هل فكرت في التخصص الدراسي الذي ستدرسه في الجامعة بعد أن انتهيت من مرحلة الدراسة الثانوية أو كدت؟ هل تعرف أي التخصصات يوافق ميولك واتجاهاتك أكثر من غيره؟ وهل تعرف جيداً إلى أي مسار مهني يمكن أن يؤدي بك إليه التخصص في دراسة الفرع العلمي الذي يستهويك؟

لاشك أن هذه كلها أسئلة في غاية الخطورة والأهمية لأن إجاباتك عليها ستظل تؤثر في مستقبلك المهني لفترات طويلة ممتدة وربما يمتد تأثيرها إلى عمرك المقبل كله، ومن هنا تبرز أهمية أن يكون اختيارك لمستقبلك الدراسي والمهني مبنياً على أسس علمية ومنطقية منظمة تأخذ في اعتبارها نقاط قوتك وضعفك الداخلية من ناحية، والفرص والتهديدات أو المخاطر الدراسية والمهنية المحيطة بك حالياً أو التي تتوقع أن تظهر أمامك في لحظة ما من المستقبل.

وفي هذه الأسطر من صفحة التطوير الذاتي سنحاول إلقاء الضوء على عدد من أهم التوصيات التي يقدمها خبراء التطوير الذاتي والخبراء التربويون على مستوى العالم لمساعدتك على التخطيط لمستقبلك المهني والدراسي بشكل أفضل وأكثر تنظيماً، وهي توصيات نرى أنها تكتسب أهمية مضاعفة في ضوء غياب عنصر الإرشاد التعليمي بمعناه المطبق في الجامعات والمدارس الثانوية الغربية عن الغالبية العظمى من مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية بوجه عام، الأمر الذي يدفع كثيرين من الطلاب إلى دراسة تخصصات لا تناسب ميولهم بحق أو دراسة تخصصات لا يعرفون جيداً ما إذا كانت مطلوبة في سوق العمل أم لا وما إذا كان خريجوها ينتظرهم مستقبل مهني جيد أم لا.

وبداية، فإن الخطوة الأولى في عملية التخطيط لمستقبلك المهني تتمثل في أن تتعرف جيداً وبصدق وموضوعية على نقاط ضعفك ونقاط قوتك الدراسية عبر تجاربك الدراسية السابقة. وبالنسبة لنقاط قوتك الدراسية، فيمكن أن تتمثل في أشياء مثل حبك الزائد لمادة دراسية معينة وحصولك فيها باستمرار على درجات مرتفعة، أو تحليك بالقدرة على التفكير العلمي المتقدم والربط المنطقي بين جزئيات المنهج أو المقرر الدراسي المختلفة، أو تحليك بالقدرة العالية على الحفظ والاستذكار أو بأسلوب إنشائي قوي ومتميز، أو تخصص أحد والديك في مجال علمي معين وامتلاكه مكتبة علمية ضخمة في ذلك المجال، أو تمتعك بقدرة جيدة على الإلقاء وبثقة كبيرة في النفس وخصوصاً أمام المجموعات، أو تمتعك بقدرة عالية على الشرح للآخرين وتبسيط المفاهيم المعقدة لهم.

أما فيما يتعلق بنقاط ضعفك الدراسية أو التحصيلية المحتملة فيمكن أن تأخذ أشكالاً مثل: حصولك باستمرار على علامات متدنية بوضوح في مادة معينة، أو معاناتك من مشاكل وصعوبات في الحفظ والاستذكار وخصوصاً في مادة دراسية بعينها، وما إلى ذلك من نقاط هي في حقيقتها بمثابة النقيض لنقاط القوة التي ضربنا أمثلة عليها أعلاه.وعليك أن تعلم أن تحديدك الدقيق والأمين لأهم نقاط قوتك وضعفك عبر تاريخك الدراسي حتى الوقت الحالي هو من أهم ما يتعين عليك عمله للتخطيط لمستقبلك الدراسي والمهني تخطيطاً علمياً دقيقاً ومتوازناً. فبدون التعرف بوضوح على أهم الملكات التي تتمتع بها وأهم أوجه القصور التي تعاني منها في تجربتك الدراسية الإجمالية فإنك لن تتمكن من وضع يديك بثقة على التخصص الدراسي الأمثل الذي يناسبك أكثر بكثير من ما عداه.

وبعد ذلك تأتي الخطوة الثانية، والتي تتمثل في التعرف على أهم الفرص والتهديدات الدراسية والمهنية التي يتعين عليك استغلالها أو التصدي لها حالياً أو مستقبلاً. ومن أبرز الفرص التي قد تكون متاحة أمامك في ذلك الاتجاه: إنشاء كلية أو جامعة جديدة في مدينتك يتم فيها تدريس تخصصات علمية نادرة ومتقدمة، أو حصول ارتفاعات متواصلة ومطردة في مستويات الأجور التي يحصل عليها المتخرجون في كليات معينة أو دارسو مجالات علمية معينة، أو تنامي طلب الشركات ومنظمات الأعمال على الأفراد الحاصلين على دورات تدريبية معينة. وبالنسبة للتحديات أو التهديدات الأساسية التي يمكن أن تواجهك فمن الأمثلة عليها: تراجع معدلات طلب الشركات على خريجي كليات معينة أو دارسي تخصصات علمية معينة من التي تفضلها أنت، أو تدني معدلات الأجور التي يحصل عليها دارسو تلك التخصصات، وما إلى ذلك من تحديات وتهديدات مشابهة يمكنها أن تلعب دوراً سلبياً في حياتك المستقبلية ما لم تحسن التصدي لها.