محيرة هي الالوان. نختار البعض منها، ونفضل بعضاً آخر على غيره، ولا ندري ان كنافعلنا ذلك استجابة منا لنمط من التفكير ملازم لنا، ام لحاجة داخلية تتطلب الارضاء. وتلاقي بعض الالوان في نفوسنا صدى افضل واقوى مما تلاقيه الوان اخرى، فما السر فيذلك؟ هل ان ما نراه من الوان خارجنا يميل بعضه الى التطابق مع الوان شبيهة موجودةفي خزين وعينا فنفضلها؟

ان اللون قديم قدم الانسان وله مدلول عام عند الشعوب ومدلول خاص عند الأفراد . فالشعوب أتخذت الالوان رمزا عاطفيا أو سياسيا لكيانها , مثل ( علم الدولة ) فكل علم يحمل رمزا أو رموزا, وهذا الرمز له دلالات نفسية . وقد تتنوع دلالات الرموز , فقد تكون دينية أو سياسية أو عرقية أو اجتماعية ....الخ

كما ان الدول ترمز لنفسها رموزا تستعمل في ساحات الحرب وعند القادة والجنود . والقبائل تكون لنفسها شعارات ملونة تتميز بها عن الغير حين أعلان الحرب على غيرها . ويمكن للفرد البدائي أن يزين نفسه بالالوان وذلك تقربا للعبادة والصلاة , وكثيرا ما نجد في العبادات الهندية والبوذية تعتمد على رموز الالوان التي يلبسها الكهنة حتى الآن , كما نشاهدها بين رجال الدين في مختلف الديانات .
ان مظهر الألوان له دور عاطفي واضح عند الأطفال يختلف عنه عند الشباب , فالطفل يفرح بالالوان الأساسية أيام العيد كالازرق والاحمروالاصفر وذلك للزينة والبهرجة وتضمين حاجة غير اعتيادية في نفس الطفل . بينما عند الشباب تأخذ رموزا أخرى , مثل الأحمر رمز الحب , والبنفسجي المزرق رمز الأمل , والأصفر رمز المجد والبهجة والرخاء ..الخ . أما عند الكهول والشيوخ فالأمر مختلف وخير دليل على خفوت العاطفة هو اهتمامهم بالالبسة المكونة ألوانها من الدرجات الضوئية الثلاثية ( الرمادية البيضاء والسوداء ومشتقاتها ) .
ولكي لانبتعد كثيرا عن الموضوع الاساسي , فأن علماء النفس خير من درس سيكولوجية الألوان وتأثيراتها على الأنسان , فقد أكدوا أن ادراك اللون يشكل جانبا من سلوك الأنسان , وان هذا السلوك يتحدد بثلاثة أبعاد هي : البيئة أو العالم الخارجي , والعالم الفسيولوجي الداخلي , والعالم السيكولوجي الداخلي , والذي يتضمن متغيرات كثيرة من بينها الأنفعالات . وان اللون غالبا ما يرتبط بالأحساس بالسعادة أو نقيضها . ويفضل معظم الناس بعض الالوان أكثر من غيرها , ويبدو ان هذا التفضيل يأخذ ترتيبا ثابتا عند الاوربيين حسب النسق الآتي : الأزرق ـــ الأحمرـــ الأخضرـــ الارجواني ـــ البرتقالي ثم الأصفر. أما الألوان المتداخلة فعادة ماتكون أقل تأثيرا من الألوان الأساسية ( النقية ) . وهناك بالطبع أختلافات واضحة, حيث يفضل بعض الناس الألوان البراقة في حين يفضل آخرون الألوان الهادئة ويفضل غيرهم الألوان الداكنة . وهناك ألوان معينة ربما تثير أستجابات أنفعالية خاصة , فالأحمر يرتبط بالأثارة أو الغضب , والأزرق يرتبط بالفرح الهادئ , والأسود يرتبط بالحزن والأكتئاب . وهكذا .........
كما أن الألوان ربما تشكل رمزا لمشاعر معينة أو أمزجة خاصة أو علاقات محدودة في حياة الفرد , وربما تمثل أيضا أستجابات أو ردود فعل مختلفة أو متباينة أو مجالات من الصراع النفسي . وبسبب وجود الكثير من الغموض في تفسيرات استعمال اللون , فأن علماء النفس ينصحوا بعدم ترك العنان لتذوقنا الشخصي عند أختيار الألوان . فمثلا الألوان التي نراها في بيوتنا هي التي تبين لنا مدى تأثرنا بالألوان , وتنم في الوقت نفسه عن الكثير من ميولنا وطباعنا وعاداتنا في الحياة .فاللون الأخضر يعتبر من أنسب الألوان لغرف النوم , لأنه يؤدي الى الأسترخاء الذهني والعضلي وبالأخص ( الأخضر الزيتوني ) الذي يوصف بأنه قادرعلى غسل متاعب يوم كامل خلال دقائق قليلة , كما أنه من الألوان الملائمة لواجهات المحال التجارية , أذ يجعلها من الأماكن التي يدخلها الزبائن بطريقة تلقائية . وقد تم أستخدام اللون الأخضر في طلاء أحد الجسور في مدينة لندن وهو جسر ( بلارك فراير ) مما أدى الى أنخفاض نسبة حوادث الأنتحار فوق هذا الجسر نحو الثلث , حيث أعاد اللون الأخضر شيئا من السرور الى النفوس اليائسة .
أما اللون الأحمر فبالرغم من أنه لون مشرق يبعث على البهجة , ألأ انه ينصح بالأبتعاد عنه في غرف النوم , لأنه يؤدي الى التنبه العصبي والذي يؤدي بدوره الى حالات الأرق وعدم الأسترخاء , وهويصلح فقط لتزيين غرف الدراسة والعاب التسيلة .وتشير الدراسات العلمية والنفسية الى أنه تم أستخدامه في شفاء الأضطرابات العقلية , فقد قرأت في أحدى الصحف المصرية أن أحد رجال الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية نزلت به خسارة فادحة كادت تؤدي به الى الأفلاس فأثرت في أعصابه وأضطربت قواه العقلية , فأدخل على أثرها مستشفى الأمراض العصبية . وفي المستشفى رفض تناول الطعام أياما فأدخله الطبيب غرفة جدرانها حمراء وكل ما فيها من أثاث يصطبغ باللون الأحمر , وما هي الا أربع وعشرون ساعة حتى عادت الى المصاب شهيته فطلب طعاما وراح يلتهمه بشراهه. وهكذا عاد الى سابق عهده بعد أن تخلص مما أصيب به من الذهول والغم اللذين كانا يؤديان به الى الجنون .أما اللون الأزرق فهو من أفتر الالوان وأقلها ايجابية , ويستخدم عادة للتخفيف من حالات التهيج والتأثر التي تصيب بعض النفوس , فهو مهدئ ويفضله المصاب بداء الأعصاب . كما أنه يخفض من ضغط الدم ويهدئ التنفس ويدعو الى السلام والتأمل الباطني . ويفضل أستعماله لتأمين السكينة الا أنه لايمنع أن يكون للون الأزرق تأثير سلبي على ذوي الأمزجة السوداوية الذين تغلب عليهم الكآبة , فعلى هؤلاء أن يتخلصوا من كل ما هو أزرق ويحيطوا أنفسهم بكل ما هو أحمر .
واللون الأزرق يعتبر من الألوان الباردة , وعند طلاء مكان معين بهذا اللون فأنه يوحي للشخص أن المكان بارد . ففي أحدى المؤسسات التجارية طليت جدران قاعة تعرض فيها البضائع التجارية باللون الأزرق بعد أن كان أبيض فكثرت أحتجاجات الزبائن من أن القاعة المذكورة باردة الى درجة مزعجة مما أدهش مهندس المؤسسة الخاص الذي يعلم جيدا أن حرارة القاعة هي اياها لم تتبدل عما كانت عليه منذ شهر, وطليت الجدران نفسها بلون آخر وهو اللون البرتقالي , كما طليت المقاعد بهذا اللون الجديد فعادت الأحتجاجات ولكن الشكوى كانت هذه المرة من حرارة جو القاعة بالرغم من أن درجة الحرارة الأصلية لم تتبدل , ولما غيروا لون المقاعد البرتقالي أعتدل جو الغرفة وزالت الشكاوى .
والملاحظ أن ازدياد المبيع ناتج من استخدام بعض الألوان ذات التأثير السيكولوجي من دون سائر الالوان في الأعلانات , فقد دلت الأحصاءات المتعددة على أن الأحمر على أختلاف أنواعه والبرتقالي والأخضر هي خير الألوان للأعلان والدعاية . أما اللون الأزرق والبنفسجي فأنهما لايصلحان للدعاية والأعلان بأي شكل من الأشكال . أما اللون الأصفر فهو لون أرضي وعملي وربما من أفرح الألوان ويستعمل لمعالجة مرض النورستينيا أي الوهن العصبي , ويصلح للاستعمال في غرفة معتمة , الا انه لايمكن استعماله في الطائرات , لأنه يسبب الغثيان والتقيؤ لذلك تم أستبعاده في الطائرات .
أما اللون البرتقالي فهو لون دافئ ومثير ويساعد على الشهية ويسهل عملية الهضم , ويعجل بشكل خفيف نبضات القلب . ويعتبر من الألوان المناسبة للمطاعم العامة والمطابخ وحجرات الطعام , كما أنه يناسب غرف الجلوس المعرضة بشكل سئ للشمس , ويصلح أستعماله على أرضية الغرفة وعلى الجدران بعد أن يمتزج باللون الرمادي , وبعد أن يتم تفتيحه بشكل ملحوظ . وعند مدخل البيت يصبح لونه جذابا وباعثا للرضا والسرور.
وأخيرا اللون الأسود فأن علماء النفس ينصحوا بعدم أستخدامه في ديكور المنزل حتى وأن كا ن في نطاق ضيق , لأنه لون يبعث على الأنقباض واليأس .
ان الحرص على استخدام الوان ودرجات مختلفة داخل المنازل , يعد من الأمور الهامة التي تريح العين وتجنب الفرد الأحساس بالملل , مع مراعاة أن الألوان الفاتحة تزيد من أحساس الشخص بأتساع المكان , بينما الألوان الغامقة توحي بضيق المكان . كذلك يستطيع اللون توليد أحساس بالوزن الثقيل أو الخفيف , فقد لوحظ بأن صناديق ذات مقاييس متشابهة وذات وزن مماثل تبدو أقل وزنا للعمال الذين يحملونها عندما تكون ملونة باللون الفاتح . على العموم , فأن الألوان كالعقاقير يجب أن تؤخذ بمقادير معينة والا كانت عواقبها وخيمة , وعلى هذا ينبغي لأرباب المنازل أن يعرفوا كيف يوزعون الألوان في حجراتهم لئلا يسيئوا الى نفوسهم من حيث لايدرون . كما يجب اهتمام كل أم بالوان جدران غرفة أطفالها والوان ملابسهم بنفس قدر اهتمامها بطعامهم ونظافتهم , لما للالوان التي تعتاد عليها عين الصغير من تأثير كبير على ملامح شخصيته فيما بعد .