كارلوس غصن برازيلي من أبوين لبنانين، ذو عقلية إدارية ناجحة، حولت شركة نيسان من خسارة جعلتها على شفا الإفلاس، إلى شركة ناجحة رابحة، وهو مفخرة اللبنانيين في عالمنا العربي، ولأنهم يمثلون شبه مافيا تتحكم في جميع وسائل الإعلام الخليجية، فلن تجد كلمة واحدة تتناوله بأي تلميح سلبي من بعيد أو قريب. حتى لا تسئ فهمي، فأنا هنا لا أهاجم الرجل، ولكني أرفض تأليهه ووضع هالة حوله تمنع عنه أي انتقاد أو مساءلة، كما أرفض أن تتحول وسائل الإعلان لدمية يحرك خيوطها المعلنون.

كارلوس غصن .. العربي الذي أنقذ شركة نيسان من الإفلاس

لا حاجة لي لأن أكرر ما سبق ونُشر في مواقع كثيرة عن قصة نجاح الغصن، لكن بدأت مؤخراً التقارير الصحفية العالمية تتناول نتائج شركة نيسان عن الفترة الماضية، ذلك لأن حصة نيسان في الأسواق العالمية بدأت تتراجع، وبدت الشركة في حاجة ماسة لطرازات حديثة تحافظ بها على موقعها في السباق، ففي السوق الأمريكية، تراجعت مبيعات نيسان منذ بداية السنة بنسبة 0.6% بينما زادت مبيعات الغريمين: تويوتا 7.4% وهوندا 8.3%. الحال ليس بأفضل منه في اليابان، حيث تراجعت المبيعات بنسبة 16%، للشهر السادس على التوالي، كما جاء أداء نيسان مخيباً للآمال في مجال السيارات الهجينة (ذات المحركين: بخاري وكهربي) في حين حققت تويوتا وهوندا نتائج مثيرة في هذا المجال. أدى كل ذلك لانخفاض أرباح نيسان التشغيلية بمقدار 85 مليون دولار في السنة المالية المنتهية في شهر مارس المنصرم.
على أن ذلك لا يعني أفول نجم الغصن، بل مجرد كبوة صغيرة سببها تأخر وصول الموديلات الجديدة من سيارات نيسان، وهو نجح في تحقيق هامش تشغيلي قدره 9.5% في نهاية عام 2005 جاعلاً نيسان رائدة شركات تصنيع السيارات العالمية، كما أن المساهمون رحبوا بقراره بيع شركة نيسان ديزل إلى شركة فولفو بمبلغ 193 مليون دولار، ما جعل سعر سهم نيسان يحقق زيادة ثابتة قدرها 27% خلال الشهور الإثنا عشر الماضية.
في جعبة غصن الكثير، فهو ينوي تحقيق طفرة في مبيعات نيسان بنسبة 17% قبل مارس 2008 (مقارنة بمبيعات سبتمبر 2005) من خلال قائمة كبيرة من الموديلات الجديدة، لكن الرياح عاندت أمير البحار المحنك هذه المرة، فالطراز الأولي من سيارة سينترا Sentra قابله عاصفة من شكاوي المستخدمين في السوق الأمريكية، ما اضطر نيسان للعودة بالسيارة لمرحلة التصميم والإبقاء على الموديل القديم في الأسواق، ولنفهم أهمية سينترا، فيكفي أنها ثاني أكثر سيارة نيسان مبيعاً في السوق الأمريكية بعد ألتيما.
هل تسببت رئاسة غصن لشركتي نيسان ورينو (مالكة الحصة الأكبر في نيسان) معًا في وقت واحد في تأثر الأداء المبهر الذي تعودنا عليه من غصن؟ هذا السؤال دائماً ما يطرحه المساهمون، وتأتي الإجابة بأن غصن يدير نيسان أمريكا؛ التي تحقق 60% من أرباح نيسان عالمياً، بالإضافة لإدارته شركة رينو. كارلوس غصن رجل ذكي، وهو ليس بغريب على إدارة الشركات العملاقة، ولذا نظنه فاهماً لما هو بصدده، خبيرًا بكيفية التصرف في مثل هذه المواقف. الشهور المقبلة حيوية جداً لمستقبل نيسان، وكذلك الموديلات والطرازات الجديدة، التي لا بد وأن تحقق مبيعات كبيرة، كما يجب تحسين سمعة نيسان في الأسواق من حيث الشكل والمتانة وقابلية الاعتماد عليها، فسيارات نيسان الأخيرة تراجعت في المقارنات العالمية مع غيرها.
يرى غصن أن السيارات الهجينة (بخاري + كهربي) لن يكتب لها النجاح عن قريب، ولذا هو غير متعجل للدخول في هذا المعترك، ويعتمد على شراء هذه التقنية من شركة تويوتا، رغم أن الارتفاع الجنوني في أسعار البترول العالمية (والتي لا نظنها تنخفض عن قريب) سيخلق طلبًا كبيرًا على مثل هذه السيارات، ما سيدفعها بدورها لتصبح ذات أسعار اقتصادية عن قريب، وهو ما قد يعني نهاية الاعتماد على البترول كوقود للسيارات، ولذا فالموقف الحالي يدفعنا للاختلاف مع غصن.
أما في سوقنا العربية فنجد نيسان قد أوقفت خط إنتاج سيارتها صني مقابل سيارتها تيدا الجديدة، التي أجرت عليها أكثر من 100 تعديل حتى تناسب الطبيعة القاسية للصيف الخليجي (لك أن تتخيل تكلفة هذه التعديلات على أي شركة سيارات) لكن من اختبروا سيارة تيدا -ولم يخضعوا للإرهاب الإعلاني- فتجدهم يقرون بوجود مشاكل في التحكم في تيدا على السرعات العالية، كما أن بعض معارض مبيعات نيسان أشبه بسوق الجمعة، ولا تجد من يرد على سؤالك، (ما لم تكن حسناء مائلة مميلة كاشفة عن حسنها!!).
كارلوس غصن رجل متواضع، يسلم على كل من يراه يدًا بيد، وهو محبوب من جميع الصحافيين بسبب حرارة لقاءاته معهم، كما أن نجاحات الرجل تغني عن كيل المديح له، لكن الحال لا يدوم، وأنا أتطلع لمراقبة كيف سينجح كارلوس غصن هذه المرة، فهو رجل المهام الصعبة محقق النجاحات منذ شبابه.