعيين في افتراض أنهم يجب أن يتصرفوا بطريقة مختلفة منذ توليهم مناصب قيادية وعند إدارتهم للآخرين عما كانوا عليه من قبل، وبينما يتمتع هذا المفهوم ببعض المصداقية من حيث السلوك، إلا أن المديرين المحنكين في المستويات الإدارية المختلفة يشعرون بأهمية التصرف بنفس الطريقة كما كان الحال قبل حصولهم على الترقية، وعلى المدير في كل الأحوال أن يقوم بتطوير نمطه الإداري بما يتناسب مع طبيعته كشخص، ولا يحاول تقليد أو اقتباس تجربة أي شخص آخر مهما كان النجاح الذي حققه، فإذا كان الأسلوب الطبيعي للمدير قبل توليه الإدارة هو حب المرح والدعابة وحتى قلة الجدية فعليه استخدام هذا الأسلوب وتطبيقه في الإدارة مستعينًا بالطريقة التي يجعل من خلالها أسلوبه المميز هو الأقدر على الوصول بالإدارة إلى أعلى قدر ممكن من الكفاءة المطلوبة.
فلا يفترض تغيير الشخصية حتى تحقق الإدارة بنجاح، فالمديرون يحصلون على الترقية بناء على حكم الآخرين وهذا الحكم قائم على ما رآه الآخرون في شخصية المدير قبل الترقية، فإذا حاول تغيير الأسلوب أو النمط الخاص به تمامًا، فإن احتمال النجاح هنا سيكون ضعيفًا.
الإنصات إلى الجميع
المدير الناجح هو أيضًا من ينصت إلى ما يقوله موظفوه، وعملاؤه، ورؤساؤه في العمل، فعليه أن يكون منصتًا إلى الموضوع الذي يدور الحديث عنه في الشركة، ويتأكد من دقة ما يسمعه وما يصله من معلومات وأخبار عن طريق الاهتمام بالتغذية العكسية، وعليه كذلك الاستماع لكل الآراء حتى التي تتناقض معه أو مع ما هو سائد، فالمدير الناجح ينصت أكثر مما يتحدث. ويساعد المديرون الذين لديهم حاسة الإنصات الفعالة موظفيهم في حل المشكلات الهامة وذلك بالسماح لهم بمناقشة هذه المشكلات معهم، فالإنصات يتيح للناس سماع أنفسهم يفكرون، ومن ثم يعالجون المشكلات ويطورون الحلول.
عدم التحدث بسوء عن مجموعة لكسب أخرى
ولعل بعض المديرين خاصة حديثي التعيين يحاولون التودد والتقرب من موظفيهم أو من إحدى الإدارات العليا، ويقومون بذلك من خلال التحدث بسوء عن الآخرين فمثلاً يذكرون مساوئ الإدارة العليا عند الموظفين أو العكس، فنقد مجموعة للتقرب من مجموعة أخرى فكرة سيئة، ذلك لأن مجرد فكرة نقد هؤلاء المديرين للآخرين سيفقد جميع الأطراف الثقة فيهم، فكيف سيعتمد الموظف على مدير هو نفسه لا يستطيع التواصل مع الإدارات العليا ومواجهتها بمساوئها، وكيف ستثق الإداره العليا في مدير لا يستطيع إصلاح موظفيه وتحويل مساوئهم إلى مزايا بدلاً من انتقادهم، وإذا كان المدير دائمًا هو قدوة لمرؤوسيه فكيف له ألا يفترض أن الموظفين سيتحدثون عنه في يوم ما بنفس الطريقة؟
وأخيرًا فإن النقد بدون داعي يدمر المسؤولية ويضفي جوًّا من انعدام الثقة بين الجميع، فالموظف دائمًا يحتاج إلى من يدربه ويشجعه على حل مشكلاته وليس إلى من يلقي اللوم على الآخرين.
المدير قدوة لمرؤوسيه
وحتى يستطيع المدير الوصول للأفضل، فعليه أن يفترض دائمًا أنه مراقب من الأشخاص الذين يرفعون تقاريرهم إليه حتى لو كان لا يفضل ذلك، فلا يجب أن ينسى كل مدير أن الأفراد يتعلمون بالتقليد، وعليه بذلك أن يكون قدوة للجميع، فإذا كان يريد من الآخرين الإقرار بأخطائهم فعليه أن يبدأ بنفسه فإذا أخطأ في شيء ما فعليه أن يعترف بذلك، وإذا كانت الأمانة والمصداقية للموظفين مهمة بالنسبة له ينبغي أن تتوافق أفعاله مع أقواله، ولكن رغم ذلك عليه ألا يفترض أن كل شيء سيفعله سيقوم الآخرون بنسخه وتقليده تمامًا فالقيام بدور النموذج ليس كافيًا بمفرده، فالمديرون الناجحون يجب أن يكونوا على دراية شاملة بالقدوة التي يضعونها للموظفين طوال الوقت.
مساندة المرؤوسين لا القيام بأعمالهم
ويتعين على المديرين الناجحين التحول من مجرد النصح إلى التدعيم، ومن القيام بعمل المرؤوس إذا فشل فيه إلى مساندته في إعادة القيام به حتى يصل إلى الأداء الأفضل، فالمتوقع من المديرين الأكفاء مساعدة الآخرين على تطوير مهاراتهم وليس إنجاز الوظائف لهم، ويعد ذلك بمثابة المهمة الإدارية الأكثر صعوبة في التطوير للعديد من المديرين، كما تعد متابعة المهام التي يؤديها الموظفون نوعًا من المساندة التي قد يحتاجون إليها لضمان النجاح.
تغيير النفس قبل الغير
"يتغير البشر وفقًا لدوافع من داخلهم وليس بناء على رغبة أي شخص في تغيير طبيعتهم مهما كان هذا الشخص"، هذه حقيقة غير قابلة للنزاع في طبيعة البشر وكلما أدركها المدير مبكرًا كان ذلك أفضل له وللجميع، ولا تعني إدارة الموظفين أو قيادتهم تغييرهم ليتناسبوا مع متطلبات مديريهم، ولكن يتطلب الأمر تغيير المديرين من أنفسهم ليتوافقوا مع متطلبات من يديرونهم، فالقائد يؤثر في التغيير في مرؤوسيه عن طريق بناء نقاط القوة لديهم والمناقشة غير الصريحة لما يراه أنه نقاط ضعف، ولكن لن يمكنه التغيير المطلق لمن حوله.
نجاح المدير من نجاح فريقه
عندما ينجح فريق ما قد يشعر بعض المديرين بنكران جميلهم في إنجاح فريق عملهم إثر الوصول للهدف المنشود، فالإقرار بأن مديرًا ما ناجح أو عظيم هو بالتأكيد أمر مهم بالنسبة إليه، لكن عليه كمدير ناجح أن يقاوم ذلك، فبدلاً من أن يشعر بالفخر لنجاح نفسه يمكنه أن يكون أكثر تواضعًا ويشعر بالفخر حيال فريقه، وعند القيام بذلك فمما لا شك فيه أنه سيقدره الجميع.
وعلى النقيض، عندما يخفق الفريق فعلى المدير أن يتحمل المسؤولية كاملة ويعلن فشله في إدارة الفريق، وفي النهاية فالمدير هو القائد الذي وافق بالكامل على قبول النجاح وتحمل العواقب.

التركيز على مواطن القوة في الفريق
وتظهر الأبحاث المتعلقة بما يحقق أقصى النجاح لفريق عمل ما أن المديرين تزداد قدرتهم على التأثير بالتشديد في السمات الإيجابية لأعضاء الفريق بدلاً من العزف على وتر نقاط الضعف لهؤلاء الأعضاء، فالبشر بطبيعتهم لا يتغيرون إلا عندما يقررون ذلك بأنفسهم، فالمديرون الناجحون لا يعملون بجد لتغيير العادات أو السلوكيات غير اللائقة لموظفيهم ولكنهم يستنبطون وسائلا للبناء اعتمادًا على مهارات الموظفين الفطرية.
ولا يعني التركيز على نقاط القوة الحاجة إلى إدارة الظهر إلى كافة السلوكيات السلبية للموظفين، ولكن يتعين على المدير أن يفرق بين السمات القابلة للتغيير وتلك غير القابلة، فالأساس هنا يكمن في التركيز على إصلاح الأشياء غير المقبولة بالمرة لدى الموظفين وامتلاك الشجاعة من أجل البحث والعثور على نقاط القوة لدى الموظفين وتنميتها.
تنمية الذات
والمدير الناجح هو الذي لا ينتظر رئيسه ليعلمه أو يوجهه أو يطوره، فهو شخص قادر على إحداث التغيير أو التطوير في نفسه، وإذا كان يريد التوجيه أو النصح من الآخرين ممن يديرونه أو يعلونه في السلم الوظيفي فهو يوضح لهم كيفية القيام بذلك ويرسم لهم كيفية إدارته، وإذا أراد مثلاً الحصول على تغذية عكسية من عملائه فعليه طلب الموضوع ومتابعته بنفسه.
الصبر من أجل التغيير
"التغيير يأخذ وقتًا" فعندما يسعى الموظفون إلى التحرك فعليًّا نحو تغيير أدائهم، فمن الشائع أن تسفر تلك الجهود عن تطوير مرئي تدريجي في الإدارات، وقد أثبتت الدراسات أن إخبار الناس بأنهم لا يتغيرون بالقدر الكافي من السرعة يحدث أثرًا سلبيًّا على معدلات تغيرهم الفعلي نحو الأفضل، لذلك فالمدير الجيد صبور مع نفسه ومع غيره، فللتجارب والمحاولات أثر لا يمكن إغفاله على الناس إلا أنه أمر يحتاج إلى الوقت، فدفع الناس من أجل التغيير لن يحدث إلا تغييرًا عكسيًّا.
الذكاء العاطفي مع الجميع
أما تطوير الذكاء العاطفي والاعتماد عليه عند التعامل مع المرؤوسين فهو عمل لا يمكن الاستغناء عنه، وليس هذا فحسب، بل إنه يعمل على زيادة قدرة المدير على تطوير نفسه. وقد قام المؤلف دانيال جولمان صاحب أكثر الكتب بيعًا بالترويج لمصطلح الذكاء العاطفي والذي عني فيه بكيفية تعامل الناس مع أنفسهم وتناول علاقاتهم باعتبارها "مجموعة حاسمة من الخبرات التي تميز أكثر القادة والمديرين نجاحًا" كما حدد جولمان خمسة أبعاد للذكاء العاطفي تمثلت في:

1. الوعي الذاتي والذي يعني معرفة القدر الكافي عن المثيرات الداخلية للأفراد، والخطوط الحمراء ونقاط القوة والضعف في الشخصية ومناقشتها بانفتاح وبراحة، ويعد الوعي الذاتي حجر الزاوية في تطوير الذكاء العاطفي
2. التنظيم الذاتي وهو القدرة على تنظيم الردود السلوكية الخاصة للفرد تجاه المواقف والأحداث والتحكم فيها.
3. التعاطف ونقصد به القدرة على وضع النفس في مكان الآخرين لنرى الأمور كما يرونها.
4. التحفيز وهو الرغبة في الإنجاز والتطوير الذاتي.
5. المهارة الاجتماعية والتي تتمثل في الإحساس بآليات الآخرين ومشاعرهم وكيفية التفاعل معهم، وتعد المهارة الاجتماعية هي المحطة التي يمارس فيها القادة ذوو الذكاء العاطفي كافة القدرات السابقة.
قل الحقيقة
وتظهر الأبحاث في معظمها أن السمة الأكثر أهمية والتي يجب أن يثبتها المدير فعليًّا لدى من يقودهم هي القدرة والرغبة في قول الحقيقة، سواء كانت الحقيقة جيدة أو سيئة، سارة أو محزنة، حيث يساعد سماعها عادة الأشخاص على تحسس طريقهم في وسط الفوضى والضباب، علاوة على أن أكثر أنواع الحقيقة أهمية هي قول حقيقة الفرد عن نفسه.
القيادة لا الإدارة
وأخيرًا لم تعد الفكرة القديمة المألوفة عن الإدارة والتي ترتبط بكونها مراقبة كل العمليات التي تحدث داخل نطاق العمل - تعمل على تنمية قدرة الأفراد، فقد أصبحت تقلص من قدرتهم على إدارة ذاتهم، وتجعل مسايرة العمل المتطور أمرًا مستحيلاً، وبذلك فالمدير الناجح يمتلك وسيلة أخرى تكمن في القيادة، والتي ترتبط بالقدرة على تزويد الموظفين بما ينقصهم ويحتاجون إليه.
ونضع تحت مظلة القيادة الخطة الموضوعة لتحقيق أهداف المجموعة والالتزام بهذه الأهداف، والتفاني في العمل، والقدرة على تحديد الأولويات في المهام، ومتابعة مهام كل عضو في الفريق.
ويرى البعض أن تعلم القيادة أمر سار ومؤلم ومخيف وباعث على النشاط والتشجيع والإحباط في الوقت نفسه، ولكن الحقيقة الواحدة التي يجب أن يقنع بها كل قائد مدير تكمن في أهمية بذل كل الجهد من أجل ترك بصمة واضحة في العمل، فإذا اتبع كل ما سبق، فعليه أن يسعد ويبتهج فهو يسير بلا شك على خطى النجاح.