جوناثان أبرامز هو من رواد الأعمال التقنية الذي أسس أول شبكة تواصل اجتماعي على الانترنت Social network، وكرس لإدارتها أبرع العقول من الخبراء العاملين في وادي السيليكون الأمريكيSilicon Valley . حتى تصدر مشروعه أبرز صفحات الصحف العالمية وصار موقعه الوجهة المفضلة للملايين من الزوار يومياً. ومع كل ذلك فقد خاب موقع فريندستر Friendster إلى الأبد وبطريقة مأساوية للغاية. فكيف ولماذا وقعت هذه الكارثة؟ ومن كان وراءها؟ ومن صعد على أكتافها؟
ليس من السهل أن تكون العقل المدبر وراء أسوء الإخفاقات الحاصلة على طول تاريخ الانترنت. صحيح أن كثيرون قد يصفوك بأنك صاحب رؤية وبصيرة لكنهم لن يتوانون عن الحط من قدرك لأنك رجل أعمال فاشل. حتى أن المدونونBloggers على الانترنت ينعتوك بأقذى الصفات مثل “منبع القذارة” أو “مثقف معتوه” ويشاركهم الرأي نفسه المستثمرون الذين تهافتوا على تمويل مشروعك وهو في المهد. أما نظرائك من رواد الأعمال فيعملون على استنساخ فكرتك وتنفيذها دون الإشارة لاسمك أو إعطائك حقك في أدنى تقدير. حتى أن مجلة نيويورك تايمز تشير إليك بتعبير “بالون منفوخ بالغرور”، وبالكاد يعرف مذيعو شبكة فوكسFox كيفية تهجئة إسمك.
هذا هو بعض من الإرث الذي ينوء به ظهر أحد رواد أشهر فكرة طبقت على شبكة الانترنت، وهو جوناثان أبرامز، بعد أن قام بتأسيس موقع فريندستر Friendster الذي يعد أول شبكة اجتماعية حقيقية في تاريخ الانترنت. ويحاول أبرامز رغم كل ذلك أن لا يسمح لشبح تلك الإخفاقات بمطاردته. فما بين يديه الآن من مشروعين جديدين يكفي لإبقائه مشغولا جداً. فقد افتتح أبرامز في سبتمبر الماضي “سلايد” Slide، وهو عبارة عن بار ومطعم راق في سرداب أحد المباني بوسط مدينة سان فرانسيسكو. وعاود الكرّة في مارس(آذار) في مسعى جديد لتحقيق “ضربة قوية” على الانترنت بعد إطلاقه لموقع سوشلايزر Socializr، الذي يقدم لمستخدميه خدمة توجيه الدعوات إلى المعارف والأصدقاء لحضور الحفلات والمناسبات.
وعلى الرغم من ذلك، لا يبارح تفكير أبرامز كيف أصبح موقع فريندستر شماعة التهكم والنكات في عالم الأعمال بعد أن كان في يوم من الأيام أحد أشهر الشركات الناشئةStart ups في أمريكا. ولا عجب من ذلك لأن موقع فريندستر في وقته كان يتوجه إلى القمة بحسب قوانين وادي السيليكون، لأنه تجسيد لفكرة رائعة دعمتها أموال أقوى المستثمرين وأدارتها عقول أفضل مدراء الأعمال. لكن بنهاية المطاف، انتهى الموقع إلى فشل ذريع. ويدافع أبرامز بقوله: “كوني من رواد الأعمال الشباب عملت ما قيل لي تماماً. فأحضرت مستثمرين خبراء لدفع موقع فريندستر إلى الأمام. وبالرغم من تلك الجهود كان فريق النجوم الذي شكلته بمثابة لعنة الموت”.
ما كان لأحد أن يعرف أو يسمع باسم جوناثان أبرامز لو أنه توصل إلى اختراع شيء دنيوي بسيط كبرنامج لإدارة علاقات العملاء مثلاً. لكن نظراً لأنه مؤسس أول شبكة اجتماعية على الانترنت، فقد وعد أبرامز بتقديم شيء مثير يكمن في قيام ثورة على الطريقة التي يتواصل بها الناس مع بعضهم. وهذا بالفعل ما دونته مجلة فورتشن Fortuneفي عدد أكتوبر 2003 :”هناك شبكة انترنت جديدة في طريقها للصعود- نوع جديد يركز أكثر على وصل الناسConnecting People وليس مجرد توصيل مواقع الانترنت إليهم”. وفي الأشهر التي تبعت إطلاق الموقع في تلك السنة، فاز موقع فريندستر بالكثير من المستخدمين المخلصين. حتى أن من كثرة التعلق به، ذهب محبوه إلى استخدام اسم الموقع [فريندستر] ليعرب لغوياً كإسم وفعل. وبنهاية 2003، حصلت الشركة، التي أسسها أبرامز في شقته الكائنة في سان فرانسيسكو، على مبلغ 13 مليون دولار من نفس المستثمرين الذين ساهموا في تمويل مواقع شهيرة مثل أمازون Amazon، وياهو Yahoo، وإي بيه eBay. وتوجهت الأضواء إلى الموقع على صدر صفحات أبرز المجلات والجرائد. وبرز فريندستر وقتها على أنه مشروع يمكن للعالم أن يفهم ويشارك ويحلم به، وكأنه حدث كبير آت من المستقبل.
وما حصل أن فريندستر أنقلب لينضم إلى المواقع الناشئة القليلة التي غيرت العالم لكن بعكس ما تمناه أبرامز تماماً. فخلال مارس 2007، تبين أن واحداً من أصل خمسة أمريكيين كان يزور موقع ماي سبيس MySpace.com، وهو موقع منافس ومقلد لفريندستر تأسس في 2003 من قبل شركة انترميكس Intermix ليتم بيعه بعد سنتين لصالح نيوز كورب News Corp. لقاء نصف مليار دولار. وتنوعت أنشطة مستخدمي وزائري موقع ماي سبيس MySpace.com ما بين الاستماع إلى الموسيقى والبحث عن إقامة علاقات عاطفية وتبادل الأفكار والخطط. ومن خلال تلك الأنشطة التي مارسها زوار موقع ماي سبيس تغيرت طريقة التفكير والاستخدام لشبكة الانترنت بالفعل. وبالمقابل شهد موقع فريندستر تدنيه إلى المرتبة 13 من بين المواقع الاجتماعية الأخرى في الولايات المتحدة وانخفضت حصته السوقية الى 3% من سوق الشبكات الاجتماعية.
وفي عالم الإعلام ومجتمع الأعمال فُسّر سقوط فريندستر على أنه مجرد حالة من الفشل الإداريManagement failure - وتحمل أبرامز معظم اللوم في هذا السيناريو. وبالفعل، فقد وصلت السخرية من موقع فريندستر إلى حد حصوله على شرف تدريسه كحاله دراسية Case study في كلية هارفارد للأعمال، وذلك كحالة تصف الطرق التي لا يتوجب اتباعها عند إدارة شركة تقنية.
وقد استنفذت الأموال من شركة فريندستر السنة الماضية وأعيد تقييم رأسمالها بمبلغ 3 ملايين دولار فقط، ومن ثم أُلحقت كشركة تابعة إلى كلاينر بيركينز آند بايرز Kleiner Perkins Caufield & Byers وهي إحدى الشركات التي ساهمت بتمويل فريندستر من قبل. وخسر أبرامز بالنتيجة مقعده في مجلس إدارة الشركة إضافة إلى معظم أسهمه في الشركة. وأصبح المؤسس فعلياً خارج الشركة ليملك قرابة 4% من أسهمها، هذا على الرغم من حصول الشركة على تمويل إضافي لاحقاً لكن من دون تحقيق أي أرباح حتى الآن.
ويتفق أكثر المراقبين على أنه مازال من الممكن بيع الشركة وفق عملية استحواذ متواضعهAcquisition وصغيرة، بيد أن أحلام عمليات الاستحواذ الكبيرة أو طرح الشركة للتداول العام ذهبت في مهب الريح. ويعلق على هذه الآراء راسل سيغلمان، المدير الإداري في شركة كلاينر بيركينز، بقوله:”رأى الجميع في البداية أن بيع الشركة أو طرحها للتداول العام هي مسألة مسلم بها، ولكن كيف وصلت الامور الى هذا الحال؟؟ كيف يمكنهم تبرير هذا الفشل؟ لكن بالطبع ليست كل العقود التي تبرم تفضي إلى نتيجة باهرة في نهاية المطاف”.
وتزيد مثل تلك التصريحات من حدة انزعاج أبرامز. فهو من النوع الحساس سريع الغضب وذو آراء كثيرة لا يتردد في كشفها. ومع ذلك فقد كان أبرامز متحفظاً وكتوماً حول موضوع سقوط فريندستر حتى بعد أن تتبعته في شهر أكتوبر إلى البار الذي يملكه. وبعد عدة ساعات (وخلال عدة مقابلات جرت لاحقاً بعد أشهر) كشف أبرامز عن رواية مختلفة تماماً عن تلك التي تتداولها أوساط شركات التمويل في وادي السيليكون وأصحاب المدونات والصحافة. حيث يقول أبرامز أن تعثر موقع فريندستر ليس بسبب وقوعه ضحية لسوء الإدارة بل لأنه هو [أبرامز] اعتمد على نظام تمويل صمم ليؤدي إلى الفشل أكثر من تحقيق النجاح. ويذهب أبرامز إلى أن فريندستر ليس حالة فشل فردية بل حالة فشل نمطيّة. ويصمم أبرامز على الأمور ستفضي إلى الأفضل من خلال مشروعه الجديد على الويب، سوشلايزر Socializr. ويقول :”أيام زمان، كان رواد الأعمال يعتمدون على النفس في السنوات الأولى، لكن هذه الأيام تتهافت شركات التمويل الاستثمارية عليهم بسرعة كبيرة”.
شركات التمويل وراء الربح أولاً
ويشارك أبرامز في رأيه جويل سبولسكي Joel Spolsky، مؤسس شركة فوغ كريك Fog Creek في نيويورك، ويقول:”تأسس نظام شركات التمويل الاستثمارية ليحتوي على تضارب قائم بين مصالح شركة الاستثمار وصاحب المشروع”. وذلك أمر يسلم به حتى بعض المستثمرين أنفسهم، ومنهم بيتر ريب، وهو شريك في كروسلينك كابيتال Crosslink Capital والتي كانت قد دعمت شركات تقنية مشابهة مثل جوود تكنولوجي Good Technologyوشركة تيفو TiVo، ويقول ريب:” تبنت معظم شركات التمويل الاستثمارية نموذجاً تقوم من خلاله بالاستثمار في 20 مشروع لتحقيق نجاحين فقط بالنهاية”. ويعتبر هذا النموذج التقليدي الذي تتبعه شركات التمويل الاستثمارية ملائماً تماماً بالنسبة للمستثمرين، حيث تغطي عوائد شركة حققت نجاحاً، مثل غوغل google، على خسائر وخيبات تسع من أمثال فريندستر. وبالنتيجة فشركات التمويل راضية لأنها تحصل في هذا السياق على رسوم كبيرة لقاء أتعاب إدارة المشروع بغض النظر عن نتيجته. ولا غبار على هذا الأمر بين المدراء أنفسهم لأنه سيتنقلون بنهاية المطاف للعمل من شركة ناشئة إلى أخرى وهم من الرابحين أينما ذهبوا.
لكن هذه الممارسة لا تعود بالخير على أصحاب الأفكار الواعدة من رواد الأعمال الذي يفضلون أن تكون نسبة نجاحهم أكبر من 20 مقابل حالتي نجاح. ويعتقد سبولسكي أن العمل مع شركات التمويل الاستثمارية يفرض مستوى من المخاطرة لا يتوجب على أي شخص تقبله ببساطة وخاصة لأنه مستعد للاستثمار بحياته ومدخراته في مشروع واحد. ويقول سبولسكي :”يفضل رواد الأعمال الحصول على حصة تصل إلى 100% في شركة بقيمة 80 مليون دولار بدلا من نسبة 10% لفرصة امتلاك شركة بقيمة 800 مليون دولار”.
ويرجح أن أبرامز كان من هؤلاء كونه بدا متفهماً لطبيعة وادي السليكون ولأن مشروع فريندستر لم يكن بعيد المنال عن النجاح. ويكاد المرء أن يصاب بالتعجب من النهاية الكارثية التي أحاقت بموقع فريندستر نظراً لأن حياة أبرامز مليئة بالخبرة والعمل في قطاع التقنية.